حين يسبق الشعر السياسة: مجلس الأمن الدولي أنموذجا

 تنبه الشعراء العرب إلى دور مجلس الأمن الدولي المعادي للأمة العربية وقضاياها المصيرية منذ نهايات أربعينيات من القرن المنصرم، وقد عبر الشعراء عن مواقفهم إزاء المجلس بقصائد مؤثرة ومعبرة، تفضح ذلك الدور وتكشفه أمام المتلقي المسلم بصورة ممزوجة بالشكوى الناتجة عن مشاعرهم وانفعالاتهم، في الوقت الذي لهث فيه الكثير من الساسة خلف مجلس الأمن الدولي وخلف مؤسسات الأمم المتحدة التي يظهر فيها الميز واضحا وبيّنا وكذل كالكيل بمكيالين عند التصويت على الشكاوى والقضايا.

    فها هو الشاعر المصري علي شوقي ينظم في خمسينيات القرن الماضي قصيدة بعنوان ” نحن ومجلس الأمن ” يعرض فيها قضية الأمة، ويصور فيها المعاناة البشرية من الحروب، وما يمارسه مجلس الأمن الدولي من هيمنة وانحياز بفعل اللوبي الصهيوني، وقد وصف الشاعر المجلس بأنه داعية إلى السلم المكبل بالقيود، وقد تولى إدارته وهيمن على أعضائه السفهاء والشياطين وأعداء الإنسانية كما كشف عن الخداع والغدر الممارس وصولاً إلى المصلحة خاتماً أبياته ببيت يبشر فيه حال من والى اليهود بالخذلان الأكيد، يقول :

أقاموا مجلسا للأمن يدعو إلى السلم المكبل بالقيود

تولى كبره السفهاء منهم وغص بكل شيطان مريد

إذا اجتمعوا على أمر مريج تواصوا بالضغائن والحقود

وليس السلم بغيتهم ولكن دهتهم صولة الخصم اللدود

وهم من قبل ذلك في شقاق على رغم المواثق والعقود

يفرق بينهم حسد وبغض وهل ترجى المودة من حسود

ويخدع بعضهم بعضا ليحظى بما يبغي ويطمع في المزيد

تولوهم على ما كان منهم من الشنآن والبغض الشديد

ومن كان اليهود له وليا فبشره بخذلان أكيد

  وفي الوقت الذي كان فيه مندوبو خمسين دولة مجتمعين في سان فرانسيسكو بأمريكا للنظر في الوسائل التي تكفل الأمن الدولي، وتكف عادية المعتدي كان الجنرال الفرنسي ” أوليفا روجيه” يقذف عاصمة الأمويين وأقدم مدن العالم بوابل من القنابل تدك أحياءها على أحيائها بلا شفقة ولا رحمة فتلفت الشعر إلى سان فرانسيسكو يعجب لهذه المفارقات المضحكة المبكية، التي تفاعل معها الشاعر علي الجندي، حيث نظم قصيدة بعنوان:” مجلس الخوف لا مجلس الأمن” فقد استأثرت الدول الكبرى في مجلس الأمن بالحقوق المهمة كحق النقض مثلا، والشاعر لا يرى سبيلا للخلاص وطريقا لنيل الحق إلا بالمدافع الضخمة وامتلاك الأسلحة القوية، وفي ذلك يقول:

تجمعتم من كل جنس وأمة ولون لحفظ السلم هل حفظ السلم

أرى الدول الكبرى لها الغنم وحدها وقد عادت الصغرى على رأسها الغرم

يخيل لي أن الوفود تفرقت ولم يندمل من طيب الكَلِم الكَلْم

مواثق معناها يكذب لفظها فظاهرها بر وباطنها إثم

وتأويلها عند القوي فمن لنا أن نضمن الإنصاف والحكم الخصم

متى عفت الذئاب عن لحم صيدها وقد أمكنتها من مقاتلها البهم

ألا كل شعب ضائع حقه سدى إذا لم يؤيد حقه المدفع الضخم

   ويميط بيرم التونسي اللثام عن الدور الحقيقي الذي يمارسه مجلس الأمن الدولي بأعضائه المتنفذين الباحثين عن مصالح دولهم، في قصيدة له يسخر فيها من مجلس الأمن الدولي ومن الوافدين إليه يحملون شكواهم بحثا عن حل قانوني لها وقد قدموا وفعلوا كل شيء من اجل ذلك إلا أن مجلس الأمن لا يستجيب بعد كل ما فعلوه، وبعد تعطيل مفعول الدين وإلغائه، ووضع دساتير وقوانين مستقاة من نابليون ومن الثورة الفرنسية، كما أصبحت المصاحف زينة، وانتهى عهد البراقع والاحتشام، وكثر الترف واللهو والمجون والخمر، يقول:

الديــــانه، قبـــل منكم ألغينــــــاها

والشريعه ، عن نابليـــــون مشيناها

.. والمصاحف في المتاحف حطيناها

منها ذكرى ومنها فرجه ومنها زينه

ياللي رايحين مجلس الأمن اسمعونا

وانتهى عهــــد البراقــــــــع والملايــــا

والنسا ، للركبتيـــــن ماشيين عرايــــــا

.. أمي وأختي وزوجتي .. أهم رايحين معايا

عالبلاج .. والدنيا تتفـــــــرج علينــــــا

ياللي رايحين مجلس الأمن اسمعونــا

زيكم في كل شيء ياهل الحضـــاره

زيكم بايتين على البوكر سكــــــارى

والحانات من كل نوع في كل حاره

عيب عليكم بعد كل ده تستعمــرونا

ياللي رايحين مجلس الأمن اسمعونا

صورة مجلس الأمن في الشعر الإسلامي المعاصر

   لقد لعب مجلس الأمن دوراً كبيراً في فض النزاعات الدولية، ولكنه في كثير من الأحيان كان واقعا تحت تأثير هيمنة الدول المستعمرة التي تدخلت في قراراته.

لقد منحت الأمم المتحدة خمس دول حق الفيتو في مجلس الأمن..

  ولم تمنح أي دولة عربية أو مسلمة هذا الحق، فإن كان الأمر راجع إلى عدد السكان فمصر أكبر من فرنسا.

  وإن كان الأمر بالقوة العسكرية فتركيا ثاني دولة في الناتو، وإن كانت المسألة بالسلاح النووي فباكستان أقوى من بلجيكا، وإن كان الأمر بالصناعة فأندونيسيا أقوى من اليونان...

    هذه المعايير الدولية المزدوجة جعلت الشعراء الإسلاميين يسخرون من مجلس الأمن الدولي ومن دوره، وقراراته.

    وقديما كتب جبران خليل جبران قصيدة مشهورة سخر فيها من عدالة الأرض، ومطلعها (وَالعَدل في الأَرض يُبكي الجنّ لَو سَمِعوا)، وعدد الأبيات

4، يقول فيها:

وَالعَدل في الأَرض يُبكي الجنّ لَو سَمِعوا

بِهِ وَيستَضحكُ الأَموات لَو نَظَروا

فَالسّجنُ وَالمَوتُ لِلجانينَ إِن صَغرُوا

وَالمَجدُ وَالفَخر وَالإِثراء إِن كبرُوا

فَسارق الزَّهرِ مَذمومٌ وَمُحتَقَرٌ

وَسارِقُ الحَقل يُدعى الباسِلُ الخطرُ

وَقاتلُ الجسمِ مَقتولٌ بِفعلَتِهِ

وَقاتلُ الرُّوحِ لا تَدري بِهِ البَشَرُ

   ويقول الشاعر اللبناني أديب اسحاق، وعدد الأبيات ٤ جاء فيها:

قتل امرئٍ في غابةٍ. جريمةٌ لا تُغتَفر

وقتل شعبٍ آمنٍ. مسأَلةٌ فيها نظر

والحقُّ للقوَّةِ لا. يعطاهُ الاَّ مَن ظفر

ذي حالة الدنيا فكن. من شرّها عَلَى حذر

فمن يقتل شخصاً فهو إرهابي ، ومن يقتل شعبا بالسارين والفوسفور والكيماوي فهو دفاع عن النفس وليس عمله الشائن إرهابا.

مجلس الإبــادة: 

     يقول د. أنور محمد الحجي ساخراً متهكماً بمجلس الأمن الذي يشاهد مجازر اسرائيل في فلسطين ومع ذلك يسكت، ولايتخذ قرارا في حماية المدنيين، وفي الدفاع عن حقوق الإنسان..

جَريمَةٌ أنْ تَحضروا يا سـادةْ 

                         في مَجلِسٍ يُشَـرِّعُ الإبــــــادةْ 

جَــريمَـةٌ أنْ تَسمَعوا نُبـاحَهَمْ 

                         جَـريمَـةٌ أنْ تَشـهَدوا شَــهادةْ 

جَريمَةٌ أنْ تُغمِضوا عُـيـونَكُمْ 

                         أورأسُـكُمْ يُـلامِسُ الـوِســـادةْ 

جَـريمَـةٌ أنْ تـأكٌـلوا طَعـامَكُمْ

                         جَريمَـةٌ أنْ تَشـرَبوا شَـرابَكُمْ 

جَـريمَــةٌ أنْ تَبسموا بِسِــرِّكُمْ 

                         جَريمَةٌ أن تَضحَكوا بِجَهرِكُمْ 

جَـريمَـةٌ أنْ تُكثِـروا صَلاتَكُمْ 

                         وَغَـــــزَّةٌ تَجــابِـــهُ الإبــــادةْ

سَـــجِّــلْ:

   وفي قطعة شعرية أخرى يبدو ناقما على مجلس الرعب حيث كتب د. أنور الحجي يقول منددا بمجلس الأمن ..الذي ظهر عجزه في إيقاف جرائم يهود في فلسطين، وحين فكر في إصدار بيان الإدانة أخذه مندوب اسراىيل ومزقه أمام الجميع:

سَجِّلْ عَلى صَدرِ الحَضارَةِ صورَتي

                         وارْشُـقْ عَـلى شَــرَفِ العِقـالِ تُرابي 

دَعني أبـــولُ عَلى مَجـــــالِسِ أمنِهِمْ 

                         مِـنْ صَـــدرِ مَجلِسِهِمْ إلى الأعـتــابِ 

لِأُطَهِّـرَ الألـبـابَ مِنْ رِجسِ الطِّــوى 

                         فـالـبَـولُ أطهَـرُ مِـن غِــوى الأنيـابِ 

سَجِّـلْ وأوجِـزْ في فُصـولِ حِكـــايَتي

                         فـالجُــــرمُ مُحـتــاجٌ لِألـفِ كِــتــــابِ 

سقط القناعُ:

    وكتب الطبيب الأديب د.محمد إياد العكاري قصيدة في الأحداث الأخيرة في غزة منددا بالأمم المتحدة والقانون الدولي الظالم الذي أصابه الحول في عينيه فراح يكيل بمكيالين...

زوراً تسمَّى !! وذي الأفعال قُرصانُ..

والغربُ والشَّرقُ سفَّاحُ وسجَّانُ

فيتو يُبرِّرُ للمُحتلِّ عُدوانُ!!؟

ياللألاعيبِ والقانونُ بُهتانُ!!؟

من ذا يُخالفُ ؟! فالإرهابُ عنوانُ؟!

والذِّئبُ والنِّمسُ والأحياءُ قِطعانُ!!

يابئس غطرسةٌ والكِبْرُ مركبُها؟!

والشرُّ يُرغي؟! أيُسْمَى ذاكَ رُبَّانُ؟!

***

والكلُّ أعمى ..رؤوسُ الغَربِ غِربانُ

     ويسخر د. العكاري من عصر الأبالسة الذي سيطرت فيه قوى الشر على القوانين الدولية، حيث تقدم القوة على الحق، والظلم على العدالة، فالبقاء للأقوى، والكلمة العليا للماسونية، فإذا دعا أردوغان لنصرة المظلومين اتهم بمعادات السامية ..

عصرُ التَّكَبُّرِ !!والتَّكبيرُ عصيانُ!؟

سقط القناعُ وذا القبطانُ شيطانُ..

والقهرُ والعُهرُ والتَّصنيفُ جِرذانُ!؟

لاعَدْلَ تلقى؟!ولاقسطٌ وميزانُ؟!

كأنَّ غزَّةَ ياربَّاهُ بُركانُ!!!

كلٌ تآمرَ لاعقلٌ وحُسبانُ…!!

***

  لقد واجه المجاهدون في فلسطين هذا الحصار بالصبر والثبات، وها هم يواجهون الجيش الذي لا يقهر بالصدور العارية، والإيمان الراسخ..

عصرُ الفُجُورِ فلاماءٌ !؟ولاشَجَرٌ !؟ولاحياةٌ ؟! وماللموتِ أكفانُ!!!

أو أنَّهم سيطروا .!؟ والكلُّ خُذلانُ!!؟

خابوا وهانوا..وذا الطُّوفانُ بُرهانُ..

في البرِّ والبحر والآفاق جندُ هُدَىً

في عسقلانَ لهم بالذِّكرِ فُرقانُ..

ومن أتون اللَّظى ينقضُّ فُرسانُ

يانِعمَ كوكبةٌ للرَّدعِ عنوانُ

وزلزلتْ عرشَهَم..صهيونُ خُسرانُ

تفاجأ الكلُّ والطَّاغوتُ لاشانُ..

ياللبطولةِ بالفرسانِ طوفانُ

والصَّاعُ صاعانِ ..للتَّكبيرِ سُلطانُ

***

لقد مضى على قضية فلسطين دهر طويل ولقي أبناؤها من الظلم الفادح ولكن لم تصب المجاهدين مشاعر اليأس والإحباط فبقوا صامدين راسخة أقدامهم عالية جباههم ..

هذي فلسطين أرضُ العِزِّ بُركانُ

والقدس والطُّهرُ للأحرارِ نيشانُ

وغزَّةَ العزُّ ياللفخرِ ميدانُ

هنا البطولةُ والطُّوفانُ برهانُ

هنا الفداءُ ولايُثنيهِ عُدوانُ

هنا البيانُ فتوحاتٌ وقُرآنُ

من هاهنا نبتدي والأرضُ عرفانُ

والنصرُ لاح وللآياتِ عنوانُ

 والقُدسُ ممَّا ارتوتْ مسكٌ وريحانُ

ويتنبأ د. محمد إياد العكاري بهزيمة الباطل، وانتصار الحق في نهاية المطاف.

فجر الجمعة

 ١٢/٤/١٤٤٥

٢٧/١٠/٢٠٢٣م

    والشاعر في هذه القصيدة يطلق صيحة تحذير إلى الأمة، فأحداث فلسطين لها ما بعدها، وهذه القصيدة تذكرنا بقصيدة أبي البقاء الرندي التي حذر فيها وأنذر وختمها بقول:

لمثل هذا يذوب القلب من كمد 

إن كان في القلب إسلام وإيمان

  وإذا خلا القلب من الإسلام والإيمان فعلى الدنيا السلام.

اللهم هل بلغت 

اللهم فاشهد

إلى هيئة الأمم المتحدة:

    وكتب الشاعر حمد بن خليفة بوشهاب قصيدة إلى الأمم المتحدة يقول فيها:

ما حقق الأمن إلا العدل في الأمم

ولا السلام سوى الموفين بالذمم

الناطقين بما تملي ضمائرهم

دون انحياز لذي بطش وذي نقم

لهم مع الحق تاريخ يشرفهم

في مجلس الأمن أو في هيئة الأمم

يوازنون إذا قالوا... وإن حكمو

فبالعدالة لا بالزور والتهم

قل للقوي طالت أظافره

في الناس إن دوام الحال لم يدم

يبدل الله أحوال العباد فهل

نبئت عن سحقه (عادا وعن إرم)

وللشعوب حقوق في مواطنه

إن لم تنلها فلن تبخل بسفك دم

فناصروا كل مظلوم أضر به

ظلم القوي وراعوا حرمة الذمم

وطبقوا العدل إن العدل أنشاه

لولا العدالة لم تنهض ولم تقم

قد نص ميثاقها أن لا ممالأة

ولا انحيازاً لذي ظلم وذي جرم

فحوّلتها سياسات القوي إلى

من ليس يعبأة بالأخلاق والقيم

ما في السياسة دين يستعان به

على المظالم بين الخصم والحكم

دين السياسة في الدنيا مصالحه

لا بأس بالكسب من حل ومن حرم

إن حدثوك فبالكذب الذي عرفو

وبالضمير الذي قد شيب بالنهم

تلك الضمائر لو صيغت فمن حجر

قاس ومن طمع بالحقد متسم

لا شيء كالعدل إن العدل يصلحه

ويصلح الناس من عرب ومن عجم

وهكذا نرى عجز المجتمع الدولي عن إيقاف الحرب، وعجز منظمات حقوق الإنسان عن إدانة المحتل الإسرائيلي الغاصب..وتصبح الإدانة في بعض الأحيان سخرية مرة، فالكلام لا يرد الحقوق المنهوبة.

  وأما حكام العرب فعجزوا عن الكلام، وكثير من الشعوب عجزوا حتى عن الدعاء،...

   ولايوجد حل سوى الجهاد بأنواعه المختلفة، ولاسيما القتال، والمال، والكلمة، والتمرد والغضب، وطرد السفير.

ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.

وسوم: العدد 1062