صعوبات البحث والتّحقيق في الدّراسات العليا، رؤية ميدانية وتجربة عملية

أ. د. أحمد حسن فرحات

لقد طلبت إليّ أكاديميّة الدراسات الإسلامية بجامعة الملايا في ماليزيا – قسم الدراسات العليا " أن أشارك في الندوة العالمية للدراسات العليا المزمع عقدها بتاريخ 10- 11 رجب 1428 هـ الموافق لـ 25 – 26 /7/ 2007/ وموضوعها :

" الصعوبات والتحديات التي تواجه البحوث العلمية في التعامل مع مخطوطات الدراسات القرآنية والتفسير، وكيفية تذليلها، وإيجاد الحلول المناسبة لها"

ولا شك بأن مثل هذا الموضوع ألفت فيه كتب ودراسات متعددة، ويكاد الكتاب والمؤلفون يخرجون ببعض الملاحظات والتوصيات التي تكون في معظمها نظرية مكررة، ويمكن الاستفادة منها بالرجوع إلى تلك الكتب والمؤلفات التي يحرص طلبة الدراسات العليا على الاستفادة منها والرجوع إليها...

ومن ثمّ فلم أشأ أن أكرر ما قاله الآخرون في مثل هذا الموضوع. ورأيت من الأنسب أن أكتب عن تجربتي الذاتية من خلال الممارسة الميدانية، والتي لا أشك بأن سيكون فيها ما لا يوجد في الدراسات النظرية البحتة، وأن البحث في هذا الاتجاه سيكون مشوقاً للقارئ ودافعاً له للتأسي والاقتداء ....

اختيار البحث:

أول صعوبة يواجهها باحث الدّراسات العليا هو اختيار موضوع البحث، ذلك أن هذا الاختيار تكتنفه صعوبات كثيرة، فلابد أن يكون بحثا جديداً، لم يسبق بحثه، ولابد أن يكون يسهم في حل مشكلة أو معضلة، ولابد أن يدفع بالعلم والمعرفة خطوة إلى الأمام، ومن هنا تبدأ رحلة العذاب عند طالب الدراسات العليا. إذا كانت ذخيرته العلمية قليلة، ومطالعاته غير غنية بل فقيرة. ويبدأ بالتوجه إلى أساتذته يسألهم ويطلب منهم المساعدة. عله يجد عندهم حلاً لمشكلته بأن يختاروا له بحثا مناسباً.

واختيارموضوع البحث من قبل الأستاذ لا يحل المشكلة دائماً، ذلك أن موضوع البحث الذي يختاره الأستاذ له حيثياته وجذوره في ذهنه – وهو ما يفتقده الطالب – فإذا لم يستطع الأستاذ أن ينقل هذه الحيثيات إلى الطالب، وإذا لم يستطع الطالب أن يستوعب ذلك فإن البحث سيتعثر، ولن يصل إلى الهدف المطلوب.

ولقد مررت بتجربة اختيار موضوع بحثي للدكتوراه، ولم أشأ أن أعتمد على ما يختاره الأساتذة لي، وإنما قررت أن أنزل إلى الميدان، وأن أبحث بنفسي عن الموضوع.

ولما كان تخصصي في ميدان التفسير وعلوم القرآن، فقد فرغت إلى فهارس الكتب والمؤلفين باحثاً عن مفسر يكون موضوعاً لبحثي. وأثناء قراءتي لتراجم المفسرين في كتب طبقات المفسرين لفت انتباهي اسم مكي بن أبي طالب القيسي" والذي جعلني أقف عنده أن المترجمين له قالوا عنه:

- قال أبو عمر أحمد بن مهدي المقري عن مكي:

- كان من أهل التبحر في علوم القرآن والعربية.

- حسن الفهم والخلق.

- جيد الدين والعقل.

- كثير التأليف في علوم القرآن والعربية، محسناً لذلك.

- مجوداً للقراءات السبع عالماً بمعانيها.

- وقال القاضي عياض:

 " وكان مع رسوحه في علم القرآن، وتفننه فيه: قراءات وتفاسير، ومعاني، نحوياً لغويا فقيهاً ".

وبدأت أبحث في المطبوع عن كتبه ومؤلفاته التي قاربت المائة، فلم أجد منها إلا رسالة صغيرة بعنوان:

" الإبانة عن معاني القراءات "-بتحقيق الدكتور عبد الفتاح إسماعيل شلبي-.

ومن ثم بدأت البحث عن كتبه المخطوطة – وبالدرجة الأولى عن تفسيره المسمى:

" الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن وتفسيره وأحكامه وجمل من فنون علومه "

وكان أن وجدت إشارة إلى نسختين من هذا التفسير في أحد أعداد مجلة معهد المخطوطات التابع للجامعة العربية بالقاهرة. وأن هاتين النسختين موجودتان في الرباط بالمغرب الأقصى.

وقد ذكرت ذلك لزميلنا وأخينا الأستاذ أحمد الأحمد – حيث كنا مدرسين في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة – فقال الأمر سهل. قلت كيف؟ قال إن الأستاذ الشاعر عمر بهاء الدين الأميري مقيم في الرباط، وأنا أكتب إليه رسالة أستفسر عن الكتاب. وفعلاً كتب للأستاذ الأميري. والأستاذ الأميري طلب من رئيس قسم المخطوطات في الخزانة العامة بالرباط الأستاذ إبراهيم الكتاني-رحمه الله -أن يفيدنا بما عنده عن الكتاب. وهكذا كان فقد كتب إلينا الأستاذ إبراهيم وصفاً للنسختين، ولم يكن الوصف للنسختين مما يشجع – وذلك لكثرة التصحيف فيهما – ومع ذلك فقد قررت السفر إلى المغرب لأقف بنفسي على جلية الأمر.

وهناك وجدت ست نسخ من المجلد الأول. وثلاث نسخ من المجلد الثاني ونسخة من المجلد الثالث وخمس نسخ من المجلد الرابع.

وهذه النسخ ليست كلها في الخزانة العامة في الرباط بل هي موزعة على عدة من الخزائن منها الخزانة الملكية وخزانة القرويين في فاس، وخزانة وادي درعة في جنوب المغرب من أقاليم الصخراء كما أن هناك نسخة من المجلد الأول في المكتبة العامة بمدريد.

أما بقية كتب مكي الأخرى فقد وجدت عدداً من نسخها تحدثت عنها في رسالتي " مكي وتفسير القرآن " وبعد أن مكثت عشرين يوماً في المغرب صورت خلالها معظم ما وجدته من تراث مكي كان لابد من الذهاب إلى أوروبا حيث مكثت أربعة أيام في إسبانيا زرت خلالها المكتبة العامة في مدريد وصورت منها الجزء الذي أشرت إليه كما زرت مكتبة دير الأسكوريال في ضواحي مدريد واطلعت على ما فيها من مخطوطات، ثم عرجت على باريس لمدة أربعة أيام أيضاً، ومن هنا ذهبت إلى برلين ثم ميونخ مطلعاً على مكتباتهما ثم إلى استامبول ومكتباتها ثم إلى القاهرة ودار الكتب والمكتبة الأزهرية، ثم عوداً إلى عمان فالمدينة المنورة. ومكتبة عارف حكمت والمكتبة المحمودية وغيرها من المكتبات في المدينة المنورة ومكة المكرمة والرياض.

إنّ مثل هذه الرحلة أفادتني كثيراً، حيث تعرفت على تراثنا العريق الذي توزعته مكتبات العالم، كما أفادتني فيما أحتاج إليه في بحثي بالدرجة الأولى.

ولما كانت معظم النسخ الخطية على الميكروفيلم، كان لابد من طبعها على الورق للاستفادة منها؛ وهكذا صح العزم على شراء آلة لطبع هذه المصورات. وقد كنت أقوم بنفسي بعملية الطباعة وقد وفرت كثيراً من خلال هذا العمل كما اكتسبت خبرة في هذا المجال وكنت إذا حصلت على نسخة غير واضحة الطباعة فإنني أقوم بعكسها من الأبيض إلى الأسود أو العكس. فتأتي الصورة أوضح، وإذا لم تتضح مع ذلك فقد كنت أضع المكروفيلم أمام مصباح كهربائي واقرأ مباشرة من المكروفيلم وكثيراً ما كانت مثل هذه العملية تحل المشكلة – ولا غرابة في ذلك فالحاجة أم الاختراع – وبعد أن صوّرت عدداً من كتب مكي التي حصلت عليها، بدأت القراءة والاطلاع على ما فيها ولما تبينت لي مكانتها العلمية الكبيرة كان لابد من تسجيل الموضوع في جامعة الأزهر.

معركة تسجيل الموضوع:

بعد أن أنهينا مرحلة الماجستير، كان لابد لنا من اختيار موضوع رسالة الدكتوراه وقد طلب إلينا أن نسافر وأن نرسل موضوعاتنا المختارة والخطط البحثية عن طريق المراسلة. وبعد أن اقتنعت بالموضوع الذي سافرت من أجله وجمعت ما نحتاجه من مخطوطات قمت بوضع خطة للبحث بعنوان " منهج مكي في تفسير القرآن " وأرسلته في البريد كما طلب إلينا ثم جاءني الرد بعد فترة من الزمن بعدم الموافقة على الموضوع، وأن على الطالب أن يختار موضوعا أكثر جدية " وكانت صدمة كبيرة غير منتظرة.

ومع ذلك من باب المسايرة قمت ببعض التعديلات في خطة البحث، وجعلت

العنوان:

" مكي بن أبي طالب وتفسير القرآن "

ولم يفد ذلك شيئاً. فكان لابد من السفر إلى القاهرة. وذهبت إلى وكيل كلية أصول الدِين وقلت له: لقد تقدمت بخطة بحث عن "مكي بين أبي طالب وتفسير القرآن".   فقال: اختر موضوعاً آخر. فقلت أريد أن أعرف السبب الذي من أجله كان الرفض – حتى لايتكرر الأمر مرة ثانية – قال: الآن نحن عندنا امتحانات، وتأتينا في وقت آخر.

ثم قال: أنت أخذت رجلا مجهولا. كيف ستصنع منه رسالة؟ ولم يكتب عنه في كتب التراجم أكثر من صفحة ونصف؟ فقلت هذا شأني وعملي. قال: تأتيني في وقت آخر.

وخرجت من عنده وأنا لا أدري ماذا أصنع. ثم خطر لي أن أقوم بزيارة الأستاذ السيد أحمد صقر-المحقق المشهور-وفي بيته عرضت عليه خطة البحث، وسألته عن رأيه فيها؟ فاستحسنه. قلت ولكن الأزهر لم يوافق عليها. فقال: إذا أحببت أنا أعرضها على الدكتور عبد العزيز كامل-وزير الأوقاف وشؤون الأزهر حينذاك-فقلت له: أنا لا أريد أن أفتح معركة مع الأزهر من أجل الموضوع.

هل هناك حل آخر؟ قال: إذا استطعت أن تصل إلى الشيخ أحمد الكومي–رئيس القسم –وتقنعه بالموضوع. فإن الموضوع سيوافق عليه. قلت له: وكيف السبيل إلى ذلك؟

قال بعد قليل يأتي لزيارتي " الأحمدي أبو النور "-وهو مسجل رسالة عند الشيخ الكومي-فيمكن أن تذهب معه، ويعرفك على الشيخ، وتعرض عليه الموضوع.

وكان ذلك. وعرضت الموضوع على الشيخ الكومي. فقال مثل ما قالوا لي: لماذا لا تختار موضوعاً آخر؟

فقلت: يا فضيلة الشيخ، أنا مقتنع بالموضوع وقد سافرت من أجله، وصورت كثيراً من مخطوطات المؤلف. وإننّي أحمل معي نماذج منها. وإذا أحببت أقرأ عليك بعض ما فيها. وقد قرأت عليه بعض ما فيها، فسكت الشيخ.

 ثم تابعت الحديث قائلاً: يا فضيلة الشيخ، أنا مقتنع بالموضوع، وسأمضي في البحث، ولن أتوقف، وسأعمل على تحقيق هذه الكتب التي أسمعتك شيئاً منها، وسأنشرها بعد ذلك على الملأ. سواء وافق الأزهر على التسجيل أم لم يوافق. وسأقول للعالم: إن الأزهر الشريف يقول عن هذا العالم – الذي له نحو من مائة مؤلّف في التفسير وعلوم القرآن والعربية لا يصلح أن يكون موضوع دراسة.

 قال الشيخ: كده !! قلت: كده ...

فتبسم الشيخ، وقال: قدم الموضوع من جديد. وأنا أتبناه. وأشرف عليه، وهكذا كان ...

وبعد الانتهاء من الموضوع حان وقت المناقشة، وكان أحد المناقشين الأستاذ الدكتور حسين الذهبي صاحب كتاب " التفسير والمفسرون " وقد بدأ مناقشته كما يلي:

قال: لقد أرسل إلي الشيخ الكومي هذه الرسالة لقراءتها ومناقشتها وقلت له: أنت تعلم أني قد قررت ألا أناقش رسالة لغير مصري – ذلك أن أحد طلابه من غير المصريين والذي كان يشرف عليه سرق له كتاباً وطبعه باسمه مغيراً اسم الكتاب فقرر الشيخ بناء على ذلك ألاّ يناقش طالباً غير مصري-.

ولكن الشيخ الذهبي قال: إنّ الشيخ الكومي قال لي: أنا أرسلت لك هذه الرسالة: اقرأها أولاً: فإن أعجبتك ناقشها. وإلاّ فلا.

يقول الشيخ الذهبي: فلمّا قرأت هذه الرسالة قرأتها حرفاً حرفاً وكلمةً كلمةً لأنني وجدتها رسالة نموذجية عرفتنا بما لم نكن نعرف – يقول -: أنا كتبت عن (التفسير والمفسرون) ولم أكن أعرف هذا المفسر-وهكذا ينبغي أن تكون الرسائل الجامعية. ثم قلت للشيخ الكومي – رحمه الله –: يا فضيلة الشيخ لو وافقتكم على عدم الكتابة في هذا الموضوع. كم تكون الخسارة؟

قال: بلا شك خسارة كبيرة.

نخلص من ذلك إلى أن الطالب المقتنع بموضوعه باستطاعته أن يقنع الآخرين .. كثيراً ما نرى الطلبة يتعثرون بعد اختيار الموضوعات نتيجة عدم الموافقة عليها من الجهات الرسمية. ولعل فيما ذكرت درساً مفيداً لهؤلاء الطلبة....

ثم إن اختيار هذا الموضوع لم يفدني فقط في تحصيل الدرجة العلميّة. بل أفادني كثيراً حيث دخلت باب التفسير وعلوم القرآن من أوسع أبوابه باختياري لهذا العلم الذي شارك في عدد من العلوم وغلب عليه التخصص في التفسير وعلوم القرآن والعربية، فقد رافقته في معظم مؤلفاته، وخضت معه في بحار العلم التي خاضها، وعشت معه تفسيره، ومشكل إعرابه، وقراءاته وناسخه ومنسوخه وغير ذلك من مؤلفاته الكثيرة، مما أكسبني التمكن في هذه العلوم المتنوعة نتيجة هذه الصحبة الطويلة.

إن التوفيق في اختيار الموضوع ثروة كبرى للباحث، ومن ثم على الطلبة أن يتخذوا لعقولهم ما يشحذها وينميها، ويزيدها رفعة وقوة.  

أهمية موضوع البحث:

كثيراً ما نرى طلبة الدراسات العليا لا يحسنون اختيار موضوعات بحوثهم، فإن الذي يهمهم ويشغل بالهم هو الحصول على الدرجة العلميّة، ومن ثم فالبحث في نظرهم ليس حسناً لذاته، وإنما هو من الحسن لغيره – حسب اصطلاح المحدثين – وحينما يكون الهدف هذا نرى الطالب يلجأ إلى البحوث السهلة التي سبق أن عولجت من قِبل الآخرين، وذلك بهدف الاتكاء عليهم، والاستفادة من جهودهم، فبذلك يوفر على نفسه عناء البحث والمثابرة.

إنّ مثل هذا السلوك – مع الأسف – شائع عند كثير من الطلبة. بل إن بعض أولي الأمر ومن القائمين على المؤسسات العلميّة والجامعات ربما أوصى طلبة جامعته المبعوثين للدراسات العليا قائلاً: عليكم أن تسرعوا بالحصول على الشهادة بأي طريقة، أما العلم فيأتي بعد ذلك ..."

ليس هذا الكلام من قبيل الافتراض والخيال، بل هو حقيقة واقعة، ولولا خوف الوقوع في التحرج الشخصي: لذكرت الأسماء، والوقائع. ولكن ليس هذا هو المُهِم – إنّما المُهِم هو الاستفادة والعِبرة.

على طالب الدراسات العليا أن يبحث عن القضايا الملحة، التي تحتاج إلى بحث حقيقي وألاّ يتهيب الإقدام عليها – مهما كانت صعبة – ولكن عليه في نفس الوقت أن يحسب حساب الوقت، فلابد أن يكون اختيار البحث مما يمكن أن يتم خلال المدة الزمنية المتاحة للطالب. أما الموضوعات الطويلة الأمد. فلا يحسن أن تكون موضوعات لطلبة الدراسات العليا، وإنني لأعرف نماذج ممن اختاروا موضوعات طويلة، كيف تعثروا في دراساتهم، وتأخروا عن التخرج سنين وسنين ..

إن اختيار الموضوع الذي يحتاج إلى بحث حقيقي هو الذي يفيد طالب الدراسات العليا. وهو فرصتة التاريخية ليكون نفسه من خلال بحثه ودراسته فعن طريقه يتعلم التعامل مع المصادر والمراجع، وعن طريقه يعيش فترة معاناة حقيقية تكسبه خبرة، وتفجر ينابيع القوّة في نفسه – نتيجة التفكير المستمر والعمل الدائب – وإن نجاحه في هذه التجربة سينعكس على مستقبله العلمي، بحيث يكون قادراً على معالجة أي موضوع آخر، كما سينعكس على طلبته الذين سيتولى الإشراف عليهم فيما بعد...                                                                                                        البحث بين الدراسة والتحقيق :

كثيراً ما يقف طالب الدراسات العليا حائراً، هل يختار لبحثه مخطوطا يقوم بتحقيقه أو يقدم دراسة لموضوع يحل به مشكلة، أو يكتشف جديداً يضيفه إلى المعرفة ..... علماً بأن صعوبة الحصول على موضوع بحث حقيقي قد تدفع الطالب غالباً إلى الاتجاه نحو المخطوط، ليوفر على نفسه عناء البحث والدراسة ..

وإنني من خلال التجربة الواقعية أرى أنه يمكن الجمع بين الأمرين وذلك بأن يختار الطالب مخطوطا يقوم بتحقيقه ودراسته -في مرحلة الماجستر– ويختار بحثا موضوعيا لدراسته في-مرحلة الدكتوراه-.

إن اختياره المخطوط في مرحلة الماجستير يعتبر مقدمة مفيدة لبحثه، ودراسته في مرحلة الدكتوراه. ذلك أن اختيار المخطوط سيتيح له خبرة التعامل مع المخطوط وهي فرصة تاريخية لطالب الدراسات العليا، يحسن أن يمر بها، وأن يعانيها؛ لأن كثيراً من تراثنا العلمي، ومراجعنا الكبري ما زالت مخطوطة. ثم أن يعيش طالب الدراسات العليا مع مخطوط قيم، في مجال دراسته، سيتيح له عملياً مرافقة عالم كبير من علماء الأمة، في رحلته مع كتاب، فيتعرف على فكرة المؤلف، من كتابه، وكيف تنقل بها خطوةً خطوةً، إلى أن أصبحت حقيقة واقعة.

ومن خلال تحقيقه لهذا المخطوط سيتعرف على المصادر العلمية التي استقى منها المؤلف، وسيعود إليها لتوثيق نقول المؤلف، كما أنه سيربط أقوال المؤلف بالذين جاؤوا من بعده، واستفادوا منه. كما سيربط بين أقواله في كتابه، وبقية كتبه الأخرى. وهو في كل ذلك يخوض معركة حقيقية من خلال قراءته للمخطوط، وتمرسه بالخطوط القديمة، ومعالجة ما فيها من سقط، وما أصابها من نقص، وتلف. مستعينا بكتب كثيرة من المصادر العلمية، التي لم تكن تخطرله على بال.

فتارة يضطر إلى مراجعة كتب اللغة، وأخرى إلى كتب التراجم، وثالثة إلى كتب التفسير ... وهكذا. فالعمل مفتوح على كل المصادر العلمية، دون حدّ أو قيد ... وفي كل هذا يكتسب طالب الدراسات العليا مهارات كثيرة، ويختزن في نفسه ألوانا من المعرفة، لم يكن قادراً عليها، لولا هذه المعاناة.

إنني شخصيا لم أسجل رسالة الما جستير في تحقيق كتاب مخطوط، لأن نظام الدراسات العليا في الأزهر، لم يكن يعتمد على رسالة علمية. وإنما كان عبارة عن دبلوم يدرس الطالب خلاله مدة سنتين لمواد دراسية، يمتحن فيها. ولكن كان معها بحث صغير، لا يقوى أن يكون رسالة علمية ..

غير أنني في تلك الفترة كنت معارا للتدريس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وكنت أقضي وقتي من بعد صلاة العصر إلى صلاة العشاء في دوحة المخطوطات المحيطة بالحرم النبوي –حيث كانت مكتبة عارف حكمت في جنوب الحرم، وإلى جوارها مكتبة المدينة المنورة العامة، وفي داخل الحرم كانت المكتبة المحمودية في الدور الثاني من مبنى الحرم. وكانت مدة إقامتي في المدينة المنورة خمس سنوات من سنة / 1967 – 1972 م –.

 ولقد عشت هذه السنوات ضمن هذه الدوحة العامرة بالمخطوطات القيمة، أقلب في مخطوطاتها، وأفك رموزها، واستقي من معينها، وأعيش مع الأعلام الكبار الذين قضوا أعمارهم في كتابتها، وتسطير كلماتها.

إن رائحة المخطوطات التي تعبق في المكان، ورهبة الجلوس مع هذه المؤلفات، التي توحي بحضور مؤلفيها في المكان، من خلال كتبهم ومؤلفاتهم، تبعث في النفس الخشوع والإنصات إلى عظمة هذه الأمة، وعظمة هؤلاء الرجال الذين تركوا من خلفهم تلك الثروة العلمية، والتي أنفقوا فيها أعمارهم، واعتصروا فيها عقولهم وقلوبهم، لتكون إكسير حياة لمن بعدهم.

وفي مكتبة عارف حكمت تعرفت على نسختين خطيتين من كتاب " مشكل إعراب القرآن " لمكي بن أبي طالب القيسي" الذي الذي كنت أعد دراسة عنه وعن تفسيره – كما تعرفت على نسخة خطية من كتاب " الرعاية " لمكي، في مكتبة المدينة المنورة العامة –وقد شرعت في نسخها استعداداً لتحقيقها، ونشرها فيما بعد .

وفي ذلك الوقت أصدر الأستاذ إبراهيم الأبياري في مصر ما اسماه بــ " الموسوعة القرآنية" وقد تضمنت عدة مجلدات:

-       المجلد الأول: كان عبارة عن طبعة للمصحف الشريف ..

-       والمجلد الثاني: كان المعجم المفهرس لألفاظ القرآن – لعبد الباقي –

-       والمجلد الثالث: كان في إعراب القرآن.

-       وثلاث مجلدات أخرى: بحيث كان مجموعها ستة مجلدات.

والذي يهمني هو هذا الجزء الثالث المتعلق بالإعراب، فقد ذكر أنه اعتمد فيه على ما جاء في مشكل الإعراب لمكي، ولكن لم يقتصر عليه، وإنما استفاد من غيره من المصادر. وقد خطر لي أن أعقد مقارنة بين ما جاء في هذه الموسوعة من مشكل الإعراب/ وبين النسخ الخطية من مشكل الإعراب الموجودة في مكتبة عارف حكمت. وقد هالني ما رأيت من كثرة الأخطاء في مشكل الإعراب في الموسوعة القرآنية، حتى إن الأخطاء ربما وصلت في الصحفة الواحدة قرابة خمسين خطأ .. وقد تعجبت من ذلك! كيف يكون هذا في كتاب يتصل بكتاب الله ..

ثم جاءت إجازة الصيف فوليت وجهي شطر القاهرة المحروسة، وزرت دار الكتب المصرية وطلبت نسخة مشكل الإعراب التي اعتمد عليها الأستاذ الأبياري، وهي في مكتبة تيمور، ولكن أحد الجالسين إلى جواري قال لي: ما لك ولهذه النسخة من مشكل الإعراب. إنها قد طبعت في الموسوعة القرآنية، وأنا نسختها للأستاذ الأبباري وأرسلتها إلى المطبعة وطبعت ...

فعرفت السر وراء هذه الأخطاء الكثيرة إنها قراءة الناسخ للكتاب، وليست قراءة عالم يعرف ماذا يقرأ، وماذا يكتب. ولكن هذا لا يعفي القائمين على الموسوعة من المسؤولية. فلابد من المراجعة في مثل هذه المسائل العلمية وإهمال ذلك يؤدي إلى مثل هذه الأخطاء القاتلة.

البحث عن النسخ الخطية:

من الصعوبات التي تصادف طلبة الدراسات العليا البحث عن النسخ الخطية، على الرغم من وجود فهارس المكتبات وتوافرها، ووجود المؤلفات والكتب، التي تعنى بفهارس المخطوطات، وأماكن وجودها. وتبقى الصعوبة قائمة، وذلك لأن فهارس المكتبات، وفهارس الكتب، تصلح أن تكون دليلاً أوليا يبدأ منه. ولكنها لا تقول كلمة الفصل في الموضوع، وذلك نتيجة ما يعتورها من قصور، وما تحتويه من أخطاء يعرفها من سبق له أن تعامل معها.

فكثيراً ما تنسب المخطوطات إلى غير أصحابها، نتيجة لأخطاء المفهرسين وبخاصة حينما يكون هناك نوع من الاشتراك في أسماء المصنفين. ولدي قائمة طويلة عريضة، في مثل هذه الأخطاء، نتيجة اطلاعي على تلك الفهارس.

 وبخاصة أثناء رحلتي للبحث عن مخطوطات كتب مكي التي أشرت إليها فيما سبق، وأثناء المهمة العلمية التي كلفت بها عام 1979م من قبل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، لحصر المخطوطات المتصلة بالتفسير وعلوم القرآن في كل من تونس والجزائر والمغرب، حيث كنت أنظر في فهارس المكتبات ثم أطلب الكتب، وأنظر فيها متفحصاً، ثم واصفا لها من خلال الرؤية المباشرة.

وكانت نتيجة هذه المهمة: أن قدمت لجامعة الإمام فهرسا لهذه المخطوطات معتمداً على ما انتهيت إليه، من تعريف بها، كما هي على الطبيعة.

وفي بعض الأحيان، يرى طالب الدراسات العليا نتيجة مطالعاته في فهارس المكتبات: وجود نسخ خطية للكتاب، الذي يبحث عنه في بعض الدول، ويسعى للحصول عليه ولكن لا يتمكن من ذلك.

 وأذكر مرة كنت في المكتبة السليمانية في استامبول وأردت الحصول على نسخة خطية من كتاب " الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه" أثناء تحقيقي للكتاب.

 ولكن القائمين على المكتبة، اشترطوا لتمام ذلك: المبادلة بمخطوط عن الدولة العثمانية، موجود في دار الكتب المصرية. ولما طلبنا الكتاب من دار الكتب المصرية، قالوا بأن المخطوطات كلها: وضعت في صناديق خاصة، أودعت تحت الأرض، بسبب الحرب المنتظرة على مصر ...

ومع ذلك كله فربما كان الحصول على النسخ الخطية في بعض الأحيان من الدول الغربية أسهل من الحصول عليها من الدول العربية والإسلامية. ولي تجارب عملية في هذا الاتجاه.

توثيق نسبة الكتاب إلى المؤلف:

بعد أن يحصل طالب الدراسات العليا على المخطوط الذي يريد تحقيقة تصادفه مشكلة توثيق نسبة الكتاب إلى المؤلف، وهو يعتمد في هذا التوثيق على كتب التراجم، التي تذكر أسماء كتب المؤلف، كما يعتمد على فهارس الكتب التي تعنى بذكر أسماء الكتب والمصنفين بدءا من الفهرست لابن النديم ومروراً بكشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون وذيوله، وصولاً إلى تاريخ الأدب العربي لبروكلمان، وتاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين، إلى غير ذلك من المؤلفات كلأعلام للزركلي، ومعجم المؤلفين لكحالة ... إلى آخر ما هنالك ..

ومع ذلك كله، فإن هذه الكتب ينقل بعضها عن بعض، فلو حصل خطأ في كتاب ما سنجد هذا الخطأ يتكرر في الكتب التي نقلت عنه غالباً، وربما يتنبه بعض المؤلفين إلى هذا الخطأ فيصححه ويشير إليه.

وهناك كتب نجدها موضع تنازع المصنفين والمفهرسين، فقد ينسب الكتاب إلى أكثر من مؤلف[2] وفعلت.

وهكذا يتبين أن الاستنتاج كان في محله، لأنه مبني على أصول راسخة، من المعرفة بأسلوب المؤلف.

قراءة المخطوط:

من الصعوبات التي تعترض طالب الدراسات العليا حسن قراءته للمخطوطات؛ ذلك أن العمود الفقري للتحقيق يعتمد اعتماداً كليا على حسن قراءة المخطوط، وفي مثل هذا يكون التفاضل والتنافس بين المحققين، بل إن كبار المحققين قلّما يسلمون من الخطأ في قراءة المخطوطات ذلك أن إساءة قراءة المخطوط تقدم لنا كتابا مشوها بدلاً من الكتاب المحقق، وفي هذا عدوان على مؤلف الكتاب، وعلى الكتاب وعلى العملية العلمية برمتها.

وقد تحصل لدي كمّ هائل من الأمثلة والشواهد الكثيرة على أخطاء المحققين عموما، وعلى الرسائل الجامعية خصوصا، ويمكن لنا – إذا سمح الوقت – تخصيص محاضرة كاملة لعرض نماذج من الأخطاء في المخطوطات.

ولما كان العمود الفقري للتحقيق هو قراءة المخطوط نرى أحد المحققين الكبار وهو الأستاذ محمود شاكر يزهد في كلمة " تحقيق " – بعد أن أفرغت من مضمونها بكثرة أخطاء المحققين – ويستعمل بدلا من ذلك: " قرأه: أبو فهر محمود شاكر " ليشير إلى أن جوهر التحقيق: إنما هو حسن قراءة المخطوط.

 

مقابلة النسخ الخطية بعد تصنيفها:

من الصعوبات التي تعترض المحققين تصنيف النسخ الخطية ومقابلتها. فلابد للمحقق الذي جمع النّسخ الخطية للكتاب من أن يقرأها قراءة متفحصة ناقدة ليتبين له قديمها من حديثها، وصحيحها من سقيمها. وقد وضع المصنفون لقواعد التحقيق بعض الضوابط التي لابد للمحقق من مراعاتها:

- منها: التصنيف الزمني، فكلماّ كانت المخطوطات أقدم، ازدادت الثقة بها-ما لم يقم دليل على غير ذلك-. وبناء على هذا إذا وجدت نسخة بخط المؤلف تقدم على غيرها بلا شك. وتليها في الرتبة النسخة التي كتبها أحد تلاميذ المؤلف – وهكذا –.

- ومنها: النسخة التي قرأها العلماء. أو قرئت على العلماء، وعليها سماعات وتصحيحات تؤكد ذلك.  فمثل هذه النسخة إذا وجدت تعزز الثقة بصحة ما جاء فيها.

- ومنها: النسخة المنضبطة، والتي يقل فيها الخطأ والسقط. فإنها نقدم على غيرها من النسخ التي يكثر فيها الخطأ والسقط.

ومثل هذه الضوابط لابد من الالتزام بها لأنها – في الغالب – تؤدي إلى ضبط النص، ووضعه في أقرب صورة لما وضعه مؤلف الكتاب.

وبعد التصنيف: يمكن أن تكون النسخة التي بخط المؤلف أو التي كتبها أحد تلاميذه، أو النسخة الأكثر صحة وضبطا هي الأصل، وتوضع في الأعلى.

أما بقية النسخ: فيشار إلى مخالفاتها للأصل في الحواشي.

ولابد أن تكون المقابلات من اثنين؛ واحد يقرأ من النسخة الخطية، والآخر يتابع الكلام المنسوخ، وبهذا يكون العمل أقرب إلى الصحة، وأبعد عن الخطأ. إذ من الصعوبة بمكان أن يقابل شخص واحد بين النسخ الخطية، والأصل المنسوخ.

أما فائدة ذكر فروق النسخ في الحواشي فهي مفيدة جداً للقارئ الحصيف، الذي يستدرك على المحقق خطأه في قراءة النص، وبخاصة إذا سلك المحقق طريقة النّصّ المختار من عدة نسخ، دون أن يجعل نسخة أصلاً.

ضبط النّص:

مما يسهّل على القارئ للكتاب المحقق ضبط النص بالشكل، ووضع علامات الترقيم في مواضعها، وتقسيمه إلى فقرات مريحة للقارئ. ومن خلال التجربة العملية أوصي المحققين بما يلي:

-   لابد من تشكيل الكلمات التي يمكن أن تحتمل أكثر من وجه، في قراءتها ليسهل على القارئ معرفة الوجه الصحيح في القراءة.

-   لابد من الالتزام بوضع الفواصل والنقط في أماكنها، نظراً لمساعدتها القارئ على فهم النص، وكذلك علامات الترقيم الأخر من الاستفهام والتعجب ... وما إلى ذلك.

-   يحسن أن يقسم النص إلى فقرات، وأن تكون كل فقرة تعبر عن فكرة واحدة أو عنصر واحد وألا تجتمع في الفقرة الواحدة أكثر من فكرة أو عنصر. وهذا كله مما يسهل على القارئ الفهم والانتقال من فكرة إلى أخرى، بلا كد، أو تعب.

-       يحسن أن يكون كل قول منسوب لعالم أو مؤلف في فقرة على حدة.

-       يحسن أن تكون كل آية يستشهد بها في فقرة خاصة.

-       يحسن أن ترسم الآيات القرآنية مصورة من المصحف.

-       كذلك يحسن أن يضبط الشعر بالشكل. وأن يشرح غامضه في الحاشية.

الحواشي:

-   لابد أن توضع حواشي كل صحفة في نفس الصفحة، ليسهل الاستفادة منها، وهي طريقتنا المفضلة على الطريقة الغربية، التي تجمع الحواشي في نهاية البحث، مما يصعب الاستفادة منها خلال القراءة.

-   لايحسن الإسراف في تكبير حجم الحواشي، ومن ثم تكون للضروريات فقط. من توثيق أو توضيح، أو استدراك. ذلك أن الإسراف فيها يكون على حساب الأصل ويرهق القارئ، بما لا ضرورة له. ويضخم الكتاب، ويزيد من كلفته بلا طائل.

توثيق نقول المؤلف :

من الصعوبات التي تعترض المحققين، توثيق نقول المؤلف؛ ذلك أن بعض هذه النقول ليس من السهل الوصول إليها، وبخاصة إذا لم تصل إلينا أصولها والمصادر التي ذكرتها. وفي مثل هذه الحالة يستعان بالمصادر التي نقلت عنها، إذا تيّسر ذلك...

وأذكر ما جرى معي من تجربة شخصية في هذا المجال:

فحينما كنت أحقق " مقدمة جامع التفاسير مع تفسير الفاتحة ومطالع البقرة"

- للراغب الأصفهاني- -وكنت إذ ذاك في مكتبة جامعة الرياض- وقد وصلت إلى الفصل الذي عنونه الراغب بقوله: " فصل في عامة ما يوقع الاختلاف ويُكْثِر الشُّبَه" وقد جاء تحت هذا الفصل قول الراغب :

 " والثالث: اختلاف نظر الناظرين من اللفظ إلى المعنى، أو من المعنى إلى اللفظ. وذلك كنظر الخطابي إلى اللفط في إثبات ذوات الأشياء ونظر الحكماء من ذوات الأشياء إلى الألفاظ، وذلك نحو الكلام في صفات الباري – عز وجل – فإن الناظر من اللفظ وقع عليه الشبهة العظيمة في نحو قوله تعالى:

" بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ" [4] وما يجرى مجراه.

فهنا يتحدث الراغب عن رأي الخطابي، ولا يشير إلى المصدر الذي نقل منه رأي الخطابي. فمن أين لنا أن نعرف المصدر الذي نقل عنه؟

وهنا توجهت بصدق إلى الله طالبا منه العون. وقد خطر في بالي أن أنظر ما جاء في التفسير عن الآية التي أشار إليها الراغب، والتي وقع عليه فيها الشبهة العظيمة – كما يقول الراغب – وتبادر إلى الذهن مباشرة تفسير القاسمي " محاسن التأويل" – دون غيره من التفاسير-.

ولما رجعت إلى تفسير القاسمي-عند هذه الآية – أفاد بأن ابن تيمية نقل قول الخطابي في الرسالة المدنية، فقمت على الفور أبحث عن الرسالة المدنية، في مكتبة الزركلي- الموجودة داخل مكتبة الرياض- ولم أجد رسالة بهذا العنوان، وإنما وجدت رسالة الفتوى الحموية الكبرى، وقد جلِّدت معها الرسالة المدنية. وفي كلا الرسالتين ما يفيد في أن كلام الخطابي مذكور في رسالته:

" الغنية عن الكلام وأهله" -وقد نقله ابن تيمية-.

والأمر كله تم في أقل من نصف ساعة -فإذا صدق التوجه، وطلب العون، يهيئ الله السبل. وهذه الصعوبات التي تعترض الباحيثن والمحققين كثير منها أصبح مذللا بفضل الشبكة الدولية "الإنترنت" فقد جمعت المتفرقات، وقربت البعيد، ووصلت المنقطع. ولابد للباحثين وطلبة الدراسات العليا من الاستفادة من معطيات العصر، التي توفر عليهم كثيراً من الجهود.

هذا وبالله التّوفيق.

[2] تفسير الهداية: ص 12 / 13 / م،  بحث مطبوع على الآلة الكاتبة.

[4] سورة القمر 54: 14.

وسوم: العدد 779