فُصُولُ النُّصُوصِ الشَّرِيفَةِ

لا تكون نصًّا الكلمُ -وإن كانت كثيرة!- حتى تستقل برسالة (شحنة فكرية) كاملة. ورسالة النص إما أن تكون مفردة وإما أن تكون مركبة: أما الرسالة المفردة فهي الواحدةُ الفكرةِ (منظومةِ المعاني)، وأما الرسالة المركبة فهي المتعددةُ الأفكارِ. وإذا تعدَّدَت الأفكارُ تَفَصَّلَت لها من داخل النص أجزاؤه، واستقلَّ بكل فكرة فصلٌ (جزء متميز) -وربما تساوت أطوال هذه الفصول، وربما تفاوتت- وإذا انفردت بالرسالة الفكرةُ الواحدة لم تكن بها حاجة إلى أكثر من فصل واحد. وإذا تعددت في النص الفصولُ استرعت النظر فيما بينها:  كيف انبنى كل منها في نفسه، وكيف تعلق بغيره؟

 والسور القرآنية والأحاديث القدسية والنبوية المختارة، نصوص معتبرة في اللغة العربية، يجري عليها فيها ما يجري على غيرها، وبِحَسْبِ المتعجل أن يُلمَّ بمتوسط ما في النص الواحد من الفصول -فهو في السور القرآنية فصلان إلا قليلا (1.71)، وفي الأحاديث القدسية فصلانِ وبعضُ فصلٍ (2.28)، وفي الأحاديث النبوية فصلٌ وبعضُ فصلٍ (1.28)- ليُعلّق التَّفْصيل فيها بالتَّطْويل، حتى إذا ما تلبَّث عند كل نموذج مثلَّث منها ظهرت له وجوه كريمة من البيان العربي، لا يستغني عن تأملها فيما يأتي.

 

فُصُولُ النَّمُوذَجِ المُثَلَّثِ الْأَوَّلِ (أَصْوَاتِ الْجَزَاءِ)

إن صوت الإسلام في نص سورة "وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى" القرآنيّ، صوتٌ شَدِيدٌ جَهِيرٌ مَهِيبٌ، قد عَمَّ الناسَ ضميرُه المتعظِّمُ المستقلُّ بتصنيفهم على صنفين واضحي الاختلاف: أحدهما محسن جدير بالتيسير، والآخر مسيء جدير بالتعسير- المقتدرُ على إنذار المحسنين والمسيئين جميعا عواقب اختلافهم، واتحدت على الفتح الممدود مواقفُ أطرافه؛ فارتفعت أصوات بعض الكلمات، وغلبت أصداؤها على أصداء غيرها؛ فالتبسَت إلا على العزيز العليم أحوالُ الأتقى والأشقى، وتعلقَت به وحده أسبابُ اليسرى والعسرى!

وهذه رسالة مركبة من فكرتين في فصلين:

1) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى

2) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى

استقل الفصل الأول منهما بفكرة تصنيف الناس، والفصل الثاني بفكرة إنذارهم.

ثم إن صوت الإسلام في نص حديث "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ" القدسيّ، صوتٌ خَفِيفٌ لَطِيفٌ أَلِيفٌ، قد عَمَّ العباد ضميرُه المتقرِّبُ إليهم بتحريم الظلم وتأصيل العدل، المرفِّهُ عنهم بتأصيل فَقرهم وغناه. وتكفَّل تكرارُ عبارة "يَا عِبَادِي" عشر مرات، بتأكيد الحرص عليهم مهما اختلفت أحوالهم.

وهذه رسالة مركبة من أربع أفكار في أربعة فصول:

1) يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا

2) يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ

3) يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ

4) يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ

استقل الفصل الأول منها بفكرة تحريم الظلم، والفصل الثاني بفكرة تأصيل فقر العباد، والفصل الثالث بفكرة تأصيل غنى المعبود، والفصل الرابع بفكرة تأصيل عدله.

 ثمتَ إن صوت الإسلام في نص حديث "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ" النبويّ، صوتٌ حَثِيثٌ نَبِيهٌ بَهِيجٌ، قد خص بعض المحسنين بشكر إحسانهم، وألحق ذوي الإحسان العارض منهم بذوي الإحسان الثابت، تبشيرًا استهلَّ روايته بتحديد السبعة عددًا لا يمتنع أن يجري من المبالغة مجراه البليغ، فيتعلق بكل من السبعة سبعة آخرون ثم بكل من التسعة والأربعين سبعة آخرون، إلى ما شاء الله، "وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ"!

وهذه رسالة مفردة بفكرة واحدة في فصل واحد:

-        سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ إِمَامٌ عَدْلٌ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ

هي فكرة شكر إحسان بعض المحسنين.

 

فُصُولُ النَّمُوذَجِ المُثَلَّثِ الثَّانِي (أَصْوَاتِ الْوَلَايَةِ)

وإن صوت الإسلام في نص سورة "وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى" القرآني، صوت عظيم اللطافة، يُقسم به الولي نفسُه على ولاية وليه، ثم يحتج له بما سبق من معالمها، ثم يدله على ما يحافظ به عليها.

وهذه رسالة مركبة من ثلاث أفكار في ثلاثة فصول:

1)                       وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى 

2)                       أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى 

3)                       فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ

استقل الفصل الأول منها بفكرة قسَم الولي على الولاية، والفصل الثاني بفكرة الاحتجاج للولاية، والفصل الثالث بفكرة الدلالة على حفظها.

 ثم إن صوت الإسلام في نص حديث "مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا" القدسي، صوت عظيم الحماية، يتهدد به الوليُّ نفسُه معاديَ وليِّه، ثم يدل من شاء على وسائل تحصيل ولايته، ثم يصور معالم ما يكون من ولايته، ثم يصور جلال مكانة وليه عنده.

وهذه رسالة مركبة بأربع أفكار في أربعة فصول:

1)                       مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ

2)                       وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ 

3)                       فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ

4)                       وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ

استقل الفصل الأول منها بفكرة تهدُّد المعادي، والفصل الثاني بفكرة الدلالة على وسائل تحصيل الولاية، والفصل الثالث بفكرة معالم الولاية المرجوّة، والفصل الرابع بفكرة جلال مكانة الولي.

 ثُمَّتَ إن صوت الإسلام في نص "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ" النبوي، صوت عظيم المؤانسة، يصور عنايةَ الولي بمن يَصْدُقُه طلبَ ولايته.

وهذه رسالة مفردة بفكرة واحدة في فصل واحد:

-        لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ

هي فكرة المؤانسة.

 

فُصُولُ النَّمُوذَجِ المُثَلَّثِ الثَّالِثِ (أَصْوَاتِ التَّدْرِيجِ)

وإن صوت الإسلام في نص سورة "أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ" القرآنيّ، صوت أبوي إقناعي، يحن على مخاطَبه -صلى الله عليه، وسلم!- حنين النسيم العليل، فيتحبب إليه بما سبق منه، تحبب الوالد إلى ولده، تحببا لا مَنَّ فيه، ولكن توثيق رحم، متدرجا من التخلية إلى التحلية، ثم إلى الطمأنة المستمرة بألا سبيل بعُسْرٍ مَظنونٍ إلى الصمود ليُسْرٍ مُقررٍ مُكررٍ؛ فمن ثم لا مكان بعد ذلك إلا للاجتهاد في السعي إلى رضا رب العالمين.

وهذه رسالة مركبة بثلاث أفكار في ثلاثة فصول:

1)                       أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ

2)                       فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا

3)                       فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ

استقل الفصل الأول منها بفكرة التحبب إلى المخاطَب، والفصل الثاني بفكرة الطمأنة المستمرة، والفصل الثالث بفكرة الأمر بالاجتهاد.

 ثم إن صوت الإسلام في نص حديث "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي" القدسيّ، صوت أخوي إغرائي، يفرح بالعبد فرح الصاحب بصاحبه، ويكتفي منه ليتقرب إليه بأول خاطر يستحسن به التقرب إليه، ويضمن له أمان الصحبة واطمئنان القلب، ويدله على نفاسة العمر الباقي، ويشهد له بتصديق العمل على استقرار الإيمان وبزيادة المكافأة على فضل المبادرة.

وهذه رسالة مركبة بثلاث أفكار في ثلاثة فصول:

1)                       أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي

2)                       فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ

3)                       وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً

استقل الفصل الأول منها بفكرة الفرح بالعبد الذاكر المتقرب، والفصل الثاني بفكرة مكافأة الذكر، والفصل الثالث بفكرة مكافأة التقرب.

 ثمتَ إن صوت الإسلام في نص حديث "إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ" النبويّ، صوت إِماميّ إرشادي، يرود للمسافر -والرائدُ لا يَكذب أهلَه- فيدله على يُسْر ما عليه من أعباء إذا أحسن سياسة أدائها لكيلا تنقطع به السبيل -فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى، وخير الأعمال أدومها، وإن قل- ويخطط له خطة العمل بتنبيهه على أوقات النشاط التي تكفل له الإتقان، وتقيه الإهمال والكسل.

وهذه رسالة مركبة بفكرتين في فصلين:

1)                       إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ

2)                       فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ

استقل الفصل الأول منهما بفكرة يُسْر الدين، والفصل الثاني بفكرة تخطيط خطة العمل.

 

فُصُولُ النَّمُوذَجِ المُثَلَّثِ الرَّابِعِ (أَصْوَاتِ التَّرْغِيبِ)

وإن صوت الإسلام في نص سورة "وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ" القرآني، صوت حكيم عليم، حريص على توجيه مسيرة الإنسان، محيط بشأنها كله؛ فهو يحكم عليها حكمًا عاما مؤكدا بأربع أدوات من التوكيد: القسم، واسمية جملة جواب القسم، وتوكيد هذه الجملة الاسمية بـ"إنّ"، وإضافة اللام التوكيدية إلى خبر "إن"، من حيث خطَرُ الحكم في نفسه، ومن حيث توقُّعُ إنكار أكثر الناس له! ولكنه لم يكد يطلق هذا الحكم الذي يفدح الإنسان ويسوؤه، حتى أدركه بما ينجيه منه على سبيل استثناء من يجيبه إلى ما رغَّبه فيه: أن يصلح باطنه، ويصلح ظاهره، ويشارك في ذلك أشباهه، ويثبّتهم عليه؛ ولعل تربيع هذه المرغَّبات من تربيع تلك المؤكِّدات! وعلى رغم أن المذكور في الحكم هو الإنسان الظاهرُ الإفرادِ، تعلق الاستثناء بمجتمع الناس، دلالة على أن سبيل تلك النجاة إنما هو العمل الجماعي.

وهذه رسالة مفردة بفكرة واحدة في فصل واحد:

-        وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ

هي توجيه مسيرة الإنسان.

ثم إن صوت الإسلام في نص حديث "مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي" القدسي، صوت منصف كريم، ينضح إنصافه وكرمه من طوايا كلمه: أما إنصافه فأنه يثبت لمن ابتلاه أنه الذي ابتلاه، وأنه آذاه بما ابتلاه، على رغم أنه مؤمن لا كافر -بل لهذا كان ابتلاؤه- وأنه ربما كرر عليه بإيمانه الابتلاءات، وأن هذا المبتلى يصبر ولا يسخط، بل يحمد الله، ويرجو رضاه! وأما كرمه فأنه يؤسس كلامه عنه بأشد ما يكون القَصْر، وأنه يوصي أهله بالإحسان إليه والتخفيف عنه -فـ"عندي" تستدعي "عندكم"- وأنه يعده أن يعوضه من أهل الآخرة -فـ"من أهل الدنيا" تستدعي "من أهل الآخرة"- وأنه يعذره على فلتات ما يمكن أن يكون منه بين افتقاده صفيه واحتسابه له -ففي "ثم" مهلة دالة- وأنه جعل المقصورَ عليه سلعتَه الغالية (الجنة)!

وهذه رسالة مفردة بفكرة واحدة في فصل واحد:

-        مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلَّا الْجَنَّةُ

هي إنصاف المبتلى المحتسب

ثمت إن صوت الإسلام في نص حديث "وَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ" القدسي، صوت عَمَليٌّ شَعْبيٌّ، يريد دعوة الناس جميعا، ويعرف أنه إنما يوفقه الحق -سبحانه وتعالى!- بتابعيه وتابعي تابعيه إلى يوم الدين، ويعرف أيضا أن الناس -ومنهم تابعوه وتابعو تابعيه- يؤثرون في عمل الخير، أن يوفقهم الحق -سبحانه، وتعالى!- إلى تحصيل المال الحلال الكثير، ثم يوفقهم إلى إتلافه في مرضاته؛ فيوازن لهم بين توفيقهم إلى هداية غيرهم وتوفيقهم إلى تحصيل المال الكثير المرجو إنفاقه على غيرهم، ويرجح لهم أول التوفيقين، بل يرجح قليله على كثير الآخر، فذاك رجل واحد وهذه نعم كثيرة، وذاك رجل من عموم الرجال، وهذه نعم من الحُمْر العزيزة الغالية!

وهذه رسالة مفردة بفكرة واحدة في فصل واحد:

-        وَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِهُدَاكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ

هي تفضيل هداية الناس.

 

فُصُولُ النَّمُوذَجِ المُثَلَّثِ الْخَامِسِ (أَصْوَاتِ التَّخْيِيلِ)

وإن صوت الإسلام في نص سورة "إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ" القرآنيّ، صوت متملك متحكم، في يده مقاليد كل شيء، يعطي ويمنع، وله في كلا عطائه ومنعه حكمة، ويصل ويقطع وله في حالي وصله وقطعه حكمة، فله الحكم والأمر، يقول لنبيه -صلى الله عليه، وسلم!- بعدما نُبز بانقطاع نسله من الذكور، هذا مُلْكُنا وكما ابتليناك نعوضك، أما من نبزك فعلى رغم اتصال نسله من الذكور نقطعه من الأخلاق والذكر الحسن. صوت يملك كل شيء، فيقضي في كل شيء بما شاء، ثم يأمر من شاء بما شاء.

وهذه رسالة مفردة بفكرة واحدة في فصل واحد:     

-        إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ

هي فكرة الإغناء.

وإن صوت الإسلام في نص حديث " أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي" القدسيّ، صوت متحبب وَصول، يجزي بلا حَدٍّ ولا يكافئ، ولكنه يجعل الجزاء من جنس العمل؛ فكما كان المحبُّ يبحث في الدنيا عن حبيبه ويبحث عنه حبيبُه، يبحث الحق -سبحانه، وتعالى!- عنهم وهو أعلم بمكانهم، ولكنه تمييز مكان ذوي المكانة عنده، الذي جازوا حد المحبين إلى حد المحبين المحبوبين، وفعلوا ذلك بتوسيط الحق -سبحانه، وتعالى!- والاعتماد عليه؛ فمثلما استظلوا في بناء تَحابِّهم بجلاله يظلهم في الموقف العظيم بظله، ومثلما خلطوا به تَحابَّهم يستغرقهم ظله استغراق الظرف للمظروف!

وهذه رسالة مفردة بفكرة واحدة في فصل واحد:

-        أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي

هي فكرة التكريم.

وإن صوت الإسلام في نص حديث "يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ" النبويّ"، صوت متعجب سعيد، كيف استطاع أقوام من البشر أن يحفظوا على أفئدتهم فطرتها الأولى والناس من حولهم تتخطفهم الأحوال الجديدة! ومثل هذا الحديث النبوي دليل أن الحديث كله سواء؛ فهو أشبه بالأحاديث القدسية، كأنه عُرضت عليه الجنة في مجلسه لصحابته، فهو يصف داخليها ظاهرا وباطنا، فهم يدخلون يتحركون الآن قليلا قليلا حركة مستمرة، وهو أقوام متعددو المنتمَيات، لا تحدهم قبيلة واحدة كان رجالها في الدنيا يقومون قومة رجل واحد، بل هم أقوام، ربما لم يخطر لبعضهم أن يكون هو أو غيره في جمهور الداخلين معا! وأفئدة الطير مثال التوكل، والتوكل من أحوال القلوب، والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء!

وهذه رسالة مفردة بفكرة واحدة في فصل واحد:

-        يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ

هي فكرة التأديب.

 

فُصُولُ النَّمُوذَجِ المُثَلَّثِ السَّادِسِ (أَصْوَاتِ الْمُوَازَنَةِ)

وأما صوت الإسلام في نص سورة "قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ" القرآنيّ، فصوت محاجّ منصف، حريص على استقرار حياة آمنة، يتحمل فيها كلا طرفي المحاجَّة عاقبة اختياره، دون تعويق ولا تنغيص، حتى إنه يلقِّن نَصيره ما يقوله لخَصيمه، لأنه لا سبيل له إلى أن يقوله لخصيمه مثلما يقوله لخصيمه نصيرُه. صوت محيط بالسرائر، وما كان وما يكون، ومع ذلك يقضي لخصيمه بمثل ما يقضي لنصيره، حرصا على الحرية المكفولة التي تجعلهما على سواء، لكل منهما ما للآخر، وعليه ما عليه.

وهذه رسالة مفردة بفكرة واحدة في فصل واحد:

-        قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ

هي فكرة الإنصاف.

 ثم إن صوت الإسلام في نص حديث "إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً" القدسيّ، صوت حليم كريم، يحيط عبده بحلمه وكرمه حتى إنه إذا سلمت له فطرته لم يجد مفرا منه إلا إليه؛ ففي أربعة أحوال من المتاجرة مع الله لا يخرج العبد خاسرا إلا في حال واحدة محدودة بحدها، أما في ثلاثة الأحوال الغالبة فيخرج رابحا، بل في حال من هذه الثلاث يتزايد ربحه زيادة مطلقة لا يعرف لها أحدٌ حدًّا.

وهذه رسالة مركبة بفكرتين في فصلين:

1)                       إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَلَا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً

2)                       وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِئَةِ ضِعْفٍ

استقل الفصل الأول منهما بفكرة إرادة السيئة، والفصل الثاني بفكرة إرادة الحسنة.

ثمتَ إن صوت الإسلام في نص حديث "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ" النبويّ، صوت فَنيّ إيحائيّ، يريد للمستمع أن يكون الأفضل، ولكنه لا يباشره بالتوجيه -فما أكثر من يكره ذلك!- بل يصور له مثال المؤمن ومثال الفاجر -وكان المتوقع الكافر، ولكنه أراد الترهيب من الفجور- حتى إذا ما تَمَلَّأَ بالمثالين نفر من أحدهما إلى الآخر؛ فالأول كالخامة من الزرع والثاني كالصماء من الأرز، يوحي للمستمع بأثر رطوبة الإيمان في تطويع حياة المؤمن لكل ما يصيبه، وأثر جفاف الفجور في تجميد حياة الفاجر عن كل ما يصيبه!

وهذه رسالة مركبة بفكرتين في فصلين:

1)                       مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ مِنْ حَيْثُ أَتَتْهَا الرِّيحُ كَفَأَتْهَا فَإِذَا اعْتَدَلَتْ تَكَفَّأُ بِالْبَلَاءِ

2)                       وَالْفَاجِرُ كَالْأَرْزَةِ صَمَّاءَ مُعْتَدِلَةً حَتَّى يَقْصِمَهَا اللَّهُ إِذَا شَاءَ

استقل الفصل الأول منهما بفكرة تمثيل حال المؤمن، والفصل الثاني بفكرة تمثيل حال الفاجر.

 

فُصُولُ النَّمُوذَجِ المُثَلَّثِ السَّابِعِ (أَصْوَاتِ التَّهْوِينِ)

وإن صوت الإسلام في نص سورة "إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ" القرآني، صوت رضيّ حفيّ، يعرف معالم النصر ولا يخفيها، بل يبدو مبشرا بها، ولكنه يعلق المبشر بالمبشر، ويؤثر له الآجل على العاجل، فيدله على طريق الآجل دلالة في طيها دلالة لا يعرفها إلا من أَهَّله لمعرفتها!

وهذه رسالة مفردة بفكرة واحدة في فصل واحد:

-        إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا

هي فكرة التبشير.

ثم إن صوت الإسلام في نص حديث "أَيُّمَا عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي" القدسيّ، صوت صديق رفيق، يخرج مع رفيقه من موطن الأمن إلى موطن الخوف، ويشهد على معاناته مثل معاناة خصمه، وعلى لزومه أدب القتال، وعلى شدة طلبه لأسمى الرضا، ويتلطف به مثلما يتلطف الصديق النظير؛ فيؤوب معه كما خرج، ويخفي سلطانه عليه في طوايا ما يتحفه به عاجلا وآجلا!

وهذه رسالة مفردة بفكرة واحدة في فصل واحد:

-        أَيُّمَا عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي خَرَجَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِي ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ضَمِنْتُ لَهُ أَنْ أُرْجِعَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ وَإِنْ قَبَضْتُهُ أَنْ أَغْفِرَ لَهُ وَأَرْحَمَهُ وَأُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ

هي فكرة ضمان الفوز.

ثمتَ إن صوت الإسلام في نص حديث "رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" النبويّ، صوت عليم حكيم، يعرف قيمة الدنيا وقيمة الآخرة، ويعرف كيف يدل أصحابه على أحسن مدخل إلى عز الدنيا والآخرة، أن يجاهدوا في سبيل الحق -سبحانه، وتعالى!- وألا يحتقروا شيئا من أعمال الجهاد. إن أقرب ما يخطر لمثل هذا المجاهد ممن يتوقعون الموت، الخوف على ضياع الدنيا؛ فمن ثم التزم هذا الصوت تفضيل أقل أعمال الجهاد على الدنيا وما فيها -وليس له فيها إلا ما لا يقاس- فكيف بالاجتهاد في الجهاد؛ إنه لمن الحكمة أن يعلم المسلم هذا العلم في وقت الحرب أو توقي الحرب أو حراسة البلاد.

وهذه رسالة مفردة بفكرة واحدة في فصل واحد:

-        رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا الْعَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ الْغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا

هي فكرة الاستنفار.

والآن يمكننا تقسيم هذه النماذج المثلثة بحسب فصولها على ثلاثة أقسام:

1)                       نماذج تامة التفصيل (كلُّ نص من نصوصها القرآنية والقدسية والنبوية، ذو رسالة مركبة بأكثر من فكرة في أكثر من فصل)، وليس في هذا القسم غير النموذج المثلث الثالث (أصوات التدريج)، بنسبة 14.28%.

2)                       نماذج ناقصة التفصيل (أحد نصوصها القرآنية والقدسية والنبوية، ذو رسالة مفردة بفكرة واحدة في فصل واحد)، وفي هذا القسم النموذج المثلث الأول (أصوات الجزاء)، والثاني (أصوات الولاية)، والسادس (أصوات الموازنة)، بنسبة 42.85%.

3)                       نماذج غير مفصلة (كلُّ نص من نصوصها القرآنية والقدسية والنبوية، ذو رسالة مفردة بفكرة واحدة في فصل واحد)، وفي هذا القسم النموذج المثلث الرابع (أصوات الترغيب)، والخامس (أصوات التخييل)، والسابع (أصوات التهوين) ، بنسبة 42.85%.

إذا تأملنا نصوص القسم الثاني الثلاثة التي أخلت بتمام التفصيل، وجدناها نصوصا إطارية مركبة، استولى على أولها (نص الحديث النبوي من النموذج المثلث الأول)، أسلوبُ الإجمال والتفصيل- وعلى ثانيها (نص الحديث النبوي من النموذج المثلث الثاني)، تعديدُ المعطوفات على جملة الحال- وعلى ثالثها (نص السورة القرآنية من النموذج المثلث السادس)، تركيبُ مقول القول؛ فلم يمتنع علينا جمع هذا القسم الثاني إلى الأول، لترجح نسبة التفصيل التي دل عليها من قبلُ متوسطُ ما في النص الواحد من الفصول، وتتجلى مكانة ظاهرة التفصيل المكينة من أبنية النصوص العربية الشريفة على وجه العموم؛ فإنها إذا ظهرت على غيرها هنا في النصوص القصيرة كانت في النصوص الطويلة أظهر؛ وهذا شعار البُنْيانيّة التي يتصف بها النص العربي، فيشتمل على فصول متفاصلة متواصلة، تتيح للأفكار أن تتعدد وللرسالة أن تتركب فتتحمل الحكمة وفصل الخطاب. أما القسم الثالث (نماذج غير مفصلة)، فلا يخلو في مقام التنويه بالتفصيل من إشكالٍ إذا أزيل فيما يأتي لم يمتنع علينا جمعه إلى الفصل الأول كما جمعنا إليه الثاني!

لقد اجتمعت أصوات الترغيب والتخييل والتهوين كلها قرآنيةً وقدسيةً ونبويةً، على عدم التفصيل، حتى لقد خطر لي فيها أنها جرعات شديدة التكثيف والتخصيص، لا تتحمل رسالة كل منها غير أن تكون مفردة بفكرة واحدة في فصل واحد، ولكنني وجدت من النصوص المفصلة ما يزيد تكثيفه على بعض هذه النصوص غير المفصلة؛ فأعرضت عن هذا الخاطر، وأمعنت النظر؛ فوقفت على أن كل نص من هذه النصوص غير المفصلة حُذف منه ما استغني بالمذكور عنه -والمحذوف المفهوم كالمذكور- ولو ذُكر لتعدَّدت الأفكار والفصول: ففي أصوات الترغيب استغنى النص القرآني بما ينبغي للإنسان عمله عما ينبغي له تركه، واستغنى النص القدسي بإنصاف المبتلى المحتسب عن عذل المبتلى المتضجر الشاكي، واستغنى النص النبوي بتفضيل عاقبة هداية الناس عن تفضيل عاقبة جمع المال الحلال- وفي أصوات التخييل استغنى النص القرآني بالإغناء عن الاستغناء، واستغنى النص القدسي بتكريم المتحابين عن إهانة المتباغضين، واستغنى النص النبوي بتأديب السالكين عن تأنيب الشاذِّين- وفي أصوات التهوين استغنى النص القرآني بالتبشير عن الإنذار، واستغنى النص القدسي بفوز المجاهدين عن خسران القاعدين، واستغنى النص النبوي باستنفار الوعي عن استنكار الغفلة!

وسوم: العدد 1068