التنظير للأدب الإسلامي، ملاحظات ما قبل التنظير

الإخوة الأفاضل دعاة الأدب الإسلامي ، هذه منطلقات عامة أطرحها أمام القراء ، هدفها إيضاح الظروف التي تحيط بالتـنظير الإسلامي لقضايا النقد الأدبي ، أطرحها في النقاط التالية لعل فيها ما يفيد :

 1ـ يعلم الجميع أن العقل المسلم انقطع عن الاتصال بمرجعيته (القرآن الكريم والسنة الشريفة ) بسبب انتشار الأمية والجهل، وانحصار التعليم بشكل تراكمي خلال عهود الدول المتتابعة ، حتى وصلت هذه الأمية بين أهل اللغة العربية إلى 99% في

العهد العثماني .

 2 ـ وقد دخل العقل المسلم في هذه القرون ، ثقافات مختلفة ، منها ثقافة التلوث في العصر العباسي ( الفلسفة اليونارومانية وثقافاتها النقدية ) و ( الثقافة الهندوفارسية المتمثلة في التصوف الشرقي ، والفرق الباطنية والشعوبية ) ثم جاء ( الاستعمار الأوروبي الحديث فأضاف اختراقا جديدا تمثل في أمور كثيرة منها سيطرة الثقافة النقدية الأوروبية على العقل المسلم بمذاهبها المختـلفة ) ، وبذلك فقد العقل المسلم تميزه ، لتعدد المشارب والمرجعيات التي سيطرت عليه .

 3 ـ وفي القرن العشرين تمكن العقل المسلم من إنجاز خطوتين هامتين على طريق النهوض بنفسه في المنطقة العربية ، تمثلت الخطوة الأولى : في إحياء اللغة العربية والتراث العربي والإسلامي ، حيث تمت عملية تحقيق المخطوطات التي تحمل هذا التراث ، ثم اتسعت قاعدة التعليم العام والجامعي وبذلك تمكن العربي من استعادة لغته للحياة وبدأ يتفاعل مع أساليبها وثقافتها وشعرها ونثرها وتراثها الفكري بشكل ممتاز ، ما يسر له الانتقال إلىالخطوة الثانية : الصحوة الإسلامية ، والتي نعني بها عودة العقل المسلم إلى الاتصال بمرجعيته ( القرآن الكريم والسنة الشريفة وعلوم الأمة) بعد أن أحيا لغة هذه المرجعية الكريمة في حياته ، وبذلك سهل عليه التعامل مع هذه المرجعية ثم بدأ بالتفاعل معها .

 4 ـ وعندما اتصل العقل المسلم بمرجعيته في النصف الثاني من القرن العشرين في الصحوة الإسلامية ، كان يتصل بهذا الإسلام بعد انقطاع طويل ويحمل في نفسه ثقافات التلوث والجهل والاختراق ، وفي هذه البدايات الصعبة لم يكن لدى رواد الثقافة الإسلامية ثقافة إسلامية بالمعنى الواضح ، بل كان المطلوب منهم هو إحياء هذه الثقافة الإسلامية واستخراجها من مرحلة الصفر ، والنهوض بها من وسط هذا الركام المتباين .

 وكان عقل الرواد يعاني من ضغوط كثيرة منها : اختلاط المشارب ، وغياب المناهج ، ولذلك فهم يتحسسون النهضة لأمتهم وسط هذا الظلام الدامس الذي يحجب عنهم الرؤية الواضحة ، وحيث تختلط في عقل هذا الرائد ومحيطه ثقافة الإسلام والتلوث والاختراق وأمراض الأمة من عهود التخلف فيجعله في حالة من الإرباك وعدمك الوضوح .

 5 ـ وفي هذه الظروف العصيبة ولدت الدعوة للنقد وللأدب الإسلامي بجميع أجيالها : جيل التمهيد ، وجيل الرواد ، وجيل دعاة الريادة ، وجيل دعاة التأصيل والإبداع وهي أجيال لها فضلها وعذرها وضعفها .

 6 ـ ومصطلح الصحوة الإسلامية يحمل معنى الوعي الذي يخالطه الخمول وأمراض عصور التخلف ، ومع ذلك وقع في وهم بعض أبناء الأمة أن الصحوة هي السقف المطلوب ، الذي ينهض بالأمة ، لأنهم لم يفرقوا بين الصحوة والنهضة، ولذلك لم يصدقوا أن الرواد يحملون في فكرهم النقدي الظروف التي صاغت هذا الفكر وأثرت فيه ، فوقعوا في وهم الاكتمال لجهود الرواد .

 7 ـ وحين يبدأ أبناء الأمة يكابدون من أجل العلم ويتخلصون من الخضوع لحالتي : ( التقليد والتبعية ) وترتفـع النخب الثقافيـة في همتها عن مستوى العوام ، الذين يرضون بما تيسر من أمـور الديـن ، عنـدها يولـد جيل صناعة التميز الذي يتعب ويكابد ويصنع ثقافة الأمة ، ونظرياتها النقدية من داخل ( مرجعيتها ) .

وسيكون هذا الأمر مستوعبا وممكنا ، عندما يعلم أبناء الأمة الحقائق التالية : 

 1. أن القرآن الكريم والسنة الشريفة ليسا مصدرا لمعرفة الحلال والحرام فقط ، بل هما أيضا المصدر الأول للمسلم في استخراج نظريات العلوم الاجتماعية والإنسانية والنظريات الأدبية في النقد وفي الفن ، فالحقائق تقول إن عدد آيات الأحكام عند العلماء محددة بين ( 300 ـ 500 ) آية ، وعدد الأحاديث الشريفة التي تتناول الأحكام محددة بين ( 1000 ـ 1200 ) حديثا .

 2. ومعنى هذه الأرقام ودلالتها تشير إلى أن ما يقارب من ( 6000 آية ) وحوالي ( 8000حديث ) في شؤون النفس والاجتماع والسياسة والتربية والمعرفة والثقافة ونظريات الأدب ونقده معطلة ، عطلها ما ران على عقل المسلم في عهود الظلام والتلوث والاختراق من أمراض وأحوال ، وأن الله سبحانه وتعالى أنزلها في كتابه لهداية هذا العقل في تفسير الحياة وفهمها ، وما عطلت إلا عندما حجب هذا العقل عن مرجعيه , ثم تأتي الخبرات المستفادة من الثقافة العربية والعالمية تاليةً لهذه المرجعية خاضعة لمعطياتها .

 8 ـ لقد تربى أبناء الأمة ، ومنهم دعاة الأدب الإسلامــي على مناهج نقدية سائدة في الساحة الأدبية والجامعـات، وهي مناهج مخترقة متعددة المشارب مختلطة المرجعيات . ولهذا نقول إن رفع اللافتات الإسلامية والاحتماء تحتها لا ينفع ، إذا لم يبادر أبناء الأمة إلى الالتحام بمرجعيتهم التحاما مهتديا بها ، لإعادة الهوية والتميز ونفي الخبث عنها .

 فتعالوا إلى كلمة سواء تجمع بيننا ، أن نتـفق على أن ننهل من مرجعية الأمة ، التي وحدت الصحابة والتابعين وأجيال الأمة من قبل ، وبذلك ننتصر للمنهج ولا نبرر فكر الأفراد إذا خالفوه ، لأن الإسلام أكبر من الجميع، ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد .

 وانطلاقا من الإيمان بحرية التعبير والانفتاح على آفاق الحوار واتساع صفحات هذا الموقع للنقد البناء و إذ تنشر هذه الرسائل الثلاث تؤكد على إيمانها بحرية التعبير وانفتاحها على آفاق الحوار واتساع صفحاتها للنقد البناء الإيجابي الذي تحتاجه أمتنا في مسيرتها البنائيـة النهضويـة في كل الإتجاهات ولا سيما في ميدان الأدب الإسلامي .

وسوم: العدد 756