تبياناً للحقيقة، كتاب "العمدة في غريب القرآن"، لا تصح نسبته إلى مكي بن أبي طالب القيسي!!

أ. د. أحمد حسن فرحات

* اطلعت على نسخة من كتاب: "العمدة في غريب القرآن" المنسوب لأبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي والذي طبعته مؤسسة الرسالة ببيروت حديثاً، وكنت قد اطلعت قبل ذلك على خبر عن الكتاب نشر في جريدة المدينة بعددها رقم 5087 الصادر يوم الخميس الحادي عشر من صفر عام واحد وأربعمائة وألف، ثم التقيت بالأستاذ رضوان دعبول صاحب مؤسسة الرسالة وسألته عن الكتاب؟ فأخبرني أنه لم يصدر بعد، ويبدو أن الجريدة قد تعجلت في نشر خبر صدوره، وكنت قد أخبرت الأستاذ رضوان أن نسبة الكتاب للمؤلف لا تصح حسب ما لدي من معلومات، وأنني متوقف عن نشر ما لديّ استكمالاً للنظر في بعض المخطوطات، التي يمكن أن تصحح نسبة الكتاب إلى مؤلفه الحقيقي.

وكنت أظن أن محقق الكتاب الأستاذ يوسف عبد الرحمن المرعشلي لابد أن يكون قد عرض في تحقيقه للكتاب لموضوع نسبة الكتاب للمؤلف وتوثيق ذلك، كما يبدو من عنوان الكتاب المنشور بجريدة المدينة، التي سبقت الإشارة إليها، حيث يضيف الكتاب إلى مكي بن أبي طالب القيسي صراحة.

وبعد اطلاعي على النسخة المطبوعة فوجئت بأن الأخ المحقق لم يعرض لموضوع نسبة الكتاب إلى مؤلفه أصلاً، لا نفياً، ولا إثباتاً.

 واكتفى بالإشارة إلى الخبر الذي أخبرت به صاحب مؤسسة الرسالة، وأنه على استعداد لتصحيح نسبة الكتاب بعد أن يتبين له ذلك.

ونحن إذ نشكر مؤسسة الرسالة على هديتها، وعلى عنايتها بطباعة الكتب الإسلامية، من تراثية ومعاصرة. نرى من واجبنا أن نبين ما لدينا من معلومات حول الكتاب، وبخاصة بعد أن طبع الكتاب، وأصبح بين أيدي القارئين والدارسين، ولا نهدف من ذلك إلا لبيان الحقيقة، وكشف الغموض، خدمة للعلم وأهله.

ترجع صلتي بكتاب "العمدة في غريب القرآن" إلى عام 1970م حينما بدأت بجمع مخطوطات مكي بن أبي طالب القيسي، وذلك بعد أن أخذت موضوع رسالتي لنيل درجة الدكتوراه بعنوان: "مكي بن أبي طالب القيسي .. وتفسير القرآن الكريم"، وقد رأيت أن فهارس دار الكتب الظاهرية ذكرت كتابين لمكي بن أبي طالب القيسي هما:

 " تفسير المشكل من غريب القرآن على الإيجاز والاختصار"،

 وكتاب " العمدة في غريب القرآن".

 وقد حصلت على نسخة مصورة لكل واحد منهما للاستفادة منهما في دراستي ولتحقيقهما ونشرهما بعد ذلك، وقد قمت بنسخ الكتابين تمهيداً لذلك.

وأثناء عملي بالرسالة كان يشغل تفكيري ويلح عليّ تساؤل دائم عن السبب الذي يدفع مكيّاً إلى تأليف كتابين في غريب القرآن:

 أحدهما: بعنوان " تفسير المشكل من غريب القرآن على الإيجاز والاختصار"

والثاني بعنوان " العمدة في غريب القرآن".

 وبخاصة أن في الكتابين نوعاً من الاشتراك والتداخل، في كثير من الكلمات التي جاءت فيهما. وأن تفسير تلك الكلمات المشتركة، لم يأت بلفظ واحد. وإنما جاء بألفاظ مغايرة- في كثير من الأحيان- ولنضرب على ذلك بعض الأمثلة:

في كتاب "تفسير المشكل من الغريب":

-        لا تواعدوهن سرّاً: نكاحاً في العدة. وفي" العمدة ": الزنا، النكاح.

-        بسطة: أي: سعة. وفي" العمدة " في اللسان، والعلم بالحرب.

-        ولا خُلّـة: أي: لا صداقة تنفع يومئذ. وفي" العمدة ": المودة.

-        العروش: السقوف. وفي" العمدة ": الأبنية.

-        لم يتسنه: لم يتغير. وفي" العمدة ": لم تأت عليه السنون.

-        طَوْلاً: أي سعة. وفي" العمدة ": الفضل في المال.

-        لمن خشي العنت: أي: الفجور، وأصله الضرر والفساد. وفي" العمدة ": الزنا.

-        فآتوهم نصيبهم: أي: من النظر والرفد والمعونة. وفي" العمدة ": من النصر والعمل دون الميراث.

-        ثبات: أي: جماعات، واحدتها: ثبة. وفي" العمدة ": جماعة متفرقة.

-        البروج: الحصون. وفي" العمدة ": القصور.

    -في كتاب"تفسير المشكل من الغريب":   

-        المشيّدة: المطوّلة. وفي" العمدة ": محصنة مرفوعة.

-        السّلَم: الاستسلام. وفي" العمدة ": المقادة والطاعة.

-        ولا آمين: أي: عامدين. وفي" العمدة ": قاصدين.

-        النقيب: الكفيل على القوم. وفي" العمدة ": النقباء: الأمناء على قومهم.

-        فلما جنّ عليه الليل: أي: أظلم.  وفي" العمدة ": غطى.

-        أو دماً مسفوحاً: أي: سائلاً. وفي" العمدة ": مصبوباً.

 وهما على هذه الحال من الاشتراك-؟ وماذا يمكن أن يقال في تبرير وجود هذين الكتابين على هذا النحو؟

ولقد خطر لي مرة أن ينشر كتاب "العمدة" على هامش مصحف؛ لأنه كثيراً مايفسر الكلمة بكلمة دونما زيادة. وأن ينشر كتاب " تفسير المشكل من الغريب" مستقلاً؛ لأنه أكثر توسّعاً في الشرح.

كما فكرت في مرحلة من المراحل بدمج الكتابين في كتاب واحد، على أن يطبع كل واحد منهما بحرف مغاير لحرف الآخر، وسرت خطوة في هذا الطريق حينما نسخت كتاب "العمدة" مع كتاب "تفسير المشكل من الغريب".

ثم خطر لي أن أعقد مقارنة بين ما جاء في الكتابين من جهة، وبين ما جاء في كتاب "الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن وتفسيره وأحكامه وجمل من فنون علومه –تفسير مكي المخطوط-من جهة أخرى –.

فلم أجد ما يدل على صلة واضحة بين كتاب "العمدة" وكتاب "الهداية" في حين وجدت الصلة واضحة بين كتاب "الهداية" وكتاب "تفسير المشكل من الغريب"، وهاكم بعض الأمثلة:

- في"تفسير المشكل من الغريب": لاريب: لا شك.

وفي كتاب " الهداية ": وهو نفي عام، نفى الله-جل ذكره-أن يكون فيه شك عند من وفقه الله، وقد ارتاب فيه من خذله الله ولم يوفقه.

- في"تفسير المشكل من الغريب": ومما رزقناهم ينفقون: أي: يزكون ويتصدقون.

وفي " الهداية ": معناه: يتصدقون ويزكون. وقيل: هي نفقة الرجل على عياله.

- في"تفسير المشكل من الغريب": المفلح: السعيد-من السعادة-.

و الفلاح: البقاء.

وفي كتاب " الهداية ": وأصل الفلاح: البقاء في الخير، فالمعنى: وأولئك هم الباقون في النعيم المقيم.

والمؤمن: مفلح لبقائه في الجنة، ثم اتسع فيه، فقيل لكل من قال خيراً: مفلح. وفي كتاب"العمدة": المفلحون: الفائزون.

- وفي"تفسير المشكل من الغريب": الخداع: إظهار خلاف ما في النفس.

وفي كتاب " الهداية ": الخداع: إظهار خلاف الاعتقاد. وفي كتاب "العمدة": يخادعون: ينافقون.

ويلاحظ من خلال هذه النصوص المقارنة التقارب الشديد بين كتاب: "الهداية" من جهة، وكتاب "تفسير المشكل من الغريب" من جهة أخرى، حتى إن الألفاظ لتكاد تكون هي بذاتها، في حين نجد أن ألفاظ كتاب "العمدة": مغايرة لهما. وهذا ما يؤكد أن كتاب "الهداية" وكتاب "تفسير المشكل من الغريب" هما لمؤلف واحد. بينما كتاب "العمدة" ينبغي أن يكون لمؤلف آخر.

ومن هنا بدأت رحلة الشك في صحة نسبة كتاب "العمدة" إلى مكي بن أبي طالب القيسي، وتوقفت عن العمل في تحقيق الكتاب، حتى أقطع الشك باليقين. وبدأت بدراسة هذه المشكلة المستعصية، والتي لم يكن لي بد من مواجهتها، ووضع حل حاسم لها. وكان أن وصلت إلى الحقائق التالية:

1-جميع الذين ترجموا لمكي أو ذكروا كتبه، لم يذكروا كتاباً واحداً له باسم "العمدة"، وإنما ذكر بعضهم كتاب "تفسير المشكل من غريب القرآن"، وبعضهم ذكر كتاب: "غريب القرآن"، ولا شك عندي في أن المراد بهما واحد-وذلك كما حصل بالنسبة لكتاب "تفسير مشكل إعراب القرآن" حيث جاء في بعض المصادر باسم: "إعراب القرآن"، مما حمل الأستاذ إبراهيم الإبياري على الظن بأنهما كتابان، وليسا كتاباً واحداً. ودفعه ذلك إلى أن ينسب كتاب "إعراب القرآن المنسوب للزجاج" إلى مكي بن أبي طالب القيسي.

وقد بينّا عدم صحة هذه النسبة في رسالتنا "مكي بن أبي طالب .. وتفسير القرآن"، كما كتب عن ذلك أيضاً الأستاذ المحقق أحمد راتب النفاخ في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق.

وإن إجماع كتب التراجم وفهارس الكتب على عدم ذكر كتاب باسم "العمدة" بين كتب ومؤلفات مكي بن أبي طالب القيسي، يعتبر دليلاً واضحاً على عدم صحة نسبة الكتاب إلى مكي.

2-لم ترد للكتاب أية إشارة في كتب مكي، وهو كثيراً ما يحيل على كتبه الأخرى، ويذكرها.

3-لم يبدأ الكتاب بمقدمة للمؤلف، كما هي عادته في جميع كتبه، ولا يشذ عن هذه القاعدة أي كتاب مهما كان حجمه، كما نرى ذلك في كتبه: "التبيان" في اختلاف قالون وورش"- و "تمكين المد في آمن وآتى وآدم"- و "الياءات المشددات في القرآن وكلام العرب"-. وكما نرى ذلك أيضاً في كتابه: "تفسير المشكل من غريب القرآن على الإيجاز والاختصار"، حيث قدم له بمقدمة صغيرة جداً.

4-إن مؤلفات مكي بن أبي طالب معروفة ومحصورة، ولم يضع من أسمائها شيء؛ وذلك لأن مكّياً-رحمه الله-ترك فهرسا بأًسماء كتبه التي ألفها، وشيوخه الذين درس عليهم. وقد اعتمدت معظم المصادر على ما جاء في هذا الفهرس. ومن هنا فلا ينتظر أن يظهر كتاب جديد للمؤلف لم تذكره كتب التراجم، وفهارس الكتب. 

وأمام هذه الحقائق الناصعة التي تؤكد عدم وجود كتاب لمكي بن أبي طالب القيسي باسم "العمدة" لابد أن يقول قائل: إذن كيف نسب هذا الكتاب إلى مكي؟ ومن الذي كان وراء هذه النسبة؟

ونقول جواباً على ذلك:

إن نظرة فاحصة إلى الصفحة الأولى، من المخطوط-التي ذكر عليها اسم الكتاب، واسم مؤلفه-كفيلة بأن تضع حدّاً للذهاب البعيد، وراء التخرصات والظنون. بل إنها تكشف الحقيقة ناصعة مشرقة، لا لبس فيها ولا غموض. وتفسر كيف نسب كتاب "العمدة" إلى مكي بن أبي طالب القيسي، ومن الذي يقف وراء هذا الخطأ.

وإليكم: ما كتب على الصفحة الأولى من المخطوط:

مختصر من كتاب غريب القرآن تفسير القرآن.

وهو كتاب العمدة صنعه الإمام الأوحد أبو طالب مكي رحمة الله عليه.

وأول ما نلاحظه على هذا الكلام: أن الناسخ لهذا الكتاب، لم يكن على قدر من العلم، يسمح له بأن يحسن كتابة عنوان الكتاب، دون اضطراب. ولعل اسم الكتاب-في النسخة التي نقل منها الناسخ- كان مرتبّاً كما يلي:

- كتاب غريب القرآن.

- مختصر من كتاب تفسير القرآن.

- وهو كتاب العمدة.

وإذا صحت هذه القراءة لاسم الكتاب، فهو إذن: غريب القرآن، ويكون كتاب "العمدة" اسماً للتفسير الذي اختصر منه كتاب "الغريب".

- ولعل هذا القول هو الراجح-.

ويمكن أن يكون قوله: "وهو كتاب العمدة" يعود على كتاب "غريب القرآن"، فيكون "العمدة" اسماً لكتاب الغريب – ولعل هذا القول هو المرجوح -.

وكما كان هذا الناسخ جديرا ًبالخطأ في عنوان الكتاب، فقد كان جديراً أيضاً بالخطأ في اسم المؤلف، حيث قال:

 صنعة الإمام الأوحد أبو طالب مكي رحمة الله عليه.

والخطأ الذي وقع فيه الناسخ هنا: أنه حذف "الـ" من قوله "المكي"، وكانت هذه بداية الخطأ في نسبة الكتاب إلى غير مؤلفه الحقيقي.

فمؤلف الكتاب الحقيقي إذن هو أبو طالب المكي، واسمه: محمد بن علي بن عطية الحارثي المتوفى عام 386هـ -صاحب كتاب قوت القلوب-. وليس المؤلف مكي بن أبي طالب القيسي أبا محمد.

ويبدو أن خطأ الناسخ في حذفه "الـ ": أوقع واضع فهارس دار الكتب الظاهرية- الدكتور عزت حسن- في الخطأ أيضاً، فالتبس عليه الأمر، وتعلق بكلمة "مكي"، وكلمة "مكي"- إذا أطلقت في مجال التفسير وعلوم القرآن- انصرفت إلى "مكي بن أبي طالب القيسي"؛ لأنه ليس هناك من يشاركه في هذا الاسم، في مجال الدراسات القرآنية.

ولو أن الدكتور عزت حسن تنبه إلى كنية المؤلف "أبو طالب" لما وقع في هذا الخطأ، ولأمكن تصحيح "مكي".

 ومما يساعد في ذلك أن كنية" مكي" ابن أبي طالب القيسي: "أبو محمد" وليست "أبا طالب". وأبو طالب المكي: اشتهر بالتصوف، والتأليف فيه، وله تفسير مخطوط-محفوظ في خزانة القرويين بفاس-من المملكة المغربية.

وكنت قد أرجأت الكتابة عن كتاب "العمدة": لأطّلع على هذا التفسير المخطوط، والذي يرجح لديّ أن كتاب "العمدة" مختصر منه.

أما وقد طبع كتاب "العمدة"، وأصبح بين أيدي القارئين، فكان لابد من هذه الكلمة، التي تضع النقاط على الحروف، في شأن هذا الكتاب، وتعيد الأمر إلى نصابه. وبخاصة أن الأخ المرعشلي قد أغفل نسبة الكتاب إلى المؤلف، ولم يتعرض لها لا من قريب، ولا من بعيد. مع أن هذا الأمر من الأولويات التي يجب أن يلتفت إليها المحقق، ويأخذها بعين الاعتبار. ويتأكد ذلك إذا كان سينال بتحقيقه درجة علمية.

وكان المفترض في لجنة المناقشة: أن تنبهه إلى هذه النقطة الهامة، التي أغلفها، ليعود إليها بالدراسة، والتمحيص، ولكن يبدو أيضاً أن الأمر قد فاتها هي الأخرى.

بل إن الأخ المحقق –سامحه الله – حينما وصف النسخة المخطوطة من الكتاب-في الصفحة الثامنة والخمسين، من كتابه المطبوع-قال:

 لم يذكر على الكتاب من حدث به، وإنما ورد في أول ورقة منه: اسم الكتاب، ومؤلفه، وليس فيه ما يدل على الوهم، والخلط.

وقد بينا فيما سبق مقدار الوهم، والخلط، الذي وقع في اسم الكتاب، واسم المؤلف. فلا داعي لإعادته هنا، ونحيل الأخ المحقق إليه.

ولكن الذي ينبغي أن ننبه إليه هنا: أن خطأً كبيراً وقع فيه محقق كتاب "العمدة في غريب القرآن"، وهو اعتقاده أن كتاب:

"العمدة": مختصر من كتاب" تفسير المشكل من غريب القرآن على الإيجاز والاختصار". حيث صرح بذلك في الصفحة الخامسة من كتابه، فقال:

 " كتاب العمدة في غريب القرآن هو مختصر من كتاب " تفسير المشكل من غريب القرآن" للمؤلف نفسه، هذبه واختصره".

ثم ذكر تحت حاشية رقم (2) في نفس الصفحة ما يلي:

-  ذكر د.عزت حسن في فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية بدمشق ص-377-كتاب العمدة في غريب القرآن، وهو مختصر من كتاب غريب القرآن للمؤلف نفسه -.

وهذه الحاشية التي نقلها المحقق، عن الدكتور عزت حسن، والتي لا تتفق مع ما جاء في الصفحة الأولى، من الكتاب المخطوط، التي تنص على: -مختصر من كتاب غريب القرآن تفسير القرآن -

حيث أسقط الدكتور عزت حسن كلمة " تفسير القرآن "، كانت السبب وراء خطأ المحقق، مما ساعد الدكتور عزت حسن على اعتبار كتاب

 " العمدة" مختصراً من كتاب "غريب القران" للمؤلف نفسه: وجود نسخة خطية من كتاب " تفسير المشكل من غريب القرآن على الإيجاز

و الاختصار"-في دار الكتب الظاهرية-.

 غير أن كلمة-على الإيجاز والاختصار-التي وردت وصفاً لكتاب:

" تفسير المشكل من الغريب": تعتبر كافية لاستبعاد أن يكون كتاب "العمدة " مختصراً من هذا الإيجاز والاختصار -.

وبذلك يكون الدكتور عزت حسن: قد مهّد الطريق أمام المحقق، ليخطيء مرتين: مرة في نسبة الكتاب إلى غير مؤلفه الحقيقي.

ومرة أخرى في اعتقاده أن كتاب "العمدة ": مختصر من كتاب:

" تفسير المشكل من غريب القرآن".

 وإذا كان الدكتور عزت حسن: له بعض العذر، في ما ارتكبه من أخطاء، لأن المفهرس عادة: ليس لديه الوقت الكافي، لمثل هذا التحقيق.

 فإن الدارس المحقق: ليس له أي عذر في ذلك؛ لأن هذا من صلب عمله، الذي انصرف إليه، وقصر اهتمامه عليه.

 وقد شعر المحقق أثناء مقارنته للكتابين:

  كتاب " العمدة " وكتاب "المشكل من الغريب ":

 أن فكرة الاختصار-التي انزلق إليها-لا تطرد، ولا تصح. وأنه قد تورط فيها، وذلك لعدم قدرته على فهم منهج الاختصار، الذي سارعليه المؤلف. مما جعله يعلن عن ذلك كله، في الصفحة السابعة من الكتاب المطبوع، حيث يقول:

" كما يتضح لنا أن الإمام مكي يذكر في" العمدة": كلمات من القرآن يعتبرها من الغريب، لم يذكرها في" تفسير المشكل". فهو لم يتقيد عند اختصاره، بما ورد في الأصل. بل أضاف للمختصر: إضافات جديدة،

 وكأنه بصدد تأليف آخر".

وبعد كل هذا البيان ننتهي إلى:

 أن نسبة كتاب"العمدة في غريب القرآن" إلى مكي بن أبي طالب لا تستند إلى أي دليل علمي، وأن الأوهام والتخيلات لا تصلح دليلاً أصلا   فضلاً عن أن تصلح دليلاً في مثل هذا المجال.

- أن كتاب "العمدة في غريب القرآن": ليس مختصراً من كتاب"تفسير المشكل من غريب القرآن على الإيجاز والاختصار"-

 وذلك: -لأن الكتابين ليسا لمؤلف واحد.

- ولاختلاف الكتابين: مادةً، ومنهجاً.

- ولأن المختصر: لا يختصر. كما أن المصغر: لا يُصغر.

- إن كتاب "العمدة في غريب القرآن": مرشح النسبة إلى أبي طالب المكي، ويتوقف الجزم بذلك، على مقارنة كتاب "العمدة" بتفسير أبي طالب المكي، الموجود بخزانة القرويين، بمدينة فاس، المغربية.

 وختاماً أسأل الله تعالى أن يلهمنا الرشد والصواب، وأن يوقفنا للخير والسداد، وأن يجعل أعمالنا خالصةً لوجهه، وإنه على ذلك لقادر.

 وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين. 

العمدة في غريب القرآن

ألفه الإمام مكي بن أبي طالب القيسي الأندلسي

                                    ولا تصح نسبته لغيره

يوسف عبد الرحمن المرعشلي

أما بعد: فلقد طالعتنا " المجلة العربية " بعددها الحادي عشر من السنة الخامسة الصادر في شهر ربيع الثاني من العام 1402هـ " شباط – فبراير 1982م " بمقالة نقدية نشرها الدكتور احمد حسن فرحات، يشكك فيها بنسبة كتاب:" العمدة في غريب القرآن " للإمام مكي ابن أبي طالب، ويرشح أن يكون مؤلفه: أبوطالب المكي الصوفي صاحب " قوت القلوب ".

 وكنت قد حققت كتاب " العمدة " في عام 1979م، ودفعته لمؤسسة الرسالة في بيروت لتتولى طبعه، وقد أخبرنا الدكتور فرحات أثناء الطبع عن تحقيقه للكتاب، وانه يشك بنسبة الكتاب لمكي. فدرست الأمر، وتحققت منه، وأرسلت له رسائل رجوته فيها أن يخبرني عن دوافع شكه، وعن الرجل الذي يرى نسبة الكتاب له، إن لم يكن مكيا بنظره، ثم أرسلت له برقية بهذا المعنى أيضا، ولكنه للأسف لم يرسل لي أي جواب، ولو فعل ذلك لكنت بينت رأيه في مقدمة التحقيق، قبل طبع الكتاب، أو بددت شكوكه، ورددت أوهامه. ثم ها هو يفاجئنا – بعد صدور الكتاب بستة أشهر–بمقالته النقدية،  يشهر فيها بعملي، ولقد اطلعت على مقالته فوجدت فيها الأمور التالية :

1-     أنه حقق الكتاب ولم ينشره بعد.

2-     أنه يشكك بنسبة الكتاب لمكي بن أبي طالب.

3-     أنه يتهم ناسخ المخطوط بالجهل عند كتابته عنوان المخطوط.

4-     أنه يطعن على الدكتور عزت حسن، لأنه نسب الكتاب لمكي في فهرس مخطوطات القرآن الكريم في المكتبة الظاهرية.

5-     انه يتهم اللجنة الفاحصة التي ناقشتني الكتاب لأنها هي الأخرى وافقت على نسبة الكتاب لمكي بن أبي طالب ومنحتني به درجة علمية.

6-     أنه يتهمني – كمحقق للكتاب – لأني نسبته لمكي.

7-     أنه يرشح أن يكون مؤلف الكتاب الإمام أبو طالب محمد بن علي ابن عطية الحارثي، المكي صاحب " قوت القلوب " ويوقف ترشيحه هذا على وجود تفسير مخطوط يعتقد انه لأبي طالب المكي.

8-      وان كتاب العمدة ليس لا مختصرا من هذا التفسير، وان هذا التفسير موجود في خزانة القرويين بفاس في المغرب، ويتوقف شكه على مقابلة كتاب العمدة بهذا التفسير.

أما وقد نشر الاشتاذ فرحات مقالته، فلقد رأيت من واجبي كمحقق للكتاب-، أن أتثبت من قوله ، وأعيد النظر في عملي ، وأن أبين للقراء صحة نسبة الكتاب للإمام مكي ، وللأخ الدكتور خطأه الفادح بما لايدع مجالا للشك والوهم ، راجيا المولى عزوجل أن يلهمني السداد في القول والعمل ، وأن يظهر لي الحق حقا ويرزقني اتباعه ، والباطل باطلا ويرزقني اجتنابه ، اللهم آمين .

كان على الدكتور فرحات –سامحه الله – قبل أن ينشر مقالته أن يتحقق من أمره، ويتثبت من معلوماته، حول المخطوطة التي رفع عليها بنيان شكه، وياليته أعلمنا عن المصادر التي ذكرها، وعن رقمها، حسبما يقتضيه المنهج العلمي في التحقيق ، أو عن رؤيته لهذا الكتاب، أو رؤية احد الثقات له ، ولكنه اكتفى بقوله :

 " وله تفسير محفوظ في خزانة القرويين بفاس من المملكة المغربية " ، ولقد راجعت فهارس خزانة القرويين بفاس ، فلم أجد ذكرا لهذا التفسير وهذه الفهارس هي :

1-     قائمة لنوادر المخطوطات العربية المعروضة في مكتبة جامعة القرويين بفاس بمناسبة مرور مائة وألف سنة على تأسيس هذه الجامعة ، التي نشرتها وزارة التهذيب الوطني عام 1960م ، وطبعت بمطبعة النجمة بالرباط .

2-     " قائمة المخطوطات المغربية " التي صورتها بعثة معهد المخطوطات العربية في القاهرة ونشرت في مجلة المعهد المجلد 22 الجزء الثاني، الصادر في ذي القعدة عام 1396هـ. نوفمبر عام 1976م – قسم خزانة القرويين : ص212- 240.

3-     " فهرس مخطوطات خزانة القرويين" الذي صدر مؤخرا ، وقد وضعه المرحوم محمد العابد الفاسي ، ونشرته دار الكتاب بالدار البيضاء عام 1399هـ - 1979م ، وهو فهرس عام تفصيلي وشامل لخزانة  القرويين ويقع في أربعة أجزاء ، وقد صدر منه جزآن ، ورد التفسير في الجزء الأول منه .

وبعد اطلاعي على هذه الفهارس لم أجد ذكرا لتفسير أبي طالب المكي ، وتبين لي أن هناك تفسيرا للإمام مكي ابن أبي طالب اسمه " الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن تحت رقم 26 " ق217" " وتبين لي أن الأمر ملتبس على الأستاذ فرحات فليتحقق من ذلك .

ورجعت إلى المصادر التي ترجمت للإمام أبي طالب المكي، وهي:

1-     تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 3- 89.

2-     المختصر في إخبار البشر لأبي الفداء 2- 138.

3-     المنتظم لابن الجوزي 7- 189.

4-     ميزان الاعتدال للذهبي 3- 655.

5-     لسان الميزان لابن حجر 5-300.

6-     وفيات الأعيان لابن خلكان 4- 303.

7-     الوافي بالوفيات للصفدي 4-116.

8-     شذرات الذهب لابن العماد 3-120.

9-     كشف الظنون لحاجي خليفة ، ص1361، 2013.

10-                   هدية العارفين لإسماعيل باشا البغدادي 2-55.

11-                   معجم المؤلفين لكحالة 11-47.

12-                   الأعلام للزر كلي 6-247.

13-                   تاريخ الآداب العربية لبوكلمان "الترجمة العربية 4-80".

14-                   تاريخ التراث العربي لسيزكين " الترجمة العربية 2-489".

وكل هذه المصادر تجمع على عدم ذكر أي تفسير له أو كتاب في الغريب، وبالتالي ، فان ترشيحه أن يكون كتاب العمدة لأبي طالب المكي الصوفي هو مجرد ترشيح غير قائم على أي مستند ثابت ، أو نص واضح ، وترشيح باطل لايصح لان أبا طالب رجل صوفي لم يشتغل بالقرآن ولا بالقراءات ولا باللغة ، وقد ترجم له الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد فقال عنه :

 محمد بن علي بن عطية ، أبو طالب ، المعروف بالمكي . صنف كتابا سماه "قوت القلوب" على لسان الصوفية ذكر فيه أشياء منكرة مستبشعة في الصفات ، وحدث عن علي بن احمد المصيصي وأبي بكر المفيد غيرهما . حدثني عنه محمد بن المظفر الخياط ، وعبد العزيز ابن علي الازجي ، وقال لي أبو طاهر محمد بن علي العلاف : كان أبو طالب المكي ، من أهل الجبل ، ونشأ بمكة ، ودخل البصرة بعد وفاة أبي الحسن بن سالم ، فانتمى إلى مقالته وقدم بغداد ، فاجتمع الناس عليه في مجلس الوعظ فخلط في كلامه ، وحفظ عنه انه قال : " ليس على المخلوقين اضر من الخالق " ، فبدعه الناس وهجروه ، وامتنع المكي من الوعظ في جمادى الآخرة من سنة ست وثمانين وثلاثمائة . قال العتيقي: وكان رجلا صالحا مجتهدا في العبادة، وله مصنفات في التوحيد " انتهى ما ذكره الخطيب.

فمثل هذا العالم الصوفي ، لايعقل أن يؤلف تفسيرا للغريب في القرآن يقتصر على اللغة ، لأنه ليس بالرجل اللغوي ، والصوفيون عندما يفسرون القرآن ، يفسرونه بمنهجهم الخاص بهم ، كما نرى في

 " لطائف الإشارات " للإمام القشيري ، ولا يظهر هذا المنهج أبدا في كتاب " العمدة" ، فكيف يسمح الأستاذ فرحات لنفسه أن يظن انه مؤلفه ؟ فضلا عن وجود للقراءات فيه :

 كقوله تعالى "قبلا" . و " قبلا" - سورة الكهف الآية 55-

 وقوله تعالى : " القرح " و " القرح " - سورة آل عمران الآية 140-

ومثل هذا لايمكن أن يصدر إلا عن الإمام مكي نفسه لاشتغاله بالتفسير والقراءات ، فكيف فات الأستاذ فرحات هذا الأمر ، وهو المشتغل بمؤلفات هذا الإمام؟

إن الذي دفع الأستاذ فرحات للشك هو صفحة عنوان المخطوط لأن الناسخ كتب اسم المؤلف هكذا :

 " صنعة الإمام الأوحد : ابوطالب مكي رحمه الله عليه "

 وهذا الاسم لا ينطق على رجل واحد ، بل هناك إمامان يدخلان في هذه التسمية : احدهما مكي ابن أبي طالب ، والآخر : محمد بن علي بن عطية الحارثي ، ابوطالب المكي – نسبة لمكة –

 ومثل هذا الاضطراب كثير الوقوع في تراثنا المخطوط ، ويعود ذلك لثقافة الناسخين ومعرفتهم بالرجال والكتب ، وقد صادفني عند تحقيقي لكتاب : " المكتفى في الوقف والابتداء في كتاب الله عزوجل " للإمام الداني وإعداده لرسالة الدكتوراه ، أن هناك فروقا في تسمية الكتاب في نسخه :

 فبعضها يسميه " الاكتفاء " وكذا ذكره الزركشي في البرهان .

 بينما ورد في بعضها الآخر باسم " المكتفي " وبه اشتهر في معظم المصادر.

إن مثل هذا الاضطراب يدفعنا للقول بأن الناسخ لم يكن يحفظ اسم الإمام مكي ابن أبي طالب ، فكتبه : أبو طالب مكي .

 وهذا الذي جعل الدكتور فرحات ينزلق بترشيحه لأبي طالب المكي ، وإن ترشيحه هذا لاينطبق على ماهو مذكور في العنوان لان اسم أبي طالب – على ماتذكره المصادر متفقة – محمد بن علي بن عطية الحارثي ، أبو طالب .

 وهذا الاسم بعيد جدا عما هو مذكور في العنوان ، أضف إلى ذلك أن كلمة " المكي " فيما ذكرته المصادر هي صفة للإمام محمد وليست اسما له ، في حين أن الإمام ابن أبي طالب اسمه الصريح مكي وهو المذكور على صفحة العنوان ، وقد اعترف الأستاذ فرحات بنفسه في مقالته بأن  كلمة " مكي " إذا أطلقت في مجال التفسير وعلوم القرآن ، انصرفت إلى مكي بن أبي طالب القيسي ، لأنه ليس هناك من يشاركه في هذا الاسم في مجال الدراسات القرآنية ".

ويدعم الأستاذ فرحات شكه بأن الإمام مكي لم يقدم للكتاب خلافا لسائر كتبه ، فهل يجزم لنا أن الإمام قد كتب مقدمة لهذا الكتاب أم هل يستطيع أن يجزم بعدم ذلك ، إن هذا المخطوط وصل إلينا عبر ألف سنة من الزمن ، ولقد نقله الناسخ عن نسخة لم تصل إلينا ، ولا يمكننا الحكم على النسخة الأم كيف كانت حالتها يوم نسخها هل كانت بمقدمة أم أتلفت وتآكلت لكونها أول الكتاب .

وأما قوله بان تفسير الإمام مكي في " العمدة " يختلف عن تفسيره في سائر كتبه فأمر لايحتج به ، لأنه يقول في مقالته :

 " وبخاصة أن في الكتابين نوعا من الاشتراك والتداخل في كثير من الكلمات التي جاءت فيهما ، ولان الإمام مكي نفسه لم يتقيد بمنهج واحد في تفسيره للغريب في العمدة بسبب اتباعه لترتيب الكلمات حسب ورودها في سور المصحف الشريف وتباعد ورود ما بينها ، فتراه يفسر الكلمة الواحدة بألفاظ مغايرة كقوله :

 بعثر : اثير - العاديات آية 9 –

 وقوله : " بعثرت " : انتثرت - الانفطار آية 4 –

 وكقوله : " المبلس " المتحير المنقطع عن حجته -المؤمنون آية 77- إلى غير ذلك .... فهل يجوز أن يحملنا ذلك على القول بان بعض الكتاب يشكك نسبة البعض الآخر لنفس المؤلف ؟

أما عن تساؤله الملح منذ عشرة أعوام ، والذي دفعه لعدم نشر الكتاب ، لماذا كتب الإمام مكي كتابين في موضوع واحد :

-        " تفسير المشكل من غريب القرآن "

-         والآخر مختصر منه وهو " العمدة " .

 فأمر لايحتاج إلى التساؤل وهذا التراث الإسلامي مبسوط أمامه ، ألا يوجد من ألف أكثر من كتاب في موضوع واحد؟

ولن نذهب بعيدا في الاستشهاد والاستدلال، لننظر إلى مؤلفات الإمام مكي نفسه كم ألف في موضوع الناسخ والمنسوخ؟

 أليس له كتاب " الإيضاح " وكتاب " الإيجاز " ؟

 وفي موضوع كلا وبلى ، أليس له ثلاثة كتب في ذلك ؟

-        وقد نشر الدكتور فرحات اثنين منهما؟ -

 وفي موضوع القراءات ؟

 واعتقد أن التشكيك بكتاب " العمدة " لمثل هذا أمر تافه، خاصة وان كتابه " تفسير المشكل من غريب القرآن " أوسع مادة وأوفر تفسيرا للغريب من " العمدة " الذي هو مختصر صغير.

وأما عن عدم ورود كتاب العمدة في المصادر صريحا بهذه التسمية ، فإن المصادر كما يقول هو في مقالته :

-        " ذكر بعضهم كتاب " تفسير المشكل من غريب القرآن "

-         وبعضهم ذكر كتاب " غريب القرآن "

 ثم يقول :

 " ولاشك عندي في أن المراد بهما واحد "

 فنقول له : " قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ".

  وان هذه المصادر لم تذكر أيضا كتاب

" المسترضى " في قوله تعالى : " ولسوف يعطيك ربك فترضى " - والذي يوجد منه نسخة مخطوطة بدار الكتب المصرية تحت رقم 539 تفسير ، والواقع في 12 صفحة –

 فهل ننفي هذا الكتاب عنه أيضا ، لان المصادر لم تذكره ؟

 إن المصادر والفهارس كثيرا ما تسمي الكتب بموضوعاتها كما أنها لم تحط بكل تراثنا المخطوط ، وكم فات ابن النديم ، وكم فات حاجي خليفة وغيرهم !!!!

 ولئن عثرنا على مخطوط لأحد الأئمة لم يذكر صريحا في الفهارس والمصادر القديمة، فهل ننفيه عن مؤلفه ونشكك به ؟

وأخيرا فإننا بعد هذا البيان ننتهي إلى مايلي :

-        إن الدكتور فرحات أطلق الكلام والظنون والشكوك والتهم قبل أن يتثبت وإن ما اسماه تبيانا للحقيقة في عنوان مقاله لم يكن إلا بيانا لعدم بحثه واستقصائه.

-        إن كتاب " العمدة في غريب القرآن " هو من تأليف الإمام مكي بن أبي طالب، ولا يصح نسبته لغيره.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كتاب: العمدة في غريب القرآن

لاتصح نسبته إلى مكي بن أبي طالب القيسي

-2-

للدكتور أحمد حسن فرحات

سبق للمجلة العربية أن نشرت لي مقالا نقديا في عددها الحادي عشر-السنة الخامسة-بعنوان تبيانا للحقيقة: كتاب" العمدة في غريب القرآن" لا تصح نسبته إلى مكي بن أبي طالب القيسي.

وكنت أظن أن الحقائق العلمية التي جاءت في ذلك المقال كافية في بيان عدم صحة نسبة الكتاب إلى مكي بن أبي طالب القيسي، وأن محقق الكتاب الأخ يوسف عبد الرحمن المرعشلي: لابد أن يأخذ هذه الحقائق بعين الاعتبار، فيما لو أراد طبع الكتاب مرة أخرى.

ولكن الذي حدث أن الأخ المرعشلي كتب رداً علي في العدد السادس والخمسين من المجلة العربية بعنوان:

" كتاب العمدةفي غريب القرآن" ألفه الإمام مكي بن أبي طالب القيسي الأندلسي ولا تصح نسبته لغيره".

 وقد احتوى المقال على جملة من المغالطات لابد من بيانها، كما أن الأخ المرعشلي سلك في مقاله منهجا غير موضوعي في الرد علي، وإيضاحا للحقيقة-والحقيقة وحدها نقول:

جاء في مقدمة مقال الأخ المرعشلي قوله:

" وقد أخبرنا الدكتور فرحات أثناء الطبع عن تحقيقه للكتاب وأنه يشك بنسبة الكتاب لمكي، فدرست الأمر وتحققت منه، وأرسلت له رسائل رجوته فيها أن يخبرني عن دوافع شكه، وعن الرجل الذي يرى نسبة الكتاب له إن لم يكن مكيا بنظره، ثم أرسلت له برقية بهذا المعنى أيضا، ولكنه للأسف لم يرسل أي جواب، ولو فعل ذلك لكنت بينت رأيه في مقدمة التحقيق قبل طبع الكتاب، أو بددت شكوكه ورددت أوهامه، ثم هاهو يفاجئنا بعد صدور الكتاب بستة أشهر بمقالته النقدية، يُشهر فيها بعملي.."

ورداً على هذا الكلام نقول:

 ذكرت في مقالتي السابقة أنني قرأت إعلاناً عن الكتاب في جريدة المدينة قبل صدوره بفترة، وأنني التقيت بعد ذلك الأخ الأستاذ رضوان دعبول

- صاحب مؤسسة الرسالة -وسألته عن الكتاب فقال:

 إنه قد انتهى صفه ولكنه لم يطبع بعد. فقلت له:

 إن نسبة الكتاب لمكي لا تصح. فقال: ماالدليل على ذلك؟

 قلت: هذا موضوع علمي يطول الكلام فيه-وما زلت أستكمل بعض الأمور للكتابة فيه -.

 قال: ولكن محقق الكتاب متحقق من صحة نسبة الكتاب إلى المؤلف. قلت: فليطبع الكتاب، وقد يكون للمحقق أدلة علمية لا نعرفها.

ويبدو أن الأخ الأستاذ رضوان قد نقل مادار بيني وبينه إلى الأخ المحقق، وفعلا جاءتني رسائل، وبرقية، ولم أرد عليها وذلك للأسباب التالية:

1-كنت أخبرت الاستاذ رضوان بأنني لن أعطي شيئا من المعلومات التي عندي، قبل استكمال البحث، وأقصد بذلك الاطلاع على تفسير أبي طالب المكي، الموجود في خزانة القرويين بفاس، وقد اعتبرت هذا الكلام اعتذارا مسبقا عن الإجابة. ولا شك بأنه عرف ذلك من الاستاذ رضوان.

2-              إذا كان الاستاذ المحقق قد أثبت نسبة الكتاب إلى مكي بأدلة صحيحة، فلا داعي إذن لمثل هذه المعلومات التي عندي.

3-              إن هذه الرسائل لم تأت بتوقيع الأخ المرعشلي، وإنما جاءت باسم آخر:

4-              " المشرف على الطبع"

5-               وأظن أن مثل هذه المراسلات لا يحسن أن تكون باسم مستعار، وذلك بعد أن أعترف الأخ المرعشلي أنه عو الذي أرسلها.

6-               وأما قول الأخ المحقق بأنني لو فعلت ذلك-أي: أجبته على رسائله-لبين رأيي في مقدمة التحقيق، أو بدد شكوكي، ورد أوهامي".

فأقول له:

 إنني لست بحاجة إلى مقدمته لبيان رأيي، لأنني أنا الذي أبين رأيي، وأنا الذي أختار له المكان المناسب، والوقت المناسب، والطريقة المناسبة.

و"أما تبديد شكوكي ورد أوهامي":

 فقد كنت أرجو مخلصا، أن يكون عند الأخ المحقق ما يصلح ان يكون علما يبدد الشكوك، ويرد الأوهام، ولكنها" الأماني".

وأما قوله:

" إنني أشهر بمقالتي في عمله".

 فأنا لم أتعرض لنقد عمله في الكتاب ككل، وإنما عرضت لنقطة واحدة، وهي" نسبة الكتاب إلى المؤلف.

 وقد قلت بالحرف الواحد:

 "وكنت أظن أن محقق الكتاب الأستاذ يوسف عبد الرحمن المرعشلي لابد أن يكون قد عرض في تحقيقه للكتاب لموضوع نسبة الكتاب إلى المؤلف وتوثيق ذلك. "

وبعد اطلاعي على النسخة المطبوعة، فوجئت بأن الأخ المحقق لم يعرض لموضوع نسبة الكتاب إلى مؤلفه أصلا-لا نفيا، ولا إثباتا".

 ثم قلت في مكان اخر:

"أما وقد طبع كتاب العمدة، وأصبح بين أيدي القارئين، فكان لابد من هذه الكلمة التي تضع النقاط على الحروف في شأن هذا الكتاب، وتعيد الأمر إلى نصابه.

 وبخاصة أن الأخ المرعشلي قد أغفل نسبة الكتاب إلى المؤلف، ولم يتعرض لها لا من قريب، ولا من بعيد-مع أن هذا الأمر من الأوليات التي يجب أن يلتفت إليها المحقق، ويأخذها بعين الاعتبار. ويتأكد ذلك إذا كان سينال بتحقيقه درجة علمية-.

وفي مكان آخر قلت:

" بل أن الأخ المحقق – سامحه الله – حينما وصف النسخة المخطوطة من الكتاب، في الصفحة الثامنة والخمسين من كتابه المطبوع، قال:

لم يذكر على الكتاب من حدث به. وإنما ورد في أول ورقة منه: اسم الكتاب، ومؤلفه. وليس فيه مايدل على الوهم والخلط".

وقد ترتب على هذا الخطأ-في نسبة الكتاب إلى غير مؤلفه-خطأ آخر. وهو: اعتقاده أن كتاب العمدة: مختصر من كتاب "تفسير المشكل من غريب القرآن على الايجاز والاختصار"-كما صرح بذلك في الصفحة الخامسة من كتابه-.

 ثم قلت:"... وبذلك يكون الدكتور عزت حسن: قد مهد الطريق أمام المحقق، ليخطئ مرتين: مرة في نسبة الكتاب إلى غير مؤلفه الحقيقي، ومرة في اعتقاده: أن كتاب العمدة: مختصر من كتاب "تفسير المشكل من غريب القرآن".

-        وإذا كان الدكتور عزت حسن له بعض العذر فيما ارتكبه من أخطاء، لأن المفهرس عادة ليس لديه الوقت الكافي لمثل هذا التحقيق-

-         فإن الدارس المحقق ليس لديه أي عذر في ذلك، لأن هذا من صلب عمله الذي انصرف إليه، وقصر اهتمامه عليه.

-         وقد شعر المحقق أثناء مقارنته للكتابين:

-         "كتاب العمدة"، و"كتاب المشكل من الغريب"-

 أن فكرة الاختصار التي انزلق إليها، لا تطرد، ولا تصح. وأنه قد تورط فيها، وذلك لعدم قدرته على فهم منهج الاختصار-الذي سار عليه المؤلف-مما جعله يعلن عن ذلك كله في الصفحة السابعة من الكتاب المطبوع حيث يقول:

" كما يتضح لنا أن الإمام مكي يذكر في العمدة كلمات من القرآن يعتبرها من الغريب، لم يذكرها في تسير" المشكل".

فهو لم يتقيد عند اختصاره بما ورد في الأصل، بل أضاف للمختصر إضافات جديدة وكأنه بصدد تأليف آخر".

هذا ماقلته بالحرف الواحد، في نقد عمل الأخ المرعشلي، والمطلوب من الأخ المرعشلي، أن يجيب عن الأسئلة التالية:

-هل يسمى مثل هذا النقد العلمي الذي يستند إلى أدلة قاطعة-ذكرت في المقالة- تشهيرا؟!!

- هل عرض المحقق لتوثيق نسبة الكتاب إلى المؤلف، في كتابه؟

وفي أي صفحة كان ذلك؟!

- أليس من أصول التحقيق العلمي توثيق نسبة الكتاب إلى المؤلف؟

وألا يتأكد ذلك حينما يكون العمل العلمي مقصودا به الحصول على درجة علمية فلماذا لم تفعل ذلك؟!

- ألم تقل في الصفحة الثامنة والخمسين من كتابك:

"لم يذكر على الكتاب من حدث به، وإنما ورد في أول ورقة منه:

 اسم الكتاب، ومؤلفه. وليس فيه مايدل على الوهم والخلط؟!

- أليس العنوان الوارد على الورقة الأولى:

 "مختصر من كتاب غريب القرآن تفسير القرآن"

 فيه وهم وخلط؟ فلماذا لم تبين ذلك، ولم تشر اليه؟ أو تعلق عليه؟

- أليس اسم المؤلف الوارد على الورقة الأولى:

"صنعة الامام الأوحد أبو طالب مكي رحمة الله عليه"

 فيه وهم وخلط؟

 وهل مكي هو أبو طالب أو أبو محمد؟ لماذا لم تبين ذلك؟

-        ألم تقل في مقالتك التي ترد فيها علي:

"ان الذي دفع الاستاذ فرحات للشك هو صفحة عنوان المخطوط لأن الناسخ، كتب اسم المؤلف هكذا:

"صنعة الامام الأوحد أبو طالب مكي رحمة الله عليه"

 وهذا الاسم لاينطبق على رجل واحد، بل هناك إمامان يدخلان في هذه التسمية، أحدهما مكي بن أبي طالب، والآخر: محمد بن علي بن عطية الحارثي-أبو طالب المكي-نسبة لمكة-

 ومثل هذا الاضطراب كثير الوقوع في تراثنا المخطوط، ويعود ذلك لثقافة الناسخين ومعرفتهم بالرجال والكتب "

ثم تقول بعد ذلك:

" إن مثل هذا الاضطراب يدفعنا للقول بأن الناسخ لم يكن يحفظ اسم الإمام مكي بن أبي طالب، فكتبه: "ابو طالب مكي"؟

-        وبناء على اعترافك هذا بوجود اضطراب في اسم المؤلف – والذي كُنت نفيته في الصفحة الثامنة والخمسين من الكتاب المطبوع-وتجهيلك للناسخ الذي لم يكن يحفظ اسم المؤلف.

-         ألم يكن من الواجب عليك أن تبين هذا في كتابك؟

-        وأن تعقد فصلا خاصا لمناقشة اسم الكتاب، واسم المؤلف؟

-        وتوثيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه، فلماذا لم تفعل ذلك؟

-        لو فرضنا أن الناسخ: كتب اسم المؤلف صحيحا. ألم يكن من اللافت للنظر عدم وجود كتاب لمكي باسم" العمدة"-عند جميع الذين ترجموا له-؟ أو الذين ذكروا كتبه؟

-        وأن مثل هذا الأمر يحتاج إلى دراسة، أو إشارة على الأقل؟!

-        فلماذا لم تفعل ذلك؟

-        وهل مجرد وجود اسم المؤلف على كتاب: كاف في صحة نسبة الكتاب ألى مؤلفه؟

-        نعم يمكن اعتبار ذلك قرينة أولى في طريق إثبات صحة النسبة، ولكن ذلك وحده لا يكفي، وبخاصة إذا كان هناك قرائن أخر: تدل على عكس ذلك. فالأمر إذن يحتاج إلى دراسة. فأين هي هذه الدراسة؟

-        عنوان الكتاب كما جاء في أول ورقة منه":

-         مختصر من كتاب غريب القرآن تفسير القرآن"، وهو كتاب العمدة".

-         فكيف تحول في الصفحة الخامسة من الكتاب المطبوع إلى "كتاب "العمدة في غريب القرآن. وهو مختصر من كتاب "تفسير المشكل من غريب القرآن" للمؤلف نفسه؟

-         يمكن أن تجيبني على ذلك، بالحاشية التي نقلتها عن الدكتورعزة حسن، والتي أثبتها في حاشية الصفحة الخامسة من الكتاب المطبوع، ولكن يبقى السؤال قائما:

-         كيف تقبل قول الدكتور عزة حسن-وهو مخالف لاسم الكتاب- الوارد في أول ورقة من المخطوطة ؟

-         لماذا لم تناقش الدكتور عزة حسن فيما ذهب إليه؟

-         وكيف تابعته على قوله بلا دليل علمي؟

-         ولماذا لم تشر إلى الاختلاف الوارد بين ماورد في المخطوطة، وبين ما أثبته الدكتور عزة حسن في الحاشية؟

-         ألا يفترض في التحقيق العلمي: أن يشار فيه إلى كل ذلك؟

-         وألا تفترض الأمانة العلمية: أن يوضح ذلك، ويبين؟

-        فلماذا لم تفعل ذلك؟!

-        إن ذلك التقليد وتلك المتابعة لما ذكره الدكتورعزة حسن، هو الذي جعلك تنزلق للاعتقاد بأن كتاب:

-" العمدة" مختصر من كتاب تفسير المشكل من غريب القرآن على الايجاز والاختصار "-

 وإضافة للأدلة التي ذكرتها في مقالتي عن عدم صحة ذلك أقول لك:

لو أنك عقدت مقارنة بين " غريب سورة الفاتحة "-كما ورد في

" المشكل"، وبين غريب سورة الفاتحة كما ورد في العمدة –:

 لظهر لك أن هذا، لايمكن أن يكون مختصرا من هذا، وأن لاوجه لفكرة الاختصار أصلا.

جاء في تفسير المشكل:

 -يوم الدين: يوم الجزاء.

-الصراط: الطريق: وهو دين الاسلام.

- والمغضوب عليهم: اليهود.

-الضالين: النصارى.

وجاء في العمدة:

 الحمد: الشكر.

العالمين: الخلق.

 ملك: معناه: السلطان القاضي في ملكه.

مالك: القادر الحاكم بما يرى.

 يوم الدين: يوم الجزاء.

 الصراط: الطريق.

 المستقيم: المستوي – يعني: الإسلام-

أنعمت عليهم: يعني النبيين ومن أسلم معهم.

المغضوب عليهم: يعني: اليهود.

 الضالين: يعني: النصارى.

فأي عاقل يرى: أن ما جاء في كتاب "العمدة " يعتبر مختصرا من كتاب"تفسير المشكل" انظر معي:

 كلمة "يوم الدين":

 فسرت في " المشكل" ب "يوم الجزاء"

 وفي "العمدة ": ب "يوم الجزاء".

فأين الاختصار. ؟

كلمة "الصراط"

 فسرت في "المشكل" ب "الطريق"، أو هو دين الاسلام.

وفي " العمدة" ب "الطريق المستوي "-يعني الاسلام-.

فأين الاختصار في ذلك؟

كلمة " المغضوب عليهم"، وكلمة" الضالين ":

 فسرتا باليهود، والنصارى -في الكتابين-فأين الاختصار؟

 ثم زاد كتاب"العمدة" على كتاب" المشكل" كلمات:

  " الحمد-العالمين-ملك- أنعمت عليهم."

 فإذا كانت الكلمات المشتركة لم يجر فيها اختصار، وزاد كتاب "العمدة" خمس كلمات على كتاب"المشكل "

 فلو قلنا بوجوب الاختصار، لقلنا:

 إن "المشكل" مختصر من "العمدة".

-        علما بأن الاختصار غير وارد أصلا، كما بينتُ لك-

-         فلو أنك عقدت مثل هذه المقارنة: لم تنزلق الى فكرة الاختصار هذه. فلماذا لم تفعل ذلك؟!

إن ما ذكرته لك في هذه الأسئلة، كلها حقائق ناصعة، لا تقبل الجدل. وليست شكوكا يمكنك تبديدها، أوأوهاما تستطيع ردها –على حد تعبيرك :-

أما الأمور الأخر-التي وجدتها في مقالتي فسأجيبك عنها واحدة،   واحدة -:

تقول بأنني حققت الكتاب، ولم أنشره بعد. وهذا حق.

- وقد توقفت عن ذلك بعد أن تحققت من عدم صحة نسبة الكتاب إلى مكي بن أبي طالب القيسي.

تقول بأنني أشك بنسبة الكتاب لمكي بن أبي طالب -وقد تكررت منك مثل هذه العبارة كثيرا –

 والصواب: أنني أجزم – ولا أشك – بعدم صحة نسبة الكتاب إلى مكي،  وقد بينت ذلك بالأدلة القاطعة.

تقول بأنني أتهم ناسخ المخطوط بالجهل-عند كتابته عنوان المخطوط-والعبارة كما أوردتها في مقالتي:

 " وأول ما نلاحظه على هذا الكلام – أي: -كلام الناسخ في إيراده عنوان الكتاب –:

أن الناسخ لهذا الكتاب: لم يكن على قدر من العلم، يسمح له بأن يحسن كتابة عنوان الكتاب، دون اضطراب. ثم قلت بعد ذلك:

- وكما كان هذا الناسخ جديرا بالخطأ في عنوان الكتاب فقد كان جديرا أيضا بالخطأ في اسم المؤلف -.

ولا أدري إذا كان الأخ المحقق يوافقني فيما ذهبت إليه أو لا؟

 فإذا كان يوافقني فلماذا الاعتراض على ذلك، والاستنكار له ؟! 

وإن كان يخالفني فقد قال في شأن هذا الناسخ في مقالته التي يرد بها على:

 " ومثل هذا الاضطراب كثير الوقوع في ترائنا المخطوط، ويعود ذلك لثقافة الناسخين، ومعرفتهم بالرجال والكتب"

 ثم يقول بعد ذلك:

 " إن مثل هذا الاضطراب: يدفعنا للقول بأن الناسخ لم يكن يحفظ اسم الإمام مكي بن أبي طالب ".

 والسؤال الموجه إلى الأخ المحقق:

 هل يتهم الناسخ – بناء على كلامه السابق – بالجهل، أو بالعلم ؟!

4-     يقول عني بأنني أطعن على الدكتورعزة حسن، لأنه نسب الكتاب لمكي، في فهرس مخطوطات القرآن الكريم، في المكتبة الظاهرية. والجواب عن ذلك:

 أنني بينت خطأ الدكتور عزت حسن-في قراءته لاسم المؤلف، واعتذرت له-وهذا ليس طعنا، وإنما هو نقد علمي لخطأ، هو من طبيعة البشر-وكان على الأخ المرعشلي أن يبتعد عن مثل هذه العبارات التي ليست دقيقة في دلالتها، والتي يقصد من ورائها تقوية موقفة الضعيف.

- ولا يستطيع بمثل هذه العبارة أن يوقع بيني وبين الدكتور عزة حسن، لأن اختلاف الرأي: لا يفسد للود قضية.

5-     أما قوله:

6-     " بأنني اتهمت اللجنة الفاحصة، التي ناقشته، لأنها هي الأخرى وافقت على نسبة لكتاب لمكي بن أبي طالب، ومنحته به درجة علمية".  فأجيب عنه بما يلي:

 إن ما قلته بالحرف الواحد:

 " ...وبخاصة أن الأخ المرعشلي قد أغفل نسبة الكتاب إلى المؤلف، ولم يتعرض لها لا من قريب، ولا من بعيد. مع أن هذا الأمر من الأوليات التي يجب أن يلتفت إليها المحقق، ويأخذها بعين الاعتبار. ويتأكد ذلك إذا كان سينال بتحقيقه درج علمية، وكان المفترض في لجنة المناقشة أن تنبهه إلى هذه النقطة الهامة، التي أغفلها ليعود إليها بالدراسة والتمحيص، ولكن يبدو أيضا أن الأمر قد فاتها هي الأخرى ".

 والذي يقارن بين كلامي هذا، وكلام الأخ المرعشلي:

 يرى الفرق واضحا بين ما قصدته من كلامي، وما قصده هو من تفسير كلامي. وبالإمكان أن أصوغ كلامي السابق على طريقة الأسئلة الموجهة إلى الأخ المرعشلي، فأقول له:

هل أغفلت نسبة الكتاب إلى المؤلف، ولم تتعرض لها لا من قريب، ولا من بعيد-مع أنها من الأوليات التي يجب أن يلتفت إليها المحقق-؟!  ولماذا فعلت ذلك ؟!

ألا يتأكد عليك وأنت تقوم بتحقيق كتاب لتنال به درجة علمية توثيق نسبته إلى مؤلفه؟  فلماذا لم تفعل ذلك ؟! ألا يفترض في لجنة المناقشة أن تنبهك إلى هذه النقطة الهامة التي أغفلتها لتعود إليها بالدراسة، والتمحيص؟ فهل فعلت اللجنة ذلك؟ إذا لم تفعل اللجنة ذلك. ألا يكون الأمر قد فاتها هي الأخرى؟ هذا ما قصدته بكلامي، ولا يحتمل ما أردته من تقوية موقفك الضعيف بلجنة المناقشة. يقول الأخ المرعشلي بأنني اتهمته – كمحقق للكتاب – لأنه نسبه إلى مكي. ولا أدري بماذا اتهمته، فأنا لم أتهمه بشيء، وإنما بينت له خطأه -في نسبة الكتاب إلى مكي، وفي اعتقاده أنه مختصر من كتاب تفسير المشكل من الغريب -.

هذه الأمور الستة التي أشار إليها الأخ المرعشلي في مطلع مقالته قد أجبته عنها واحدة، واحدة. وكنت أفضل له أن لا يلجأ إلى هذا الأسلوب الصحفي، الذي يعتمد على الإثارة، ويبتعد عن الدقة العلمية، حيث يستعمل كلمات:  " الاتهام "، و " الطعن" - والتي يستفاد منها التجريح الشخصي ، أكثر مما يستفاد منها النقد العلمي- ولعله يتدارك ذلك مستقبلا.

أما الأمر السابع الذي تبين للأخ المرعشلي من مقالتي، والذي بنى عليه معظم مقاله فهو ترشيحي نسبة الكتاب إلى أبي طالب المكي – محمد بن علي بن عطية الحارثي – فقد قال الأخ المرعشلي في هذا:  " أما وقد نشر الأستاذ فرحات مقالته: فلقد رأيت من واجبي كمحقق للكتاب: أن أتثبت من قوله، وأعيد النظر في عملي، وأن أبين للقراء صحة نسبة الكتاب للإمام مكي وللأخ الدكتور خطأه الفادح، بما لا يدع مجالا للشك والوهم "

 ثم يقول:

 " كان على الدكتور-سامحه الله – قبل أن ينشر مقالته أن يتحقق من أمره ويتثبت من معلوماته، حول المخطوطة التي رفع عليها بنيان شكه ويا ليته أعلمنا عن المصادر التي ذكرها، وعن رقمها، حسبما يقتضيه المنهج العلمي في التحقيق، أو عن رؤيته لهذا الكتاب، أو رؤية أحد الثقات له، ولكنه اكتفى بقوله:

 "وله تفسير محفوظ في خزانة القرويين بفاس من المملكة المغربية" ولقد راجعت فهارس خزانة القرويين بفاس، فلم أجد ذكرا لهذا التفسير...

تم يذكر بعض فهارس المخطوطات التي هي مظنة لوجود هذا التفسير، كما يذكر كتب التراجم التي ترجمت لأبي طالب المكي، كما يذكر المعاجم، والموسوعات، التي عنيت بالكتب والمؤلفين.

 وكلها لم يرد فيها ذكر لتفسير أبي طالب المكي. وقبل أن أجيب الأخ المرعشلي على هذه النقطة، أحب أن أوضح أمرين:

الأمر الأول: أن عدم صحة نسبة كتاب " العمدة " إلى مكي بن أبي طالب شيء.

 وأن نسبته إلى أبي طالب المكي شيء آخر.

  وإننا لو فرضنا جدلا أن نسبة الكتاب لأبي طالب المكي لم تصح. فليس معنى ذلك أن نسبته إلى مكي بن أبي طالب القيسي صحيحة.

 فنحن في الواقع أمام قضيتين، لا قضية واحدة:

القضية الأولى: أن نسبة كتاب " العمدة " إلى مكي بن أبي طالب لا تصح، لأدلة علمية ذكرتها في مقالتي السابقة.

والقضية الثانية: ترشيح نسبة الكتاب إلى أبي طالب المكي. وهذا أمر يتوقف الجزم به على مقابلة بين كتابي

 : " العمدة " و" تفسير أبي طالب المكي "- الموجود في خزانة القرويين بقاس - كما أشرت إلى ذلك في مقالي السابق –

 فإذا لم يصح ذلك. فهذا لا يعني أن نسبة الكتاب إلى مكي هو حل للمشكلة. وإنما ينبغي أن يبحث عن المؤلف الحقيقي للكتاب.

أما عن تفسير أبي طالب المكي-الموجود في خزانة القرويين بفاس-فأطمئن الأخ المرعشلي أنني متحقق من أمري، ومتثبت من معلوماتي  حول المخطوطة التي رفعت عليها بنيان ترشيحي لنسبة الكتاب إلى أبي طالب المكي-ولم أرفع عليها بنيان شكي في صحة نسبة الكتاب إلى مكي القيسي-كما يقول –

 وأن بإمكاني أن أعطية المصدر الذي ذكرها، ورقمها -حسبما يقتضيه المنهج العلمي في التحقيق – وذلك على حد تعبيره -.

جاء في المجلد الأول من لائحة المخطوطات الموجودة بخزانة القرويين بقاس التي أعدها محافظها تحت عنوان:

 سلسلة التراث المخطوط (6) 1973ما يلي:

 (الرقم) / 937 أبو طالب المكي محمد علي – تفسير القرآن (1) السلطان أحمد المنصور عام (1011) النصف الأول منه في سفر متوسط بخط مشرقي.

- وقد اطلعت على هذا المجلد وغيره من فهارس المخطوطات في الخزانة العامة في الرباط عام 1979م.  أثناء رحلتي العلمية لشمال افريقية، والتي كلفت فيها من قبل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بحصر المخطوطات المتصلة بالتفسير وعلوم القرآن في تلك المنطقة – وهو فهرس مطبوع على الآلة الكاتبة – ثم تبين لي بعد ذلك أن تفسير أبي طالب المكي هذا كان ضمن القائمة التي تقدمت بها جامعات المملكة العربية السعودية إلى المغرب بطلب تصويرها ولم يصل من هذه القائمة إلا الكتب الموجودة في الرباط.  أما الكتب الموجودة في فاس، وغيرها من مدن المغرب، فلم تصل بعد، وكنت أؤخر الكتابة عن كتاب:

" العمدة " على أمل وصول النسخة الخطية من تفسير أبي طالب المكي هذا.

وبهذا يتبين للأخ المرعشلي أنني لا أصدر في كتابتي عن هوى معين. وأنني ملتزم بالمنهج العلمي الذي يتطلبه التحقيق،  وأنني لم أغفل ذلك إلا اختصارا.  وكان على الأخ المرعشلي أن يكون أقل اندفاعا في كلامه، وأكثر تواضعا، وأن يترك لنفسه فرصة للتراجع حينما يتبين له الحق.

وأما ما ادعاه الأخ المرعشلي من أن ترشيحي لنسبة كتاب:

 " العمدة " لأبي طالب المكي ،  هو مجرد ترشيح غير قائم على أي مستند ثابت ، أو نص واضح ، وترشيح باطل لا يصح ، لأن أبا طالب رجل صوفي لم يشتغل بالقرآن، ولا بالقراءات ولا باللغة ،-  على حد تعبيره – فإنني أقول جوابا عن ذلك :

  إن هذا الترشيح مبني على ما جاء في الورقة الأولى من المخطوط التي نص فيها على أن اسم المؤلف:

 الإمام الأوحد: أبو طالب مكي – رحمة الله عليه – فهذه هي القرينة الأولى التي ترشح نسبة الكتاب إلى أبي طالب المكي، وهي وأن كانت غير كافية في إثبات النسبة، إلا أنها كافية في الترشيح. ويبقى بعد ذلك اختبار صحة هذا الترشيح، بناء على المعلومات المتاحة في هذا المجال.

أما القول بأن أبا طالب المكي رجل صوفي، فهذا حق لاريب فيه.  وأما القول " بأنه لم يشتغل بالقرآن، ولا بالقراءات، ولا باللغة ".

 فهذا الذي يطالب الأخ المرعشلي بإقامة الدليل عليه.

  فهل وجد الأخ المرعشلي نصا في ذلك من أحد الذين ترجموا له؟

 وأين وجد ذلك؟ وفي أي كتاب؟!

  إن كل ما نقله الأخ المرعشلي في ترجمة أبي طالب المكي: يثبت تصوف الرجل ، وليس فيه ما يثبت عدم اشتغاله بالقرآن، والقراءات واللغة.

  فكيف يقول الأخ المرعشلي عن الرجل: ما لا علم له به ؟!

لا شك أن الأخ المرعشلي لم يجد نصا فيما يدعيه على الرجل.

 وإنما اعتمد في ذلك على استنباطه، واستنتاجه، لأنه صرح بذلك فيما بعد حين قال:

 " فمثل هذا العلم الصوفي: لا يعقل أن يؤلف تفسيرا للغريب في القرآن، يقتصر على اللغة، لأنه ليس بالرجل اللغوي.

 والصوفيون عندما يفسرون القرآن: يفسرونه بمنهجهم الخاص بهم،  

-        كما نرى في " لطائف الإشارات " للإمام القشيري،

-         ولا يظهر هذا المنهج في كتاب " العمدة ".

 فكيف يسمح الأستاذ فرحات لنفسه أن يظن أنه مؤلفه؟

ونقول للأخ المرعشلي :

 " لماذا لا يعقل أن يؤلف عالم صوفي تفسيرا للغريب "؟

 وهل يوجب التصوف على صاحبه عقلا: أن لا يشتغل بالقرآن، والقراءات، واللغة ؟

 وأين يجد الأخ المرعشلي النص على مثل هذه الاستحالة العقلية ؟!

 هل يجدها عند المتكلمين الذين يحكمون العقل والمنطق في جدلهم؟

 أو يجدها عند المتصوفة وأرباب السلوك؟!

 أو يجدها عند غيرهم من أهل العلم ؟!

إن التبحر في العلوم أمر مباح للجميع عقلا، وشرعا. وليس هناك مانع عقلي، أو شرعي، يمنع أي أنسان من القراءة، والا طلاع، وطلب المعرفة، في أي علم من العلوم، أو فن من الفنون.

ولم يكن طلب علوم القرآن في يوم من الأيام جائزا عقلا، وشرعا، لكل الناس. وغير جائز بالنسبة للمتصوفة.

  ومن هنا نجد كثيرا من العلماء غلب عليهم الاشتغال بعلم من العلوم، ولكنهم في نفس الوقت لم يهملوا العلوم الأخر، بل إنهم شاركوا فيها وألفوا وكتبوا. وكثيرا ما نجد مثل هذه العبارة في تراجم علمائنا :

 "مكي بن أبي طالب القيسي: النحوي، الفقيه، الأديب، المقريء المفسر. غلب عليه الاشتغال بعلوم القرآن، والقراءات "

  ولذلك وصف بالمقري، مع أنه شارك في النحو والفقه، وغيرها من العلوم.

بل إن كثيرا من علماء السلوك والتصوف-وبخاصة المتقدمين منهم – قد شاركوا فعلا في التفسير وعلوم القرآن. وأذكر على سبيل المثال:

 الحارث المحاسبي-الذي يعتبر أستاذا لمن جاء بعده من علماء الصوفية-حيث ألف كتابا بعنوان:

 " فهم القرآن "

 وقد عرض فيه لبعض علوم القرآن كالمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ وغيرها -وقد حققه حسين القوتلي مع كتاب مائية العقل ونشرهما في مجلد واحد –

 فلو أنك – رجعت إلى كتابه هذا-لرأيته في مستوى لا يقل ، إن لم يزد على مستوى المتخصصين في مثل هذه العلوم رغم غلبة التصوف والسلوك على مؤلفاته الأخرى ،  ولم يعالج موضوعات كتابه هذا على طريقة المتصوفة الإشارية، وإنما عالجها على طريقة المفسرين واللغويين.

ثم إن الحكيم الترمذي الذي غلب عليه أيضا الاشتغال بالتصوف والتأليف فيه له مؤلف في الغريب يحمل عنوان:

 " تحصيل نظائر القرآن "- وقد طبع في مصر منذ سنوات-وهو يعتمد على اللغة بالدرجة الأولى، فلم يكن تصوفه بمانع له من التأليف في غريب القرآن.

وإذا نظرت إلى المتأخرين من المتصوفة وجدت الآلوسي الصوفي يؤلف تفسيره الكبير " روح المعاني" وهو يعتمد بالدرجة الأولى على طريقة المفسرين الذين سبقوه وإن كان يحاول أن يفسر الآيات. تفسيرا إشاريا بعد انتهائه من التفسير اللغوي، وبهذا تعلم أن الذي يهتم بالتفسيرالاشاري لا ينكر التفسير اللغوي، وإنما يحاول الجمع بينهما كما فعل الآ لوسي، فهو لا يرى تعارضا بينهما. بل إن تقديمه للتفسير اللغوي، يشير إلى أنه الأصل.

ومن هذه الأمثلة يتبين لك أنه ليس هناك مانع عقلي، يمنع المتصوف من المشاركة في التفسير وعلوم القرآن، كما أن الواقع التاريخي يثبت لك أن المتصوفة قد شاركوا في هذه العلوم فعلا، وأنه ليس هناك مانع عقلي أوشرعي أو واقعي يمنع أبا طالب المكي أن يؤلف تفسيرا للقرآن على طريقة المفسرين. والحكم على تفسيره من أي نوع كان، إنما يتوقف على رؤية هذا التفسير، ودراسته.

 ولهذا فإن الجزم بنسبة كتاب " العمدة في غريب القرآن "إليه، أو عدم صحة هذه النسبة، إنما يتوقف على الاطلاع على هذا التفسير. وإذا ثبت لنا بعد الاطلاع عدم صحة نسبة كتاب " العمدة " إليه. فهذا لا يعني صحة نسبة الكتاب إلى مكي بن أبي طالب، إلا إذا قامت الأدلة العلمية على ذلك .

 وحتى الآن لم تقدم لنا دليلا واحدا مقبولا من الناحية العلمية على صحة نسبة الكتاب إلى مكي ، إلا ما ذكر على الصفحة الأولى من المخطوطة من اسم المؤلف، والذي اعترفت بأنه ليس نصا صريحا في الموضوع، لاحتمال شموله لأبي طالب المكي. والمعروف أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال .

وأما ادعاء الأخ المرعشلي بأن اسم أبي طالب المكي " محمد بن علي بن عطية الحارثي " لم يذكر على الكتاب. فالمعروف أن النساخ كثيرا ما يلجؤون إلى الاختصار. وحينما يشتهر العلم بكنيته، ونسبته. فكثيرا ما يعبرون بهما عن العلم، كما يقال:

 " أبو جعفر الطبري " و " أبو بكر الأدفوي " و " وأبو جعفر النحاس "

و " وأبو عيسى الترمذي " وأمثال هذا في تراثنا أكثر من أن يحصى. وعلى هذا جاء أبو طالب المكي لأنه اشتهر بكنيته ونسبته، فغلبت على اسمه الحقيقي، فصارت كأنها علم بالغلبة.

وأما استشهاد الأخ المرعشلي بقولي:

 " إن مكي إذا ذكر في مجال التفسير وعلوم القرآن: انصرف إلى مكي بن أبي طالب القيسي ".

 فهذا كلام صحيح لا غبار عليه، ولكن الأخ المرعشلي نسي كلمة

 " أطلق " التي تعني" مكيا " فقط-دون أن يكون معها ما يقيد هذا الإطلاق-

 وأنها بالنسبة لما جاء في الصفحة الأولى من مخطوطة كتاب " العمدة " لم تأت مطلقة، وإنما جاء قبلها الكنية: " أبو طالب "، والتي هي كنية محمد بن علي بن عطية الحارثي.

وأما بالنسبة للمقدمة فإنما أردت تسجيل ملاحظة فقط، لأن جميع الكتب التي انتهت إلينا من كتب مكي كانت بمقدمات لم يشذ منها واحد عن ذلك. فهي على كل حال أمر لافت للنظر بالنسبة لكتاب " العمدة " !

وقد تفيد مع غيرها من القرائن، في تأكيد عدم صحة نسبة الكتاب إلى مكي،  وإن كانت وحدها لا تصلح قرينة في هذا المجال .

وفي مجال اختلاف كتاب العمدة عن كتب مكي الأخر في التفسير، فهذا أمر أساسي لابد من اعتباره - إذا أردنا التثبت من صحة نسبة الكتاب إلى مؤلفه الحقيقي حينما تكون القرائن الأخر غير كافية - لأن روح المؤلف وأسلوبه ، بل وبعض الكلمات الخاصة ، التي يكثر تردادها تكون معالم هادية في طريق إثبات نسبة الكتاب إلى مؤلفه الحقيقي ، فكيف إذا كانت العبارات تتشابه ، أو هي هي في كثير من الأحيان -.

وأما الاشتراك والتداخل في ذكر الكلمات الغريبة بين كتابي:

 " العمدة " و " ومشكل الغريب "

 فإنما قصدت به أنهما لو كانا لمؤلف واحد، لكان لابد أن يكون لكل منهما منهج يميزه عن الآخر.

والواقع أن ذكر كثير من الكلمات في الكتابين على طريقة واحدة، ينفي وجود منهج خاص بكل واحد منهما، الأمر الذي يستبعد معه أن يكونا لمؤلف له منهجيته العلمية التي تظهر في كل مؤلف من مؤلفاته.

وأما ادعاء الأخ المرعشلي بأن مؤلف كتاب "العمدة " يفسر الكلمة الواحدة بألفاظ مغايرة كقوله:

 " بعثر ": أثير –العاديات: 9-

 و " بعثرت ": انتثرت – الانفطار: 4-

 وكقوله: " المبلس": الحزين المبهت– الأنعام: 44-

 فإننا نقول في الجواب عن ذلك:

 إن الصواب ما جاء في سورة " العاديات" من أن " بعثر " بمعنى" أثير " وأما ما جاء في سورة الانفطار من أن " بعثرت " بمعنى " انتثرت " فهو غير دقيق.   لأن:

 " انتثرت " فعل مبني للمعلوم و " بعثرت ": فعل مبني للمجهول. وتفسير الفعل المبني للمجهول يكون بمثل فعله.

 وأما كلمة " المبلس " التي وردت في الأنعام وفسرت بــ " الحزين المبهت " فهي بنفس المعنى الذي وردت به كلمة " المبلس " في سورة " المؤمنون ".

 كل ما هنالك أن المحقق الفاضل هو الذي صحف كلمة " الحزين المنقطع عن حجته "

 إلى كلمة " المتحير المنقطع عن حجته "

 ولو رجع الأخ المرعشلي إلى مخطوطته لتبين له خطأ قراءته لكلمة

" الحزين " حيث جعلها " المتحير "

-        وكما فعل هو في هذه الكلمة فقد فعل مثله الناسخ في كلمة " أثيرت"-حيث حولها إلى " انتثرت ".

-         وبناء على ذلك فلا يصح أيضا ما أراد المحقق أن يبينه على هذه المقدمة الخاطئة.

ونعود بعد ذلك إلى ما سماه الأخ المرعشلي أمرا تافها وهو تساؤلنا الملح منذ عشرة أعوام عن سبب كتابة مكي كتابين في موضوع واحد وهما كتاب

" العمدة في غريب القرآن " و كتاب " تفسير المشكل من غريب القرآن على الإيجاز والاختصار " الذي هو أصل لكتاب " العمدة "

 – كما يدعي الأخ المرعشلي – وقياسه وجود هذين الكتابين على كتب مكي الأخر:

- كالإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخة، والإيجاز لناسخ القرآن ومنسوخه، وككتاب " شرح كلا وبلى ونعم " وكتاب " اختصار الوقف على كلا وبلى ونعم ".

ونقول للأخ المرعشلي : إن فكرة اختصار كتاب العمدة من كتاب" تفسير المشكل من غريب القرآن على الإيجاز والاختصار " فكرة لا تصح . وآمل أن ترفعها من ذهنك نهائيا.

 ولو أن الدكتورة عزة حسن أتيح له من الوقت ما يقارن به بين الكتابين لما قال ما قال، من فكرة الاختصار هذه. وآمل ألا تعود إلى الكلام في هذه النقطة بالذات، لأنه لا يجوز الدفاع عنها أصلا. وبخاصة أن كتاب تفسير المشكل جاء على الإيجاز والاختصار كما قال مؤلفه.

وأما قياسك لكتابي " العمدة " و " المشكل " على كتابي " الإيضاح" و"الإيجاز" فهو قياس مع الفارق.

لأن كتاب " الإيضاح " كتاب كبير مطول عرض فيه مكي أصول النسخ واختلاف الناس فيه. وهذا واضح من عنوان الكتاب:

 " الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ومعرفة أصوله واختلاف واختلاف الناس فيه ". وقد أسهب فيه كثيرا في استعراض الأقوال وبيان الخلاف وتوسع في الشرح، ولا يكاد القارئ ينتهي من الكتاب حتى يشعر بالحاجة إلى تلخيصه. كما أن هناك بعض الناس الذين لا يريدون معرفة الأقوال والاختلافات، وإنما يريدون معرفة النتائج النهائية، فكانت الحاجة ماسة إلى كتاب يلبي هذه الحاجة فجاء لذلك كتاب الإيجاز استجابة لهذا المطلب.

 ومثل ذلك يقال في كتاب " شرح كلا وبلى ونعم والوقف على كل واحدة منهن في كتاب الله عز وجل "، وكتاب اختصار القول في الوقف على كلا وبلى ونعم " حيث لبى في الكتاب الأول حاجة المفسرين المتطلعين للتوسع في المعرفة، ولبى في الثاني حاجة القراء المهتمين بالتلاوة والذين لا يريدون التوسع في معرفة الاختلاف.

أما كتاب " المشكل من الغريب " فهو على " الإيجاز والاختصار ". فكيف يختصر في العمدة ؟!

 يضاف إلى ذلك أن مكيا نفسه صرح بعمله للكتابين – شرح كلا واختصار الوقف – مبينا الحاجة إلى مثل هذا العمل.

 ويضاف إلى ذلك أيضا أن الكتب التي لمكي، أو التي عنيت ببيان كتبه، قد ذكرت هذه الكتب الأربعة، التي تقيس عليها.

 ثم إن هذه الكتب وجدت وهي تحمل اسم المؤلف صريحا عليها.

وبالنسبة للمصادر التي جاء في بعضها " تفسير المشكل من غريب القرآن على الإيجاز والاختصار "، وفي بعضها " غريب القرآن " وأن المراد بهما كتاب واحد. فهذا أمر لا يحتاج إلى دليل لشدة وضوحه.

وذلك أن المترجمين كثيرا ما يلجؤون إلى الاختصار وبخاصة حينما يكون اسم الكتاب كبيرا – كما هي عادة مكي في كتبه – " تفسير المشكل من غريب القرآن على الإيجاز والاختصار " فمثل هذا العنوان الكبير يغري بالاختصار ولا شك. وتبقى كلمة " غريب القرآن " أدل على المقصود من بقية الكلمات الأخر. ومثل ذلك يقال في كتابه " تفسير مشكل إعراب القرآن " حيث جاء في بعض المصادر – باسم " إعراب القرآن" فظن الأستاذ إبراهيم الأبياري أنهما كتابان وجعل كتاب " إعراب القرآن " المنسوب للزجاج لمكي بناء على ذلك.

. وقد بينت خطأ ما ذهب إليه الأستاذ الأبياري في رسالتي " مكي بن أبي طالب ... وتفسير القرآن الكريم " كما رد عليه الأستاذ المحقق أحمد راتب النقاخ في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق.

 وكذلك كتاب" الإيضاح " فقد ورد في بعض النسخ الخطية-كنسخة تركية-" الناسخ والمنسوخ لمكي " وأمثال هذا كثير، لا يحتاج إلى تفصيل وبيان. وقد أشرت إلى كثير من ذلك في رسالتي: " مكي بن أبي طالب وتفسير القرآن ".

وأما كتاب " المسترضى في قوله تعالى: " ولسوف يعطيك ربك فترضى "

-والذي لم يرد ذكره في المصادر التي ترجمت لمكي -فإنني أفيد الأخ المرعشلي بأنني اطلعت على هذا الكتاب في دار الكتب، منذ بدأ اهتمامي بمكي، وكتبه. وأنني لدى قراءاتي له وتفحصي لما جاء فيه لم أجد بينه وبين مكي أي صلة قربى أو نسب. فتركته جانبا، ولم ألتفت إليه بعد ذلك لقناعتي بأنه ليس له، ثم تبين لي أن هناك مؤلفا آخر ذكر اسمه على نسخة أخرى تحمل نفس العنوان وهو

 " المسترضي في الكلام على تفسير قوله تعالى:" ولسوف يعطيك ربك فترضى " لمنصور الطبلاوي 1014 هــ خط التيمورية رقم 432. فإذا ثبت أنهما كتاب واحد، فلابد أن يكون المؤلف " منصور الطبلاوي "، لأنه ليس لمكي كتاب بهذا الاسم، في أي مصدر من المصادر.

 ولأن مكيا الذي أفرد كتبا خاصة لبعض الآيات، لم يغفل ذلك في تفسيره الهداية، وإنما كان يحيل إلى هذه الكتب المفردة كأن يقول: " وقد أفردنا لهذه الآية كتابا مفردا لسعة الكلام فيها ". أو يقول وقد شرحنا هذه الآية بأبين من هذا في كتاب مفرد ". وهو يلتزم بذكر ذلك في كل آية أفردها بكتاب خاص. وحينما نأتي إلى قوله " ولسوف يعطيك ربك فترضى " في كتاب الهداية: لا نجد إشارة إلى أنه أفردها بكتاب خاص. وبذلك لا يقوم أي دليل على صحة نسبة هذا الكتاب أيضا إلى مكي بن أبي طالب .

 وعلى من يريد الإثبات أن يأتي بالأدلة العلمية المقبولة في هذا الموقف، وغالبا ما يكون مثل ذلك من خطأ النساخ، أو واضعي الفهارس.

كما وجدت في فهارس الخزانة العامة في الرباط:

 كتاب " الوقف " لأبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي. وهي رائية في أبيات (131) على مقروء الإمام نافع، وقد جاءت تحت رقم 672 (51371) وقد تفحصتها أثناء زيارتي للمغرب يوم 22/7/ 1971. وقد جاء في أول الكتاب: " قال القيسي شيخ الجماعة ". ولم يرد على غلاف الكتاب: اسم المؤلف. وخطر لي أن يكون واضع الفهارس اجتهد في نسبة الكتاب إلى مكي من ورود كلمة " القيسي شيخ الجماعة " في أول الكتاب، أو ربما يكون هناك قرائن أخر، فسألت القائمين على قسم المخطوطات عن ذلك؟ فقالوا: ليس هناك أية قرينة غير كلمة " القيسي شيخ الجماعة "، وأنها هي التي رشحت الكتاب إلى مكي، حسب اجتهادهم. ومثل هذا لا يكفي في إثبات صحة نسبة الكتاب إلى المؤلف.

وختاما فإن كتاب العمدة في غريب القرآن لا يقوم أي دليل علمي حتى الآن على صحة نسبته إلى مكي بن أبي طالب القيسي، وبالنسبة لي فإنني أجزم بعدم صحة نسبة الكتاب إلى مكي. وأما ترشيحي نسبة الكتاب إلى أبي طالب المكي: فهو مجرد افتراض، يحتاج إلى تحقيق، بمقابلة كتاب"العمدة"  بكتاب" تفسير أبي طالب المكي ، فإذا لم يصح ذلك، فلا يعني هذا أن نسبته إلى مكي بن أبي طالب القيسي صحيحة ، وإنما يجب أن يبحث عن مؤلفه الحقيقي. فالقضيتان مختلفتان ، وليس إثبات الأولى منهما متوقفا على نفي الثانية .

 وإذا ما أراد الأخ المرعشلي إثبات صحة نسبة الكتاب إلى مكي، فما عليه إلا أن يبحث عن الأدلة العلمية التي تصلح في هذا المجال، والتي لا يملك منها حتى الآن دليلا واحدا.

أما محاولته إبطال ترشيح نسبة الكتاب إلى أبي طالب المكي فلا يفيده فيها إلا أن يقارن بين كتاب العمدة، وكتاب تفسير أبي طالب المكي. فإما أن يثبت هذا الترشيح نتيجة المقارنة. وإما أن ينهار.

 وفي حالة الإنهيار عليه أن يبحث عن المؤلف الحقيقي للكتاب. وأرجو الله له من كل قلبي التوفيق والسداد. ويعلم الله أنني لم أكتب ما كتبت إلا بيانا للحقيقة، التي توصلت إليها بعد جهد، وبحث. وأنني لم أقصد من الكتابة الانتقاض من أحد، وإنني أتمنى أن يستطيع الأخ المرعشلي إثبات صحة نسبة الكتاب إلى مكي، فإن هذا مما يسرني ويفرحني. ولو أردت أن أطاوع هواي لكنت معه فيما ذهب إليه، ولكن يمنعني من ذلك الحقائق العلمية الصارخة، التي انتهيت إليها، والتي فرضت نفسها علي. بل والتي لا يمكن الوقوف أمامها ، لأن دون ذلك خرط القتاد .

- وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ،،،،، -

وسوم: العدد 779