ثلاث نظريات في نشوء اللغة

كيف نشأت اللغة؟ سؤال حيّر القدماء وما يزال.

يلاحظ وجود ثلاث نظريات في الموضوع وهي:

نظرية التوقيف:

يرى أصحاب هذه النظرية أن اللغة هبة من الله تعالى، أوقفها على الأنسان إلهامًا، ولا شأن للأنسان بوضعها.

وقد تبنى هذه النظرية ابن دريد في كتابه الاشتقاق، وابن فارس في كتاب الصاحبي في فقه اللغة وغيرهم الذين ذهبوا إلى أن اللغة توقيفية منطلقين من الآية الكريمة (وعلّم آدمَ الأسماءَ كلّها) سورة البقرة الآية31.

أما معارضو هذه النظرية فقالوا:

1.في اللغة تضاد مثل الجون الذي يعني الأسود والأبيض، ولا يصح القضاء بأن كلام الله فيه تضاد.

2.اللغة تبدو عاجزة عن الدفاع عن نفسها. وثمة لغات قد انقرضت.

3.لو كانت اللغة توقيفية لكان آدم قد عرف كلمات مثل الحاسوب والطائرة.

نظرية المحاكاة:

يرى أصحاب هذه النظرية أن اللغة نشأت عن محاكاة الإنسان لأصوات الطبيعة المحيطة به، وأقدم الأقوال التي وصلتنا حول هذه النظرية كانت للخليل بن أحمد الفراهيدي وتلميذه سيبويه،

يقول ابن جني في كتابه الخصائص: "قال الخليل كأنهم توهموا في صوت الجندب استطالة ومدًّا فقالوا: صر، وتوهموا في صوت البازي تقطيعًا فقالوا: صرصر". ولو كان الأمر كذلك لكانت الببغاء تتكلم بطلاقة مثل الإنسان.

نظرية الاصطلاح:

يرى أصحاب هذه النظرية أن اللغة اصطلاح وتواضع يتم بين أفراد المجتمع، ومن ثم ليس لألفاظ اللغة أية علاقة بمسمياتها. وقد تبنى هذه النظرية كثير من أهل المعتزلة، يقول ابن جني في الخصائص: "أكثر أهل النظر على أصل اللغة إنما هو تواضع واصطلاح لا وحي وتوقيف".

في عهد المأمون في القرن الثالث للهجرة ثارت محنة خلق القرآن التي هزت الإسلام، وتلخص الجدل حول قضية "هل كلام الله مخلوق أم غير مخلوق"، حيث قالت المعتزلة والمأمون إن القران كلام مخلوق وكان يمكن أن يتبدل لو تبدلت الظروف، بينما قال أهل السنة والجماعة أن القرآن غير مخلوق وهو في اللوح المحفوظ، وكلام الله غير مستحدث، وإنما أزلي.

هذا الجدل يبدو لأول وهلة بأنه عقيم وعديم الفائدة، ولكن الجدل في ذلك الزمان دار حول ماهية السيد المسيح وهو كلمة ، هل هو مخلوق أم غير مخلوق؟ سؤال حيّر العلماء في تلك الفترة. لا شك أن المأمون حاول أن يدافع عن القرآن بقوله أنه مخلوق، ولذا فإن عيسى عليه السلام مخلوق لأنه كلمة من الله.

محنة خلق القرآن كانت امتحانًا للعلماء، هل الخليفة يحكم بما يراه مناسبًا، أم يحكم وفق شريعة إلهيه أزلية. 

وسوم: العدد 807