انتصار الحبّ في رواية ( أعـشَـقُـنـي ) للكاتبة الأردنية سناء شعلان

أ.م.د. نوزاد شكر الميراني

clip_image002_584ff.jpg

 

clip_image004_c66b6.jpg

 

clip_image006_9d856.jpg

الملخص

تعد رواية (أعْشَقُني) من الروايات التي أثارت إهتمام النقاد والباحثين، لما تحمله من أفكار ورؤى جديدة  وجريئة، ولإرتباطها بالخيال العلمي، ومعالجتها لافرازات التقدم العلمي والتكنلوجي، وقد حقق الحبّ في الرواية انتصارا على الحقد والكراهية المطبوعة على قلب بطل الرواية فانقلب بفضل الحبّ والإيمان الى ذات وديعة داعية الى السلام والمحبة، ومن هنا استقر عنوان البحث على( انتصار الحبّ في رواية أعشَقُني)، وقد جاءت الدراسة ضمن تمهيد ومبحثين وخاتمة بأبرز النتائج، تناول التمهيد: وصفاً لمحتوى الرواية وأهم محاورها الرئيسة، أما المبحث الأول: فكان عن عنوانها الاستفزازي والمثير للإنتباه، وعن زمن الرواية ومكانها وشخصياتها ومنهج الكاتبة في روايتها( رؤية الكاتبة )، في حين تناول المبحث الثاني: ثيمة الرواية وفكرتها الرئيسة وصولا الى غاية الكاتبة وهو انتصار الحبّ على الكراهية والحقد، والإيمان على الكفر والإلحاد، فكان الحبّ عاملا من عوامل التغيير نحو الأفضل والأحسن. وقد توصلت القراءة النقدية للرواية الى أن الرواية كانت دعوة للرجل للاحساس بالمرأة ومشاعرها وآلامها، وأن الكاتبة كانت جريئة في حديثها عن الحبّ والجنس، فالرواية ثرية بالدلالات والمعاني والصور الغريبة.

المقدمة

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين، أما بعدُ:

فعندما وصلتني رواية(أعشَقُني)[2]، لذلك أسرعت أتصفح صفحات الرواية على عجل لعلي أقف على النقطة التي ترشدني وتبرر هذا العنوان الصادم، إلا أنني ما أن وصلت الى الصفحات الأخيرة إلا وأنا مقتنع بأن هذا العنوان جاء مقياسا دقيقا لمحتوى الرواية ومضمونها، وأن الكاتبة كانت موفقة في اختياره بهذا الشكل ومهما أُطلقت على هذه الرواية من أسماء لايمكنها أن تحلّ محل أعشَقُني، كما وجدت للروائية سناء شعلان أفكار جريئة لم أعهده عند المرأة العربية والشرقية وذلك للظروف المفروضة عليها اجتماعيا ودينيا، فضلا عن صعوبة الحديث عن الجنس والعلاقات الحميمية.

وقد نالت هذه الرواية اهتمام الباحثين والدارسين فكثرت الدراسات حولها، فأردت أن أدرس جانبا من جوانب الابداع فيها، فوجدت الكاتبة ترى أن الحب هو اكسير الحياة، وأن الحب قادر على تغير الكثير من ظواهر ومظاهر حياة الانسان، إذ تقول:( الحبّ وحده من تتغير به حقائق الأشياء وقوانين الطبيعة)[4] إنه نفور وقطيعة بين جسد وجسد التحما على قدر، والثالث: الارتفاع: وفيه يستمر استنكار باسل المُهري دخوله هذا الجسد الأنثوي، مستهجناً هذا التحول الغريب، وجاء العرض بعدا رابعا: فكان هذا البعد أقرب مسافة نحو الألم في حياة باسل المهري، وفيه يأخذ الصراع مرحلة متطورة يحاول فيه باسل المهري تعذيب جسد المرأة، ذلك الجسد الذي أصبح جسده، (ويفصح في هذا البعد عن نظرته الدونية الى المرأة بوصفها جسدا مستبدلا بآخر كان ذكوريا)[6] وجاءت الفصول الثلاث الأخيرة في خدمة الفصل الخامس ومكملة لها، ويمكننا القول أن الفصل الأول الى الرابع كان الحديث فيه عن العلاقة  بين الجسد والذات، والفصل الرابع الى السابع عن علاقة الجسد بالحب، وتختم سناء شعلان روايتها بالفصل الثامن( انطلاق الطاقة) ليكون أكثر الفصول واقعية، إذ يكون الحديث فيه عن علاقة الانسان بالله وعلاقة الانسان بالانسان، تندرج الرواية ضمن روايات الخيال العلمي، إذ تعالج افرازات التقدم العلمي والتقني الذي فاق التصور في عصرنا الحاضر حتى بات أثره واضحا على الحياة الفكرية والروحية للانسان.

المبحث الأول

عنوان الرواية

تحمل الرواية عنوانا يتكون من جملة فعلية (أعشَقُني) والعنوان له دلالته الخاصة إذ( يعد العنوان نصاً مركزا ووسيلة كاشفة عن أعماق النص الدفينة ودواخله ومكنوناته الأخرى، إنه أول لقاء بين القاريء والنص، وهو رأس العتبات النصية)[8]، وتعرفه الدكتورة بشرى البستاني بأنه:      ( رسالة لغوية تحدد مضمون النص وتجذب القاريء إليه وهو الظاهر الذي يدل على باطن النص ومحتواه)[10]

شمس: المرأة المتمردة والثائرة على القوانين، والمثقفة التي تسعى الى تغير الواقع المزري، إذ حملت لواء الدفاع عن حقوق الناس وحرياتهم ووقفت ضد الظلم واستبداد أنظمة الحكم القائمة على القهر ومصادرة الحريات الفردية، وهي زعيمة وطنية مرموقة في حزب الحياة الممنوع والمعارض، وأديبة وكاتبة مشهورة، وهي حبيبة خالد رامي، فتاة قتلت من قبل أجهزة المخابرات، لأنها مناضلة سياسية ومعارضة للسلطة.

خالد رامي: حبيب شمس وعشيقها الذي وجد فيها الحلم الجميل الذي سينقذه من براثن الحياة الجامدة، إذ يقول: (هل تعلمين لماذا أكرر كلمة أحبك ألف مرة، لأنها تختزل تجربة الإنسانية كلّها في ممارسة الحب والجنس، أنا مستعد كي أملأها باسمك وحدك... يا شمس أشتهيك كما اشتهى الفلاسفة نهاياتهم... أحبّك وأحبّ أن أقبلك بشفاهي وأصابعي وجسدي)[12]

منهج الروية( رؤية الكاتبة)

تبدأ الرواية بكلام امرأة عاشقة اسمها شمس، من مجرة درب التبانة، تقول فيه: (وحدهم أصحاب القلوب العاشقة من يدركون حقيقة وجود بعد خامس ينظم هذا الكون العملاق، وهو الحب، وإن الحب هو البعد الخامس الأهم في تشكيل معالم وجودنا، وحده الحب هو الكفيل بإحياء هذا الموات)[14]،  فالنسوية مشروع آيديولوجي يعطى الأولية لتفكيك الأفكار والصور الرمزية والاستيهامات التي صارت بدهيات وحقائق في الثقافة الذكورية، إنها توظف كل معطياتها لمحاربة كل مظاهر القمع التي خضعت لها المرأة في مختلف الثقافات والمجتمعات، إنها حركة تعمل على تغيير أوضاع المرأة، تحاول تحرير المرأة من القيود المفروضة... فأعلنت بذلك عن وجودها نداً فكرياً ومنافساً فاعلاً يمسك بزمام الأدب والثقافة والمعرفة والسياسة جنبا الى جنب الرجل، ولكي يكون أدب المرأة نسويا عليه أن يسهم في دك معاقل الثقافة الذكورية، إن النسوية وجهة تحتم على متجهها أن يحمل على عاتقه اشاعة روح التمرد والثورة على كل الفرضيات القديمة التي أمعنت في اذلال المرأة واقصاء دورها فكريا وسياسيا، فأرادت الروائية سناء الشعلان أن ترد على الثقافة الذكورية التي ترى أن السياسة حكرا على الرجل، استشهادا بقول سقراط (للرجال السياسة وللنساء البيت)[16]، فالكاتبة سناء الشعلان  حانقة وغاضبة  لما تجده من ظلم وقتل في كل مكان، لذلك تقول: ( إن رواية أعشقني ولدت عندي في حالة غضب وانزعاج، إذ كنت غاضبة بحق من البشرية التي تتصارع دون توقف، من البشر القساة اللامبالين، من حمام الدم المشروع في كل مكان، من سلطة الفاسدين ومن قهر المستلبين، كنتُ حانقة على المتخمين كلّهم، وثائرة باسم الجائعين والمحرومين والمنكدين جميعهم كنتُ في حرب ضدّ الحرب، وفي صرخة ضدّ جعجعات الكاذبين، كنتُ أريد أن أقول لا حتى ولو كلّفتني أن أنجز عملاً روائيّاً يعدم نفسه عند أوّل مفترق كتابة، كنتُ أدرك تماماً وأيقن في لحظة إيمان لا تعترف بالشّك، أنّني أقامر على طاولة الفنتازيا بكلّ ألآمي ومعاناتي، وأنّني أراهن على الاستشراف العلميّ لرسم مستقبل ممكن في طور بناء عالمي يوتوبيّ يخلص للحظّة الحبّ التي أؤمن بها خلاصاً للبشريّة في ظلّ أزمة البشرية الكبرى، وهي غياب الحبّ، فالبشريّة في حالة إفلاس روحيّ وشعوريّ، ولذلك فهي تبتدع حرف الموت والكره وتتنافس في الفحش والإيذاء وتتذرّع بشتّى الذّرائع لتكسو نفسها بالسّلاح والبطش والتسّلط، وماهي في الحقيقة إلاّ منكوبة في قلوبها العاصية التي لم تتعلّم أن تحبّ،البشر في حاجة لدرس إنسانيّ في الحبّ، وهو خيارهم الأخير قبل أن يبدؤا وينتهوا)[18]، ويبدو هذا الأمر من حبكة الكاتبة والتي هي من صميم دعوات النسوية لاعادة الهيمنة المسلوبة الى جسد المرأة وذاتها من قبل السلطة الذكورية، لقد عمدت الكاتبة لتعرية الذكورة ودك معاقل الاستعلاء المزعومة بأن جعلت البطل الرئيس للرواية رجلا، وأنطقته لكشف خفايا تفكيره المتعالي ونظرته الدونية تجاه المرأة، وجعلت المرأة مركز القوة والفعل بوجودها الجسدي الحاضر والفاعل وإن غابت الروح، وجردت الرجل من أبرز الخصائص التي كان يفتخر بها وهو (عضوه الذكري) وكانت هذه ضربة ماحقة أفقدت باسل المُهري توازنه، لأنه لم يعد يمتلك حسب ثقافته الذكورية ما يدعوه للافتخار...فالشعور بالاستعلاء جسديا مقابل دونية الجنس الآخر ما هي إلا من تراكمات الثقافة الذكورية المتسلطة، تلك النظرة التي ما برحت المرأة تحاربها وتدعو الى الانقلاب على مبدئها اللاعادل[20]، وهذه رسالة تريد الكاتبة أن توجهها للثقافة الذكورية الرجعية التي تختصر المرأة  في جسد مثير، فالكاتبة جعلت شمس شخصية نسوية سياسية مناضلة وثائرة تتبنى موقفا سياسيا مخالفا لسياسة حكم المجرة، وهذا ماتحاول الرواية النسوية تبنيه لتصحيح النظرة الى المرأة والى دورها عبر موقفها[22] رغبة في النجاة من الموت يقبل بإجراء العملية، وقد أجرى الأطباء العملية بنجاح، وتم نقل رأس الرجل الى جسد المرأة المناضلة شمس، إننا أمام تجربة نقل عقل سليم بجسم معطوب لجسم سليم وبعقل معطوب، رجل في جسد امرأة، أو جسد امرأة بعقل رجل، وهنا يتقابل الموت والحياة، فالموت وجه آخر للحياة، يجتمع القاتل والمقتول وجها لوجه إجتماع أنانية ومصلحة، وبذلك استطاعت الكاتبة سناء الشعلان من خلال خيالها أن تأخذ القاريء الى فضاء رحب فيه عنصر الاثارة والتشويق من جانب، واحتقار وسخرية من رموز السلطة الطغاة من جانب آخر. واستطاعت أن تصور مشاعر الرجل النفسية وهو يعاني التغيير البايولوجي في جسده[24]، لقد بات ( يشعر بالوحدة فقد تخلى عنه الجميع حتى زوجته التي نفرت منه واستحوذت على جميع ممتلكاته المالية وابتعدت عنه بعد أن تحول اعجابها به الى نوع من الاستهزاء والبغض، فلم يعد بالنسبة إليها الزوج صاحب النفوذ، بل مجرد مخنث لا قيمة له)[26].

إنه يشعر بالاهانة والهزيمة جراء هذا الجسد الذي قرر أن يعذبه ويعاقبه، فكان يشعر بألم في بطنه ولكنه لم يعلم الأطباء بذلك لعله يترك الجسد يتعذب وإن كان هو بنفسه يتعذب أيضا.إنه كان ساديا يتلذذ بتعذيب الآخرين، والآن أصبح ماشوسيا مازوخيا يتلذذ بتعذيب النفس، إنه سلوك هادم للذات[28].

انتصار الحبّ في الرواية

وبعد محاولات جادة حصل باسل المهري على حزمة ضوئية فيها معلومات عن شمس في إطار يوميات كتبتها الى حبيبها خالد والى جنينها ( ورد)، مع مجموعة من رسائل الحب التي بعثها لها خالد، وإن الرسائل التي كتبت على لسان شمس وخالد تنم عن حب حقيقي، إذ وجد باسل المهري في أول صفحة فقرة واحدة فقط مكتوب فيها( وحدهم أصحاب القلوب العاشقة يدركون حقيقة وجود بعد خامس ينتظم هذا الكون العملاق)[30].                 

إن لجوء باسل المهري الى قراءة مذكرات شمس في رحلة التعرف قد أوقعته في مطب وجداني لم يكن يتوقعه، لقد قلبت كل قراراته وتوعداته بالانتقام منها ومن جسدها، إنها لحظة المكاشفة، لحظة الإعتراف بوجود الآخر، فبعد أن عرف باسل المهري حقيقة هذا الحب بينهما شعر بشيء من تأنيب الضمير فقال: ( كم كنت صغيرا في تلك اللحظات! ولصاً أيضاً!.....{ويقول للجنين}: كم كنتَ محظوظا لأنك تملك أُما بهذا الجمال وكل هذا الحب)[32].     

وبذلك يولد العشق بين القاتل والمقتول( القتيلة)، فبعد أن وجد البطل نفسه في جسد اغتاله يقع في عشق جسده الذي كان يوما هو جسد المرأة التي اغتالها، بعد أن تعرف عليها من خلال دفتر يومياتها، فيؤمن مثلها بالعشق، فيعشق بعمق وصدق ويقرر أن يبدأ حياة جديدة بجسده الأنثوي الذي يضم رجولته العاشقة لتلك المرأة التي تركت جنينا في جسدها، فينتصر خيار العشق والحياة على الموت والفناء، فيتحول باسل المهري الى مناضل ومؤيد للثوار بعد أن كان يدا قمعية بيد حكومة المجرة تبطش بالثائرين على علمانيتها وعلى قوانينها الوضعية المضللة، فيؤمن باسل المهري بأن الحب هو الطريق لخلاص البشرية من الشقاء الذي تعانيه[34]، ومن هنا قرر باسل المهري أن يتصالح مع ذاته، بأن يكون جسد شمس فضاءه الأخير الذي سَيُسْجَنُ فيه باختياره، في إشارة نسوية الى هزيمة الخطاب الذكوري واندحاره[36]

وتشير الكاتبة في ختام روايتها الى أن الانغماس في ملذات الحياة على حساب حب الله والآخرين هي التي تعيق حصولنا على معرفة أعمق بذات الله  وذواتنا، فيقول باسل المهري أخيرا: ( لا إله إلا الله هو ربي وأنا عبده وإليه المآل... أدركت سرّ الضياع الذي تعيشه الانسانية المعاصرة وارثة كل إلحاد)

[2]

 رواية أعشقُني:61.[3]

  ـ رواية أعشقني، د. سناء شعلان:37.[6]

7- العنوان في النص الإبداعي أهميته وأنواعه، مجلة كلية الآداب والعلوم الانسانية والاجتماعية، جامعة محمد خضير بسكرة، العددان(3و4) 2008:   

عتبات، جيرار جينيت من النص الى المناص، عبدالحق بلعابد: 47.- [9]

 رواية أعشقني:16. [11]

المصدر نفسه: 87.[13]

www.ASSYUAR.COM. النسوية في النقد الأدبي:1، -[15]

   16-  عودة الحب الضال-دراسة في نسوية رواية أعشقني لـ( د. سناء الشعلان)، د. كوثر محمد أحمد الجاف، مجلة جامعة رابه رين، العدد(4) 2015: 321-322.

       [17]

www.Lahhj news.net قراءة انطباعية في رواية أعشقني، آوات محمد أمين، لحج نيوز       - [19]

رواية أعشقني: 54.-[21]

رواية أعشقني:22.-[24]

- [25] الحب والثورة في رواية أعشقني للدكتورة سناء شعلان، أيمن دراوشة:

2.               www. google. com  

قراءة في رواية أعشقني، أحمد طه حاجو. موقع الفجر الجديد.[27]

رواية أعشقني: 62. -[29]

المصدر نفسه:89.-[31]

 المصدر نفسه: 118. -[33]

رواية أعشقني:154.-[35]

رواية أعشقني:121. -[37]

وسوم: العدد 819