سلسلة قراءتي لكتاب نور اليقين في سيرة سيّد المرسلين 9

غزوة العشيرة:

قال الكاتب: للمرّة الثّانية وبشكل متتالي، يخرج سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، بنفسه في هذه الغزوة، وهي غزوة العشيرة. حيث "خروج قريش بأعظم عير لها، فقد جمعوا فيها أموالهم حتّى لم يبق بمكة قرشي أو قرشية لها مثقال فصاعدا إلاّ بعث به في تلك العير، وكان يرأسها أبو سفيان بن حرب ومعة بضعة وعشرون رجلا. وبعدما وجد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم العير قد مضت، رجع إلى المدينة ينتظر هذه العير حينما ترجع". 103.

أقول: تكمن أهمية العير وما تحمله بالنسبة للمسلمين، في كون سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم هو الذي خرج لها بنفسه، ومعه مائة وخمسون من المهاجرين. وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لايتحرّك إلاّ لعظيم، والعير بالنسبة للمسلمين أمر عظيم. من ناحية ثانية.

وضعت قريش على رأس العير أبو سفيان بن حرب، وهو سيّدها وكبيرها، وأعرفهم بالتّجارة، والقوافل، وطرقها، ومخاطرها. مايدل على أنّ للعير وما تحمله أهمية عظمى لديها.

السّرعة التي أفلتت منها العير من سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، تدلّ على أنّ القائمين على العير كانوا في أقصى درجات الحيطة والحذر، ومستعدين لأدنى حركة مباغتة من المسلمين، وهو ماحدث بالفعل، حين اختفوا بسرعة البرق.

تحويل القبلة والاستقلالية: 105

قال الكاتب: "فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلّم في صلاته إذ أوحى الله إليه بتحويل القبلة إلى الكعبة فتحوّل وتحوّل من وراءه" 105 .

أقول: تتمثّل أهمية تحويل القبلة، أي الاستقلالية في كون جاء تحويل القبلة وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه، وأسيادنا الصحابة رضوان الله عليهم في الصلاة.  وحبّهم للاستقلالية، والسّعي إليها جعلهم يتحوّلون عن القبلة وهم في الصلاة بين يدي ربّ العالمين.

لم يكن تحويل القبلة في مكة إنّما في المدينة حيث اليهود. مايعني، أنّنا ونحن في المدينة حيث سيطرة اليهود، إلاّ أنّنا مستقلون في ديننا ودنيانا، ولسنا تبعا لأحد، وبما فيهم أصحاب الأرض والقوّة والمنعة وهم اليهود.

مازال المسلمون في المدينة ضعفاء، دون قوّة عسكرية تحميهم وتحمي ظهرهم، ولا قوّة مالية، ولا مادية، وفقر، وحاجة، وتهديدات، ودون تجارة، ولا قوافل، ورغم ذلك أمرهم الله تعالى بتحويل القبلة وفي أرض الهجرة المدينة، وليس في أرض الوطن مكة. مايدلّ على أنّ الضعف المادي والاقتصادي والتجاري، لايستلزم بالضرورة التّبعية في الدين والدنيا. والمستقلّ دينا، سيستقلّ لامحالة في دنياه.

هي فرصة للدولة الفتية في المدينة لتستقلّ عن الدولة التي هاجرت منها في مكة، والدولة الحالية التي هاجرت إليها في المدينة، ولا حقا ستكون مستقلّة عن الروم والفرس، أي عن أيّة دولة ومهما كانت قوية ماديا وحضاريا.

االمستقلّ والمنفق منتصر لامحالة

وأنا أقرأ صفحات 105-107، المتعلّقة بفرض تحويل القبلة، والصيام، وزكاة الفطر، والزكاة وقفت عند العبر التّالية:

تحويل القبلة، وصوم شهر رمضان، وزكاة الفطر، والزكاة، فرضت قبل غزوة بدر الكبرى، وفي نفس العام، أي السنة الثّانية من الهجرة. مايعني، أنّ أسيادنا الصحابة، رحمة الله ورضوان الله عليهم جميعا، دخلوا غزوة بدر وهم: كلّهم ثقة بأنفسهم، ومستقلين من حيث القبلة، وبأنّ لهم قبلة، وليسوا تبعا لأحد وبما فيهم اليهود، مايعزّز ويرفع معنوياتهم أمام العدو العربي والمتربّص اليهودي.

حالة المجتمع الإسلامي حينها خاصّة المهاجرين، كانت في غاية التدهور، من حيث الجانب الاقتصادي المعيشي، والتبعية للأنصار، وعدم الاكتفاء الذاتي، والحاجة لمورد اقتصادي يغنيهم، وانعدام الزراعة والصناعة، بالإضافة إلى دولة فتية لم يمرّ على إنشائها غير عامين، وتربص من حولهم.

رغم هذا التدهور الاقتصادي الرهيب، تفرض عليهم زكاة الفطر والزكاة، مايعني أنّ الزكاة قائمة ولو كان المجتمع فقيرا ضعيفا منهكا، وكلّ يخرج بما يقدر ويستطيع.

هي فرصة لأسيادنا الأنصار، ليخرجوا زكاة الفطر والزكاة ويقدّموها لأسيادنا المهاجرين، ويجنّبوهم مذلّة السؤال، وتترسخ علاقات الأخوّة والتّعاون فيما بين أفراد المجتمع الجديد من مهاجرين وأنصار.

إذن، دخل المسلمون غزوة بدر، وهم يملكون استقلالية من حيث القبلة، وليسوا عالة على أحد. وهذه عوامل، ساعدت في النصر في غزوة بدر.

لفهم أسرار انتصار المسلمين في غزوة بدر، وجب الوقوع على حقيقة فرض تحويل القبلة، والصيام، وزكاة الفطر، والزكاة التي سبقت غزوة بدر، وقد ذكر صاحب هذه الأسطر بعضها -ولغاية هذه الأسطر-.  

وسوم: العدد 986