شخصية الأديب الداعية محمد قطب في الشعر الإسلامي المعاصر

( 1337 – 1435ه ) / ( 1919 – 2014م )

clip_image002_39362.jpg

تمهيد:

كل أمة بعث الله فيها عظماء وحكماء ومفكرين، لكي تدوم الخيرية، وتبلغ دين الله والأمة التي تريد الحياة والفلاح، لا بد أن يكون فيها ذلك، وأن يتربى الجيل الصاعد على سير هؤلاء الحكماء والعلماء والمفكرين والصالحين، ليستلهم من حياتهم العبر والدروس التي يسير بها في حياته العملية.

ومنذ سنوات قليلة ودَّع العالم الإسلامي، وودعت الأمة الإسلامية الكبرى في مشارق الأرض ومغاربها الجمعة (الرابع من جمادى الآخرة سنة 1435هـ - الرابع من أبريل سنة 2014م): قطباً من أقطابها، وعلماً من أعلامها، وقلماً من أقلامها، ونجماً من نجومها، وأحد أبرز المفكرين الإسلاميين المعاصرين، عضو المجلس العالمي للمساجد، وأستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة أم القرى، وشقيق الشهيد سيد قطب، ورفيق جهاده، ويعتبر الأستاذ محمد قطب في طليعة المفكرين الحركيين والدعاة الإسلاميين، وأحد أبرز دعاة الصحوة الإسلامية في العصر الحديث وأحد أكبر منظريها، الذي وَهَبَ عمره من أوله إلى آخره لها ولدينها، ودعوتها وثقافتها، وحضارتها وتراثها، وهو الداعية الكبير، والكاتب العزيز، المصري وطناً، الإسلامي هُوية، العالمي امتداداً، الأستاذ محمد قطب، الذي لقي ربه بمكة المكرمة بجوار بيت الله الحرام، بعد حياة حافلة راضية، ثائرة على الطاغوت، مؤمنة بالله تعالى، {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا} [البقرة:256]. قضى هذه الحياة في خدمة الفكرة الإسلامية والدعوة الإسلامية، التي كان (رحمه الله) بها يعيش، ولها يحيا، ومن أجلها يدرِّس ويحاضر، ويؤلف ويكتب، ويدعو ويربِّي، حتى لقي ربه راضياً مرضياً.

نشأته، وحياته العملية:

بقي الشهيد سيد قطب الولد الوحيد لأمه ما يزيد على ثلاثة عشر عاماً، إلى أن ولد محمد بن قطب بن إبراهيم بن حسين الشاذلي في 26 إبريل 1919 م / 1337ه في قرية (موشا ) بمحافظة أسيوط في صعيد مصر، وتسمى بلد ( الشيخ عبد الفتاح)، نسبة إلى أحد أوليائها، وله مقام بارز فيها .

ونشأ الشيخ محمد قطب في أسرة كريمة مكونة من أبوين وأخوين وثلاث أخوات.

وكان والده الحاج ( قطب إبراهيم  حسين الشاذلي ) كريماً مضيافاً، يقيم الولائم والموائد الكثيرة في مختلف المناسبات الإسلامية كالعيدين، وعاشوراء ، والإسراء والمعراج ، وليالي رمضان ، والمولد النبوي ، فيجتمع عنده أهل القرية، ويقدم لهم الطعام ، ويستمعون لآيات القرآن الكريم، وكان يكثر من الصدقة في سبيل الله على الفقراء والمساكين . ولا يبخل على أهل بيته بشيء، يعمل بالزارعة، لم يكمل تعليمه الابتدائي، و لكنه كان ممن يحب القراءة والمطالعة في الصحف ولا سيما ( اللواء)، وكان عضواً في لجنة الحزب الوطني في القرية، وكان أحد مثقفي القرية رغم أنه لم يكمل تعليمه نظراً للظروف الاقتصادية السيئة، وصار الوالد عميد الأسرة المكلّف حفظ اسمها ومركزها، في الوقت الذي لم ينله من الميراث إلا نصيب محدود، لا ينهض بما كانت تنهض به ثروة الأسرة مجتمعة، على حين لا يستطيع أن ينقص شيئاً من تكاليف المظهر في الريف .

وكانت الأم (فاطمة حسين عثمان ) من أسرة عربية عريقة تجمع بين الرقي العلمي بجانب الوجاهة الريفية، وكانت الوالدة محبة للعلم، مما كان له الأثر على أبنائها، وهي لم تكن أقل من زوجها تديناً واستقامة، فقد كانت حريصة على صلواتها وعبادتها، وكانت كثيرة الصدقة، وكانت تعد الطعام بنفسها للعمال في المزارع وللقراء الذين يأتون لقراءة القرآن في البيت، تقرباً إلى الله .

وكان لها إخوة أربعة، اثنان منهم درسا في الأزهر الشريف، وكان خاله  السيد (أحمد حسين عثمان) يعمل في الصحافة، وينتمي إلى حزب الوفد، هذه البيئة العلمية جعلت الأم تحرص على إرسال ولديها سيد، ومحمد إلى القاهرة لتلقي العلم. فاستقرت الأسرة في القاهرة عند سيد بعد وفاة الوالدين الكريمين.

وللشيخ محمد قطب أخ أكبر منه هو شهيد الإسلام سيد قطب: (1906- 1966م)، وصاحب الظلال المفكر المعروف، وثلاثة أخوات هنّ: نفيسة قطب: التي نالها نصيب من المحنة، كباقي هذه الأسرة المجاهدة، حيث سجنت، وعذبت، وعذب ولداها (رفعت، وعزمي) خاصة رفعت الذي اتهم أنه الواسطة بينها وبين خاله سيد قطب – رحمه الله –، وظل تحت التعذيب الشديد لكي يعترف، ولكنه أبى، وثبت وصبر حتى فاضت روحه إلى بارئها، رحمها الله تعالى.

- وأمينة قطب: الأديبة الشاعرة لها في تيار الحياة، وفي الطريق، ورسائل إلى شهيد، وخطبت إلى الشهيد كمال السنانيري، وبقيت تنتظر من 1954 وحتى 1973م، وتزوجت به ثم اعتقل في عهد السادات، وبقي يعذب حتى فراق الحياة، وزعم الطغاة أنه انتحر .

- وحميدة قطب: ساعدت أسر المعتقلين، وعذبت عذاباً شديداً في السجن ولبثت فيه ست سنوات وبضعة أشهر، ثم أفرج عنها، وتزوجت د. حمدي مسعود، وتوفيت عام 2014م، رحمة الله عليها، وصدر لها عدة كتب.

دراسته، ومراحل تعليمه:

بدأ محمد قطب دراسته في القاهرة، فأتم المرحلتين الابتدائية، ثم الثانوية،   وكان الأستاذ محمد قطب يرغب في الالتحاق بكلية الآداب لدراسة اللغة العربية وآدابها، ولكن بناء على رغبة الشهيد سيد قطب التحق بجامعة القاهرة، ودرس اللغة الإنجليزية وآدابها، وتخرج فيها عام 1940م، ثم درس في معهد التربية العالي للمعلمين، وحصل على دبلوم المعهد العالي للمعلمين في التربية وعلم النفس عام 1941م .

وكان في شبابه يهتم بالمطالعة المستمرة، واشتهر بغزارة الإنتاج الأدبي والفكري، ففي مقدمة إحدى محاضراته صرح بأنه كان يقرأ كتيباً أو مئة صفحة من كتاب كبير كل يوم.

شيوخه، وتلامذته:

من أهم شيوخه ومعلميه ومربيه، ثلاثة شخصيات كان لهم الأثر العظيم في حياته العلمية والأدبية والأخلاقية وهم:

1-أبوه الحاج قطب إبراهيم: وتعلم منه حبّ الدين على الفطرة السليمة البعيدة عن المادية والبعيدة عن شوائب المدنية الحديثة.

2-أخوه الشهيد سيد قطب: ويعتبره قطعة من روحه، وله أثر كبير في تربيته وتوجيهه . وقد أهدى أول كتبه (سخريات صغيرة ) إلى سيد – رحمه الله -: أخي الذي علمني كيف أقرأ ، وكيف أكتب، منذ طفولتي فكان لي والداً وأخاً وصديقاً، إليه أهدي هذا الكتاب لعلي أستطيع أن أفي بشيء من الدين العظيم، ويقول الشيخ: لقد عايشت أفكار سيد بكل اتجاهاته منذ تفتح ذهني للوعي، ولما بلغت المرحلة الثانوية جعل يشركني في مجالات تفكيره، ويتيح لي الفرصة للمناقشة لمختلف الموضوعات فامتزجت أرواحنا وأفكارنا امتزاجاً كبيراً .

3-خاله أحمد حسين عثمان: وعن تأثير خاله الأستاذ قائلاً: كان لوجودنا مع خالي ذي النشاط السياسي والأدبي والصحافي أثره الملموس في توجهنا – أنا وأخي – نحو الأدب والشعر وتغذية ميلنا إلى القراءة والإطلاع وإذ كان خالي على صلة وثيقة بالعقاد مما اجتذبنا به فكرياً وأدبياً.

4- عباس محمود العقاد: بدأ محمد قطب بقراءة كتب العقاد، والمازني، وطه حسين، وهو في التاسعة من عمره، ويعترف محمد قطب بتأثير العقاد عليه حيث تعلم منه الصبر على معالجة الأفكار بشيء من العمق، وعدم تناولها في سطوحها، وأسلوبياً يتمثل في التركيز على الدقة في التعبير.

وأبرز تلاميذه:

انتشر تلاميذه في آفاق الكون فكلّ من قرأ التوحيد في السعودية، أو درسه هو من تلاميذ الشيخ، وتلاميذه منتشرون فضلاً عن السعودية في الأردن ومصر والسودان وباكستان ونيجيريا وغيرها، ومن أبرز هؤلاء:

1-            الشيخ د. سفر عبد الرحمن الحوالي: الذي تتلمذ عليه في الدراسات العليا في مرحلة الماجستير ( العلمانية)، والدكتوراه ( ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي).

2-            محمد سعيد القحطاني: أشرف محمد قطب على شهادة الماجستير.

3-            هدى مرعي ( الأردن ): نالت درجة الدكتوراه على يديه.

4-            د. صالح الرقب ( الأردن ): حصل على الماجستير عن جهود المودودي ومنهجه في الإصلاح.

أعماله، ومسؤولياته:

والتحق بعد تخرجه بوظيفة في وزارة التربية والتعليم حيث عمل بالتدريس لمدة ست سنوات في المرحلتين الابتدائية والإعدادية مدرساً لمادة التاريخ الإسلامي، فضلاً عن مادة الإنجليزي قبل أن ينتقل إلى أعمال في مجالات أخرى.

فقد انتقل إلى العمل مشرفاً على إدارة الكتب المصرية، ثم عمل بإدارة الترجمة بوزارة المعارف خمس سنوات، ثم بالتدريس مرة أخرى لعامين، ثم مشرفاً على مشروع الألف كتاب بوزارة التعليم العالي.

وفي عام 1972م وبعد خروجه من سجنه سافر إلى السعودية، حيث تعاقدت معه جامعة الملك عبد العزيز في مكة- والتي هي جامعة أم القرى حالياً – وعمل فيها أستاذاً في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة.

وأما عن درجته العلمية، فقد بين فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي أن الجامعات السعودية – يومها – كانت تعطي الدرجات العلمية بالأهلية والشهرة العلمية، وليس بالشهادات ولا بالأقدمية، فالأستاذ محمد قطب وغيره كانوا لا يحملون شهادة الدكتوراه ولكنهم جميعاً يعينون في درجة أستاذ لما تميز به عطاؤهم العلمي.

تأثره بأخيه سيد:

تأثر الأستاذ محمد قطب بأخيه سيد إذ كان يكبره باثنتي عشرة سنة، وكان يشرف على تعليمه وتوجيهه، وكان له كالأب والصديق.. ولذلك قال محمد قطب عن أخيه: "لقد عايشت أفكار سيد بكل اتجاهاته منذ تفتح ذهني للوعي، ولما بلغت المرحلة الثانوية جعل يشركني في مجالات تفكيره، ويتيح لي فرصة المناقشة لمختلف الموضوعات؛ ولذلك امتزجت أفكارنا وأرواحنا امتزاجاً كبيراً، بالإضافة إلى علاقة الأخوة والنشأة في الأسرة الواحدة وما يهيئه ذلك من تقارب وتجاوب.. لقد كانت صلة سيد بي من حيث التربية يتمثل فيها العطف والحسم في آن واحد، فلا هو اللين المفسد ولا الشديد المنفر، كما أنه كان يشجعني على القراءة في مختلف المجالات، وكان هو نفسه نهماً في القراءة فساعدني هذا التوجيه على حب المطالعة منذ عهد الطفولة".

كما تأثر الأستاذ محمد قطب بخاله وفي ذلك يقول: "كان لوجودنا مع خالي ذي النشاط السياسي والأدبي والصحافي أثره الملموس في توجيهنا - أنا وأخي - نحو الأدب والشعر وتغذية ميلنا إلى القراءة والاطلاع..

اهتمامه بالأدب:

الأدب هو مفتاح شخصية محمد قطب؛ فقد كان شديد التركيز على أهمية الأدب في مخاطبة القراء والمستمعين، لذلك كان يقول: "غير خاف أن الأدب ألوان مختلفة، ولكل لون خصائصه المناسبة.. وحين أتحدث عن التعبير غير المباشر فلا يمكن أن يتطرق ذهني إلى المقالة والبحث والدراسة والموعظة، التي تلقى على الناس مباشرة بقصد التوجيه والتذكير، إنما أقصد بذلك الشعر والقصة بأنواعها والمسرحية.. ففي هذه الفنون يحسن دائماً أن يتوارى المؤلف، وأن يتوارى القصد المباشر، وأن يصل المؤلف إلى هدفه من خلال عرضه مشاهد حية، شعورية وفكرية، وحسية، يتصرف الناس فيها تصرفاتهم التي تتناسب مع مواقفهم المختلفة ومن خلال براعة العرض يتبين الموقف الصحيح، أو الذي ينبغي أن يتجه إليه الناس، وهي طريقة أكثر تأثيراً في هذه الفنون من التعبير المباشر الذي يفسد على القارئ أو المشاهد متعة المشاركة مع أشخاص القصة أو المسرحية، ومتعة استخلاص القصة بنفسه لنفسه. والملحوظ أن الشعر والقصة والمسرحية إذا لجأت إلى التعبير المباشر تستوي مع الموعظة بكون تأثيرها يكون عابراً مؤقتاً، ثم لا يلبث أن يخفت، ويضيع.. على حين تظل مع التعبير غير المباشر مؤهلة للخلود."

انضمامه إلى الحركة الإسلامية:

وعندما اتجه شقيقه الشهيد سيد قطب الاتجاه الإسلامي، وانضم إلى جماعة الإخوان المسلمين عام 1952م، انضم شقيقه محمد بعده بشهور، وهو ما يزال في العشرين، وتكونت لديه حصيلة عظيمة بسبب خبرته، وظل وفياً لأخيه، ولدعوة الإسلام طيلة عمره المبارك.

محنة الأستاذ محمد قطب:

تعرض آل قطب لمحنة شديدة أيام حكم عبد الناصر، ورأى وإخوته شدة التعذيب في سجون عبد الناصر، حيث أدخل سجون الطغاة مرتين:

-الأولى: عام 1954م مع آلاف المعتقلين من الإخوان المسلمين، ولكنه لم يصدر عليه حكم، فبقي موقوفاً سنوات عديدة، ثم أفرج عنه، قال الأستاذ محمد قطب عن هذه المحنة بعد مسرحية حادث المنشية الشهير سنة 1954م: "كانت فتنة السجن الحربي بالغة الأثر في نفسي إذ كانت أول تجربة من نوعها، وكانت من العنف والضراوة بحيث يمكن لي القول إنها غيرت نفسي تغييراً كاملاً من بعض الجوانب على الأقل.

ثم أفرج عن محمد قطب، وحمل عبء الأسرة عشر سنوات حتى أفرج عن أخيه سيد.

-الثانية: وهي الأكثر ألماً ومشقة ، حيث اعتقل الاثنان عام 1965م. إذ كان أول من أعتقل في تلك الأحداث، وكان نصيب الأستاذ محمد  أن يقضي فيه ست سنوات متصلة من 30 يوليو 1965م إلى 17 أكتوبر عام 1971م، يقول محمد قطب عن تلك الحقبة المظلمة من تاريخ مصر: (وكان نصيب أخي الإعدام بعد محاكمة صورية مع ثلة من كرام الشهداء، وقتل في هذه المجزرة واحد من أبناء أختي أثناء التعذيب دون إعلان، واعتقلت شقيقاتي الثلاث ومنهن الكبرى أم ذلك الشهيد، وعذبت الشقيقة الصغرى ثم حكم عليها بالسجن عشر سنوات، وتعرضنا جميعاً لحملة ضارية من التنكيل الذي لا يخطر على بال إنسان، وكان ذلك كله جزءاً من الحرب المسلطة على الإسلام ، يقودها، نيابة عن الصليبية العالمية والصهيونية الدولية، مخلوقون يحملون أسماء مسلمين."

وصور التعذيب التي وصفها في إحدى محاضراته بأنّها أسوأ من محاكم التفتيش، وكان يثني على إخوانه المعتقلين، ويروي ما فعلته التربية الإيمانية من فيهم من عجائب في السجون.  

وقال عن تلك المحنة في مكان آخر: "كانت هذه السنوات الست بكل أحداثها ووقائعها هي في النهاية زاد على الطريق"، وقد عذب عذاباً شديداً حتى أشيع أنه قتل تحت التعذيب، ثم تبين كذب الشائعة فسمي ( الشهيد الحي ).

رحلة الغربة:

وبعد خروجه من السجن غادر مصر إلى السعودية عام 1972م، وكان يقيم في مكة المكرمة حيث تفرغ للتدريس في جامعة الملك عبد العزيز فرع مكة المكرمة – قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة في جامعة أم القرى حالياً –، ثم عمل أستاذاً للدراسات العليا فيها، وتفرغ فيها للدعوة، وتأليف الكتب وإلقاء المحاضرات.

جهوده العلمية:

سافر الأستاذ محمد قطب إلى السعودية، فعمل مدرساً في كلية الشريعة بجامعة أم القرى في مكة المكرمة، ثم في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، واستفاد منه طلابه، وتعلقوا به، وأنزلته المملكة آنذاك منزلته، فكان محاضراً في كل الجامعات وشتى المناسبات، وحظيت كتبه بالشهرة والانتشار، وطلب منه وزير التعليم العالي الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ بإشارة من الأستاذ محمد المبارك أن يكتب (منهاج التوحيد) لطلاب الثانوية، فألف كتاب (التوحيد) بأجزائه الثلاثة، وقرأه ألوف الطلاب، وانتفعوا به، ثم غُيِّر المنهاج إلى أسلوب آخر، وكاتب آخر.

مؤلفاته:

استمر تدفقه في عالم التأليف، يمتع المسلمين في بلاد العرب، والعالم الإسلامي، وعالم الغرب والشرق، بكتبه القيمة، التي تقدم البيّنات، وترد على الشبهات، وتقاوم الباطل، وتنشر الحق، وأمد المكتبة الإسلامية بكتبه الإسلامية الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، ويمد الجامعات بما يمد به شبابها من فقه وثقافة، وهذه الكتب هي:

1- دراسات في النفس الإنسانية:

2- التطور والثبات في حياة البشرية:

3- منهج التربية الإسلامية ( بجزئيه: النظرية والتطبيق): فاز بجائزة الملك فيصل للدراسات الإسلامية بالاشتراك مع د. مقداد يالجن (تركيا).

4- منهج الفن الإسلامي: وضع فيه أسس الأدب الإسلامي، وجاء بأمثلة تطبيقية عليها.

5- جاهلية القرن العشرين – صدر عن دار الشروق عام (1965)، ويقع الكتاب في 330 صفحة.

6- الإنسان بين المادية والإسلام – وهو أول مؤلف له صدر عام (1951)، وقد صدرت الطبعة التاسعة عن دار الشروق عام 1988م، ويقع في 232 ص من القطع الكبير . وقد ردّ فيه على نظرية فرويد والنظرية الماركسية التي تجعل الإنسان آلة ومادة خاضعة للتحليل والتركيب، ونسوا دور العالم المعنوي والأخلاقي والديني، وعرض الكاتب لنظرة الإسلام نحو الإنسان وتحدث عن حقوقه في الحياة والتعلم والعمل ...

7- دراسات قرآنية: أعادت طباعته دار الشروق أكثر من 8 مرات، ويقع في 531 صفحة.

8- هل نحن مسلمون؟ - صدر عام (1959)، وأما الطبعة الأولى عن دار الشروق فقد صدرت عام 1988م، والطبعة السادسة عام 2002م، ويقع الكتاب في 228 ص من القطع الكبير.

9- شبهات حول الإسلام: طبع دار الشروق، ويقع في 228 ص.

10.في النفس والمجتمع: وهو كتاب لطيف طبعته دار الشروق.

11- حول التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية.

12- قبسات من الرسول – صدر عام (1957).

13- معركة التقاليد.

14- مذاهب فكرية معاصرة: صدرت الطبعة التاسعة عن دار الشروق عام 2001م ، ويقع الكتاب في 660 ص من القطع الكبير.

تناول فيه الدين والكنيسة: لمحة تاريخية، وتحريف الدين، وطغيان الكنيسة ورجال الدين، وفساد رجال الدين، الرهبانية وفضائح الأديرة، ومهزلة صكوك الغفران، ومحاكم التفتيش، ومساندة الكنيسة للظلم السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

دور اليهود في إفساد أوربا، الديمقراطية، الشيوعية وتحدث تحت هذا العنوان عن المادية الجدلية، وهل المادة سيقت الفكر في الوجود، وقوانين المادة التي تحكم الطبيعة والبشر، والمادية التاريخية، وكيف تفسر الدين والأخلاق، وتحدث عن التفسير المادي للتاريخ، والمذاهب الاقتصادية بين النظرية والتطبيق، العلمانية، والعقلانية، القومية والوطنية الإنسانية الإلحاد الإسلام ومستقبل البشرية.

15- مغالطات: طبعته دار الشروق عام (2006)، ويقع في 93 ص.

16- مفاهيم ينبغي أن تصحح: طبع دار الشروق، ويقع في 388 ص.

17- كيف نكتب التاريخ الإسلامي؟: الطبعة الأولى صدرت عن دار الشروق عام 1992م، ويقع الكتاب في 268 ص، من القطع الكبير.

وتناول فيه الشيخ محمد قطب عدة قضايا تتعلق بإعادة كتابة التاريخ الإسلامي، لماذا نعيد كتابة التاريخ ؟ الجاهلية، الإسلام، البعثة وصدر الإسلام، المدّ الإسلامي، بدء الانحسار، الصحوة الإسلامية، خيوط المستقبل.

18- لا إله إلا الله عقيدة وشريعة ومنهج حياة: وفيه رد واسع على الفكر الإرجائي.

19- دروس من محنة البوسنة والهرسك.

20- العلمانيون والإسلام.

21- هلم نخرج من ظلمات التيه.

22- واقعنا المعاصر: الطبعة الأولى صدرت في دار الشروق عام 1997م، ويقع الكتاب في 532 ص من القطع الكبير.

تناول فيه الموضوعات التالية: نظرة إلى الجيل الجديد، صدق الإيمان، وجدية الأخذ من الكتاب والسنة، وصدق الجهاد في سبيل الله، تحقيق معنى الأمة في صورته الحقيقية، تحقيق العدل الرباني في واقع الأرض، أخلاقيات لا إله إلا الله، الوفاء بالمواثيق، الحركة العلمية الإسلامية، الحركة الحضارية الإسلامية، خط الانحراف، آثار الانحراف، ثم تكلم عن التخلف العقدي، والعلمي ، والحضاري، والاقتصادي، والحربي، والفكري والثقافي، ثم تحدث الشيخ محمد قطب عن الغزو الصليبي ودور الحملة الفرنسية، ودور محمد علي باشا، ودور الاحتلال البريطاني وأدواته في الإفساد، ومناهج التعليم، وسائل الإعلام، قضية تحرير المرأة، مجال الفكر والأدب، مجال السياسة .

بروز الزعامات العلمانية وخلو الساحة من القيادة الدينية، استيراد النظم والمبادئ من أوربا، الانقلابات العسكرية واستخدام الاشتراكية لحرب الإسلام، قضية الحكم على الناس، منهج الحركة، السمع والطاعة، والقيادة المطلوبة، هل نتعلم في المدارس الجاهلية، وماذا نتقلد من الوظائف في المجتمع الجاهلي، وهل ترغب الناس في الإسلام بذكر محاسن النظام الإسلامي ؟ التطرف، نظرة إلى المستقبل.

23- قضية التنوير في العالم الإسلامي: الطبعة الأولى في دار الشروق – عام 1420ه / 1999م. ويقع الكتاب في / 108 ص، من القطع الكبير.

تناول فيه أمراض الأمة في العقيدة والسلوك، وتتجلى في التخلف العقدي، والأخلاقي، والحضاري، والعلمي، والاقتصادي، والحربي، والعسكري، والفكري.

ثم تحدث عن منهج التغيير في حركة التنوير.

وعدد أبرز منجزاتها على صعيد قضية تحرير المرأة، قضية حرية الفكر، الحرية السياسية، ..حصيلة التنوير في قرنين، والمستقبل للإسلام.

24- كيف ندعو الناس؟:

25- المسلمون والعولمة.

26- ركائز الإيمان: طبع دار الشروق، عام 2001م، ويقع في 452 ص.

27- لا يأتون بمثله!: طبع دار الشروق عام 2002م، ويقع الكتاب في 212 ص.

28- من قضايا الفكر الإسلامي المعاصر.

29- حول التفسير الإسلامي للتاريخ: رد فيه على التفسير المادي للتاريخ، وبين نظرية الإسلام حول الصراع التاريخي..

30- الجهاد الأفغاني ودلالاته.

31- دروس تربوية من القرآن الكريم.

32- حول تطبيق الشريعة.

33- المستشرقون والإسلام.

34- هذا هو الإسلام.

35- رؤية إسلامية لأحوال العالم المعاصر.

36- مكانة التربية في العمل الإسلامي.

37- سخريات صغيرة.

38- الأطياف الأربعة – بالاشتراك.

39- مذاهب فكرية معاصرة.

40- ماذا يعطي الإسلام للبشرية.

وهناك العديد من المؤلفات والمقالات والأبحاث والمحاضرات القيمة التي تنتظر النشر.. منها:

1-أزمة فكر: وهي محاضرة صوتية من موقع إسلام ويب.

2-التيارات الفكرية: وهي محاضرة صوتية من موقع إسلام ويب.

3- المسلم المعاصر بين التيارات المعاصرة وهي محاضرة صوتية من موقع إسلام ويب.

4- واقعنا المعاصر: وهي محاضرة مصورة من موقع إسلام ويب.

5- محاضرة الجاهلية المعاصرة: من موقع اليوتيوب.

6- قضية تحرير المرأة: موقع إسلام ويب.

الإشراف على الرسائل العلمية:

كما أنه أشرف على العديد من الرسائل الجامعية، نذكر منها:

1-الولاء والبراء – سعيد القحطاني – رسالة ماجستير – جامعة أم القرى بمكة – إشراف محمد قطب.

2-ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي – سفر الحوالي – إشراف محمد قطب.

3-الأدلة على صدق النبوة – هدى عبد الكريم درويش – إشراف محمد قطب.

4-أبو الأعلى المودودي: ومنهاجه في الإصلاح والدعوة – د. صالح الرقب.

5- المدخل إلى ظلال القرآن – د. صلاح عبد الفتاح الخالدي – مناقشة محمد قطب.

6- العلمانية: نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة – سفر الحوالي.

7- الانحرافات العقدية والعلمية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر وآثارها في حياة الأمة – علي بخيت بن عبد الله الزهراني.

8- أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية والرد على الطوائف الضالة – علي بن نفيع العلياني.

9- الوثنية الحديثة وموقف الإسلام منها – يوسف الأحمد.

10- المجتمع الإسلامي المعاصر في صورته الواقعية وكيف ينبغي أن يكون – مصطفى النيجيري.

11-أثر الفكر الغربي في انحراف المجتمع المسلم في شبه القارة الهندية – خادم حسين إلهي بخش.

12- محمد إقبال وموقفه من الحضارة الغربية.

13- أبو الأعلى المودودي ومناهجه في الإصلاح والدعوة – صالح الرقب.

14- منهج الدعوة النبوية في المرحلة المكية – علي الحربي.

وتمتاز كتب الأستاذ محمد قطب التي تجاوزت الأربعين والتي لاقت استحسان القراء بسبب دقة معانيها ومتانة أسلوبها ولغتها، وبعدها عن مواطن الجدل والخلاف وتميزت أعماله بالابتكار والتجديد واستنباط الأفكار.

ولقد كان يعيد طباعة كتبه القديمة مرات ومرات، وكثيراً ما كان يراجع نفسه فيها، ويتراءى له من الأفكار ما قد يعاتب عليه نفسه.

انظر إلى ما كتبه في مقدمة الطبعة الرابعة، بعد عشرين سنة من الطبعة الأولى، لكتابه الأول (الإنسان بين المادية والإسلام). يقول - رحمه الله -:

"هذا الكتاب هو أول كتبي، ومن أحبها إلي!

إنه يمثل في نفسي خط الاهتداء إلى الإسلام!

ولقد عشته سنوات طويلة قبل كتابته بالفعل. عشته خواطر متفرقة، وتأملات متشعبة في النفس والحياة. ولكنها لم تتبلور، ولم تأخذ صورتها النهائية، إلا في أثناء كتابة الكتاب!

ولذلك أحسست وأنا أكتبه، أنني أجد نفسي! وأجد إسلامي واضح الصورة، مفصل القسمات!

ولقد كان مدخلي إليه هو دراسة النفس الإنسانيَّة. وما زال هذا أوسع مداخل البحث لدي. فأنا أشعر دائماً أن دراسة النفس الإنسانيَّة هي القاعدة التي نبني عليها معرفتنا وتصوراتنا، في كل ما يختص "بالإنسان" سواء كان أدباً وفنًاً، أو تاريخاً، أو سياسة، أو اقتصاداً، أو اجتماعاً، أو تربية وعلم نفس.. وأننا لا نستطيع أن نخوض في هذه المجالات بغير تصور سليم، ودراسة وافية للنفس الإنسانية.

وأيًاً كان الرأي، فهذا هو المدخل الخاص الذي دخلت منه إلى الدراسة الموضوعية في هذا الكتاب، وفي كتب كثيرة تالية.. وما زلت مقتنعاً بأنه يمكننا التوصل إلى كثير من الحقائق عن هذا الطريق!

ثم إن هذا الكتاب– في الوقت الذي تبلورت فيه أفكاري ومشاعري و"مدخلي" إلى الإسلام ذاته- كان في الحقيقة "مستودعاً" لكثير من الأفكار التالية التي تولدت عنه، فكانت امتداداً له أو بلورة أو تخصيصاً لما جاء فيه من موضوعات. وبهذه النظرة أنظر مثلاً إلى كتاب "شبهات حول الإسلام" و"في النفس والمجتمع" و"معركة التقاليد" و"منهج التربية الإسلامية" و"دراسات في النفس الإنسانية" و"التطور والثبات في حياة البشرية" وحتى "جاهلية القرن العشرين"!

لقد كانت كلها بذوراً محتواة في الكتاب، أو براعم تفتحت فيما بعد، وامتدت في شتى الاتجاهات..

وربما كان هذا كله تفسيراً للصلة النفسية التي تربطني بالكتاب!

غير أنه ينبغي لي أن أقول: إنني عند مراجعتي له من أجل هذه الطبعة – وتلك أول مراجعة حقيقية منذ كتبته أول مرة سنة 1951- وجدت أن هذه المدة المتطاولة من الزمن قد فعلت فعلها، ولا شك في طريقة تفكيري وفي موقفي من بعض قضايا الكتاب!

لقد وجدت مثلاً أنني أعطيت فرويد – والتفكير الغربي عامة- أكثر مما ينبغي من "التوقير العلمي"! وأن هذا التفكير الغربي– بما فيه فرويد بالذات- لا يستحق كل هذا التوقير، ولا كل هذه العناية بتفنيده! ولست أعني بذلك أنني عدلت عن منهج المناقشة الموضوعية لأية فكرة أو نظرية، بل هذا الذي ينبغي دائماً أن نفعله. ولكن المناقشة الموضوعية شيء و"التوقير" شيء آخر.. وأرى اليوم- بعد زيادة خبرتي بانحرافات الفكر الغربي، وبمخططات الإفساد التي تخطط لإفساد البشرية - أن ذلك الفكر يناقش- إذا لزم الأمر- مناقشة موضوعية، نعم، ولكن بغير الحفاوة والاحتفال الذي كان قبل عشرين سنة من الزمان! وأن الأجدر بنا أن نعرض حقائق الإسلام المشرقة الوضيئة، دون التفات لتلك الانحرافات!".

زواجه، وأسرته:

تزوج الأستاذ محمد قطب بعدما أفرج عنه، وبعدما تقدم به العمر ( تجاوز الخمسين) من دكتورة تعود أصولها إلى أسرة دمشقية عريقة، وأنجب ثلاثة أبناء بررة: أسامة، وعبد الرحمن، فضلاً عن ابنة واحدة ( ألاء) تخصصت في علم التاريخ.

ومن صفاته الشخصية يلاحظ عليه يلاحظ عليه التواضع الشديد، وإنكار الذات، رغم مكانته العلمية الكبيرة، ففي محاضرة علمية مصورة يخاطب الحضور وهم طلاب العلم في جامعة أم القرى فيقول: ( وإن كنت في كل مرة أجد منكم هذه الحفاوة أحس بالحرج، فأرجو ألا تكونوا مخدوعين في محاضركم، وأرجو أن أكون عند حسن الظن.

قالوا عن الأستاذ محمد قطب:

وصفه المستشار عبد الله العقيل بقوله: (لم تكن معرفتي أول الأمر بالأخ محمد قطب عميقة كمعرفتي بأخيه الشهيد سيد قطب، الذي كنا نكثر التردد عليه في بيته بحلوان أثناء الدراسة بالأزهر مع إخواننا طلبة البعوث من العراق وسورية وفلسطين والأردن والسودان والبحرين وغيرها، ونستفيد من توجيهاته وآرائه في مختلف القضايا التي تهم الشباب المسلم، ولكن بعد سنوات حين خرج من السجن، واشترى شقة في نفس البناية التي أمتلك فيها شقة بمنطقة (ألماظة) بمصر الجديدة، وهي للحاجة زينب الغزالي، وكان الواسطة بالشراء لي وله هو الشهيد محمد كمال السنانيري زوج الأخت أمينة قطب، رحم الله الجميع.

وقد أتاح لنا الجوار في السكن فترة الصيف كثرة اللقاءات والحوارات والتعارف بين العائلات، وكان للحاجة زينب الغزالي دور كبير في الدعوة إلى الله، فكانت كخلية النحل التي لا تهدأ ولا ينقطع بيتها من الزوار ليلاً ونهاراً لبحث قضايا الإسلام والمسلمين.

وحين عملت بمكة المكرمة برابطة العالم الإسلامي كثرت الزيارات بيني وبين الأخ محمد قطب، وكانت جلساتنا محورها الأساسي دراسة حال المسلمين في العالم ومخططات أعداء الإسلام في الشرق والغرب لوأد الصحوة الإسلامية وتصفية العاملين للإسلام، وتجهيل عامة المسلمين، وإبعادهم عن الأهداف الحقيقية لنصرة الإسلام، ومنهج القرآن والسنة وما أجمع عليه سلف الأمة.

وكذا تكررت اللقاءات بالأستاذ محمد قطب داخل المملكة وخارجها، حيث كانت لقاءاتنا مع الأستاذ أبي الأعلى المودودي والدكتور خورشيد أحمد في لندن، ومع الدكتور محمد حميد الله في باريس، وكذلك في تركيا مع الدكتور نجم الدين أربكان، وتلامذته العاملين في الدعوة الإسلامية بتركيا.

الجوائز التي حصل عليها:

وأثناء عمله في التدريس في السعودية حصل الأستاذ محمد قطب على جائزة الملك فيصل للدراسات الإسلامية في سنة 1988م / 1408ه تقديراً لجهوده المتميزة في تقديم وجهة نظر إسلامية تربوية قائمة على الكتاب والسنة، ومنح الجائزة على جهوده في كتاب ( منهج التربية الإسلامية: بجزئيه النظرية والتطبيق)، والذي يعتبر من أفضل كتب التربية الإسلامية في العصر الحديث.

حصل على الجائزة بالاشتراك مع الدكتور الداعية التركي مقداد يالجن حفظه الله.    

وعندما تسلم الشيخ محمد قطب حصته من الجائزة تبرع بها للجهاد الأفغاني، ولهيئة الإغاثة الإسلامية.

مشاركاته في المؤتمرات والندوات الدولية:

وقد شارك في العديد من المتمرات الإسلامية، وألقى العديد من الأبحاث وزار العديد من الدول العربية والإسلامية، حيث كان يواظب على حضور ملتقى الفكر الإسلامي في الجزائر، وساهم مع العديد من العلماء في إصلاح ذات البين بين المجاهدين الأفغاني، وكان معه الشيخ عبد المجيد الزنداني، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة، وعبد المجيد ذنيبات، كما ساهم في تقريب وجهات النظر بين إخوان الأمس في السودان: عمر البشير، وحسن الترابي ..وغيرها .

جهوده في الدعوة والإصلاح:

قدّم الأستاذ محمد قطب الفكر الإسلامي بأسلوب دقيق رشيق، وكان صاحب وجهات نظر مستقلة متميزة عن طروحات معاصريه، يعتمد على التربية القائمة على منهاج النبوة، والعناية بالنفس الإنسانية في عملية الإصلاح والتغيير.

عمل أكاديمياً وأشرف على أبحاث جامعية، وألف عشرات الكتب، وكان له كتابات أيضاً في مجال الأدب، واستهدفت كتاباته توعية المجتمع الإسلامي.

رأى مشاركة الإسلاميين في العملية السياسية عبث لا يؤدي إلى نتيجة، وتفكير ساذج مهما كانت مبرراته، وينطوي على مزالق خطيرة تصيب الدعوة الإسلامية في الصميم ويعوقها كثيراً بالرغم مما يبدو لأول وهلة أن هذه المشاركة تمكن للدعوة في التربية وتعجل لها الخطوات.

ويحدد المزالق التي تترتب على مشاركة الإسلاميين في العملية السياسية في ثلاث:

-المزلق العقائدي: حيث لا يجوز للمسلم من زاوية العقيدة أن يشرع في مجلس بغير ما أنزل الله ويعلن بسلوكه العملي في كل مناسبة أنه يرفض التحاكم بغير شريعة الله.

-ومزلق تمييع القضية بالنسبة للجماهير، وفي الوقت الذي يقال فيه في كل مناسبة أن الحكم بغير ما أنزل الله باطل وأنه لا شرعية إلا للحكم الذي يحكم بما أنزل الله. ترى الجماهير أن هؤلاء الذين يقولون لها ذلك يشاركون فيما يدعون إليه الجماهير بعدم المشاركة.

ولهذا لا نتوقع من الجماهير أن تمتنع عن المشاركة في كل حكم غير حكم الله، وهي ترى أن الإسلاميين يشاركون فيه.

-والمزلق الثالث: مزلق الوقوع في اللعبة السياسية: يقرر الأستاذ محمد قطب أن الخاسر في اللعبة السياسية هم الإسلاميين، والرابحون هم أعداء الإسلام الذين ينظفون سمعتهم أمام الجماهير بتعاون الإسلاميين معهم، أو اشتراكهم معهم في أي أمر من الأمور، أو بتمييع قضية الإسلاميين في نظر الجماهير، وزوال تميزهم في الساحة.

وينتهي محمد قطب إلى القول بأن من المفروض على الإسلاميين ألا يشاركوا في جاهلية السياسة من حولهم، وأن يعرف الناس عنهم أنهم أصحاب قضية أعلى وأشرف من كل التشكيلات السياسية الأخرى التي تريد الحياة الدنيا وحدها، وتتصارع على متاع الأرض، ولا تعرف في سياستها الأخلاق الإسلامية، ولا المعاني الإسلامية فضلاً عن مناداتها بالشعارات الجاهلية وإعراضها عن الشريعة.

ونقل الأستاذ محمد المجذوب أنّ محمد قطب نبّه في كتبه إلى خطر الصدام مع الأنظمة السياسية الحاكمة في العالم العربي قبل القدرة عليه، وقبل أن يفهم الناس ـ المحكومون بهذه الأنظمة ـ معني كلمة التوحيد وضرورة الحكم بما أنزل الله، واستدل على ذلك بقوله تعالى: (وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين).

وأنّه قال: إن قيادات الجماعة الإسلامية كانت تفتقد إلى الوعي والخبرة التي تمكنها من إدراك خطر التورط في مواجهة مع النظام السياسي.

ورأى قطب أن موقف الغرب من الإسلام هو موقف صليبي واضح، وما يقول عنه الغرب: "إنه تسامح مع الإسلام "، إنما هو في الحقيقة مجرد شعارات فارغة، وتوقع أن تكون أوضاع الأقليات الإسلامية في الغرب ـ وأمريكا خاصة ـ في منتهى الصعوبة والخطورة، ونبه المسلمين هناك للاستعداد للأخطر والأسوأ.

وتصدى في مؤلّفاته ومحاضراته لتصحيح بعض المفاهيم الإسلامية، وذلك بردها إلى صورتها الأولى المستمدة من القرآن الكريم وسنة رسول الله (ص) مثل: مفهوم لا إله إلا الله، والعبادة، والقضاء والقدر، والدنيا والآخرة، والحضارة .  

موقف الشيخ محمد قطب من الغزو الفكري:

كتب الباحث نافذ حسين حسن البواب رسالة ماجستير في العقيدة والمذاهب المعاصرة بكلية أصول الدين في الجامعة الإسلامية بغزة 2017م، تناولت الدراسة موقف الشيخ محمد قطب من الغزو الفكري، كالتغريب وما تفرع منه من أفكار، كالعلمانية والقومية، والديمقراطية والعقلانية وبعض القضايا المثارة حول المرأة، ثم الفلسفات الإلحادية، ومن ثم قام الشيخ بالرد عليها ودحضها.

وأهم نتائج الدراسة:

1-معرفة مكانة هذه الشخصية الإسلامية الكبيرة، واكتشاف حجمها العلمي.

2-معرفة جهود الشيخ الكبيرة في محاربة الأفكار والمذاهب التي كانت سائدة في عصره ...

3-ومعرفة أن المنهج الوحيد للنجاة في الدنيا والآخرة، هو التمسك بالعقيدة الإسلامية الصحيحة.

وأهم توصيات الدراسة:

1-دراسة فكر الشيخ محمد قطب بشكل موسع، والعمل على نشر كتبه بين طلبة العلم.

2-عمل الأبحاث عن كل فن من فنون التي تناولها الشيخ، كل على حدة، ككلامه عن المذاهب الفكرية والقومية وتحرير المرأة وقضايا الإلحاد وغيرها، حيث يحتاج كل منها إلى رسالة وبحث خاص مستقل به للكتابة فيه.

3-العمل على وضع مختصرات لكتب الشيخ، لتسهل قراءتها والبحث فيها.

الجانب العقدي عند الشيخ محمد قطب:

عرف الشيخ محمد قطب العقيدة عدة تعاريف منها:

إن العقيدة هي لا إله إلا الله، وأن لا نعبد إلا الله، ولا إله غيره.

وهي الالتزام بما أنزل الله، وما أنزل الله، يشمل الحياة كلها بجميع جوانبها.

وهي توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، وما يقتضيه ذلك في حياة الإنسان اعتقاداً وفكراً وسلوكاً ..وليس حصرها في مجرد التصديق للنجاة في الآخرة، والإقرار اللفظي للنجاة في الدنيا .

بمعنى الإيمان بوجود الله ووحدانيته، وبمعنى العبادة لله وإخلاص الدين له .

مما سبق من تعريفات للعقيدة لا أرى اختلافاً بينها وبين ما عرفها السلف، ..

وأركان العقيدة عند الشيخ محمد قطب هي:

الإيمان بالله، فيدعو إلى توحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، وتوحيد العبادة لله، وتوحيد الحاكمية لله، وتطبيق شريعة الله .

والإيمان بالملائكة، والكتب السماوية، والإيمان بالرسل، وباليوم الآخر .  فالعقيدة التي شرحها الشيخ هي عقيدة أهل السنة والجماعة .

موقفه من الصوفية:

كثيراً ما تكلم الشيخ عن الفكر الصوفي، وتغلغله في الأمة الإسلامية وخاصة مع بداية الخلافة العباسية حتى نهايتها، وكان له الأثر السلبي في ضعف الأمة، وانتشار البدع والخرافات، ولكن الشيخ استثنى الصوفية الحقيقية، والتي كان منهم الكثير من المجاهدين والدعاة الذين نشروا الإسلام في آسيا وأفريقيا، والتي لم يصل إليها غيرهم.

ومن السلبيات التي ذكرها الشيخ محمد قطب للصوفية:

1-الرهبانية التي أحدثوها في الإسلام، كما أحدثت النصارى الرهبانية في العصور الوسطى.

2-الغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم كما غلت النصارى في عيسى صلى الله عليه وسلم.

3-التعلق بالخوارق سواء في قضاء الحاجات، أو شفاء الأمراض، أو غيرها من الأمور، بدلاً من اتخاذ الأسباب مع التوكل الحق على الله.

4-الانصراف عن العلم الدنيوي من طب وفلك ورياضيات؛ لأنه بفهمهم متعلق بالدنيا الفانية.

5-الانصراف عن المشي في مناكب الأرض والسعي وراء الرزق، والاكتفاء بالكفاف.

6-الانصراف عن مصارعة الباطل ومحاولة إزهاقه، لأن الله قد أقامهم – بزعمهم – فيما أراد، ولو أراد غير ذلك لكان، وحين يريد فإنه سيغير من عنده، ويخلق الأسباب.

وكانت النتيجة كما يقول الشيخ محمد قطب: هي ما أصاب العالم الإسلامي من الفقر والجهل والمرض والضعف والتخلف في جميع الميادين، ولا يستقيم أمر الدين على هذا النحو، ولا يستقيم حال الأمة كذلك، ولا تستطيع أن تؤدي رسالتها الكبرى التي ناطها الله بها، وهي أن تكون هادية ورائدة لكل البشرية.

الفكر الإرجائي كما يراه الشيخ محمد قطب:

وهو الفكر الذي يخرج العمل من مقتضى الإيمان، والذي يقول: الإيمان هو التصديق، أو هو التصديق والإقرار، وليس العمل داخلاً في مقتضى الإيمان.

وهذا الفكر لا يقل خطورة عن التصوف السلبي، فالإيمان قول وعمل واعتقاد، والفكر الإرجائي قد أدى إلى انحراف عقدي، وتصور للدين غير صحيح، وسلوك غير صحيح، فزاد تفلت الناس من التكاليف بغير حرج في صدورهم، لأنهم يعتقدون أنهم مؤمنون ما داموا مصدقين بالقلب ومقرين باللسان.

أثر العقيدة على حياة الإنسانية:

بين الشيخ محمد قطب أثر العقيدة على الحياة الإنسانية، فعددها:

تعمل على تعميق الشعور بتقوى الله وخشيته، والخوف من حسابه يوم القيامة.

تعمل على تقرير مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما يترتب عليه منع انتشار الفساد في الأرض.

تعمل على تقرير مبدأ التكافل الاجتماعي، والمحافظة على الأخلاق في المجتمع المسلم.

تعمل على تطبيق العدل الرباني والتسامح الديني مع الطوائف غير المسلمة.

كيد رخيص:

واستمراراً لمسلسل المحن الذي تعرض له الأستاذ محمد قطب أراد أناس من المملكة أن يخرجوه منها، مع من خرج من الإخوان، ولكن كثيرين توسطوا له، وحققوا له ما أراد، من الإقامة والاستقرار بمكة المكرمة، دون أن يمارس أي نشاط، فوافقوا على ذلك فبقي بها، حتى وافاه الأجل وهو فيها {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} [المنافقون:11].

كعادة تيار الجامي والمدخلي من تشويه صورة رموز العمل الإسلامي وإسقاطهم حتى لا يتأثر بهم الناس ويفقدوا الزعامة في احتكار التوجيه الديني للناس فبعد خبر وفاة الشيخ محمد قطب وبعد الرثاء الكبير له من الأمة للفقيد لم يتحمل هؤلاء القوم كالعادة وأحسوا بذهاب البوصلة عنهم مما يعانونه من عقد نفسية وسلوكية فقاموا بالهجوم على الشيخ محمد قطب وفكره ولم يراعوا حتى حرمة الميت!

ليس هذا هم المهم فالعجيب أن الشيخ محمد الجامي في كتابه (حقيقة الديمقراطية) يحيل إلى أحد كتب محمد قطب، ويثني عليه، وفي كتاب آخر يأتي بمقولات لمحمد قطب وسيد قطب، فالعجب كل العجب من تناقض هؤلاء الذين يشك المسلم المخلص في ولائهم السياسي فهم يبدون كأفراخ للماسونية العالمية وأذناب لها .

اللهم ارحم آل قطب الأبرار، وارحم محمد قطب واغفر له، وعافه واعف عنه، وتقبل منه، واكتبه في عبادك المرضيين، وعلمائك العاملين، ودعاتك الصادقين، وأسكنه الفردوس الأعلى، مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، واحشرنا في زمرتهم يا رب العالمين.

وفاته:

توفي الشيخ العلامة محمد قطب - رحمه الله- في مستشفى المركز الطبي الدولي بجدة، بمدينة جدّة في السعودية في عقب صلاة عشاء يوم السبت 5 جمادى الآخرة 1435ه / الموافق 5/4/2014م، وصلي عليه في الحرم المكي، وشيعه جمع غفير من الدعاة والمشايخ وعدد من الأكاديميين بجامعة أم القرى وأساتذة الجامعات وتلاميذ الراحل، وودع جثمانه في موكب مهيب إلى مقابر المعلاّة بالعدل، حيث دفن بعد صلاة العشاء بمدافن مكة المكرمة.

وجاءت هذه الوفاة بعد حياة طويلة، من العلم والمعاناة والصبر على تحمل الأذى والظلم والقهر، وهذه الحياة مليئة بالأفكار النيرة، والعلم الغزير الذي تنوع بين علم يبحر في القرآن، وعلم آخر في مناهج الدعوة، وثالث في تفنيد المذاهب الفكرية المعاصرة، ورابع في رد شبهات العلمانيين والملحدين ودعاة التقريب، وغيرها من العلوم الأخرى، ....

أصداء الرحيل:

الأمة المسلمة تودع علامة الفكر والدعوة والتربية:

وكتب د. يوسف القرضاوي يقول:

ودَّع العالم الإسلامي، وودعت الأمة الإسلامية الكبرى في مشارق الأرض ومغاربها الجمعة (رابع جمادى الآخرة سنة 1435هـ - رابع أبريل سنة 2014م): قطبًا من أقطابها، وعلمًا من أعلامها، وقلمًا من أقلامها، ونجمًا من نجومها، وَهَبَ عمره من أوله إلى آخره لها ولدينها، ودعوتها وثقافتها، وحضارتها وتراثها، وهو الداعية الكبير، والكاتب القدير، المصري وطنا، الإسلامي هُوية، العالمي امتدادا: الأستاذ محمد قطب، الذي صلى الناس عليه عشاء في الحرم المكي، وصليت عليه وإخواني في قطر.

بعد حياة حافلة راضية، ثائرة على الطاغوت، مؤمنة بالله، {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا} [البقرة:256]. قضى هذه الحياة في خدمة الفكرة الإسلامية والدعوة الإسلامية، التي بها يعيش، ولها يحيا، ومن أجلها يدرِّس ويحاضر، ويؤلف ويكتب، ويدعو ويربِّي، حتى لقي ربه راضيًا مرضيًا، بمكة المكرمة بجوار بيت الله الحرام.

ولقد لقي ما لقي، وقاسى ما قاسى، في سبيل دعوته وفكرته؛ دخل السجن، وسُقِي المر، وتحمَّل الأذى، وتلقى نبأ قتل الظالمين أخاه سيد قطب صاحب (العدالة) و(الظلال) و(خصائص التصور الإسلامي ومقوماته)، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. وردد ما قاله يعقوب: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف:18].

وتلقى بعد ذلك نبأ وفاة زوج شقيقته كمال السنانيري، الذي سيق إلى معتقلات السادات، وتوفي في بداية عهد مبارك، في شبهة إيذاء وتعذيب، أدى إلى نهاية حياته رحمه الله.

كان محمد قطب آخر عضو في أسرة قطب إبراهيم، وهم أطياف أربعة: سيد، ومحمد، وأمينة، ومديحة. وكانوا كلهم من أصحاب القلم، ومن أهل النور والدعوة إلى الإسلام، وإنا لندعو الله أن يتقبلهم في الصالحين.

آل قطب كلهم برجالهم ونسائهم: أسرة أدب ودعوة، وثقافة وفكر، وقد كان موطنهم بالصعيد، فانتقلوا إلى القاهرة، ومن القاهرة انتقلوا بفكرهم ودعوتهم إلى العالم العربي، بل العالم الإسلامي، بل إلى كل العالم.

وكان سيد قطب في بداية حياته من مدرسة العقاد، في الأدب والنقد، ولم يكن من أنصار الرافعي، المعروف بانتمائه للإسلام.

وكان محمد قطب في أول أمره مشغولًا بالأدب والفن، حتى انتقل الرجلان معا إلى الإسلام، سيد قطب في كتابه (التصوير الفني للقرآن) وكتابه الآخر (مشاهد القيامة في القرآن)، وكان الكتابان فتحًا جديدًا في اتجاههما الفريد. ثم دخل الدعوة بكتابه ( العدالة الاجتماعية في الإسلام) وبدأ محمد قطب يوجه قلمه وفكره، ليكتب عن الإسلام.

كان أول كتاب قدمه إلى عالَم المؤلفين هو: (الإنسان بين المادية والإسلام). فدّل على أصالةٍ في فكره، وتمكُّن في علمٍه، ونبوغٍ في مواهبه.

واستمر تدفقه في عالم التأليف، يمتع المسلمين في بلاد العرب، والعالم الإسلامي، وعالم الغرب والشرق، بكتبه القيمة، التي تقدم البيّنات، وترد على الشبهات، وتقاوم الباطل، وتنشر الحق، فهو من الطائفة المنصورة، التي شهد لها محمد صلى الله عليه وسلم، بأنها التي تظل قائمة على الحق، لا يضرها من خالفها، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، وهي التي قال الله فيها: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف:181].

قدم من أول ما قدم (شبهات حول الإسلام)، و(منهج التربية الإسلامية)، و(منهج الفن الإسلامي)، و(جاهلية القرن العشرين). ويعني بها جاهلية الغرب التي زيف بها الحقائق، وروج بها الأباطيل، وقدم للناس حلوى مسمومة، ولكنها في عُلَب جميلة، وكان عندنا نحن جاهلية القرن الرابع عشر، ولكنها جاهلية مقلِّدة، اتخذت الغرب ربًّا، فاتخذ أهلها  له عبيدًا.

وما زال محمد قطب، وخصوصًا بعد فقد شقيقه الأكبر سيد قطب، الذي أصر عبد الناصر على إعدامه رغم توسط المتوسطين، وشفاعة الشافعين له من زعماء العالم العربي، فلقي ربه شهيدًا، كما قال الله {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} [آل عمران:140].

وظل أخوه محمد يحمل الراية، ويمد المكتبة الإسلامية بكتبه الإسلامية الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، وكلها قذائف في وجه الباطل، وكواكب في سماء الحق، ويمد الجامعات بما يمد به شبابها من فقه وثقافة، حتى استقرَّ به المقام في مكة -حفظها الله- يدرِّس لشبابها، ويهيئهم لحمل الماجستير والدكتوراه، وقد تتلمذ عليه كثيرون، ودانوا لفكره.

وقد كنت، وكثيرون مثلي، ننتظر ظهور كتبه الجديدة، فنتلقفها لنقرأها وندرسها ونقتبس منها، ومنها: (واقعنا المعاصر)، و(مذاهب فكرية معاصرة)، و(كيف نكتب التاريخ الإسلامي)، و(دراسات قرآنية)، و(حول التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية)، و(مفاهيم ينبغي أن تصحح) وغيرها.

ولقد كان يعيد طباعة كتبه القديمة مرات ومرات، وكثيرًا ما كان يراجع نفسه فيها، ويتراءى له من الأفكار ما قد يعاتب عليه نفسه. انظر إلى ما كتبه في مقدمة الطبعة الرابعة، بعد عشرين سنة من الطبعة الأولى، لكتابه الأول (الإنسان بين المادية والإسلام).يقول رحمه الله:

"هذا الكتاب هو أول كتبي، ومن أحبها إلي!

إنه يمثل في نفسي خط الاهتداء إلى الإسلام!

ولقد عشته سنوات طويلة قبل كتابته بالفعل. عشته خواطر متفرقة، وتأملات متشعبة في النفس والحياة. ولكنها لم تتبلور، ولم تأخذ صورتها النهائية، إلا في أثناء كتابة الكتاب!

ولذلك أحسست وأنا أكتبه، أنني أجد نفسي! وأجد إسلامي واضح الصورة، مفصل القسمات!

ولقد كان مدخلي إليه هو دراسة النفس الإنسانيَّة. وما زال هذا أوسع مداخل البحث لدي. فأنا أشعر دائمًا أن دراسة النفس الإنسانيَّة هي القاعدة التي نبني عليها معرفتنا وتصوراتنا، في كل ما يختص "بالإنسان" سواء كان أدبًا وفنًّا، أو تاريخًا، أو سياسة، أو اقتصادًا، أو اجتماعًا، أو تربية وعلم نفس.. وأننا لا نستطيع أن نخوض في هذه المجالات بغير تصور سليم، ودراسة وافية للنفس الإنسانية.

وأيًّا كان الرأي، فهذا هو المدخل الخاص الذي دخلت منه إلى الدراسة الموضوعية في هذا الكتاب، وفي كتب كثيرة تالية.. وما زلت مقتنعًا بأنه يمكننا التوصل إلى كثير من الحقائق عن هذا الطريق!

ثم إن هذا الكتاب– في الوقت الذي تبلورت فيه أفكاري ومشاعري و"مدخلي" إلى الإسلام ذاته- كان في الحقيقة "مستودعًا" لكثير من الأفكار التالية التي تولدت عنه، فكانت امتدادًا له أو بلورة أو تخصيصًا لما جاء فيه من موضوعات. وبهذه النظرة أنظر مثلًا إلى كتاب "شبهات حول الإسلام" و"في النفس والمجتمع" و"معركة التقاليد" و"منهج التربية الإسلامية" و"دراسات في النفس الإنسانية" و"التطور والثبات في حياة البشرية" وحتى "جاهلية القرن العشرين"!

لقد كانت كلها بذورًا محتواة في الكتاب، أو براعم تفتحت فيما بعد، وامتدت في شتى الاتجاهات..

وربما كان هذا كله تفسيرًا للصلة النفسية التي تربطني بالكتاب!

غير أنه ينبغي لي أن أقول: إنني عند مراجعتي له من أجل هذه الطبعة– وتلك أول مراجعة حقيقية منذ كتبته أول مرة سنة 1951- وجدت أن هذه المدة المتطاولة من الزمن قد فعلت فعلها، ولا شك في طريقة تفكيري وفي موقفي من بعض قضايا الكتاب!

لقد وجدت مثلًا أنني أعطيت فرويد–والتفكير الغربي عامة- أكثر مما ينبغي من "التوقير العلمي"! وأن هذا التفكير الغربي–بما فيه فرويد بالذات- لا يستحق كل هذا التوقير، ولا كل هذه العناية بتفنيده! ولست أعني بذلك أنني عدلت عن منهج المناقشة الموضوعية لأية فكرة أو نظرية. بل هذا الذي ينبغي دائمًا أن نفعله. ولكن المناقشة الموضوعية شيء و"التوقير" شيء آخر.. وأرى اليوم– بعد زيادة خبرتي بانحرافات الفكر الغربي، وبمخططات الإفساد التي تخطط لإفساد البشرية– أن ذلك الفكر يناقش- إذا لزم الأمر- مناقشة موضوعية، نعم، ولكن بغير الحفاوة والاحتفال الذي كان قبل عشرين سنة من الزمان! وأن الأجدر بنا أن نعرض حقائق الإسلام المشرقة الوضيئة، دون التفات لتلك الانحرافات!".

ومن أهم كتبه (منهج التربية الإسلامية) بجزئيه، وقد نال على تأليفه لهذا الكتاب جائزة الملك فيصل، وهو جدير بذلك.

إن محمد قطب- بكتبه المتنوعة في موضوعاتها وموادها، أو في محاضراته الشائقة المركزة وفي إنتاجه الغزير- أصبح يمثِّل مدرسة إسلامية في الدعوة والتربية، والحوار والفكر الإسلامي، الذي يتميز بالأسلوب النيِّر، الذي يخاطب العقل، ويحرك العاطفة، ويحاور الآخر، ويرد على الغرب، كما يرد على المخالفين، ويثير في الشباب اعتزازًا خالصًا للإسلام، وتكاتفا عليه، وجهادا في سبيله، ورفضا لما سواه.

لا أريد أن أظهر ما فارق به محمد قطب غيره، فليس هذا وقت الممايزة ولا المفاضلة، حسبنا أن الرجل كان ابن الإسلام في كل ما يصدر عنه، لا يتبنى فكرا غيره، ولا يشرك به دينا ولا مذهبا ولا فلسفة لمخلوق، كبر أو صغر، شرقيا كان أو غربيا، بل رأيناه فيما طبعه أخيرا من كتبه الأولى يعتذر عما كان فيه من توقير زائد لبعض رجالات الغرب الذين رآهم حادوا عن سواء السبيل مثل (فرويد) في كتابه الأول (الإنسان بين المادية والإسلام). وهو كلما اتسعت ثقافته وامتدت وتعمقت، ازداد إيمانا بصدقية الإسلام، وأحقيته بأن يسود ويقود؛ لأنه كلمة الله الوحيدة في هذا الوجود، وكلمة الله هي العليا.

تزوج الأستاذ محمد قطب بعدما تقدم به العمر من أسرة دمشقية عريقة، وأنجب ثلاثة أبناء بررة: أسامة، وعبد الرحمن، وابنته المتخصصة في علم التاريخ.

وبقي رغم طول مكثه في المملكة يحمل الجنسية المصرية، إلى أن أنتقل إلى رحمة الله.

انتقل مدرسًا في قسم الدراسات العليا بجامعة الملك عبد العزيز بمكة، والتي سميت بعدُ بجامعة (أم القرى)، واستفاد منه طلابه، وتعلقوا به، وأنزلته المملكة آنذاك منزلته، فكان محاضرًا في كل الجامعات وشتى المناسبات، وحظيت كتبه بالشهرة والانتشار، وطلب منه وزير التعليم العالي الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ بإشارة من الأستاذ محمد المبارك أن يكتب (منهاج التوحيد) لطلاب الثانوية، فألف كتاب (التوحيد) بأجزائه الثلاثة، وقرأه ألوف الطلاب وانتفعوا به، ثم غُيِّر المنهاج إلى أسلوب آخر، وكاتب آخر. وقد أخرج فيما بعد كتبه التي كتبها في منهج التوحيد إلى كتاب سماه: "ركائز الإيمان"، وهو من كتبه التي يستفاد منها كسائر كتبه.

وبعض الشباب السعودي الذين تخرجوا على يديه، وساروا على دربه، وحملوا فكره الحر، ودافعوا عنه، وجادلوا رجال المملكة، بما آمنوا به، وأشرف على بعض رسائلهم، ولا يعني إشرافه الموافقة على كل ما كتبوه، بل الطالب هو الذي يحمل مسؤولية ما سطره بقلمه، واختاره بفكره؛ ربما كان موقف هؤلاء الطلبة وتشددهم أحيانا، هو الذي خوف بعض العلماء على فكرهم التقليدي الموروث من الشيخ محمد وأمثاله، ولعل هذا هو الذي سول لبعض غلاة المشايخ والعلمانيين أن يطلب إبعاده عن المملكة.

وكم دُعي محمد قطب إلى محاضرات في بلاد شتى: في بلاد الخليج ومنها قطر، وفي بلاد العرب وغيرها، يستمع إليها العلماء والمفكرون والدعاة، ويستمع إليها المثقفون، والشباب والشابات خاصة، فتؤثر محاضراته في أفكارهم وتنورها، وتؤثر في عواطفهم وتوجهها، وتؤثر في عزائمهم وتحفزها.

وقد دعوته أكثر من مرة إلى جامعة قطر، وإلى كلية الشريعة فيها، فاستجاب لدعوتنا عدة مرات، وألقى محاضرات جامعية، ومحاضرات عامة، واستفاد الطلبة، واستفاد الجمهور، وسعد العلماء والدعاة والمهتمون بالشأن الإسلامي بالجلوس والمحادثة والمناقشة معه. وكم شعرت بالسعادة حين دعوته في بيتي مع الإخوة، فاستجاب، وملأ بيتنا سرورا وبهجة.

وقد دعوته لينتقل إلى قطر، ليعمل فيها، ويستقر بها، وكل أهل قطر يرحب به، وكم حاول معه صديقنا وصديقه الدكتور عبد الرحمن بن عمير النعيمي، ولكنه رفض أن يترك جوار المسجد الحرام الذي جعله الله قياما للناس وأمنا.

وقد أراد أناس من المملكة أن يخرجوه منها، مع من خرج من الإخوان، ولكن كثيرين توسطوا له، وحققوا له ما أراد، من الإقامة والاستقرار بمكة المكرمة، دون أن يمارس أي نشاط، فوافقوا على ذلك فبقي بها، حتى وافاه الأجل وهو فيها {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} [المنافقون:11].

كان محمد قطب يعرف أن لي ملاحظات على كتابات شقيقه الشهيد سيد قطب، وما يضره هذا؛ لأن ما قاله إنما قاله عن اجتهاد، والمجتهد – وإن أخطأ- مأجور على اجتهاده أجرا واحدا. وربما كان لي ملاحظات على بعض كتبه هو، ولكنه لم يكلمني قط في ذلك، ولم أكلمه، لأننا نتحدث في المتفق عليه، لا في المختلف فيه، وهو يعلم أن اختلاف الناس في بعض هذه الأمور وارد، وأن لكلٍّ فكرَه، ولا حرج عليه فيما اجتهد فيه، وكل مجتهد يعتز باجتهاده، وهذا من حقه، وإنما المهم هنا هو النية "وإنما لكل امرئ ما نوى".

وكنت لقيته عدة مرات في زياراتي إلى مكة المكرمة وجدة، وكم دعاني أن أزوره في بيته في مكة المكرمة، ووعدته بذلك، وكم تمنيته والله، ولكن كل زياراتي في مكة كانت سريعة، ولم يتحقق لي ما رجاه مني، فأرجو أن يسعني صفحه، فما له مني غير المودة والتقدير والحب في الله، وصدق الله إذ يقول: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67].

وكنت على تواصل معه، ولما بلغني دخوله إلى المستشفى في رمضان 1423، إثر نوبة قلبية، اتصلت به، واطمأننت على صحته، وبثثته حبي وتقديري ودعائي الخالص.

كان محمد قطب في عالم الدعوة والثقافة الإسلامية في دنيا المسلمين: نورًا يهدي، وغيثًا يُحيي، وروحًا يسري، وصوتًا يدوِّي، وعزمًا يقوّي، وشمسًا تشرق، وشهابًا يثقب ويحرق، ولكنه لا يحرق إلا الشياطين.

اللهم ارحم آل قطب الأبرار، وارحم محمد قطب واغفر له، وعافه واعف عنه، وتقبل منه، واكتبه في عبادك المرضيين، وعلمائك العاملين، ودعاتك الصادقين، وأسكنه الفردوس الأعلى، مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا، واحشرنا في زمرتهم يا رب العالمين.

السبت 5 جمادى الآخرة 1435 - 05 أبريل 2014

رابطة العلماء السوريين تعزي الأمة الإسلامية بوفاة علامة الفكر والدعوة والتربية الأستاذ الكبير محمد قطب:

الأربعاء 9 جمادى الآخرة 1435 - 9 أبريل 2014 م:

تتقدم رابطة العلماء السوريين للأمة الإسلامية الكبرى في مشارق الأرض ومغاربها بأصدق التعازي بوفاة العالم المفكر الكبير والداعية  القدير والمجاهد بفكره وقلمه الأستاذ محد قطب الذي وافته المنية صباح يوم    الجمعة (رابع جمادى الآخرة سنة 1435هـ رابع نيسان سنة 2014م) عن قرابة مائة عام ،وصلى الناس عليه عشاء في الحرم المكي الشريف الذي جاوره لأكثر من أربعين عاما مدرسا  ومحاضرا وكاتبا منقطعا في محراب العلم والفكر والدعوة إلى الله على بصيرة.

لقد ودعت الأمة بوفاته قطبًا من أقطابها، وعلمًا من أعلامها، وقلمًا من أقلامها، ونجمًا من نجومها، وَهَبَ عمره من أوله إلى آخره لها ولدينها، ودعوتها وثقافتها، وحضارتها وتراثها.

ودعت الأمة هذا المفكر الكبير بعد حياة حافلة في خدمة الفكرة الإسلامية والدعوة الإسلامية، ولقد لقي ما لقي، وقاسى ما قاسى، في سبيل دعوته وفكرته؛ دخل السجن، وسُقِي المر، وتحمَّل الأذى، وتلقى نبأ قتل الظالمين أخاه سيد قطب صاحب (العدالة) و(الظلال) و(خصائص التصور الإسلامي ومقوماته)، بصبر جميل، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. وردد ما قاله يعقوب: { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } [يوسف:18].

كان محمد قطب آخر عضو في أسرة قطب إبراهيم، وهم أطياف أربعة: سيد، ومحمد، وأمينة، وحميدة. وكانوا كلهم من أصحاب القلم، ومن أهل الفكر والدعوة إلى الإسلام.

كان أول كتاب قدمه في عالم الفكر والتأليف هو: (الإنسان بين المادية والإسلام). فدّل على أصالةٍ في فكره، وتمكُّن في علمٍه، ونبوغٍ في مواهبه.

وما زال - بعد استشهاد أخيه سيد -   يحمل الراية، ويمد المكتبة الإسلامية بكتبه الإسلامية، وكلها قذائف في وجه الباطل، وكواكب في سماء الحق، ويمد الجامعات بما يمد به شبابها من فكر وثقافة، حتى استقرَّ به المقام في مكة -حرسها الله- يدرِّس لشبابها، ويهيئهم لحمل أمانة العلم والدعوة ، وقد تتلمذ عليه كثيرون، ونهلوا من علمه وفكره وبصيرته.

وقدم للمكتبة الإسلامية روائع الفكر، فكتب بعد كتابه الأول: " الإنسان بين المادية والإسلام": (شبهات حول الإسلام)، و(منهج التربية الإسلامية)، و(منهج الفن الإسلامي)، و(جاهلية القرن العشرين)، و(واقعنا المعاصر)، و(مذاهب فكرية معاصرة)، و(كيف نكتب التاريخ الإسلامي)، و(دراسات قرآنية)، و(حول التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية)، و(مفاهيم ينبغي أن تصحح) وغيرها.

ومن أهم كتبه (منهج التربية الإسلامية) بجزئيه، وقد نال على تأليفه لهذا الكتاب جائزة الملك فيصل، وهو جدير بذلك.

انتقل في أوائل السبعينيات الميلادية مدرسًا في قسم الدراسات العليا بجامعة الملك عبد العزيز بمكة، والتي سميت بعدُ بجامعة (أم القرى)، واستفاد منه طلابه، وتعلقوا به، وأنزلته المملكة  منزلته، التي يستحقها، فكان محاضرًا في كل الجامعات وشتى المناسبات، وحظيت كتبه بالشهرة والانتشار، وطلب منه وزير التعليم العالي الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ بإشارة من الأستاذ محمد المبارك أن يكتب (منهاج التوحيد) لطلاب الثانوية، فألف كتاب (التوحيد) بأجزائه الثلاثة، وقرأه ألوف الطلاب وانتفعوا به، وقد أخرج فيما بعد كتبه التي كتبها في منهج التوحيد إلى كتاب سماه: "ركائز الإيمان"، وهو من كتبه التي يستفاد منها كسائر كتبه.

إن محمد قطب- بكتبه المتنوعة في موضوعاتها وموادها، أو في محاضراته الشائقة المركزة وفي إنتاجه الغزير- أصبح يمثِّل مدرسة إسلامية في الدعوة والتربية، والحوار والفكر الإسلامي، الذي يتميز بالأسلوب النيِّر، الذي يخاطب العقل، ويحرك العاطفة، ويحاور الآخر، ويرد على الغرب، كما يرد على المخالفين، ويثير في الشباب اعتزازًا خالصًا للإسلام، وتكاتفا عليه، وجهادا في سبيله، ورفضا لما سواه.

كان محمد قطب - كما قال الدكتور القرضاوي- في عالم الدعوة والثقافة الإسلامية في دنيا المسلمين: نورًا يهدي، وغيثًا يُحيي، وروحًا يسري، وصوتًا يدوِّي، وعزمًا يقوّي، وشمسًا تشرق، وشهابًا يثقب ويحرق، ولكنه لا يحرق إلا الشياطين.

اللهم ارحم آل قطب الأبرار، وارحم محمد قطب، واغفر له، وعافه، واعف عنه، وتقبل منه، واكتبه في عبادك المرضيين، وعلمائك العاملين، ودعاتك الصادقين، وأسكنه الفردوس الأعلى، مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، واحشرنا في زمرتهم يا رب العالمين.

الشيخ عزام ينعى المفكر الكبير محمد قطب، ويعزي الشعب المصري بوفاته:

غزة سما نعى عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الشيخ نافذ عزام، المفكر الإسلامي محمد قطب (92 عامًا) الذي وافته المنية بالأمس في مدينة جدة السعودية، متقدمًا بالتعزية لأهله وذويه وللشعب المصري الشقيق وللأمة العربية والإسلامية.

وقال الشيخ عزام في نعي المفكر قطب:" فقد العالم الإسلامي اليوم واحداً من المفكرين الكبار الذين أثروا المكتبة الإنسانية، وأثروا في أديان عديدة".

ووصف الشيخ عزام، قطب بالمفكر الكبير، مشيراً إلى أنه الشقيق الأصغر للمفكر والمعلم الشهيد سيد قطب، الذي نذر حياته للإسلام والإنسانية بشكل عام.

وأضاف:" وإذ نشعر بالخسارة لغياب المفكر الكبير محمد قطب نؤكد على أن هذه الأمة قادرة دوماً على إنجاب العظماء، وسيهتدي أبناؤها بما قدمه أمثال سيد ومحمد قطب من خدمات كبيرة للإسلام وللحقيقة التي لا زالت محاصرةً في عالمنا المعاصر".

ونعاه المستشار عبد الله العقيل، وكتب عنه مقالاً، كما كتب عنه الدكتور محمد لطفي الصباغ، ونشر مقاله بعد وفاته.

ورثاه العديد من الشعراء أبرزهم الشيخ حامد العلي، ومحمد أحمد الفراج، ..وغيرهم.

ويقول الشيخ د. صالح الرقب: ( لقد كان الأستاذ محمد قطب من الدعاة الذين هم منارات الهدى ولسان الأمة الناطق بالحق، وقلبها النابض بالإيمان، وعقلها المفكر، وضميرها الحي اليقظ، وهو الداعية الصادق الذي يستقيم في أقواله وأفعاله، ويفرض عليك كي تكون قدوة صالحة للمدعوين من خلال سيرته وأخلاقه وأعماله، وأن تكون صادقاً في حمل أعباء الدعوة بكل إخلاص ..

ومن الصفات الحميدة التي تميز بها شيخنا وأستاذنا صفة الحلم وسعة الصدر، ولا ريب أن الحلم من أشرف وأجمل ما يتصف به أصحاب الدعوة الربانية وكل ذي غاية كبيرة، ولقد منّ الله تعالى على الشيخ فحباه بالحلم والأناة، ولذا اتسع صدره، وامتدّ حلمه، وعذر الناس من أنفسهم، وخاصة ممن اختلف معهم، وأساؤوا الأدب معه، وانتقدوا منهجه الفكري أو منهج أخيه الشهيد سيد قطب من دعاة السلفية  وكان – رحمه الله – يمتلك قدرة عجيبة في تحقيق هدفه، وبكل وضوح، الذي يسعى إلى تحقيقه عندما يطرح فكرة في كتبه أو ندواته أو أحاديثه مع مستمعيه، وكان أستاذاً عفيفاً ، فلم يقف عند أبواب الحكام أو الملوك طمعاً في منزلة حكومية، أو وظيفة كبرى دنيوية ، إنما كان همه وقصارى مراده الدعوة إلى الله وخدمة دينه، وإرضاء ربه تعالى.

محمد قطب: الحركة الإسلامية تحتاج لمزيد من التربية:

حوار أجراه: أ. كمال حبيب:

يمثل الأستاذ محمد قطب علامة فكرية وحركية بارزة بالنسبة للحركة الإسلامية المعاصرة، فهو صاحب مؤلفات هامة تؤسس للفكر الإسلامي المعاصر من منطلق معرفي إسلامي مخالف لنظرية المعرفة الغربية ، وهو يربط بين الفكر والواقع عبر العديد من مؤلفاته التي حاولت تفسير الواقع أيضا من منظور إسلامي ، ويرجع الفضل لمحمد قطب في تأسيس مدرسة إسلامية ذات طابع حركي داخل الجامعات السعودية عبر إشرافه على العديد من الرسائل الجامعية التي رسخت العلاقة بين مدرسة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وبين المشاكل الفكرية والحركية المعاصرة ، وقدر لهذه الرسائل الجامعية أن تتجاوز في تأثيرها المملكة العربية السعودية لبقية العالم الإسلامي بعد طبعها في كتب .

استقبلني الأستاذ محمد قطب في منزله بمكة المكرمة، وطال بنا الحديث حول المشاكل الجديدة التي تواجه العالم الإسلامي والحركات الإسلامية بعد الهجمة الأمريكية الشرسة الأخيرة على العالم الإسلامي ، وأدهشني أن محمد قطب يشعر بالتفاؤل ، وبأن ما يجري ليس شرًّا كله ، وأنه شر يأتي معه بالخير ، ومن وجهة نظره فإن من أكبر الخير الذي يواكب هذا الشر هو انكشاف الوجه الأمريكي الصليبي في الحرب على العالم الإسلامي ، فلم يعد هناك شيء مستور أو مخفي ، الحرب تدار علنا وعلى رؤوس الأشهاد .

ويكشف الأستاذ قطب أن اليهود هم الذين يقودون أمريكا في هذه الحرب على العالم الإسلامي، ويؤكد أن ما حدث في 11 سبتمبر هو من فعل اليهود، وهم الذين سعوا لتوظيفه ضد العالم الإسلامي، ويتوقع محمد قطب أن تكون الحركة الإسلامية أقوى من ذي قبل، وأنها ستكون أكثر وعيًا وخبرة بفعل ما يجري عليها من ضغوط خاصة على المسرح الدولي.

امتد الحديث مع الأستاذ محمد قطب على مدار أكثر من ساعتين، كان الرجل فيها يبدو شديد النكران لذاته لحد أنه رفض تماما أن يتحدث عن نفسه لأقدمه للقراء.

وإلى تفاصيل الحوار:

بدأ الأستاذ محمد قطب بالحديث عن التطورات التي حدثت للجماعة الإسلامية في مصر، وقال: إنه نبه في كتبه إلى خطر الصدام مع الأنظمة السياسية الحاكمة في العالم العربي قبل القدرة عليه ، وقبل أن يفهم الناس ـ المحكومون بهذه الأنظمة ـ معني كلمة التوحيد وضرورة الحكم بما أنزل الله ، واستدل على ذلك بقوله تعالى: ( وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين ).

واستطرد محمد قطب قائلاً: إن قيادات الجماعة الإسلامية كانت تفتقد إلى الوعي والخبرة التي تمكنها من إدراك خطر التورط في مواجهة مع النظام السياسي .

ومضى ليقول : إن ما يجري اليوم من تطورات على الساحة الدولية والفلسطينية يشير إلى قرب قيام الساعة (في رأيه)، ويشير إلى تحقق وعد النبي صلى الله عليه وسلم بقتال المسلمين لليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي وراء الشجر والحجر فيقول الشجر والحجر : يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي فتعالَ فاقتله.

واستدل على ذلك بسورة الإسراء في قوله تعالى: ( فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما عَلَوا تتبيرًا )، ويتفق مع آراء المفسرين الذين يقولون: إنه إذا جاء وعد الآخرة هذه (جئنا بكم لفيفاً) .. أي جاء بنو إسرائيل من كل أصقاع الأرض إلى فلسطين استعدادًا للمواجهة الكبرى بين المسلمين وبين اليهود.

وأكد الأستاذ محمد قطب على أن موقف الغرب من الإسلام هو موقف صليبي واضح وهذا مكسب، وما يقول عنه الغرب: “إنه تسامح مع الإسلام ”،   إنما هو في الحقيقة مجرد شعارات فارغة. وتوقع أن تكون أوضاع الأقليات الإسلامية في الغرب ـ وأمريكا خاصة ـ في منتهى الصعوبة والخطورة، ونبه المسلمين هناك للاستعداد للأخطر والأسوأ.

ـ قلت له: لكن هناك اجتهادات فكرية جديدة تتحدث عن خطأ الاجتهاد في تعجل الصدام مع الأنظمة السياسية في الداخل، ولكن من منطلقات مختلفة عما قدمت من ضرورة استبانة سبيل المجرمين أولاً، هذه المنطلقات هي تقدير المصالح والمفاسد ؟.

وأجاب الأستاذ قطب بقوله: الاجتهادات والمآلات هي جزء من بيان حكم الله في هذا الأمر، والمصالح والمفاسد معتبرة شرعًا، وتكشف عن خطأ التسرع في مواجهة الأنظمة السياسية من جانب الحركة الإسلامية.

ـ سألته: ولكن أين نضع فكر سيد قطب من تطور الحالة الفكرية للحركة الإسلامية؟

فكر سيد قطب هو الامتداد الحقيقي لفكر حسن البنا؛ فحسن البنا في رسالة التعاليم يقول: “ولا نكفر مسلمًا بذنب متى نطق بالشهادتين وعمل بمقتضاها”، وسيد قطب يتحدث عن قيد أو شرط “وعمل بمقتضاها”.

وأضاف: لا شك أن الإخوان قدموا نموذجًا مهمّا في الجندية والتكافل، لكن في جوانب أخرى أهملوها، ولم يوجهوا لها الاهتمام الكافي.

ويقول: في عام 1948 حدث وعي جديد عند حسن البنا تمثل في أن الحكام ليسوا مسلمين إذا لم يحكموا شريعة الله ، وأتباعه الذين جاؤوا من بعده إما أنهم لم يدركوا هذا الوعي الجديد في خط تفكيره أو أهملوه عن قصد .

ـ ولكن متى حدث التحول الفكري الحقيقي عند سيد قطب ؟

التحول الفكري نشأ عند سيد بعد مذبحة 1945، فعبد الناصر ذبح الإخوان في السجون، والجماهير كانت تصفق له، وتساءل : هل لو كانت هذه الجماهير تملك الوعي كانت ستصفق للطاغية ؟!! وتناقش سيد في هذا الأمر مع الشيخ محمد هواش ، وانتهي الاثنان إلى أن هذه الجماهير لو كانت تعلم حقيقة لا إله الا الله ما كانت صفقت للطاغية ، من هنا يجب أن تبدأ الدعوة من كلمة التوحيد .

ـ ولكن هل راجع سيد الظلال وفق رؤيته الفكرية الجديدة ؟

كان هناك 18 جزءًا صادرة قبل سجنه، فأكمل في السجن حتى الجزء الثلاثين، ثم راجع عشرة أجزاء مما كتبه من قبل، وكان يود إكمال المراجعة إلى النهاية، لكنه لم يستطع.

كان سيد يؤمل في أن يصدر كتابا اسمه في ظلال السيرة، لكنه لم يستطع أن يكتبه.

ـ ولكن كيف تحول سيد قطب إلى الاتجاه الإسلامي ؟

سيد نشأ نشأة قرآنية متدينة، وهو تأثر بالعقاد .. فقد كان خالي صديقًا للعقاد، وكان سيد يصحبه لمنزله، وأصدر سيد عام 1947 مجلة اسمها ” الفكر الجديد ” لكنها توقفت بعد 13 عددًا، وكان الفكر الشيوعي مكتسحًا في هذا الوقت، ومجلة ” الفكر الجديد ” تقول: الفساد لا يمكن أن يستمر، والحل في العودة للإسلام، في هذا الوقت صدر أمر باعتقال سيد، لكن رئيس الوزراء لم يشأ أن يعتقله، فأصدر أمرًا بإرساله ضمن بعثة إلى أمريكا لدراسة نظام التعليم هناك، وسافر فعلاً للبعثة، وظل في أمريكا من عام 1948-195. وفي هذه الفترة كان ألف كتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام )، وحتى هذه اللحظة لم يكن له صلة بجماعة الإخوان، ولكن عام 1949 شاهد، وهو في أمريكا حفلة ماجنة مخمورة احتفالاً بمقتل حسن البنا فقرر أن يكون عضوًا بهذه الجماعة التي يحتفل الأمريكان لمقتل زعيمها، وقال: لابد وأن أكون جنديّا فيها .

وأضاف محمد قطب : إن بدايات سيد الإسلامية بدأت على المستوى الفكري من الناحية البلاغية ، فكانت هناك قضية في هذه الوقت تتحدث عن ” هل إذا تغير اللفظ تغير المعنى، أم أن تغير اللفظ لا يؤثر في معناه؟”، ولاحظ سيد أن القرآن الكريم حين يتغير اللفظ يأتي بمعان جديدة ويعطي صورًا جديدة للمعاني ، فمشاهد القيامة في القرآن الكريم كل مرة تأتي في صور ومعان جديدة ، فاللفظ حين يتغير يأتي بصور ومعان جديدة ، وكتب كتابه ( مشاهد القيامة في القرآن ) .

ـ ما هو تصوركم لمستقبل الحركة الإسلامية في ظل التطورات الدولية والإقليمية الجديدة ؟

وعي الحركة الإسلامية لا يزال قليلاً، وكثير من الوعي بدا العقل ولكنه لم ينزل إلى القلب، الوعي المعرفي وحده لا يحرك، لكنه حين يصبح عقيدة يكون مخزونًا للحركة، وهذا ما أقصده بالتربية .

القرآن الكريم بدأ بـ “اقرأ” ، وأكمل بـ “فاعلم ” .. فلابد من تحويل القراءة إلى مشاعر وسلوك ومنهج حياة، وهذا ما نقصده بالتربية، المعرفة وحدها لا تحرك. فالوعي المصحوب بالتربية هو الوقود القادم للحركة الإسلامية.

ومعركة فلسطين هي جزء من تكوين الوعي والتربية للحركة الإسلامية ، فاليهود هم الذين يديرون المعركة ، والحمار الأمريكي هو الذي ينفذها ، وانكشاف هذا العداء للإسلام والمسلمين مهم؛ لأنه يزيد من خبرة ووعي الحركة الإسلامية .

وأشار محمد قطب إلى أن الأمة تنتظر قيادة تقود الجميع، وتأخذ بيدهم إلى النصر المبين .

ـ هل العمل السياسي والمجتمعي ليس مطروحًا على تفكيركم كما كان بالنسبة لسيد قطب ؟

السياسة والاقتصاد والاجتماع هامة لكل مجتمع، كما هي هامة للمجتمع المسلم، لكن السياسة والاقتصاد جاءت في المدينة بعد أن اكتمل التكوين العقيدى، وبعد أن ارتبطت السياسة والاقتصاد والاجتماع بالعقيدة وبكلمة التوحيد، ونحن نأمل أن ترتبط السياسة وتنضبط بالقواعد الإسلامية وهذا أمل سيتحقق بمزيد من العلم الشرعي ومزيد من التجربة والخبرة وبمزيد من الضغط العالمي .

ـ ما هو تقييمكم لأحداث سبتمبر ؟

ظني أن أحداث سبتمبر من تخطيط اليهود، فهم المستفيدون منها، وهناك الكثير من الشواهد على ذلك، وهم يحاولون توظيفها ضد العالم الإسلامي والعربي.

ـ كيف ترون مالك بن نبي المفكر الجزائري المعروف ؟

مالك كان مسجونا في فرنسا، وهو في البداية تأثر بالحضارة الغربية، وكان لها وهج في حسه، لكن فكره استقام بعد ذلك واكتمل ونضج.

ـ لكنكم تتحدثون عن الحركة الإسلامية وكأنها حالة واحدة، رغم أن هناك تنويعات هائلة في داخل العالم الإسلامي ؟.

الوسط الدعوي لم يكن جنسًا واحدًا ، لكن البناء الذي بناه الرسول صلى الله عليه وسلم حمل هؤلاء جميعًا إلى غاية الدين الإسلامي ومقاصده وأهدافه .

clip_image004_965d0.jpg

شخصية الأستاذ محمد قطب في الشعر الإسلامي المعاصر

وقد نظم محمد قطب في شبابه الشعر، ونشر كثيراً من قصائده في الرسالة والثقافة أيضاً، وقد توقف عن نظم الشعر بعد التزامه، وتوجه إلى الفكر والكتابة والتأليف، والعجيب أن سيد قطب ألقى غربته على شقيقه محمد بحيث قال محمد قطب مبيناً غربته هو الآخر في قصيدة غريب التي صاغها وهو في الحادية والعشرين من عمره:

غريب أنا في ذلك الكون كله            على سعة في الكون توحي بإيناس

غريب بنفسي عن نفوس كثيرة           غريب بفكري عن دنى ذلك الناس

وأحسبُ أني تائه في غمارهم       كما ضلّ ومض في غمار الدجى القاسي

لأحسبُ في دنياهمُ كلّ ضلة              وأحسبها دنيا من شرور وأرجاس

ولكنني أقفرت يوماً من المنى                  وجئتُ إلى الظلماء غير مزوّدِ

فلفتني الظلماء من كلّ جانب ٍ            وبثتْ لي الأشواك في كلّ مقصدِ

وما أرتوي من موردٍ أيّ مورد                  وما ألتقي إلا بدجوان أجرد ِ

وطاولَ قلبي للسكون وللكرى                 بليداً من الإحساس أي تبلّدِ

فلما أفقتُ اليومَ من ذلك الكرى      تلمّستُ حولي الكون علّي أهتدي

فألفيتني فيه غريباً مشرّداً                       أهوّمُ في وادٍ من التيه سرمد ِ

بصيرة لسيد قطب في شقيقه محمد :

لسيّد بصيرة نافذة في شقيقه محمد، حيث كان يعدّه ليخلفه من بعده، وعندما نشر ديوانه ( الشاطئ المجهول) أهداه لشقيقه محمد، ومما جاء في إهدائه قوله :

أخي ذلك اللفظ الذي في حروفه             رموز وألغازٌ لشتى العواطف

أخي ذلك اللحن الذي في رنينه                 ترانيم إخلاص وريّا تآلف

أخي أنتَ نفسي حيثما أنتَ صورةٌ       لآمالي القصوى التي لم تشارف

تمنيتُ ما أعيا المقادير، إنما                وجدتكَ رمزاً للأماني الصوادف

فأنتَ عزائي في حياة قصيرة ٍ            وأنتَ امتدادي في الحياة وخالفي

تخذتك لي ابناً، ثم خدناً ، فيا ترى   أعيش لألقى منك إحساس عاطفِ

وقد تحققت أمنية ( سيد) في شقيقه، فمدّ الله في عمره، وخلف سيد، واعتبر امتداداً له في حياته، وخالفاً في آرائه وأفكاره .

رثاء الإمام محمد قطب:

وكتب الشاعر عبد الله بن نجاح آل طاجن أبياتاً عابرة نظمها في 4/ جمادى الآخرة 1435ه يقول فيها:

مات الإمام اليوم من ذا يخلفه ؟      ومن الذي في الدار ذي لا يألفه؟

قد كان شهماً داعياً في أمةٍ            لا شيءَ عن نشر الشريعة يصرفه

طوبى له! ولنحنُ نشهدُ دائماً          للشيخ بالإخلاص ذا ما نعرفه !

رمز الجهاد بكلمة وعقيدة ٍ               والكفر بالعلم المصفى يقصفه

لقد كان الأستاذ محمد قطب شهماً شجاعاً دافع عن الشريعة، وردّ الشبهات، وكان مجاهداً مخلصاً، ويعجب الشاعر من أولئك النفر الذين راحوا ينشرون فقه الكراهية من علم أو دراية، ويتناسون فضل الرجال الأعلام، ويتمسكون بخطأ هنا أو هناك :

قد كان بعض الناس يكرهه عمى             وجهالة لكنه لا يعرفه !

حسداً وحقداً فيهم متأصلٌ                  ولسانه يجري به لا يوقفه

اسكت إذا لم تدر يا بن جهالة    إن كنت تجهله ! فكيف ستنصفه؟

فعليه رحمة ربنا وسلامه                   والقبر نور أنت رب منصفه

والحق أن الشيخ ليس بميتٍ               فلعلمه في الناس باق نقطفه

ذهب الكبير:

وكتب الشاعر الداعية الشيخ حامد عبد الله العلي ( الكويت) أستاذ الثقافة الإسلامية بكلية التربية بالكويت، قصيدة، جاء في مطلعها:

ذهب الكبير العالم المسماح        فتعطلت من بعده الأفراحُ

وتحشرجت بالصدر أطول غصةٍ     والقلب مزّق جانبيه جراحُ

وبدا كأن الجوّ يبكي نائحاً          فعليه لو حلَّ النواحُ يُناح ُ

لقد حزنت لفقد الإمام الطبيعة والبلدان، وبكت عليه مكة وشعابها وجامعتها، والمدينة وأهلها، والقدس وحاراتها:

وبدا بمكة كلّ شيء صامتاً         من صدمة في طيها الأتراحُ

أم القرى تبكي، وطيبة مثلها        والقدسُ دمعُ خدودها لوّاحُ

ما ماتَ واحدُ أمة في أمة          بل هدّ من تحيا به الأرواحُ

أفكاره سبل الهدى:

لقد كان الشيخ محمد قطب عملاقاً من عمالقة الفكر الإسلامي الحركي، فكان نير الفكر، قطباً في العلوم، نشر العلم النافع بين الناس:

أفكاره سبل الهدى، وكلامه       درج الفلاح، وعقله مصباحُ

قطبُ العلوم، فكلُّ نجم ٍ حوله      ومحمد قطبُ به الإصلاحُ

من أسرة بالدين ربى أهلها            فعطاؤها بين الورى فوّاحُ

يا ناشراً بالناس علماً نافعاً           يغدى على أدواحه ويراحُ

وسوف يخلّد التاريخ ذلك الفكر والمفكر الذي موات الأمة بالعلم:

ما متَّ ، كلا ، بل تعيش مخلّداً      فبكلّ جيلٍ مادح صدّاحُ

ما زال يحيي بعد موت عالماً       والجهلُ موت بالحياة صُراحُ

رثاء محمد قطب :

وكتب محمد أحمد الفراج قصيدة في رثاء المفكر محمد قطب يقول في مستهلها:

رد كوثر الراحات قد ذهب الظما      وانهل وعلّ فكلها ري وما

فطالما فيها جرعت الكأس من      آلامها ومضغت فيها العلقما

واليوم أبشر والبشارة قربة           وأقدم على أغنى الكرام مكرما

فأمامك الشهداء من أحبابكم          ومحمد صلى عليه وسلما

الله أكرم من بخيل شانئ        لو قيل أعطِ من التراب لقال: ما

ويعرض الشاعر بذلك التيار الذي رضي أن يعيش ذيلاً للطغاة والجلادين وأذناب الماسونية، الذين راحوا يوزعون التهم بدل التأبين والرثاء والتعزية:

تأبى عليه خلائق ما عوّدت          إلا السفاهة والبذاءة والعمى

بالأمس مات مثلث معبوده        عيسى وموسى فاستماتوا مأتما

واليوم تنطلق الشتائم ما رعوا         علماً ولا شيخاً وقوراً مسلما

أفتلك لبرالية قد بشروا           بفضائها الفضفاض من لهم انتمى

أين الفضاء مما ترى فضفاضها      يسع الورى إلا الأقصى المجرما

مثل الذين تشمتوا بمماته               مثل الصبي يروم بحراً أيهما

القطب غاب وإن تغب أقطابنا       من للسراة سرت بليل أظلما

ظلماته قد أطبقت وفجاجه        قد أظلمت والكون داج أعتما

هام الدليل بها وغاب خبيرها         عنها وحار حليمها وتلعثما

الله يكشف كربة لا كاشف           من دونه ويحلها ربّ السما

فقيد الدعوة:

لقد كان الأستاذ محمد قطب بطلاً يقول الحق، ولا يخشى في الله لومة لائم، وكان أمل الأمة ملء السمع والبصر، سار على نهج السلف، ومضى على الطريق ولم يفتر ولم يملّ :

لله درك من بطل                    لله درك من أمل

سرت كما سار الألى        ما حدت عن نهج الأول

أمضيت عمرك كاتباً          ما مال سعيك أو بطل

أوضحت سر جماله             ما جاء خير الرسل

لقد أوضح سرّ الجمال في حديث الرسول، وكان كتابه ( قبسات من الرسول ) نبراساً يهدي ومنارة تضيء الدرب للأجيال:

ربيت تربية الصلاح              فزاد قدرك واحتمل

لم تخش طاغوتاً تقيل من            سما أو من نزل

ما زال علمك راسخاً         يملأ الصحائف والمقل

ما زال ذكرك عالياً              أعظم بطلاب نهل

وسجنت ظلماً واضحاً       مارق عظمك أو رهل

وصبرت مرفوع الجبين          وعزّ شأنك يا نَكَلْ

لقد ربي محمد قطب على التقوى والورع والصلاح، فجمع بين جلالة القدر والحسب والنسب، لم يخش الطغاة، وترك علماً نافعاً يملأ العيون والصحف والمجلات، وسجن أكثر من مرة، ولكن بقي شجاعاً مرفوع الرأس:

لو شئت أن تحيا كما            تحيا البهائم في الجبل

أو أن تعيش كما يعيش          الساهرون مع القبل

لكن روحك كوكب          وضاء ما أحلى العسل

لم تخش جباراً فجر            كلا ولا خفت الخطل

في روحك انسجم الشآم      فطاب فعلك يا سبل

أحببتُ فيك زهادةً              وصلابة وزن القلل

إن غيب الموت الجسد        فضياء علمك ما أفل

ارحل أخي مكرماً           هل آخر الليل الأجل

يكفيك أنك قد بذلت           وربنا ما قد غفل

لقد كان الأستاذ محمد قطب زاهداً صلباً في الحق، إن غيب الموت جسده، فإن علمه ما زال ينير طريق المجاهدين، لقد بذل وسعه في إصلاح الأمة، وتوجيه الشباب، والنصيحة لعامة المسلمين وأئمتهم، وعاش حميداً، ومات غريباً سعيداً.

الخاتمة:

رحل الأستاذ الداعية المجاهد محمد قطب، وانقطعت برحيله تلك السلسة المباركة، فقد كان امتداداً لفكر الشهيد سيد قطب، وبقي الواجب على تلاميذه أن يكملوا المشوار.

فأفكار العظماء لا تموت بموتهم، وأحلام الكبار لا تنقضي برحيلهم، وإنما تمتد في الآماد وعبر العصور والدهور ..

اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم، وسلام على آل قطب في الخالدين.

مصادر البحث:

1-سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد – د. صلاح الدين الخالدي – دار القلم بدمشق.

2-جائزة الملك فيصل العالميّة للدراسات الإسلاميّة، الأمانة العامّة.

3-مجلّة المجتمع: س 20 ،ع 922 ، تاريخ 27 يونيو 1989 مقال: الإسلام والكونجرس  د. أحمد إبراهيم خضر.

4-علماء ومفكرون عرفتهم: للأستاذ محمد المجذوب - ص275. 

5-المدينة نيوز - وفاة المفكّر الإسلامي محمد قطب.

6-أعلام الصحوة الإسلاميّة- محمد علي شاهين .

7- السابقون إلى الدار الآخرة - أ. محمد قطب (رحمه الله) الداعية الأديب

(1919 – 2014م) - المستشار عبد الله العقيل.

8- موقع الشيخ حامد العلي – على الشبكة العالمية ( الأنترنت).

9- موقع رابطة أدباء الشام.

وسوم: العدد 856