القرآن عقدة محمد أركون

د. أحمد محمد كنعان

 

محمد أركون ( 1928 – 2010) : مفكر جزائري، درس القيم المسيحية والأدب اللاتيني في معهد أشرف عليه رجال الكنيسة خلال الفترة (1941 – 1945) في مدينة وهران، غرب الجزائر، وحصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون عام 1969، وعمل مستشاراً لمكتبة الكونغرس الأمريكي في واشنطن ما بين عامي 2000 و2003 ، ترك جملة من الكتب منها : "الفكر العربي" ، "الإسلام بين الأمس والغد" ، "تاريخية الفكر العربي الإسلامي" ، "الفكر الإسلامي قراءة علمية” ، "الإسلام، الأخلاق والسياسة" ، "الفكر الإسلامي نقد واجتهاد" ، "الفكر الأصولي واستحالة التأصيل"، "نزعة الأنسنة في الفكر العربي".

فكره :

كرس أركون الشطر الأكبر من فكره لنقد العقل الإسلامي، والتراث الإسلامي؛ مستخدماً في نقده مناهج المستشرقين الأوروبيين الذين استهدفت أعمالهم إثارة الشبهات حول التراث الإسلامي، فلا عجب أن نجد أركون يتهمهذا التراث بالجمود والتخلف، بل يبالغ في نقده للإسلام فيرى أنه ليس فيه أي قانون ولا حرمة !

وقد ساعد في انتشار فكر أركون تطور وسائل الإعلام كما ساعدت الكثيرين من الآبقين من أمثاله إلى درجة تدفع إلى السأم، بل عدم الثقة بأي شيء يشتهر من إنتاجهم، وقد حاصرنا الإعلام في هذا العصر، ودفع فـي وجوهنا مجموعة من هؤلاء الذين لا قيمة علمية لهم، أو لأن لهم دور يريد عدونا أن يؤدوه نيابة عنه، ففي هذا السياق نجد كتب أركون قد ملأت مكتباتنا، على الغم مما فيها من غموض وتناقض وتعقيد (؟!)

وقد سألت الكثيرين من المهتمين بالفكر العربي المعاصر عن مؤلفاته، فشكى الجميع صعوبة فهمها وما فيها من تعقيد يجعلها أقرب إلى الطلاسم ! حتى إن "هاشم صالح" تلميذ أركون ومترجم كتبه شكى في أكثر من مناسبة صعوبة ترجمة كتب أركون، لشدة غموضها مما يجعل ترجمتها مغامرة غير مضمونة العواقب ! ذلك أن أركون كاتب متناقض، حيران، لا يؤمن بشيء، كما يصرح تلميذه هاشم صالح !

وأركون يعظم الفكر الغربي العلماني ويجد عنده الحقيقة، حتى إنه لا يرى للعلوم الإسلامية والتراث الإسلامي أية مكانة إلا ما له تقدير في عين المدارس النقـدية الغربية؛ فما أقرته هذه المدارس فهو في نظر أركون محل احترام وتقدير، وما لا تقره لا يقره أركون ولا يعطيه أي اهتمام ولا قيمة !

وهكذا نجد أركون ينظر نظرة دونية تصل حد الاحتقار إلى الكُتاب المسلمين لأنهم ليست لهم صلة بالمدارس الغربية، وليس لهم – في زعمه - إلمام بعلوم اللسانيات والاجتماع والنفس والنظريات التي ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين، ولهذا نراه يطالبهم بدراسة هذه المستجدات، على غرار ما يفعل هو باستخادم نظريات الفلاسفة الأوروبيين، من أمثال الفرنسي "ميشيل فوكو" وأضرابه من الملحدين الذين لا يرفضون الإسلام وحده، بل يرفضون كل دين، وكل إله .. اللهم إلا عقولهم التي نصبوها أرباباً من دون الله !

ويرى أركون تاريخية المعرفة وأنها قابلة للتغيير والتطوير، وهو يعتبر المعرفة الإسلامية نموذجاً أسطورياً يجب أن يخضع للدراسة والتغيير ! ويضيف أن هناك مناطق عديدة في الفكر الإسلامي لا تمس ولا يفكر فيها مثل مسألة الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقضية جمع القرآن الكريم، والـتـسـلـيـم بـصحـة أحاديـث الـبـخاري، والموافقة على الأصول التي بناها الـشـافـعـي، ويزعم أركون أنه بإثارته لهذه القضايا يـؤسس لاجتهاد جديد وعقلانية حداثية، وهو يتجاهل عن سوء قصد أن هذه القضايا ليست جديدة في السياق الإسلامي، فقد سبق أن تناول المؤرخون المسلمون هذه القضايا التاريخية بالوثائق التاريخية المفصلة، كما أن الفقهاء وعلماء الأصول قد أضافوا وطوروا الأصول التي صنفها الشافعي حتى صار "علم أصول الفقه" علماً فريداً ليس في السياق  الإسلامي فحسب، بل كذلك في مختلف العلوم النظرية التي وضعها الأوروبيون فيما بعد، فقد ذهب غير باحث إلى أن الأمم التي أحرزت تقدماً واسعاً في الحضارة والمدنية في العصور الحديثة قد استلهمت قوانينها وأحكامها من قواعد هذا العلم الجليل، كما ورد عن رفاعة الطهطاوي ( 1801 ـ 1873 ) الذي بعد زيارته المشهورة إلى باريس كتب يقول : ( ومَنْ زاولَ علم أصول الفقه ، وفَقِهَ ما اشتمل عليه من الضوابط والقواعد ، جزم بأنَّ جميع الاستنباطات العقلية التي وصلت عقول أهالي باقي الأمم المتمدِّنة إليها، وجعلوها أساساً لوضع قوانين تمدنهم وأحكامهم، قلَّ أن تخرج عن تلك الأصول التي بنيت عليها الفروع الفقهية التي عليها مدار المعاملات، فما يسمى عندنا بعلم أصول الفقه يسمى ما يشبهه عندهم بالحقوق الطبيعية أو النواميس الفطرية، وهي عبارة عن قواعد عقلية، تحسيناً وتقبيحاً، يؤسسون عليها أحكامهم المدنية .. وما نسميه بفروع الفقه يسمى عندهم بالحقوق والأحكام المدنية ، وما نسميه بالعدل والإحسان يعبرون عنه بالحرية والتسوية )

[1] - الطهطاوي : المرشد الأمين للنبات والبنين ، تحقيق محمد عمارة ، المؤسسة العربية للدراسات ، بيروت 1973 .

وسوم: العدد 807