نصائح الشعراء نعم المقتنى (مع الشاعر المتنبي)

بعد الوقفة السابقة مع الشاعر صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي في قصيدته التي ضمّنها حكما ونصائح ثمينة ، ارتأيت  الوقوف وقفة أخرى مع الشاعر أبي الطيب المتنبي إلا أنني اخترت أبياتا مشهورة من  بعض قصائده  تتضمن حكما ونصائح غالية  بعضها يجري مجرى الأمثال . وقد أرفقت كل بيت بتعليق وجيز قد يفيد  في استشراف بعض ما قصد الشاعر إلا التعليق لن يتعلق بغبار أقواله.

يقول الشاعر المتنبي رحمه الله تعالى :

ـ أظمئتني الدنيا فلما جئتها = مستسقيا مطرت علي مصائب

هذا حال الظمآن الذي يرى سرابا فيظنه ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا .

ـ ومن صحب الدنيا طويلا تقلبت = على عينيه حتى يرى صدقها كذبا

هذا حال الدنيا التي لا تدوم على حال ، من وثق فيها بشيء اليوم ضاع منه في غده.

ـ إذا أنت أكرمت الكريم ملكته = وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

الناس معادن كرام ولئام ، دأب الكرام الاعتراف بالجميل ، ودأب اللئام نكرانه.

ـ أعز مكان في الدنى سرج سابح = وخير جليس في الزمان كتاب

هذا حال الذي يجد الراحة في الظعن ، ويعشق مطالعة الكتب .

ـ عش عزيزا أو مت وأنت كريم = بين طعن القنا وخفق البنود

هذا حال الذي لا يرضى بالذل والهوان فإما أن يعيش عزيزا أو يموت كريما.

ـ ما كل ما يتمنى المرء يدركه = تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

أماني الإنسان  في الحياة لا حصر لها، ولكن لا يتحقق منها إلا اليسير .

ـ ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى = عدوا ما من صداقته بد

هذا حال الحر صاحب الإباء الذي تضطره الظروف إلى مصاحبة عدوه.

ـ فإن قليل الحب بالعقل صالح = وإن كثير الحب بالجهل فاسد

لا خير في حب لا يتحكم فيه العقل .

ـ وكاتم الحب يوم البين منهتك = وصاحب الدمع لا تخفى سرائره

هذا حال المحب عند الفراق ينكشف سره وإن  حاول التكتم أو تفضحه دموعه .

ـ وإذا أتتك مذمتي من ناقص = فهي الشهادة بأنيّ كامل

الكمّل من الناس لا يضيرهم ذم السفلة  لهم وإنما يكون ذمهم شهادة على كمالهم.

ـ إذا رأيت نيوب الليث بارزة = فلا تظنّن أن الليث يبتسم

هذا يقال للذي يسيء التقدير، فيستهين بما لا يستهان به .

ـ ومن يك ذا فم مر مريض  = يجد مرا به الماء الزلالا

هذا يقال للمعيب الذي يعيب ما لا يعاب .

ـ ذو العقل يشقى في النعيم بعقله = وأخو الجهالة  في الشقاوة ينعم

في هذا إشادة بالعاقل وتعريض بالجاهل خلاف ما قد يفهم من ظاهرالبيت.

ـ يهون علينا أن تصاب جسومنا =  وتسلم أعراض لنا وعقول

العاقل حريص على صيانة عرضه وعقله ولا يبالي بما يعانيه من أجل ذلك.

ـ ولم أر في عيوب الناس عيبا = كنقص القادرين على التمام

أقبح عيب في الإنسان أن يستطيع إنجاز الأكثر لكنه يتقاعس أو يكسل .

ـ خليلك أنت لا من قلت خلي = وإن كثر التجمل والكلام

الخلة  تكون بالفعل لا بالقول أو الادعاء  .

ـ إذا غامرت في شرف مروم = فلا تقنع بما دون النجوم

هذا يعني أنه لا حدود للطموح في طلب المعالي .

ـ وطعم الموت في أمر حقير = كطعم الموت في أمرعظيم

إذا كان للموت نفس الطعم فيما عظم وحقر من الأمور فليمت المرء فيما عظم.

ـ وإذا كانت النفوس كبارا = تعبت في مرادها الأجسام

وهذا يعني أن إرادة العظماء لا حد لها .

ـ على قدر أهل العزم تأتي العزائم = وتأتي على قدر الكرام المكارم

ـ وتعظم في عين الصغير صغارها = وتصغر في عين العظيم العظائم

هذا يعني أن كل إناء بما فيه ينضح ، فالعظيم  تهون عنده العظمة بينما التافه يرى للتفاهة ذات شأن.

ـ ومن ينفق الساعات في جمع ماله = مخافة فقر فالذي فعل الفقر

هذا تعريض بجمع البخلاء الذين لا يستفيدون منه .

ـ فاطلب العز ولو كان في لظى = ودع الذل ولو كان في جنات الخلود

هذا بعني أن العز محمود على عسره ، والذل مذموم على يسره.

ـ إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه = وصدّق ما يعتاده من توهم

هذا يعني أن سيء الفعل يعمم حكم فعله على فعل غيره ظنا وتوهما.

ـ وعادى محبيه بقول عداته = وأصبح في ليل من الشك مظلم

وهذا حال الحيرة التي يقع فيها من يصدق قول عدوه في محبه .

ـ يحب العاقلون على التصافي = وحب الجاهلين على الوسام

يعني شتان ما بين الصادق في حبه والمغرض .

ـ وما التأنيث لاسم الشمس عيب = ولا التذكير فخر للهلال

يعني ربّ أنثى  تكون أعظم شأنا من ذكر .

ـ أنا الغريق فما خوفي من البلل = مصائب قوم عند قوم فوائد

يعني لا يجب أن يكترث الهالك بما دون الهلاك ، وقد تكون ضارة أحد نافعة غيره.

هذه بعض حكم  ونصائح الشاعر المتنبي الثمينة ، فما أحوج كثير من الناس إليها في هذا الزمان الذي عزت فيه الحكمة ، وعز فيه النصح والناصح  والمنتصح.

وسوم: العدد 787