مصادر التنظير للأدب الإسلامي المصدر الخامس : التعبير عن طموحات النظرية

التعبير عن طموحات النظرية الإسلامية وهمومها في ظل الثوابت والأولويات الشرعية: وهي وثيقة مهمة، وتأتي أهميتها من خلال الاعتراف بحق أبناء هذا العصر، في التعبير عن طموحات النظرية الإسلامية وهمومها، في ضوء الثوابت والأولويات الشرعية والخضوع لها والانضباط بها.

وهو حق لكل أديب أو ناقد مسلم في كل الأزمنة والأمكنة، أن يجتهد ويفكر باستمرار في تطوير المناهج والوسائل والأدوات التي ترقى بالنظرية الإسلامية وتطبيقاتها في الأدب؛ لتعميق النظرية، والإضافة إليها، من خلال حشد الطاقات والخبرات العلمية والتذوقية والمنهجية التي تجد بين حين وآخر، لخدمة النظرية في الفهم والتطبيق وهذا معناه فتح باب الاجتهاد للتنظير الفقهي الأدبي، وهذا أمر لا خلاف فيه ولا إنكار له.

ولكن دعاة نظرية الأدب الإسلامي ضلوا طريقهم في توظيف هذا المصدر ، لأنهم أضاعوا المنهج العلمي الذي يبصرهم بفقه هذا المصدر، يوم أن أهملوا المصادر السابقة (القرآن الكريم، الحديث الشريف، أدب الصحابة والراشدين، وثيقة الخلود والاستمرار) فلم يستخرجوا منها النظرية والمقاييس، ولم يكلفوا أنفسهم عناء التطبيق في الأدب العربي، وانطلقوا من سلوكية منهجية تعيد خلط المصادر الخمس، في سلة واحدة، دون تمييز بين الأساس (النظرية) والامتداد (التطبيق).

وكانت السلة المختلطة من المصادر الخمس، تحت توجيه (المصدرالخامس ) وهو مصدرالانطلاق من الطموحات، دون نظرية إسلامية تستخرج من المصادر الشرعية التي تأخذ منها الأمة فقه دينها.

وحيث كانت المصدر الخامس، هي المنطلق الأول للمنظرين فكان كل واحد منهم يرى، أن من حقه أن يفكر في نظرية للأدب الإسلامي، ولكنه نسي انه لا يملك حق التنظير الذي اعترفت به (المصدر الخامس) إلا بعد أنْ يخضع لمعطيات الوثائق السابقة؛ لأنها هي مصدر المرجعية الشرعية والفنية في النظرية والتطبيق.

وقد يقول قائل انهم استشهدوا بالآيات "التي تدعم تنظيرهم، وفي هذا كفاية، وأنا أقول أنّهم انطلقوا من ذواتهم وهواجسهم وحماسهم، وكان استعمالهم للآيات" وشعر الصحابة، استعمال من يفكر أولاً ثم يأتي بالآية والحديث، لتشهد على صحة تفكيره، وهذا ليّ لعنق المصادر الشرعية، حتى تشهد زوراً لصالح تنظيره. لأنه جعل من هواه أصلاً، وجعل من الشرع غطاء لذلك الهوى، نعم إنّهم كانوا يتزينون بالشواهد الشرعية ولكنهم لا يخضعون لها، ولا ينطلقون منها.

لا يملك أحد أنْ يلوي عنق الأمة إلى نظرية في الأدب لم تستخرج ثوابتها ومقاييسها من المرجعية الشرعية، لأن الانطلاق من الهواجس، والمخاوف، والحماس الفردي، ورده الفعل على الواقع، أو مزج بضاعة الواقع ونظرياته المسيطرة بشيء من الشواهد الشرعية، وبطريقة مضللة، لا يشكل خطوة في الوصول إلى الشرعية.

لقد ظهرت مدرستان من مدارس التنظير النقدي للأدب الإسلامي، ولكنهما فشلتا فشلاً ذريعاً في التأسيس لثوابت النظرية الإسلامية:

1- المدرسة الأولى: مدرسة النقد العربي القديم في العصر العباسي، حيث قادها تلاميذ الفلسفة اليونانية، يوم أن خلطوا الفكر النقدي اليوناني مع الإسلام خلطاً عجيباً مزرياً، فكانت نتيجة ذلك طمس مذهب الإسلام الأدبي، وجره إلى جفاف مدرسة البلاغة اليونانية، التي كانت سبباً من أسباب جمود الأساليب في الأدب العربي في عصور الانحطاط، أمثال: علي الجرجاني وابن قدامة، والجاحظ، وابن المعتز، والقزويني  وغيرهم , باستثناء بعض الجهود المباركة التي بذلها عبد القاهر الجرجاني و أمثاله.

2- المدرسة الثانية: وقد قادها " محمد قطب " من خلال كتابه " منهج الفن الإسلامي " ثم تجمع حول كتابه دعاة الأدب الإسلامي؛ ليجعلوا منه مرجعاً يدورون حوله، فكانت مدرسة " الشمولية الفوضوية" التي تنطلق من حق التنظير في (الوثيقة الخامسة)، ولكنها تقفز على معطيات الوثائق السابقة، وإذا احتاجتها لم تخضع لها، وإنما تتزين بها، وهي امتداد للشمولية الفوضوية في الجانب الفكري. وهي مدرسة قامت على خلط الفكر الإسلامي، مع طموحات النظرية الأدبية، مع الأمثلة الانتقائية التي تزين التنظير الفردي، والمعروف أن محمد قطب من المفكرين المسلمين المعاصرين، يحمل شهادة في الأدب الإنجليزي، ومعرفته بتاريخ الأدب العربي هي معرفة عامة، لا تؤهله للتنظير له، وكذلك كان تعامله مع المصادر الشرعية والفنية تعاملاً باهتاً، فقد حاكم الأدب العربي من خلال مقاييس الأدب الإنجليزي، ثم من خلال الفكر الإسلامي عامة، ولذلك نظر لفن إسلامي يشبع ذوقه الفني الفردي؛ ولم يخرج بنماذج تعجبه كثيراً من الأدب العربي، ولذلك اضطر إلى أن يخرج بإسلامية عجيبة في نماذجها، حيث جعل من" طاغور الهندي، وج.م سينج الأيرلندي " نماذجاً لهذه الإسلامية الأدبية، وعندما ذكر نماذج من الأدب العربي ذكرها متباعدة، لا رابط بينها إلا المقاييس الفردية، ولم يعجبه أدب الصحابة الذين اخذوا التزكية لأدبهم من الله ورسوله وسوف نفصل حال هذه المدرسة في المحاولات الإسلامية المعاصرة التي نظرت للأدب الإسلامي.

وسوم: العدد 826