شعرالدكتور الشهيد إبراهيم المقادمة

dfdaff1070.jpg

نسيج التكرار وأساليبه في ديوان "لا تسرقوا الشمس منا" للشاعر إبراهيم المقادمة (دراسة أسلوبية في البنيتين الإيقاعية والدّلالية)

دراسات في اللغة العربيّة وآدابها

   المقادمه من شعراء فلسطين. ظهر التكرار جلياً في شعره بحيث اعتبر سمة أسلوبية بارزة في نتاجه الشعري. هدف البحث هو الكشف عن أسلوب التكرار في ديوان الشاعر وعلاقته بالإيقاع والدلالة. فقد لفت التكرار أنظار الشّعراء والنقّاد من العصور الغابرة حتّي الآن بسبب الدور الهام الذي يلعبه في الكشف عن جماليات الشعر وموسيقاه، وكذلك بسبب دوره الوظيفي والدلالي في الشعر، لذا فإن دراسة هذه التقنية في شعر المقادمة تعدّ ضرورية. حاولنا في هذا البحث أن نقوم من خلال دراسة هذا العنصر لدي الشّاعر بتعرّف المفاهيم الرئيسة لشعره المقاوم والعثور علي كيفية استخدام هذه التقنية في تعميق البنية الدّلالية والإيقاعية وعلاقتها بأنواع البديع. المنهج المستخدم في هذا البحث هو المنهج التحليلي – التوصيفي كما وظّفنا المنهج الإحصائي لاستخراج عدد الأصوات والكلمات والجمل المتكرّرة. وما توصّل إليه البحث هو أنّ المقادمة وظّف تكرار أصوات الحاء والهمزة والكاف للتعبير عن صعوبة الموقف العاطفي الذي يمرّ به وصوت اللام للتعبير عن الجهر والمعارضة كما أراد عن طريق المزاوجة بين النون والياء التعبير عن حالة الشجن التي تنتابه، وهذا النمط من التكرار درسه النقاد القدماء ضمن ما يعرف بالمعاضلة الكلامية وقد فصلوه عن التكرار. وقد رصد الشاعر في تكرار البداية صورة التضحية والأبطال بهدف الترغيب وفي تكرار النهاية صورة الرثاء بهدف إثارة مشاعر المتلقي، حيث يشكلان مظلة شعرية تهيمن علي مناخ القصيدة وتحتويها، وقد هدف بتكراره ضمير "نحن" تجسيد الجراح الجماعية وصورة الاتّحاد الفلسطيني وبتكراره ضمير "أنت" بيان مدي علاقته بابنه الفقيد. وقد تميّز التكرار المركب عنده بعنصر الارتكاز والتمحور الذي يجعله مختلفاً عن التكرار البسيط، وقد استخدمه في تعميق المضامين الطوباوية، والانصهار في الوطن ودعم الانتفاضه.

مراجع

أ. الكتب:

القرآن الكريم.

  1. أنيس، ابراهيم، موسيقي الشعر، الطبعة الثانية، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1952م.
  1. البكوش، الطيب، التصريف العربي من خلال علم الأصوات الحديث، ط3، تونس: مكتبة الإسكندرية، 1992م.
  1. الحساني، أحمد، مباحث في اللسانيات، الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية بن عكنون، د.ت.
  1. سليمان داوود، أماني، الأسلوبية والصوفية (دراسة في شعر الحسين بن منصور الحلاج)، الأردن: 2002م.
  1. عاشور، فهد، التكرار في شعر محمود درويش، عمان: المؤسسة العربية، 2004م.
  1. عباس، حسن، خصائص الحروف العربية ومعانيها، دمشق: منشورات اتّحاد الكتّاب العرب، 1998م.
  1. عبدالجليل، يوسف حسني، التمثيل الصوتي للمعاني - دراسة نظرية وتطبيقية في الشعر الجاهلي-، القاهرة: الدار الثقافية للنشر، 1998م.
  1. عبدالمطلب، محمد، بناء الأسلوب في شعر الحداثة – التكوين البديعي -، بيروت: دار الفكر، 1988م.

10._ قراءات أسلوبية في الشعر الحديث، مصر: الهيئة المصرية للكتاب، 1995م.

  1. عبيد، محمد صابر، القصيدة العربية الحديثة بين البنية الدلالية والبنية الإيقاعية، دمشق: اتحاد الكتاب العرب، 2001م.

12- العسكري، أبو هلال، الصناعتين: الكتابة والشعر، تحقيق مفيد قميحة، ط2، بيروت: دار الكتب العلمية، 1984م.

  1. علوان، أحمد محمد وآخرون، مقاربات نقدية في شعر إبراهيم المقادمة، غزّة: منتدي أمجاد الثقافي، 2004م.
  1. العيد، يمني، في القول الشعري، المغرب: دار توبقال للنشر، 1987م.
  1. القيرواني، ابن رشيق، العمدة، ج2، تحقيق: عبدالحميد هنداوي، بيروت: المكتبة المصرية، 2001.
  1. الملائكة، نازك، قضايا الشعر المعاصر، ط8، بيروت: دار العلم للملايين، 1983م.
  1. المقادمة، ابراهيم، لا تسرقوا الشّمس منّا، فلسطين: مجلس طلاب الجامعة الإسلامية، 2003م.
  1. يونس، علي، نظرة جديدة في الشعر العربي، مصر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993م.

ب. المقالات:

  1. ربابعة، موسى، التكرار في الشعر الجاهلي دراسة أسلوبية، جامعة اليرموك، مؤتمر النقد الأدبي، الأردن، العدد العاشر، صص 1-22-، 1988م.
  1. غنيم، كمال احمد؛ الهشيم، جواد اسماعيل، جماليات الشعر الإسلامي الفلسطيني المعاصر، مجلة الجامعة الإسلامية، العدد الثاني، المجلّد العشرون، صص 59 – 97-، 2012م.
  1. ملا إبراهيمي، عزّت، الثراء الفنّي لأسلوب الاستفهام في الشّعر الفلسطيني المقاوم ديوان إبراهيم المقادمة أنموذجاً، مجلّة آفاق الحضارة الإسلامية، العدد الأوّل، السنة التاسعة عشرة، صص 123- 145، 1395 ه. ش.

إخوان أونلاين - الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمون

الشهيد إبراهيم المقادمة.. "نووي" حماس

    

الأحد 8 مارس 2020

في الذكرى الـ17 على استشهاده

   "أنا للجنة أحيا يا إلهي، في سبيل الحق فاقبضني شهيدا، وأجعل الأشلاء مني معبراً للعز الجديد"، بهذه الكلمات عبر الدكتور المفكر إبراهيم المقادمة عن عشقه لدخول جنة الرحمن، راجياً من الله عز وجل أن يقبضه شهيداً في سبيل نصرة الحق، وهو ما كان صباح السبت الثامن من مارس عام 2003م.

مرت 17 عامًا على رحيل رجل السياسة والبندقية، القيادي البارز في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" المفكر إبراهيم المقادمة.

  ففي الثامن من مارس 2003 أقدمت طائرات الاحتلال الإسرائيلي على اغتيال الدكتور المقادمة، ليرتقى المفكر الصنديد إلى الله شهيدًا بعد حياة حافلة من الجهاد والمقاومة، إضافة لـ3 من مرافقيه وأحد المارّة.

  يراه الصديق أنه، "رجل قوي الشكيمة، صلب المراس، قوي التأثير، عملاق في الفكر والوعي والقيادة، والصبر على الشدائد، والثبات على المحن".

  أما الأعداء فيرونه "سلاحًا نوويًّا أيديولوجيًّا طوّر وبادر إلى بناء الأجهزة السياسية والعسكرية لحركة حماس".

توطئة:

  عشرون حمامة تحلق فوق الجثمان، وتقترب رويدًا رويدًا من جسده الطاهر في ملابسه المنداة بدمه.. 

  تقترب الطيور إلى مستوى رؤوس المشيعين بالقرب من الجثمان، ثم ترتفع، ربما تبشره بما رأت من منزله الجديد.. أو كأن الفضول قادها لتشاهد هذا الذي تستقبله السماء بكل هذا الفرح.. طوّفت الحمامات في جو معبق برائحة المسك الفوَّاح.. هذه الرائحة التي تسابق المشيعون إلى تنسمها من الجثمان، بل ووضع المناديل على الجسد القوي علَّها تتشبع ببعض من ريح الجنة.

  لم تُروَ هذه الكرامات في أحد كتب السلف الصالح، ولا هي جزء من التراث الصوفي، وإنما شهدها ربع مليون فلسطيني في جنازة أحد رجالهم الأفذاذ..

  ما كان ذلك المسجّى على الأعناق إلا الدكتور إبراهيم المقادمة في مشهد عرسه الذي امتد إلى مسيرة الـ100 ألف في البريج والمنطقة الوسطى، ومسيرات حاشدة في اليمن وسوريا ولبنان والسودان؛ لتحيي ذكرى القائد المقادمة، ولترفع علم الجهاد والمقاومة..

  إنه نفس الرجل الذي تعود جيرانه أن يروه في المسجد الملاصق لمستشفاه، ممسكًا بمسّاحة لتنظيف أرضية الحمامات، رافضًا بإصرار شديد أن يقوم واحد من الشباب بتحمل هذا العمل عنه.

  وهو ذاته الذي فقد ولده الأكبر أحمد عام 1990 أثناء وجوده في سجون الاحتلال، ولم تفتّ هذه المحنة في عضده؛ فحين أبلغه أحد المعتقلين بالنبأ الحزين، واقترح أن يفتحوا بيتًا للعزاء في السجن، طلب منه المقادمة تأجيل ذلك لحين إتمام درسه اليومي الذي يلقيه بعد صلاة المغرب.

السيرة:

الدكتور إبراهيم أحمد المقادمة، العقل المفكِّر لحركة الإخوان المسلمين في فلسطين ، القائد المؤسس لحركة المقاومة الإسلامية حماس ، القائد الأول للجهاز الأمني لحركة المقاومة الإسلامية حماس، وهو القائد العسكري لكتائب الشهيد عز الدين القسّام عام 1996، الذي أجبر العالم على الاجتماع في [شرم الشيخ] ؛ لينقذ الكيان الصهيوني من ضربات القسَّام التي أعقبت استشهاد القائد المهندس يحيى عياش.

  لم يكن إبراهيم المقادمة مجرد شخصية عسكرية أو سياسية فحسب، وإنما كان له من العلم نصيبُ الذين فتح الله عليهم.. في العقيدة كان عالمًا، وفي التفسير كان مجتهدًا، وفي الحديث له نظرات، ومع الفقه له وقفات، كما كان شاعرًا (طالع بعض شعره) ومفكرًا، وصاحب نظرية في التربية، رغم أنه حاصل على بكالوريوس في طب الأسنان!!

   لذلك كله اغتالته قوات الاحتلال الصهيوني أثناء توجهه إلى عمله في مدينة غزة، مع ثلاثة من مرافقيه صبيحة يوم السبت 8 مارس 2003..

المقادمة.. سيرة جهادية:

وُلِد المقادمة عام 1952 في مخيم جباليا بعد أربع سنوات من تهجير أهله إلى قطاع غزة من قريته "بيت دراس" على يد المغتصبين الصهاينة عام 1948، إلا أن الحقد الصهيوني لاحق والده، وأجبره على الرحيل، فانتقل للعيش في مخيم البريج وسط قطاع غزة، وذلك عام 1970 يوم أن كان إريل شاورن حاكمًا لغزة، وانتهج يومها سياسة تدمير المنازل للقضاء على ثورة الشعب الفلسطيني المقاوم للاحتلال.

  حصل المقادمة على الثانوية العامة، وكان الأول على مدرسته، ثم التحق بكلية طب الأسنان في مصر، وكان في ذلك الوقت قد التحق بجماعة الإخوان المسلمين فكان إلى جانب تحصيله للعلم يقوم بمهام الدعوة مع الإخوان المسلمين؛ فكان أحد أهم المسئولين عن النشاط الطلابي الإسلامي الفلسطيني في الجامعات المصرية.

  أنهى المقادمة عام 1976 بكالوريوس طب الأسنان، وعاد إلى قطاع غزة بعد أن تزوج من ابنة عمه المقيمة في مصر، وفور عودته عُيِّن في مديرية الصحة زمن الاحتلال الإسرائيلي، وعمل في قسم الأشعة بمستشفى العريش الذي كان تحت الاحتلال الإسرائيلي قبل أن يعود إلى مصر، ثم انتقل للعمل في مستشفى النصر للأطفال والشفاء بغزة.

  في مخيم جباليا عاد المقادمة وفتح عيادة لطب الأسنان حتى يقدم خدمة لأهل مخيمه الذي عاش سنين طفولته وشبابه فيه، ورغم النجاح الذي حققه في عمله، فإنه تفرغ فيما بعد لعمله الإسلامي ودعوته التي وهب لها عمره.

إلى فلسطين.. مرحلة جديدة:

عندما عاد المقادمة عام 1976 إلى قطاع غزة التحق بقيادة الإخوان المسلمين، وكان على مقربة من الشيخ أحمد ياسين الذي أحبه حبًّا لا يوصف، وشكَّلا معًا القيادة الفاعلة لحركة الإخوان في فلسطين، كما شكَّل المقادمة مع الشهيد القائد صلاح شحادة وبعض الكوادر الأخرى النواة الأولى للجهاز العسكري للإخوان المسلمين في قطاع غزة، وعمل على إمداد المقاتلين بالأسلحة، وفي عام 1983 اعتقل مع الشيخ أحمد ياسين بتهمة الحصول على أسلحة، وإنشاء جهاز عسكري للإخوان المسلمين في قطاع غزة، وحكم على الشيخ أحمد ياسين بثلاثة عشر عامًا، وعلى المقادمة بثماني سنوات. بعد أن أنهى فترة عقوبته حكم عليه بستة أشهر إضافية "إداريًّا" (أي بدون محاكم) بعد أن كتب حول اتفاقية أوسلو ومخاطرها على القضية الفلسطينية، وعندما خرج عام 1992 علقت الصحف العبرية بأنه تم الإفراج عن نووي حماس في غزة، واصفة إياه بأنه أخطر المعتقلين على إسرائيل.

  نشط الدكتور المقادمة في الفترة الأخيرة من حياته في المجال الدعوي والفكري لحركة حماس، وكان يقوم بإلقاء الدروس الدينية والفكرية والسياسية والحركية بين شباب حماس وخاصة الجامعيين منهم، وكان له حضور كبير بينهم.

الخفي التقي:

حرص المقادمة على عدم نشر صوره؛ فكان يعمل في صمت.. عملاً يريده خالصًا لوجه الله؛ فقد كان المقادمة من أكثر الشخصيات القيادية في حركة حماس أخذًا بالاحتياطات الأمنية، قليل الظهور أمام وسائل الإعلام، ويستخدم أساليب مختلفة في التنكر والتمويه عبر تغيير الملابس والسيارات التي كان يستقلها، وكذلك تغيير الطرق التي يسلكها، حتى عُرف عنه أنه كان يقوم باستبدال السيارة في الرحلة الواحدة أكثر من مرة.. وعلى الرغم من كل هذه الاحتياطات فإن قدر الله في اصطفائه واتخاذه شهيدًا كان هو الغالب.

الشهيد واتفاق أوسلو:

  كان المقادمة من أشد المعارضين لاتفاق أوسلو، وكان يرى أن أي اتفاق سلام مع العدو الصهيوني سيؤدي في النهاية إلى قتل كل الفلسطينيين وإنهاء قضيتهم، وأن المقاومة هي السبيل الوحيد للاستقلال، حتى لو أدى إلى استشهاد نصف الشعب الفلسطيني.

  وقد عبَّر الشهيد الدكتور عن مرارة نفسه عندما تم توقيع الاتفاق الذي فرط في 80% من أرض فلسطين، في كتاب أسماه "اتفاق غزة أريحا.. رؤية إسلامية".

  ونتيجة لموقفه هذا تم اعتقاله في سجون السلطة الفلسطينية، ثم فصله من وزارة الصحة الفلسطينية، وداخل السجن تعرض للتعذيب الشديد من الضرب وصنوف العذاب حتى انخفض وزنه نتيجة للتعذيب أكثر من 40 كيلوجرامًا، وكُسـرت أضلاعه، ونقل إلى مستشفى الشفاء سرًّا بين الموت والحياة مرات عديدة.

   ورغم كل ذلك كان المقادمة حريصًا على الوحدة الوطنية الفلسطينية، وعدم الانجرار إلى الحرب الأهلية، حريصًا على توجيه الرصاص فقط إلى صدور الأعداء الصهاينة، وتحريم توجيهه إلى صدور أبناء الشعب الفلسطيني الصابر المجاهد. ويصف إسماعيل هنية أحد قادة حماس تلك الفترة من حياة الشهيد بقوله: "كم كان ذلك الوقت مخزيًا ومؤلمًا أن يكون الدكتور المقادمة يضرب بالسياط حتى لا يستطيع الوقوف على قدمه، في حين كان هو يوقف العدو الصهيوني على قدميه.. كم هي مفارقة عجيبة!!".

  كان الشهيد المقادمة يرى أن الجهاد هو الحل.. يقول أحد القريبين منه: "كان رحمه الله متحمسًا لمواصلة الجهاد، مهما بلغت العقبات؛ فكان يردد: لا بد من الرد على تضحيات الجهاد بمزيد من الجهاد"، كما كان المقادمة يرى أن يعيش السياسي بروح الاستشهادي، حتى يكون قويًّا اجتماعيًّا فاعلاً؛ فكان يصف الذين يريدون جهادًا بلا دماء وأشلاء وتضحيات بأنهم أصحاب "جهاد الإتيكيت".

المقادمة مفكرًا..

  يعتبر الدكتور إبراهيم المقادمة أحد مفكري الإخوان المسلمين وحركة حماس في فلسطين؛ حيث أكسبته قراءاته واطلاعه على شتى التخصصات ثقافة ووعيًا، حتى وصفه كل من عرفه بأنه كان عالمًا في كل شيء، ولكن ظروف حياة المقادمة الصعبة وقضبان السجن الطويلة لم تمكنه من طباعة الدراسات التي أعدها والكتب التي ألفها والمحاضرات التي كان يلقيها.

   وقد اضطر المقادمة -لظروف السجن- أن يصدر عدة كتب ودراسات بأسماء مستعارة، ككتابه الشهير "الصراع السكاني في فلسطين" الذي ألّفه في سجن عسقلان في عام 1990 تحت اسم الدكتور "محسن كريم".

   يتناول المقادمة في هذا الكتاب بالتفصيل عمليات الهجرة اليهودية إلى فلسطين منذ عام 1881 وحتى عام 1990، ودوافعها وآثارها، ثم عرج على النمو السكاني الطبيعي عند اليهود والفلسطينيين، ثم ينتهي إلى الحديث عن مسؤولية الحركة الإسلامية في إدارة الصراع السكاني.

    بالإضافة إلى دراساته: "معالم في طريق تحرير فلسطين"، و"الصراع السكاني في فلسطين"، وكتب عن أوسلو وعن الجهاد وعن الأمن، وعن أحكام التجويد... وغيرها من القضايا، إضافة إلى حرصه على كتابة مقالات أسبوعية في الصحف والنشرات والمواقع الإلكترونية الإسلامية.

   وفي كتابه الأكثر أهمية "معالم في الطريق إلى فلسطين" يوجّه المقادمة حديثه إلى الشباب المسلم في كل مكان؛ فكان يقول: "إن عليهم يرتكز الأمل في تفهم أبعاد القضية الفلسطينية، والانطلاق بها في الطريق الصحيح".

   ويضيف: "إن واقعنا تعيس إذا ما قيس بقوة أعدائنا وما يدبرونه لنا من مؤامرات، غير أن لي في الله أملاً أن يتولى دينه وينصر جنده ويخذل الباطل وأهله.. وبشارات القرآن الكريم وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تجعل هذا الأمل يقينًا راسخًا أراه رأي العين".

   ويكمل: "ولي أمل في شباب الحركة الإسلامية أن يقوموا وينفضوا عن أنفسهم غبار النوم والكسل، ويواصلوا العمل ليل نهار جهادًا في سبيل الله وتضحية بكل ما يملكون من جهد ونفس ومال ووقت، ويخلصوا توجيه هذا الجهد لله سبحانه، ويوطّدوا العزم على السير على طريق الإسلام، متحدين على طريق الإسلام لتحرير فلسطين وكل الأرض من رجس الطاغوت".

   كما كتب عشرات المقالات، وقام بإلقاء مئات المحاضرات في مختلف المساجد والمعاهد والجامعات. فأصدر عدة أشرطة كاسيت تتضمن بعض محاضراته، منها: سلسلة "بناء الشخصية"، و"حسن المعاملة" و"الأخوة الإسلامية"، و"العمليات الاستشهادية والروح الجهادية"، "أساس الدعوة"، و"توبة كعب بن مالك"، و"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".

   ومن مقالاته الأخيرة "الدور الأمريكي وخارطة الطريق"، و"عن المبادئ والمصالح"، و"أين الجماهير العربية؟"، و"استعينوا بالله واصبروا"، و"انفراد حماس بالمقاومة لا يعني العزلة"، و"طلابنا والثقافة"، و"فرصة الذبابة وفلسفة المقاومة". وكان آخر ما كتب المقادمة "الحل الأمريكي الصهيوني أسوأ من الحرب".

نظارة الدكتور المقادمة:

مقادمة اليوم.. وعمر المختار الأمس، والدرب واحد يحتاج من يسير عليه غدًا...

  جاء طفل إلى إسماعيل هنية أحد قادة "حماس"، وأحضر له نظارة المقادمة من مسرح الجريمة، كما أحضر ذلك الطفل الليبي قديمًا نظارة الشيخ عمر المختار من مسرح إعدامه، وهكذا فنظارة المختار ما زالت باقية، وكلمات المقادمة ما زالت باقية "لن نستسلم.. سنقاتلكم حتى النصر أو الشهادة".

بيان حركة حماس:

  مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)

بيان عسكري صادر عن القسام:

كافة الخيارات العسكرية مفتوحة وعلى رأسها استهداف القادة السياسيين من الصهاينة

يا جماهير شعبنا الفلسطيني المجاهد ... يا أمتنا العربية والإسلامية /

هاهي قوات الاحتلال الصهيوني تصعد عدوانها الغاشم على شعبنا الأعزل مستهدفة نساءه وشيوخه وأطفاله والأجنة في أرحام أمهاتهم وهاهي اليوم تستهدف القادة السياسيين ، إن كتائب.. القسام إذ تحتسب عند الله تعالى القائد والمفكر الكبير عضو القيادة السياسية لحركتنا الراشدة حركة المقاومة الإسلامية حماس وعلم من أعلام جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين إنه القائد السياسي البارز

الشهيد المجاهد الدكتور/ إبراهيم أحمد المقادمة

ومرافقيه:

الشهيد المجاهد / خالد حسن جمعة

الشهيد المجاهد / علاء محمد الشكري

الشهيد المجاهد / عبد الرحمن زهير العامودي

   إن كتائب الشهيد إذ تحتسب عند الله الدكتور القائد السياسي البارز ومرافقيه لتدعو جميع الخلايا العسكرية للرد بشدة في عمق الكيان المسخ واستهداف كل شبر من أرضنا يقف عليها مغتصب يهودي ندعو خلايانا في الخليل ونابلس وجنين ورام الله وبيت لحم وغزة ورفح وخان يونس وجباليا وفي كل شبر من أرضنا المحتلة، للإعداد والتخطيط المنظم لضرب الاحتلال في مقتل ، كما تعلن كتائب الشهيد عز الدين القسام لكافة خلاياها أن جميع الخيارات العسكرية مفتوحة أمامهم وعلى رأسها استهداف القادة السياسيين اليهود.

وستعلم حكومة الإرهاب حجم الكارثة التي جلبتها لها باغتيال القائد السياسي والمفكر الكبير ومرافقيه وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون

وإنه لجهاد ... نصر أو استشهاد

كتائب القسام

السبت 5 محرم 1424هـ

الموافق 8-3-2003م

أسرى حماس في سجن النقب الصحراوي يرثون القائد الدكتور إبراهيم المقادمة

بسم الله الرحمن الرحيم

من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه،فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً"

باسم أبناء حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في جميع سجون ومعتقلات العدو الصهيوني الغاصب، وخاصة معتقل النقب الصحراوي، نتقدم بأحر التعازي والتهاني إلى أهالي شهدائنا الأبرار، وأبناء شعبنا المعطاء، في قطاعنا المغوار، قطاع الصمود والتحدي، قطاع غزة الحبيب… تعازينا إليهم لأننا نودع اليوم علماً من أعلام هذه الأمة، بل منارةً من مناراتها…وتهانينا إليهم بأن اصطفاه من بيننا شهيداً كريماً إلى هناك، حيث دار الخلود إن شاء الله….

نقف اليوم لنرثي رجلاً، بل أسداً مغواراً عجزت أرحام النساء أن تلد مثله، رجلاً لطالما قدم الكثير لخدمة دينه ودعوته، مواجهاً أسوأ الظروف والعوائق، فكان صبره وصموده وإصراره حاجزاً تتكسر عليه كل العوائق والعقبات.

نقف اليوم في حفل زفاف شهيدنا القائد، شهيدنا المغوار، شهيدنا الحبيب الدكتور/ إبراهيم المقادمة " أبو أحمد" فتعجز لغتنا بأحرفها، وأقلامنا بمدادها أن توفيك شيئاً من حقك يا شهيدنا.

فمن أين نبدأ؟! وعن ماذا نتحدث؟! أنتحدث عن دينك؟! أم نتحدث عن خلقك وأدبك؟ أم نتحدث عن تواضعك وزهدك؟! أم نتحدث عن علمك فأنت البحر الخضم؟! لا ندري ماذا نقول وعن ماذا نتحدث…

ولكن تخرج آهاتنا وزفراتنا التي ملأت علينا صدورنا لتسطر قصيدة نطيرها إلى روح دكتورنا المجاهد، الشهيد القائد" أبو أحمد" نطيرها إلى روحه الطاهرة بجناحين، جناح من الألم والحزن على فراقك، والجناح الآخر من الشوق والحنين لتعانق روحك الطيبة التي لألأت كأسطع نجم في سماء الشهادة والخلود… فسلام الله عليك يا شهيدنا.

أتمضي، ولمّا يبلغِ الشوطَ خيلُنا

فمن يحشد الأبطالَ بعدك للفدا

تمهل قليلاً… فالمعارك ما انتهت

أيا بطلاً هز الجهادَ افتقادُه

سطعت بساحات الجهاد منارة

وحزت أفانين المعالي كأنها

أهالي فلسطين احتسوا كؤس الشجى

ستبكيك أعداد الجهاد بحسرة

يراعاً جرى الوقتُ الطويلُ فلم يفُهْ

فما أوهنته من قوى الشر غارة

وخمسون عاماً عمره الغض، ظهرها

تموج هموم المسلمين بصدره

له أمنيات قدّس الله سرها

يَكِلُّ جناحُ النسرِ دون بلوغها

إذا ضاقت الدنيا على خطواته

وإن سكبوا في دربه اللَّيل والأذى

وإن كبلوا يوماً عن السير رجله

ويُزْرِي به أهل الشقاق فيزدَري

ولا القدس من رجس المغيرين طَهّروا

ومَنْ للجهاد الحق فيها يُذكَرُ؟!!

وريح المعالي في الميادين تزأر

هو البحر… يصفو تارةً.. ثم يهدر

لو انطفأت كلُ المصابيحِ تزهرُ

مدارات أفلاك، لها أنت محور

وجرح حماس فيك ما عاد يضمر

ويا لأساها حينما تتذكر

بسوءٍ، ولم يفرح بما خط منكِرُ

ولا منه في كف الأذى لان عنصر

بما حملت من فادح العبء موقر

وفوق شبا إيمانه تتكسر

لتحقيقها في الأرض يرسو ويبحر

وفي دربها الخيل الأصيلة تعثر

ففي صدره دنيا من الكون أكبر

ففي الفكر بدر من هدى الله نير

فما كانت الروح الطليقة تؤسَر

ويشتُمُه النذلُ الحقيرُ فيسخَرُ

وإنه جهاد نصر أو استشهاد… والله أكبر ولله الحمد

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إخوانكم في سجن النقب الصحراوي

قلعة الشهيد جمال منصور

الشهيد إبراهيم مقادمة:

شعر: م.غازي الجمل

إلى (خبيب) العصر الذي تمزّق جسمه إربا كأشلاء خبيب بن عدي رضي الله عنه ،

وذلك في ذات الإله وان يشأ يبارك على أوصال شلو ممزّع

إلى الذي رفع شعار (لا بد من الرد على تضحيات الجهاد بمزيد من الجهاد) كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في معركة حمراء الأسد

إلى من قضى شطر عمره متنقلا بين سجون الاحتلال في (نفحة) و(المجدل) وبين سجون السلطة في (تل الهوى) فما زاد إلا تصميما على مواصلة الكفاح

إلى روح الشهيد البطل الدكتور القائد إبراهيم مقادمة ورفاقه الشهداء الأبرار

إلى الشعب العراقي الأبي الذي يدافع عن دينه وعرضه وأرضه في وجه الغزاة المجرمين أهدي هذه الأبيات:

أشـرق عـلـى دنـيـا الوجود منارا

وامـلأ ثـرى الأرض الـحبيبة بالدما

واتـرك لـطـلاّب الـمناصب لهوهم

فـي كـل شـلـو مـن رفـاتك آية

فـاصـعـد بـأجنحة النضال مرفرفا

واصـعـد لـجـنـات الـنعيم محلّقا

* * *

يـا ابـن (الـمـقـادمة) الذين تقدموا

يـا ابـن (الـمـقـادمة) الذين تقدموا

وابـن الـمـقـاومـة التي قد زلزلت

وابـن الـمـقـاومـة التي قد أقسمت

سـر فـي طـريق المجد واترك للعدا

* * *

بـارك الـه الـعـرش أشـلاء سعت

أشـلاء (إبـراهـيـم) هـا قد بعثرت

سـتـظـلّ تـنـجب للكتائب أسدها

سـتـظـل تـنـبـت بالنجيع قنابلا

* * *

سـر نـحـو عـرش الله جـل جلاله

سـر فـي طـريـق الحق فذّا شامخا

واتـرك لـهـم (بـتـرولهم) وعباءة

سـتـظـل فـي الـتـاريخ أية عزّة

* * *

اتـركـ (لأمـريـكا) العبيد تسوسهم

واعـجـب لأشـبـاه الـرجال بخسة

يـتـلـمّـظـون لـسحق شعب آمن

فـارمـوا بـأطـنـان الـقنابل فوقنا

فـالـمـوت أهـون قـسـوة وفجيعة

إنّ الـتـآمـر بـالـعـراق خـيانة

سـيـظـل دجلة والفرات على المدى

شـعـب (الـعـراق) شموخه كنخيله

إن مـسّـه الـدّخـلاء يـوما بالأذى

أسـرج خـيـولـك لـلنّزال وللوغى

حـضّـر لأعـداء الـحـياة نعوشهم

ادفـن رؤوس الـكفر في جوف الثرى

ولـيـشـهـد الـتـاريخ أنّا أمّة

* * *

أشـرق عـلـى دنـيـا الوجود منارا

واعـبـر عـلـى كـل القلوب بلحية

وبـنـور عـيـنـك كالصقور محلقا

وجـبـيـن عـزّ مـا انحنى أبدا إلى

فـأبـوك مـعـروف الشهامة والتقى

ورضـعـت مـن ثدي الأمومة سائغا

حـتـى غـدوت أبـا الرجال صلابة

مـتـنـقلا ما بين (نفحة) و(الهوى)

فـقضيت عمرك في السجون مصابرا

وخـرجـت مـن سجن الطغاة مسربلا

فـالـسـجن في عرف الأشاوس خلوة

والـسـجـن مـدرسة الرجال تزيدهم

نـم فـي جـوار الله وانـعم بالرضا

* * *

(أردنّ) أرض الـحشد والشرف الذي

ضـبـح الخيول بأرض مؤتة لم يزل

أيـحـل فـي ديـن الإلـه وشـرعه

أردن و(الـيـرمـوك) تـاج فخارها

سـتـظـلّ رمـزا لـلـبطولة والفدا 

وامـسـح بـزنـد الأكـرمين العارا

يـجـري (بـغـزة) دافـقـا فـوّارا

 يـتـخـيّـرون رئـاسـة (لوزارا)

 هـزّت عـلـى رأس الرجال الغارا

نـسـرا يـجـوب القفر والأمصارا

  واتـرك لأولاد الـسـفـاح الـنارا

* * *

 نـحـو الـشـهـادة صـبية وكبارا

الأبــطـال والأحـرار والـثـوارا

عـرش الـطـغـاة وهـدّمت أوكارا

 أن تـأخـذن بـكـلّ شـلـو ثـارا

(الـقـسّـام) و(الـبـنّـاء) و(البتارا)

* * *

شـوقـا لـعـرشـك مـأمنا وجوارا

مــزقـا تـلـوح ونـبـع دمّ فـارا

جـيـشـا يـهـزّ وجـحفلا جرّارا

بـشـريـة تـسـتـأصـل الـكفارا

* * *

وانـشـد بـظـل الـعرش ثم قرارا

ودع الـذيـن تـعـبّـدوا (الـدولارا)

قـد سـربـلـت فـوق السواد القارا

  تـبـنـي الرجال وتنجب الأحرارا

* * *

أذنـاب ذل فـي الـرغـام تـوارى

  يـتـآمـرون عـلى العراق جهارا

 لا يـتـقـون الـواحـد الـقـهارا

ولـتـجـعـلـوا كـل الـبلاد تبارا

مـن أن نـرى فـي أرضـنا الكفارا

كـبـرى تـلـطّـخ صاحبيها العارا

رمـز الـصـمـود الـفذّ أنّى سارا

عـالـي الـنـجـاد يـطاول الأقمارا

سـتـسـيـل فـيـه دمـاؤهم أنهارا

وارفـع بـعـزم سـيـفـك البتّارا

  حـضّـر لـحـفـر قبورهم حفّارا

وأحـل رفـاتـهـم رمـال صحارى

لا تـرتـضـي الـدّخلاء والأشرارا

* * *

وامـسـح بـزنـد الأكـرمين العارا

سـنـيّـة شـعّـت سـنـا ووقـارا

قـد جـال فـي الأفـق البعيد وطارا

غـيـر الإلـه مـحـبـة…إكـبارا

ربّـاك شـهـمـا فـارسـا مـغوارا

لـبـن الـطـهـارة دافـقـا مدرارا

ومــلأت (غـزة) عـزة وفـخـارا

شـدّوا عـلـيـك مـعـاقـلا وإسارا

 وبـقـيـت نـجـما بالرضى سيّارا

بـالـعـزم يـجـري دافـقـا هدّارا

قـد ضـمّـخـت سـاعـاتها أذكارا

مـن عـهـد (يوسف) عزة ووقارا

نـعـم الـشـهـادة مـوئـلا وقرارا

* * *

 جمع (المثنى)…(جعفرا)…و(ضرارا)

يـسـمـعـه من قصد (المزار) فزارا

و(ابـن الـولـيـد) بأرضها كم سارا

وتـظـلّ تـنـجـب للدّنا الأحرارا

حوارات خاصة:

في ذكرى استشهاده الثامنة

عائشة إبراهيم المقادمة: كان والدي يقدر المرأة ويعتبرها كل المجتمع

إعداد: ديما عايدية

   لم يكن قائداً عادياً بل كان رمزاً في الثبات، وهمة في الدعوة و فلسفة في الشهادة، كان مفكراً مدبراً و عالماً زاهداً حتى نال لقب مفكر الحركة الإسلامية و فيلسوف الشهداء، إنه الشيخ القائد الشهيد د.إبراهيم المقادمة الذي سجل في صفحات التاريخ أقوى عبارات التحدي إذ قال منادياً للجهاد: " إن عدونا لا يفهم الحوار إلا عبر فوهة البندقية".

في ذكرى رحيله الثامنة "نساء من أجل فلسطين" تحلق إلى روحه الطاهرة في حوار خاص مع ابنته عائشة المقادمة لتروي لنا أرق الذكريات مع الوالد القائد:

*في البداية..بطاقة تعريفية عن ابنة القائد إبراهيم المقادمة؟

اسمي عائشة إبراهيم المقادمة، أكملت دراستي الجامعية بكالوريوس في أصول الدين، متزوجة ولدي من الأبناء أربعة أسأل الله أن يعينني على تربيتهم خير تربية إسلامية صحيحة.

*اليوم وفي ذكرى استشهاد القائد الثامنة حدثينا عن ذكرياتك مع الوالد الشهيد ؟

في الحقيقة كان عمري 6 أشهر عندما تم اعتقال والدي رحمه الله فلم أرى والدي في حياته إلا ثلاثة سنوات متفرقات حيث أنه وبعد خروجه من السجن كان مشغولاً جداً في أداء واجبه الديني والدعوي فقد كان يقول أن الحركة تحتاج منه الكثير كانت الحركة الإسلامية على حد قوله تريد الكثير من التعب و العمل الجاد فلم يكن يقضي معنا وقتاً طويلاً وقضى كل عمره وهو يعمل لأجل دينه ووطنه.

*يعتبر الشيخ إبراهيم المقادمة لأبناء فلسطين قائداً ورمزاً فماذا يمثل لكم الوالد الشهيد؟

كان والدي بالنسبة لنا أكثر من والد بل كان مربياً ومعلماً حنوناً كان زاهداً في دنياه جداً وكل همه أن يخدم الدعوة ويموت شهيداً في رفع راية الإسلام، كان عنيداً على الحق، كلمته لا تنزل الأرض قوي الشخصية ، ذكي جداً وكان يساعدني في دراستي في المرحلة الإعدادية كان يعلمني مادة الرياضيات لأنه كان سريع في الحساب و واسع الاطلاع.

*القائد المقادمة كان أباً روحياً لأبناء الحركة الإسلامية فكيف هو معكم كأب مربي ووالد فاضل؟

لقد كان والدي حنوناًُ علينا عطوفاً شملنا بحبه وعطفه حتى أنه كان يحثنا على الإطلاع والقراءة فقد كان يحب قراءة الكتب والثقافة بشكل عام فكان يوجهنا لحب العلم و الاطلاع.

*كيف كانت علاقة والدكم بالوالدة رحمها الله ..؟

كان الوالد والوالدة بالنسبة لنا صدراً حنوناً يلم شملنا ، حقاً إن كل الناس تأخذ منا إلا الأم والأب يعطون بلا مقابل! لقد أعطوا الكثير في حياتهم وأسأل الله أن يجعلنا خير خلف لخير سلف، وقد أثرت بي كثيراً كلمات للأم الغالية أم محمد الرنتيسي عند وفاة والدتي قالت لنا آن الأوان لهم أن يرتاحوا وآن الأوان لأم أحمد أن ترتاح فقد أعطت الكثير في حياتها.

*كيف كان دور الوالدة رحمها الله في ظل غياب والدكم الفاضل؟

كانت أمي امرأة مجاهدة بمعنى الكلمة فقد تعبت كثيراً في حياتها و أعطت الكثير في سبيل الله و أتمنى أن أمتلك نصف صبرها و نضالها، أسأل الله أن يسكنها فسيح جناته.

*الشيخ القائد بالإضافة إلى أنه قائداً مجاهداً فقد كان شاعراً.. ما هي أكثر قصائده قرباً لقلبك ؟

صحيح كان الوالد له حس رقيق فقد كتب العديد من القصائد الشعرية ،ومن أكثر القصائد التي تؤثر بي شخصياً قصيدته التي كتبها في وفاة أخي "أحمد" الذي غرق في مياه البحر، وقد كتب به قصيدة مبكية هي من أكثر قصائد والدي قرباً لقلبي.

*برأيك هل كان القائد المقادمة في صف المرأة؟

نعم بكل تأكيد، كان والدي يحترم المرأة كثيراً ويعتبرها كل المجتمع كان يهتم بأعمال الحركة النسائية و يحب أن يسمع لكلامهم و أرائهم، وكان يحب أن يقرأ عن إنجازاتهم وأنشطتهم، وكان أيضاً يعطي دروساً دينية في المساجد للنساء لأنه كان يعتبر المرأة مربية فإذا صلحت صلح الجيل القادم بإذن الله، وكان يحترم الأم الفاضلة أم نضال فرحات وقدر موقفها عندما استشهد أبنائها و قال أنه يحب أن يرى كل نساء فلسطين مجاهدات مثلها ثابتات على الحق.

*ماذا تقولين الآن في ذكرى استشهاده الثامنة لأبناء الحركة الإسلامية وأبناء فلسطين؟

أقول لهم الإخلاص.. الإخلاص في العمل لله عز وجل وعلى الإنسان أن يحتسب عمله لله عز وجل حتى يوفقه الله في الدنيا والآخرة.

عائد:

كتب الدكتور الشهيد إبراهيم المقادمة متحدثاً عن حق العودة إلى فلسطين:

عائد من ثنايا غربتي السوداء عائد

عائد مثل فج النور في قلب المجاهد

عائد مثلما حقي لباطلهم يطارد

عائد روحي على كفي وللعلياء صاعد

يا إخوتي يا رهط خير الناس يا نور المشاعل

يا إخوتي يا ملح هذي الأرض يا نسل البواسل

في التحقيق 

   وقع الدكتور / إبراهيم المقادمة في سجون الاحتلال فكتب شعرا يصور فيه التحقيق :

ويأتي الليل يطرق بابنا المقفل ..

و قضبان الحديد تدق إسفينا ...

و أبواب الفولاذ تربض في فم المدخل

وقلبي نابضُ ... هاتو سلاسلكم ..

هاتو بنادقكم ... هاتو قنابلكم ...

لن نستكين لبطشكم ... هيهات لن نرحل

ويأتي الليل يطرق بابنا المقفل ...

ويمضي الليل هيا .. دونكم جسدي

وهات القيد .. مزق معصمي الأجدل

وهات الكيس وأكتم زفرتي الحَرى

وصب الثلج في كانون في جيبي

فإن القلب كالمرجل .

وهات الغاز و احرق مقلتي الحُرّة

وشد منافذ الأنفاس من رئتي لن أوجل

وهدد كيفما تهوى

وعذب كيفما تهوى .. فدونك قلبي المقفل

ويمضي الليل هيا دونك اصلبني

على الجدران واحرم مقلتي النوم ..

هات الضرب هات الركل لا تبخل ..

وشرد اسرتي ما شئت ... واهدم ..

فوقها المنزل ...

وعذب صبيتي هيهات أن أهن ..

و قلبي عامرُ بالذكر يبتهل

وعزيمتي نارُ بها الإيمان يشتعل

وروعي باردُ كالطل

و كل وسائل التعذيب لن تجدي ...

فتيلاً في فمي المقفل

سأصبر رغم تعذيبي و آلامي

وأصبر رغم أوجاعي وأسقامي

ولما تصعد الآهات من قلبي فلا تعجل

فتلك الآه للرحمن أرسلها لتثبيتي

فإن الموت أهون من قبول العار يا أرذل

و إن الآه للرحمن أطلقها .. تخفف وطأة الآلام

تطفي لذعة الحنظل .. بلال يا بلال الخير علمنا

دروساً في تحدي البطش ..

أحفظها ولا أغفل

ويقول رحمه الله تعالى في قصيدة أخرى:

نموت كنبتة الصحراء ... متّ كنبتة الصحراء

هل أبكيك ؟ يحرقني البكاء ..

هل أنساك ... ينساني الهواء

أفر ّ إلى إله الكون يمنحني العزاء

لك الحمد ربي عظيم الثناء

لك الحمد ربي مجيب الدعاء

عليك اعتمادي و أنت الرجاء ، فثبت فؤادي

أعنّي على مجريات القضاء ، فمن لي سواك بدنيا العناء

أطارق ... أهذا أنت ... وحدك

جئت وحدك أين أحمد ؟ ... أين أحمد ..

جئت وحدك .. أين أحمد ..طارقُ .. هيجت قلبي

أتلعب بعد اليوم من دون أحمد !

   وله ذكريات عن السجن عندما تأتي الزوجة ومعها البنات والأهل على الشبك، ولايستطيعون ملامسة بعضهم البعض فيقول د. المقادمة في قصيدة (على الشبك):

على الشبك ! على الشبك أواجه صوتها الرنّان

يهتف صائحاً أبتي .. فيعزف أعذب الألحان

و تقفز كالعصفورة احطت على شَرَكٍ

على الشبك ... و تنفض كل ما حملت

من الأشواق فاطمة و ما فتئت

تداعب قلبي المربوط بالشبك

بأخبار الصغار تصيح تفتخر .. بإخوتها وقد كبروا

و أعمام أحاطوها عنايتهم وما ضجروا

أفاطمة يا ربيع القلب يزدهر

و يا من تحسب الأيام تنتظر .. زيارة والد في السجن مرتهن

عهداً يظل جهادنا أبداً

حتى تعود لوجهك البسمات تنتشر

على الشبك مدت أصابعها و القلب يرتجف

لكي تمس أصابعي و الدمع يذرف

يا للصغيرة بات الشوق يعصفها

فتصيح يا أبتي صبراً

يهون الأذى إن يشرف الهدف

أنا في انتظارك حين تخرج

يبدأ درب ثورتنا و نعتصف

قواعد الظلم و الطغيان و السفك

على الشبك كانت تلامس روحها روحي

فتحملها على وشك

و يصيح جلف من وراء الظهر مسترقاً

ختمت زيارتكم هيا لتفترقا

هيهات إن عيونها بعثت رسائلها بلا وجل

فتوصلها برغم كهرب الأسلاك و الحسك

ابنتي إني على ثقة

بعناية من واحد أحد .. تلف روحك ترعاها تحيط بها

حين اتقيت ، سلكت الدرب بالرشد

جاهدت فيك إلهي طائعاً رغباً

و لن أهادن فاحفظ فلذة الكبد

ابنتي كوني على ثقة

بالحق ، بالنصر ، مهما استبدت ظلمة الحلك .

بتاريخ 30/9/1984م

  وكتب قصيدته إلى حسين: وهو في سجن نفحة 7/1988م

 حسين تسافر روحي إليك .... وما بين سجني و سجنك

تسافر روحي إليك ... تطوف بروحك في كل ليل

و أنظر عودتها في الصباح ... تسافر رغم زوايا الحديد

رغم المتاريس ... رغم البنادق

تراقب كل الشوارع .. تخرق كل الحواجز

و ما بين سجني وسجنك ... تسافر روحي إليك

تحوم حول السرير و تدخل عبر الجراح

تدور مع الدم عبر الوريد ... تمر إلى روح روحك

تعيدان تشكيلنا من جديد

لنرجع روحاً كما بدأنا

ونكشف بعد عناء السنين ... بأنا وهمنا

بيوم ظننا أنا افترقنا

حسين نعم يا حسين .. كنا معاً

جرينا معاً .. و ضربنا معاً

سجنّا معاً ... و سُئلنا معاً

وحين اكتويت بنار العذاب ... تئن بنفحة مني العظام

وأحرم فيها هدوء المنام

و تسهر موثقاً كفيك مشدوداً إلى الحائط

وأسهر بالليل قيدك قيدي

و تصمد أصمد .. لا فرق ..كنا معاً

رضعنا لبان الإباء معاً

و كان النقاء لنا مرضعاً

حسين نعم يا حسين ... و تخرج لا ترضى بالهوان

ترفض العين إغضاءة الذل

ترفض اليد رفع اليد

لا بأس بالكسر ... بالموت ...

نصنع بالموت فجر الغد

ومن زنزانة في السجن ... أو وجع بمستشفى

ستولد فرحة العنف

و عبر جراحنا ومداخل الشهداء في الساحة

ستزهر زهرة الحق

حسين نعم يا حسين

و تخرج من ظلام السجن تحمل ثقل عكازك

وأحسب للزيارة استحث عقارب الساعة

واحسب بالثواني هدها الألم

فشل عقارب الرنين

فأحملها وأحمل ثقل عكازي و عكازك

و أخفي ثورة البركان محتسباً ...

إلى أن توقد الثارات من ألمي و آلامك

فتخرج ناراً ونوراً ....

يبدد ليلنا الحالك ....

عام دراسي جديد:

    ويعود المعلم إلى ميدان الجهاد والنهضة من جديد في مطلع العام الدراسي، فيقول الشاعر :

عام دراسي جديد ... في غد عام جديد

يفرح الأطفال بالعام الجديد ... قد كبرنا يا أبي

و افتقدناك طويلاً ... مرّ عيد ، بعد عيد ، بعد عيد ..

كم حلمنا أن ترانا دون قضبان الحديد

و برغم القيد و الفقد كبرنا و حلمنا مثل كل الناس أن ترعى خطانا

و حلمنا مثل كل الناس أن تلثم فانا

وحلمنا أن تصب النور حياً في رؤانا

و تشيع الحب فينا ... نظرة الحب الودود

في غد يفرح الأطفال يا أبتاه ... بالفصل الجديد

في غد ينشد الأطفال للإسلام لليوم السعيد

"في سبيل الله للإسلام سرنا " ننصر الإسلام لا نخشى العبيد

قد كبرنا وتعلمنا الصلاة ... وحفظنا بعض آيات الكتاب

و بدانا منذ تعلمنا الحساب ... نحسب الأيام نصغي كلما دق باب

علّ هذا اليوم يأتي

يسبق الأيام تخطو فيه البيت خطاك

تحمل الحلوى إلينا والهدايا ... كسوة العام الجديد

حبة القلب و ويا نور العين

إن درب العز مفروش بأنات الجراح

بالأذى العذب ... باشواك الطريق

بالضحايا ، باليتامى و الثكالى ... بزناديق العذاب

بالمعاناة التي تستولد العزم و تحيي.....

نغمة الايمان في ميت القلوب ... تبعث الإصرار للثأر العنيد

يا شغاف القلب عهداً لن نحيد ، فاكبروا للحق جنداً

يبذل الروح يضحي بالحياة ، لا يبالي في سبيل الحق لو سالت دماه

يحمل الروح على الكف و يمضي في مناه

أنا للجنة أحيا ... يا إلهي ..في سبيل الحق فاقبضني شهيداً

واجعل الأشلاء مني معبراً .. للعز للجيل الجديد .

في 1/9/1987م

رثاء الأخ / منير الغضبان:

وله قصيدة في رثاء الشيخ المجاهد د. منير الغضبان يقول فيها:

مضيت إلى الشهادة يا منير منير الوجه يملؤك السرور

كليث الغاب شد إلى حديد يقدم روحه البطل الهصور

فكنت البدر يهوي في زمان تعز بدنيانا البدور

خطت بنفسك الدرب المفدي عبرت أمامنا وهتفت سيروا

و قدمت الحياة دليل صدق على درب درب خطاه هدى ونور

لنلحق بالدعاة إلى جنان و تحيا جارك الملك القدير

لترزق عنده خير رزق يطوف عليك ولدان وحور

حييت تحب سيد فلتلاقي بسيد خير فرط يا منير

اتخذت الله غايتك المرجى فكان جزاؤك الفوز الكبير

و تغضب للشريعة إذا توارت و قد كثرت بدنيانا الشرور

و عشت السيرة الغراء تشدو بحبك للرسوك و تستنير

تركت المنهج الحركي فينا ندور مع النبي كما يدور

و لا نرضى سواه لنا زعيماً ولو طال البلاء فلا نخور

و عنوان المحبة أن نضحي فتلقى من تحب ومن تحور

رماك بحقده كلب حقير له من اسمه كذب وزور

و سلمك الطغاة و لم يبالوا عقاب الله أعمالهم غرور

فأقسم لن تظل دماك هدراً وملء عروقنا دمنا يفور

سنثأر للرجال و لليتامى و لو طال الزمان فلن يطيروا

فلن تنسى الزعيم و لا حديداً ولن تنسى جماةً و لا الشغور

فما ليل الطغاة لهم بساج ولن يبقى لهم أبداً نصير .

15/11/1987م

******************************************

خذني إليك:

خذني إليك فكل الدوائر ... ضاقت علىّ .. و كل المنافي و كل المخافر

ملّت لقائي وكل المغاور ... تخاف إذا خبأتني و حتى المقابر ..

إذا جئت ميتاً خبرتني ... بأن جوازي مصادر

وأن المراصد في كل درب تحاصر نعشي ..... تحاصر

خذيني إليك انظميني قصيدة حب

تغنى بها الثاكلات واليتامى ... لعل النشيد

يشد النياما .... يجفف دمعة طفل ترامى

على صدر أم تودع للخلد ابناً تسامى

ويفتح للمجد باباً جديداً

ويعطي بدراً تماما

نفحة 6/ 1988م

لا تسرقوا الشمس:

  وله ديوان شعر تحت عنوان لا تسرقوا الشمس يقول فيه:

لا تسرقوا الشمس:

خذوا كل شيء و لا تسرقوا الشمس منا

خذوا القمح لكن ...حذوا النفط لكن ..

خذوا الروح لا بأس ... لا تسرقوا الشمس منا

نخاف عليها ظلام المحيط و برد الجليد وأرواحكم ..!!

فلا تسرقوها .. خذوا كل شيء و لكن ... دعوا شمسنا

نخاف عليها دماء الغروب ... تخاف علينا

سنمسك بالشمس قبل المغيب ... نقطع كل السلاسل

فلا تسحبوا الشمس منا

فكل خيوط الضياء إلى القلب مشدودة و العروق

خذوا كل شيء وابقوا الشروق

نخاف عليها الغروب ... تخاف علينا

و نخشى بأن تلمسوها

فنفقد نحن الضياء ... وانتم تنالون منها الحريق

خذوا الضوء و الدفء لكن بلا سرقة ، وأنّى لكم

سنفرح بالشمس في ذات يوم

ستشرق توقظ كل النيام و ترشد كل الحيارى

و تعلو على متعبات الخيام

ويصحو عليها السكارى

فننهض بالنور نحيي الحياة

و نفتح بالحب داراً فداراً

و نشرق بالضوء عند الشروق

و لن نمنع الفضل جارا

فلا تسرقوا الشمس منا

نفحة 26/5/1988م

زيارة قصيرة:

  ويصور زياة قصيرة للأهل في سجن نفحة، فيقول:

دقيقتين أو ثلاث .... لا تحلموا بغيرها

ما أعذب العواطف المكثفة ... دقيقتين أو ثلاث

تكفي لبث شوقنا ... وشق دربنا ... و بدء العاصفة

عانقته ... عانقت إخواني جميعاً

في هذه الدقائق المكلفة ... و حضنته

كان يحيى في يديّ و كان روحي .. كان شيخي

كان التواصل يا صلاح و كان قلبي

في يديّ .. وكان حبي

ما أعجب الألم المكثف في الثواني

ما أعجب الشوق المشبع بالمعاني

عجباً لروحك يا شريتح و هي تسرح في كياني

يا ذا الفدائي الذي عشقت الشجاعة والتفاني

دقيقتين أو ثلاث

كنتم بقلبي يا أسود ... وكان قلبي

فرّ من زمن بعيد

رفض السلاسل و القيود

و انساح في شوق إلى رب الوجود

عسقلان ، أكتوبر 1989م

*

ويكتب قصيدة عن ولده (أحمد)، فيقول:

حبيبي ... أهذا أنت ... ؟ تختلط الصور

أهذا أنت ... ؟! تحرقني الصور ... أهذا أنت ؟!!

تجذب قلبي المكلوم تصعقه ... تمزق ما تبقى فيه

يحترق القمر حبيبي ...

أحبس الدمعات ، تحرقني و يحترق البصر

نموت كنبتة الصحراء ... هل أنساك ؟!! ... لا

أنسى فؤادي ...

هل أبكيك ؟ يشفيني البكاء !! نموت كنبتة الصحراء

لم تكبر بحضن أبيك .. لم تشرب حنان أبيك

هل أبكيك ؟ .. أم أبكي حياتي ... و العزاء ...

نموت كنبتة الصحراء ... يمضي العمر لا أحظى بضمك

نموت و حلم حاضري المعنى

بأن تسعى خطاك أمام عيني

تسير بمهجتي و حنان أمك ... حبيبي ....

أهذا أنت ؟!! يخذلني العزاء

نموت كنبتة الصحراء .......... حتى .....

غرقت .... و لم أمد إليك يداً

صرخت ... ولم أردد عليك يداً

و متّ ... و لم أدفع فداك فدا

وغسلت لم أحضره ... لم تلتثم شفتاي ثغرك

ودفنت لم أبصر ...

لم توبدك يداي قبرك

نموت كنبتة الصحراء ... متّ كنبتة الصحراء

هل أبكيك ؟ يحرقني البكاء ..

هل أنساك ... ينساني الهواء

أفر ّ إلى إله الكون يمنحني العزاء

لك الحمد ربي عظيم الثناء

لك الحمد ربي مجيب الدعاء

عليك اعتمادي و أنت الرجاء ، فثبت فؤادي

أعنّي على مجريات القضاء، فمن لي سواك بدنيا العناء

أطارق ... أهذا أنت ... وحدك

جئت وحدك أين أحمد ؟ ... أين أحمد ..

جئت وحدك .. أين أحمد ..طارقُ .. هيجت قلبي

أتلعب بعد اليوم من دون أحمد !

أفاطمة جئت لا تشتكين، من اليوم لا تشتكين

فلن تعتبي، لن تقولي له ..

بأنك أنت ... أخويا الحنون

فلا تقسى يوماً على ضعفنا

فأنت مكان أبينا السجين، و أنت لنا في البلاء .. المعين

ويا عبد هذا قضاء الإله ، فلسنا ندين لربّ سواه

ولسنا نضج بشيء قضاه

ولن نستعيض سوى الصبر سلوى

ولن نستعين بغير الصلاة

أعائشتي ويحك ما تفعلين

فما زال قلبك هذا الصغير من الحزن أصغر

وما زال قلبك هذا الصغير من الموت أصغر

فهل تغهمين و قبل الأوان ؟ و هل تهتدين لمعنى الزمان ؟

ومعنى الحياة ومعنى الممات ومعنى الهجود الأخير

ومعنى الوداع الأخير ، وهل تعرفين إذا ما أساء ؟

صبيُ إليك بمن تحتمين ؟

وإن أغضبوك فهل تصرخين ؟ سأحضر أحمد

أما زال أحمد أقوى ولد !!

أما زال أحمد زين البلد

أحمد يا بن جدتك الأثير، وطفلها الغرد المدلل

كنت العزاء لها و للسلوان جدول

كانت تحس أباك في عينيك .. في الشعر المرجل

كانت تهين سعادة

بعنادك الموروث والشغب المفضل

إذ تشتكي بلسانها

عما فعلت وسوف تفعل

إذ تفضح العينين ما في القلب من فرح مؤصل

ماذا تحسي الآن من ألم

وكم فجرت من حزن مؤجل

لهفي عليها الآن من ثكلى، و إن كنت المصاب وكنت أثكل

ما بال أمك يا أحمد ؟ ... ما بال أمك

يا أم أحمد إنه عرسً لأحمد

يكبر الحلم و يكبر.... كلما يكبر أحمد

كلما يقذف بالأحجار في وجه الجنود

كلما يجرح أحمد ... كلما يصرخ في وجه اليهود

" سيعود جيش محمد سيعود "

هل تذكرين مساحة الحزن

لا يعدل الأحباب إلاّ أجرهم عند الإله

فتجلدي وتصبري الصبر الجميل

وإلى الصلاة ... إلى الصلاة ... إلى الصلاة

رفقاً بقلب الأم يا رب السماء

أرسل سكينتك الحبيبة رضّها

بقضائك المحتوم وامنحها هداك

يا راحماً وأربط بفضلك قلبها

واجبر قلوباً أنت جابرها ... رضاك

عشقتك يا بحر طفلاً و كهلاً

عشقتك يا بحر ماءً ورملاً

هل يغدر العشاق ؟ هل يجتاحهم غول انتقام ؟

ما خفت منك ، وما رهبتك إذ أطارحك الغرام

أنا لا أصدق ما فعلت ... و انت أنت

هل دنسوك ، وسمموك ، و جننوك

هل غيروا و جه المحب ؟

أهل غيّروا اسمك صار (يام )

هل علّموك الغدر ، نقض العهد ، تحريف الكلام ؟

و هل انتهيت حلقاتهم ؟ فقدمت أنت

يا بحر أنت مسخر و أنا مسخر

فلماذا تسخر اليوم و تفخر ، و أنا رهين القيد تغدر

ما كنت أترك مهجتي بيديك ضارعةً .... وأنظر

الموت أهون مطلباً ... وأنا أنت

حبيبي أراك .. كما أنت ... كما أنت ...

أنّى التفت ... و أنّى انتبهت ، فأنّى تغيب

حديثي إليك .. فأنّى تغيب

هل يملك الآباء أن يتصوروا كبداً يغيب ... قلباً يغيب ..

أبنيّ كم فرح فرحت وكم فرح

منذ التثمتك قبلتي الأولى

منذ همست في أذنيك كلمات الأذان

حين سكبت في الأذنين سرك

كنت المؤمل أن تكون مجاهداً يأبى الهوان

أبنيّ كم فرح فرحت وأنت تشدو

للمرة الأولى بفاتحة الكتاب

وكم فرح و أنت تجيء بالبشرى

تشقشق بين قضبان العذاب

إنني الأول يا بابا ، فتفتح ألف باب

من الآمال تسرح ، كم فرح مجنح

إذ تمسك الحجر المقدس

للمرة الأولى ، لترميه مواجهاً الحراب

كم حزن وكم فرح مجنح

إذ أنت تخبرني

بأنك قد خرجت و سوف تجرح

إني نذرتك للإله مجاهداً

فلي النصيب

أنت الذكي ....... بخاطري أنّى تغيب

أنت الجريء .... بخاطري أنّى تغيب

أنت التقي ...... بخاطري أنّى تغيب

هل يقدر الأحباب أن يتفرقوا ؟!

هل يقدر الأحباب أن يتمزقوا ؟!

يارب قلبي دامعُ

يا جابراً قلبي الملوع

يارب حزني واسعُ

لكنما رحماك أوسع

يا رب فاجمعني به ......... في جنة بجوار سيدنا المشفع

اللهم آمين

الشاعر الشهيد د. إبراهيم المقادمة:

وكتب د. كمال أحمد غنيم يقول:

   20 عاماً على اغتيال مفكر "حماس" ابراهيم المقادمة

نشر 08 مارس 2023 

   المفكر البارع، قوي الشكيمة، صلب المراس، قوي التأثير، وقّاف عند حدود الثوابت التي لا تقبل المساومة، هكذا عُرف عن الدكتور الشهيد إبراهيم المقادمة عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" وأحد أبرز قادة الحركة الذين جمعوا بين قيادة العمل السياسي والعسكري.

   ويوافق اليوم الثامن من مارس الذكرى العشرين لاغتيال الدكتور إبراهيم المقادمة صاحب السيرة الزاخرة بالتضحيات الجسام في مجالات الدعوة والفكر والثقافة والمقاومة.

   وُصف المفكر المقادمة بأنه ظاهرة فريدة في العمل الإسلامي والجهادي، فكان يتمتع بفكر عميق وعلم غزير، وجمع في مسيرته إنجازات عظيمة في مجالات مختلفة أهمها السياسية والعسكرية، فبعد استشهاده اعتبر الدكتور عبد العزيز الرنتيسي أن العالم العربي فقد شخصية فذة ومن أكثر الشخصيات ثقافة في العالم العربي.

الميلاد، والنشأة:

  وُلد المفكر إبراهيم أحمد المقادمة "أبو أحمد" عام 1950 في مخيم جباليا للاجئين الذي هاجرت إليه عائلته من بلدة بيت دراس المحتلة، ثم انتقل إلى العيش في مخيم البريج وسط قطاع غزة، وهو متزوج ولديه سبعة أبناء.

   تلقى تعليمه الأساسي في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في مخيم جباليا، وكان من الطلاب النابغين وواصل تعليمه حتى تفوق بدرجة الامتياز في الثانوية العامة، وفي عام 1971 تخرج من كلية طب الأسنان من جامعة القاهرة.

  عمل طبيبًا للأسنان في مستشفى الشفاء بغزة، حتى فصلته السلطة الفلسطينية من عمله على خلفية انتمائه السياسي لحركة حماس وعمله العسكري، لينتقل بعدها إلى العمل في عيادة الأسنان الخاصة بالجامعة الإسلامية بغزة.

التربية، والدعوة:

  نشأ المقادمة نشأةً إسلامية، فكان للشيخ المؤسس الإمام أحمد ياسين أثر عميق في نفس المفكر، وكان مندفعًا ومتعطشًا للعمل في الدعوة والجهاد، فالتحق بجماعة الإخوان المسلمين، وكان ذا سجية إسلامية، لذلك أسس نواة التربية على النهج الإسلامي داخل بيته وخارجه.

  أحب القراءة، فكانت زادًا له في كل لحظة، ينهل من العلم ما استطاع، ليتنقل بين الكتب في مجالات الطب والفقه والعلوم الإنسانية، ويؤلف العديد من الكتب والدراسات خلال مكوثه داخل السجن وخارجه، كان من أبرزها كتاب "معالم في الطريق إلى تحرير فلسطين"، و"الصراع السكاني في فلسطين"، كما كانت له عدة دراسات في المجال الأمني.

العمل الجهادي:

  شكّل المقادمة برفقة عدد من قادة حماس النواة الأولى للجهاز العسكري الخاص بالإخوان المسلمين في قطاع غزة الذي كان يعرف باسم "مجد"، وتولى مهمة إمداد المقاتلين بالأسلحة.

   وفي عام 1984 اعتُقل للمرة الأولى بتهمة الحصول على أسلحة وإنشاء جهاز عسكري بغزة؛ حُكم على إثرها بالسجن لثماني سنوات، قضاها متنقلًا بين السجون الاحتلال المختلفة، ثم أُعيد اعتقاله مرة أخرى ليقضي ما مجموعه عشر سنوات في زنازين الاحتلال.

  خلال اعتقاله في سجن النقب اختير أميرًا لكل أقسامه، فأضاف إلى حياة السجن الكثير، حيث أسس "جامعة يوسف"، ووضع لها برامجَ ثقافية متطورة، وشكّل لجانًا لتحضير المساقات، وبدأ ورفاقه بعقد المحاضرات في مواعيد رسمية.

  يقول الدكتور المقادمة في لقاء مصور جرى تسجيله قبل استشهاده بشهور قليلة، إن السجن غدا مدرسة تربوية، ومحطة لعلها من أهم المحطات التربوية في تاريخ الحركة، التي أثرت بصورة إيجابية في نفوس شبابها.

  ويبيّن المقادمة أن جامعة يوسف التي أسسها داخل السجن خرّجت آلافاً من أبناء حركة حماس وقادتها، وعوّضت جانباً كبيراً من الفراغ الذي ينشأ داخل السجن، ليُحوّل السجن إلى منارة للفكر ومخرجةً للرجال.

  وفي حين أخذ يشرح كيف أن تجربة إعداد الشباب داخل السجن ضمن برنامج مكثف أخذت طابعاً تجريبياً وحصدت نجاحاً محققاً، يشير إلى تلك التجربة أنضجت الرؤية حول ما أسماه بـ"الثورة الجديدة في التثقيف" التي بدأت في سجن النقب وعُممت في الخيام جميعها.

   تعرضت حركة حماس في بداية التسعينيات لحملة اعتقالات طالت معظم القيادات والكوادر، تلاها الإبعاد إلى مرج الزهور، وخلال هذه الفترة، كان الدكتور المقادمة قد أنهى محكومياته في سجون الاحتلال، فتولى قيادة الجهاز العسكري لحركة حماس خلال فترة صعبة جدا، وقد شهدت الكتائب تحت قيادته تطورا نوعيا في العمليات البطولية.

في سجون السلطة:

   في عام 1996م، اعتقلت السلطة الفلسطينية الدكتور إبراهيم المقادمة بتهمة تأسيس جهاز عسكري سري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في غزة، وأطلقت سراحه بعد ثلاث سنوات من الاعتقال، تعرض خلالها لشتى أنواع التعذيب، إلى أن وصل الأمر إلى أن يُضرب به المثل في شدة صبره على أساليب السلطة المبتكرة في التعذيب. 

   مع الإفراج عن الشيخ صلاح الشحادة من سجون الاحتلال أوكلت إليه إعادة بناء الجهاز العسكري لحركة حماس، فيما تفرغ الدكتور إبراهيم المقادمة إلى الجهود السياسية والدعوية، فكان يعطي المحاضرة تلو المحاضرة، وينظر لفكر المقاومة ويكتب الأشعار والكتب في سبيل قضية فلسطين.

استشهاده:

   في صباح الثامن من مارس عام 2003م، كان الدكتور المقادمة على موعد مع الشهادة ولقاء ربه، وبينما كان يستقل سيارته وسط مدينة غزة استهدفت طائرات الاحتلال الحربية الصهيونية بعدد من الصواريخ الحاقدة الإرهابية سيارة مدنية كانت تقل الدكتور المقادمة؛ ما أدى إلى استشهاده وثلاثة من مرافقيه هم عبد الرحمن العامودي، خالد جمعة، وعلاء شكري.

   ظن الاحتلال وقادته المجرمون الملطخة أيديهم بدماء أبناء شعبنا، أنه باغتيال المقادمة يكون قد وجه ضربة قاصمة لحركة حماس وللعمل العسكري المقاوم، إلا أن دماء المقادمة وفكره وتضحيته غدت سراجًا تنير طريق الجهاد والمقاومة في فلسطين.

   ووفاءً من التلاميذ لقائدهم وتخليداً لذكر قائد قل نظيره، أعلنت كتائب القسام خلال معركة حجارة السجيل عام 2012 عن صاروخ "m75" محلي الصنع، نسبة إلى الدكتور إبراهيم المقادمة، وتضرب به "تل أبيب" لأول مرة في تاريخ الصراع مع الاحتلال.

شاعر على مائدة الرسول صلى الله عليه وسلم

الدكتور/ كمال أحمد غنيم أستاذ مساعد في الأدب والنقد

الجامعة الإسلامية – غزة

الدكتور إبراهيم المقادمة في ديوانه (لا تسرقوا الشمس):

شاعر على مائدة الرسول صلى الله عليه وسلم

   لقد كانت الشمس ونورها محور حياة الشهيد الشاعر الدكتور إبراهيم المقادمة، فهو يؤثرها على القمح والنفط والروح، لأن من امتلك الشمس استطاع أن يمتلك كل تلك الأشياء، ومن أضاعها فقد في شكل مواز لتلك الرموز مقدرات الحياة والحضارة والوجود.

    والرغبة في الامتلاك هنا هي رغبة إنسانية بعيدة عن التحيز والأنانية، فمن يسرق الشمس قد يحقق الطعام ومعطيات الحياة اليومية والمعيشية، لكنه في المقابل يمنحها بتقتير وتسلط وتملك للناس؛ الذين ولدتهم أمهاتهم أحرارا، وسرعان ما تنقلب الشمس وبالاً على أولئك، لأنها ستحرقهم، بينما إن امتلكت زمرة القلب الموحد خيوط ضياء الشمس المشدود إلى القلب والعروق؛ ستحتفي بها، وتوقظ بها كل النيام والحيارى والسكارى، وتفتح بالحب دارا فدارا، ولن تستأثر بها وتمنع فضلها جارا!

    وينتصر الدكتور الشهيد لشمس الحقيقة والإيمان، ويفعل ما يقول، فيبذل من أجلها حريته، فيسجن من سنوات عمره ما يساوي خُمس حياته، ويضحي بقوته وقوت أهله، وإمكانات الثراء والعيش البليد الهنيء، ويُتوّج الأمر بالانتصار من بعد الظلم شهيداً في سبيل الحق، ينتظر لحظة الشهادة بشوق عارم، وقد لبث حسبما يرى وطال انتظاره، ويهمس لمن حوله: (سيقصفونني!)، ويؤثر المواجهة الشجاعة، وعدم الاختباء والتخفي، وهكذا هم أساتذة الدفاع عن الشمس، والتفاني في العطاء والبذل، هكذا هم فلاسفة الإيمان والثورة!

    وفي مقاربة شعر الدكتور الشاعر والشهيد الإنسان "إبراهيم المقادمة" يلمس المرء ثقافة أدبية، ورهافة أحاسيس، وإشارات إنسانية لها دلالاتها، فالشاعر حسبما نرى في مجموعته الشعرية مقل، فالمنشور له هنا هو اثنتا عشرة قصيدة على مدار اثنتي عشرة سنة، من عام 1984 حتى عام 1995، فهل كتب الشاعر من ذلك العام فقط، وهل توقف عام 1995؟

    دعونا نقول إنه من الثابت أن الشاعر قد كتب منذ المرحلة الابتدائية فمعلمه "خضر الكردي" من جباليا يقول إن الشهيد قرأ مكتبة الفصل البالغ عددها 300 كتاب بكاملها، وكان يكتب الشعر في الخامس الابتدائي، وقد نُشرت له بعض القصائد في صحيفة (روز اليوسف) بالقاهرة، وعندما جاء أنيس منصور الصحفي المشهور إلى غزة، وزار الفصل الذي يدرس فيه إبراهيم المحاط -وفق كلام مدرسيه- بهالة من النبوغ ؛ وقف إبراهيم الصغير ليحاور الصحفي الكبير، وعندما خرج أنيس منصور من الفصل قال لمرافقيه: "لقد شعرت بنفسي صغيراً أمام هذا الطفل!".

    وقد تميز الشاعر بحب جم للغة العربية وآدابها، وساعدته إنسانيته الفذة في تعمق جوانبها، إذ إنه زامل في دراسته الجامعية طالبا كفيفا يدرس العربية، فكان يقرأ له ويساعده في تحصيله العلمي، ويرافقه في الامتحانات ليكتب عنه ما يمليه عليه، مما أكسبه خبرة واسعة في العربية وأبوابها.

    وامتلك ذاتاً شاعرةً مرهفة الأحاسيس، لمستها أخته الطفلة الصغيرة ذات الست سنوات، عندما كانت مريضة في المستشفى، إذ راحت تطلب من أمها أن يكون إبراهيم -وقد كان في الثانوية العامة- هو مرافقها، وفي ذلك دلالة على الحنان الأبوي الذي امتلكه في سن مبكرة، وقد رأينا ما فعله مع زميله الكفيف في الدراسة، وقد عرفنا ما قام به مع زميل له في المعتقل بعد ذلك، عندما رآه في فترة (الفورة) في السجن يجلس وحيداً وقد بترت ساقه اليسرى وفقد إحدى عينيه، فصرف وقت النزهة كله معه، وسأله عن حفظه لشيء من كتاب الله وسنة النبي r، فلما أدرك أنه عاجز عن متابعتهما، اتفق معه على أن يعلمه كل يوم نصف ساعة أو ساعة القرآن الكريم، ويحفظّه له، ويعلّمه أبجديات الفقه الإسلامي.

    وقد أدرك الدكتور إبراهيم أن رحلة الدنيا قصيرة فزهد فيها على الرغم من أنها أقبلت عليه، فتبرع في طفولته بقروشه القليلة لثورة الجزائر، وتبرع في معتقله بملابسه الجديدة، حيث كان يوزعها على زملاء له، ويلبس من ملابس السجن أو ما تبقّى له بعد اختيار الشباب، وتعلق قلبه ببلوزة قديمة بالية أصر على لبسها، ولم يدرك زملاؤه سر هذا التعلق؛ إلا عندما وجدوا اسم الشهيد مصباح الصوري عليها، فقال لهم عندئذ: "هذا شهيد قد حفظ القرآن، وأنا أتبرك بها، ولن أفرط بها أبدأ "

   وعرف زملاؤه الذين عايشوه في السجن تواضعاً منقطع النظير لهذا القائد الذي كان يعدّ لهم الطعام، ثم يوقظهم لتناوله؛ على الرغم من انشغاله بإعداد الدروس والمحاضرات والدورات لهم، وعكوفه على الدراسة، وتأليف الكتب، وحفظ القرآن، ولعل ذلك هو ما لمسه أهله عنده من قبل، فعلى الرغم من هذه الانشغالات الكبيرة آثر الدكتور أن يكون رجل عامة، رحالة، ينتقل من قلب إلى قلب، في رحلة تعمير ودعوة وتبليغ، في حيوية لا تعرف الكلل، تقتات على مخزون كبير من العواطف والمشاعر، التي لم يستطع الشعر أن يلاحقها في زحمة الشعر العملي الذي يمارسه الدكتور في سلوكه و تصرفه وأنفاسه، ولعل هذا الأمر يفسّر ظاهرة شعره الذي يكاد أن ينتمي بمجمله إلى شعر السجون والمعتقلات، فقد كتب إحدى عشرة قصيدة من اثنتي عشرة في السجن، وإذا علمنا أن خُمس حياته قد قضاه في السجن، أدركنا أن الدعوة والعمل أخذا الحيز الأكبر منه.

    وهذا يفسر من ناحية أخرى كون سبعة قصائد متجهة إلى أسرته وأفرادها، وكأنه يعبر من خلال ذلك عن إنسانيته تجاه هذه العلاقات، وهو الجبل الشامخ في التضحية والعطاء دعوة وثورة وسجناً وملاحقة واستشهاداً، وكأن ذلك رسالة لهم يعبر فيها عن مدى أهميتهم لديه، وإذا أدركنا أن هذه القصائد الأسرية لم تسلم بحال من الأحوال من نفحات الدعوة، ونفثات الثورة، والإخلاص لطريق التضحية؛ أدركنا مدى الانسجام بين هذا القرب الحميم من العائلة والبعد القريب منهم، من ذلك التعلق الذي نراه يتجه نحو أمه بشكل كبير على الرغم من كبر السن وكثرة الأبناء، وهو يبثها مع كل كلمة التذكير بالنبع الذي شرب منه هذا التفاني، والحث الخفي على الصبر والصمود والإيمان بترابط الأجيال وتعاضد الآمال بمستقبل مشرق يضم الجميع:

        حملتك في ديار اليتم والغربة

        وكنت الحمل كنت الزاد والرغبة

        وبين الشوك كم كنا نشقّ دروبنا الصعبة

        حملتك ثورة في القلب ترفدني

        حملتك في شغاف القلب أغنية ربيعية

        ورحت أقاوم الإعصار

        والريح الصليبية

   والشاعر لا ينسى رسالته في أحلك الظروف، عندما يأتيه نبأ غرق ابنه البكر أحمد، الذي كان يعوّل عليه كثيرا، ويدخره لمواصلة الطريق من بعده، وقصيدته مجبولة بالدموع، فما زال أصدقاؤه في السجن يذكرون تلك اللحظة الحرجة، عندما حاولوا أن يمهدوا له الأمر، ولكنه شعر على الفور بحدوث أمر جلل، فلما أن علم، قال: "الحمد لله"، وتلقى العزاء بصبر مشهود، ولم يغير برنامجه الثقافي اليومي، بل أصر على إعطاء درسه المسائي لإخوانه، وعندما جاء الليل خلا إلى نفسه، وإلى أوراقه، ودموعه، وفي الصباح كانت بين يديه لؤلؤة شعرية اسمها "أحمد"، ولما روجع في ما حدث معه، قال: لما علمت أن في الأمر مصيبة خشيت أن تكون في الدين والدعوة، فلما علمت أنها مصيبة خاصة حمدت الله على ذلك، ولما خلوت إلى نفسي في الليل جاءني الشعر فكتبت قصيدة "أحمد" بدموعي!

    وفي محك التجربة يظهر المعدن الأصيل، فالدكتور إبراهيم المقادمة أستاذ الصبر والإقدام والتضحيات، ادخر الدمع لنفسه، وعلّم من حوله معان جديدة من معاني الصبر والصمود، وفي صومعته أطلق لعينيه العنان، ولامس قلبه المعتصر بحنان، منسجماً مع الحديث الشريف، القائل إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإن الفراق يبعث الحزن، ولكنه حتى في بكائه كان لاجئا إلى الله وإلى الصلاة في أكثر من موضع بالقصيدة، وفي ذلك مواساة وعلاج لحزنه الخاص، ومن فرط حنانه لم يتذكر في تلك اللحظة نفسه وحدها؛ بل تذكر وقع المصيبة على أبنائه الأطفال الآخرين، وعلى أمه وزوجته وأهله، وهو يسافر من وراء الزنزانة بخياله ليكون معهم في هذا الظرف الصعب، ويمارس أفضل أنواع المواساة، يشاركهم مشاعرهم، ويتألم لألمهم، ولكنه من أعماق هذا الألم يبعث الصبر والرضى في نفوسهم، ويحوّل المحنة إلى منحة إيمانية، تزيد القلب قوة، وتعلي من شأن الدين في نفوسهم، ويقف الشاعر كإنسان أمام البحر كأداة من أدوات الموت، الذي ينفرد بفلذة كبده في غيابه، وكأنه يصفّ إلى جانب العدو الذي حال بينه وبين أهله، كما حال البحر بينه وبين ابنه، ويعبر عن ذلك بتزوير اسم البحر كما يرد عن العدو (يام):

        عشقتك يا بحر طفلا وكهلا

        عشقتك يا بحر ماء ورملا

        ما خفت منك وما رهبتك

        إذ أبادلك الغرام

        هل يغدر العشاق؟

        هل يجتاحهم غول انتقام؟

        أنا لا أصدق ما فعلت.. وأنت أنت

        هل دنسوك؟ وسمموك؟ وجندّوك؟!

        هل غيروا وجه المحب؟!

        هل غيروا اسمك صار (يام)؟!

        هل علموك الغدر؟ نقض العهد؟ تحريف الكلام؟

        وهل انتهت طلقاتهم؟ فقدمت أنت

        يا بحر أنت مسخر وأنا مسخر

        فلماذا تسخر اليوم وتفخر؟

        وأنا رهين القيد تغدر

        ما كنت أترك مهجتي بيديك

        ضارعةً وأنظر

        فالموت أهون مطلبا وأنا وأنت.

    وهذه قطعة شعرية ساخنة، جمرها صلية من طلقات أسئلة حرّى، تعبر عن شدة الصدمة، ومرارة الموقف، إذ يحدث كل هذا وهو مكبل اليدين وراء قضبان لا ترحم، وكأن التجربة إضافة لصنوف التعذيب، ومشاركة من البحر الأثير إلى نفس الشاعر لقوات الاحتلال، وكأن البحر يسقط في مستنقع الخيانة، ويضيف الشاعر إلى هذا الكم الساخن من الأسئلة مفارقة تسهم في إبراز لوعة الصدمة وقسوتها، ، فالبحر صديق قديم منذ الطفولة إلى زمن الكهولة، وهو حبيب بكل مفرداته يشكِّل في وجدان الشاعر جزءاً من الحرية التي افتقدها، والانطلاق الذي حُرم منه، وتنصهر ممارسة البحر في عنفوان الخيانة التي طالما حذّر منها الدكتور، وأعدّ لها الدراسات والمؤلفات، وتبرز من وراء كل ذلك شخصية (الفتوة) الفارس ذو القوة الجثمانية التى تمتع بها الشهيد - رحمه الله- فهو يعلن التحدي لغول الانتقام، ويعتبر ما حدث غدراً لا يتلاءم مع مفاهيم الرجولة، ويصرخ بأنه ما كان - لو كان حرا- ليترك فلذة كبده بين يدي البحر ضارعة إليه، ولكنه لا يؤكد القدرة على رد القدر، بل يعلن شعاره في معركة الحياة: (فالموت أهون مطلبا وأنا وأنت)، وكأنه يقول: ماض في مواجهة غول الانتقام، ولا يضيرني إن كان المصير شهادتي أو انتصاري، لكن ما يضيرني هو صمتي وانكساري.

    ويحمل الديوان رسالة إنسانية أخرى تفسر سلوك طريق الجهاد، وتبين أسباب عنف المواجهة مع العدو، فالشاعر يرد على تهمة (الإرهاب) التي تطارد الإنسان الفلسطيني المسلم في ميادين الإعلام الغربي والإسرائيلي، وهو يلقي الضوء على ممارسات الاحتلال البشعة، ولا يحض على المقاومة إلا ويذكر معها بواعثها من دمار وتخريب وعذاب ومعاناة، فإن كان الشهيد "يحيى عياش" رمزا للموت والتفتت في ذهن العدو، ورقما صعبا من أرقام الإرهاب الفظيع، فإن الشاعر يذكرهم بجولدشتين المجرم صاحب مجزرة الحرم الإبراهيمي وجرائم الجيش الإسرائيلي:

        عياش لا ترحل فجولدشتين ينتظر الجواب

        نشروا ببلدتنا الخراب فما لهم إلا الخراب

        لم يرحموا شيخا ولا طفلاً تلفّح بالثياب

        قد أرضعوه قنابل الغاز المدمّع والهباب

        قد علموه الحقد مع علم القراءة والحساب

    وهو يرافق بخياله أحد الاستشهاديين الذين يشكّلون في العقل الإسرائيلي أبشع صور الموت والدمار، فيلتقط الشاعر من وجدان الاستشهادي أكثر من صورة تدور في ذهنه قبل اللحظة الأخيرة من التفجير، إنه إنسان شاب أمامه مستقبل مشرق، وراءه أم حفيت قدماها في البحث عن عروس له، وأتعبت نفسها بحلم جميل وهي ترى نفسها على عرش الفرح في أثناء العرس تارة، وتلاعب أولاده في حجرها تارة أخرى، وهذا الاستشهادي إنسان من دم ولحم يعايش معاناة شعبه اليومية، وتتلجلج في ذاكرته وواقعه صور دموية من تهجير ومجازر ورحيل، ولذلك فإن لديه أكثر من مبرر للاستشهاد وتدمير ما يستطيع من مقدرات العدو، يقول في قصيدة (حديث على أبواب الجنة):

        ومضة أخرى

        وأصحاب السلام الآسفون، يتشدقون

        قاتل للأبرياء

        يا ويحهم

        بعدما هاجر غصبا

         والدي من حقله ذات مساء

        لم يعد من أبرياء

        بعد دير ياسين، قبية، شاتيلا وصبرا

        بعد قانا، كم هنا سالت دماء

        لم يعد من أبرياء!

    والشاعر يؤكد بوعي أو بلا وعي على فكرة المعاناة والاضطهاد من خلال قصيدة (على الشبك) التي يبرز فيها معاناة الصغار بسبب سجن والدهم، وفي قصيدة (في التحقيق) يبرز ألوان معاناة السجين في التحقيق وأصناف العذاب التي تمارس في حقه، وعندما ينتهي التحقيق تبرز معاناة أخرى في قصيدة (عام دراسي جديد)، حيث يبرز حرمان السجين من مشاركة أبنائه وعائلته أبجديات الحياة الإنسانية البسيطة مثل مشاركة الأعياد والمواسم الدراسية وانعكاس معاناة الأبناء على نفسية الأب، وفي قصيدة (حسين) تجربة من معاناة الأسرى الفلسطينيين في حرمانهم من العيش مع أفراد أسرتهم وإخوانهم في سجن واحد على الأقل، بالإضافة إلى معاناة أم الأسير في قصيدة (شوق إليها)، والتجربة الأقسى تتمثل في حرمان مشاهدة اللحظات الأخير لميت عزيز مثل أحمد في قصيدة (أحمد)، مما يدفع الشاعر إلى اعتبار موته مسئولية العدو:

        حبيبي، أهذا أنت؟ يخذلني العزاء

        نموت كنبتة الصحراء حتى

        غرقت، ولم أمدد إليك يدا

        ومتّ، ولم أدفع فداك فدا

        وغُسّلت لم أحضر

        ولم تلثم شفتاي ثغرك

        ودُفنت لم أبصر

        ولم أوسّدك قبرك!

    ولا تنتهي معاناة الإنسان الفلسطيني فهو في قصيدة (خذيني إليك) يصور حاله إن خرج من السجن، فهو مطلوب للجميع، ومحاصر مطارد، ومنفي محاصر.

    ويتمتع الشاعر بنفسٍ قصصي يأخذ حيزا كبيرا من شعره، فقصيدة (على الشبك) هي قصة طفلة صغيرة تتكلم كعصفورة مع والدها السجين عن إخوتها وأعمامها، وكيف تحسب الأيام لموعد خروجه، ويعاهدها والدها على الجهاد المستمر حتى تتحقق لها بسمة حقيقية، فتمد أصابعها من بين فتحات الشبك معبرة عن معاني شوقها، وتوصيه بالصبر، لكن صياح حارس السجن يؤذن بانتهاء الزيارة، فتتركه ولمّا تكمل كلامها، لكن عيونها أرسلت كل الرسائل، وتنتهي القصة بتوجه الأسير إلى الله وهو يعلن إيمانه بالنصر.

   ويمكن أن نلمح عناصر القصة في قصيدة (في التحقيق) التي تبرز حكاية الليل الذي يطرق باباً مقفلاً، وجواب قلب الشاعر على الطارق الذي يبرز رحلة عذاب في سراديب السجن: من قيد، وكيس على الرأس، وثلج يصب على الصدر، وغاز يخنق، وصلب على الجدران، وحرمان من النوم، وضرب وركل، وعلى صعيد آخر تشريد الأسرة وهدم المنزل وتعذيب الأبناء، والآه التي يرددها ليست للألم بل رسالة لله، وفي قصيدة (زيارة قصيرة) يعتمد تقانة القصة القصيرة في تكثيف المشهد ووحدة الموقف، حيث يصور لمحة عابرة مكتنزة بالمشاعر تبرز حرمان الأسرى من الأصدقاء والأهل، وما محور الحكاية إلا زيارة قصيرة جدا داخل السجن لرفاق الدرب: يحيى، والشيخ، وصلاح، وشريتح، ويُلاحظ الحوار القصير الذي تناسب مع الموقف: (كان التواصل يا صلاح، عجبا لروحك يا شريتح).

   ويلجأ الشاعر في قصيدة (عام دراسي جديد) إلى لحظة درامية تتمثل في ليلة صبيحتها عام دراسي جديد لأبناء غاب والدهم عنهم، ويتكىء لتكثيف الحدث على أحداث سابقة مرت مثل الأعياد والمناسبات وما رافقها من معاناة، ويلجأ إلى أحداث مستقبلية يستبق بها خروج السجين؛ مستفيداً من تقانة الأماني والأحلام، وأحداث قصته تراوح مكانها، في لحظة فاصلة بين أحداث سابقة وأحداث متمناة لاحقة تشكّل نهاية سعيدة، والأشخاص هم: (الأبناء، والوالد الأسير، والأطفال الآخرون السعداء بوجود آبائهم بينهم)، ويتشابك الزمان بين أعياد مضت وموسم العام الدراسي الجديد والحلم برؤيته في المستقبل في مثل تلك المناسبات وهو يعود لبيته محملاً بالهدايا ولوازم الأعياد.

   ويعتمد الشاعر في إبراز ذلك حواراً بين الأبناء ووالدهم الأسير، فهم يحكون عن معاناتهم بفقده سجيناً، ويتكلمون عن آمالهم وأمنياتهم وواقعهم، بينما يرد عليهم بضرورة الصبر، والإصرار على مواصلة التضحية حتى النصر أو الشهادة، ويحاول أن يزرع الصبر في قلوبهم ليثبتوا في مستقبل الأيام إن عاد لهم بما يحلمون، أو إن عاد لهم يوماً شهيداً، وهو يستبق الزمان ليصور شهادته وأشلاءه التي سيلقى بها الله يوماً.

   وفي قصيدة (حسين) تظهر الشخصيات الرئيسة متمثلة في الشاعر وشقيقه الأسير حسين، والشخصيات الثانوية الإنسانية متمثلة في رفاق السجن ورفاق الطفولة والزوار، وتمثل الزنزانة كمكان شخصية رئيسة تجسد الظلم والحرمان، ولكنها لا تستطيع أن تحاصر الشاعر، فهو يخرج منها ليصف مراحل الخروج الروحي من الحديد ثم المتاريس، ثم الشوارع، بل يخرج من الزنزانة في رحلة إسراء إلى سجن أخيه الآخر، ليتجول داخل جرحه، ويدور مع دمه؛ وصولا إلى روحه للتعبير عن توحد أخوي، يتمثل في الرجوع إلى أماكن أخرى التقي فيها الاثنان: (كنا معا، جرينا معا، ضُرِبنا معا)، حتى وصلا إلى مكان قريب من الزنزانة هو غرفة التحقيق:

        سُجنا معا... سئلنا معا

        وحين اكتويت بنار العذاب

        تئنّ بنفحة مني العظام

        وأُحرم منها هدوء المنام

        وتسهر موثقا كفيك

        مشدوداً إلى الحائط

        وأسهر بالليل... قيدك قيدي

        وتصمد...أصمد... لا فرق

        كنا معا

        رضعنا لبان الإباء معا

        وكان النقاء لنا مرضعا

   ويقتحم على الأمكنة المتشظية من مكان واحد هو الزنزانة؛ مكان جديد هو عالم الحرية، فحسين يخرج حاملاً ثقل عكازته، وينتظر شقيقه الشاعر زيارته، ومن ثم انتقامه ومواصلته درب المقاومة.

   وأما قصيدة (حديث على أبواب الجنة) القصصية، فيعتمد فيها الشاعر التقانة السينمائية والتلفزيونية عبر ومضات تذكّر المتلقي بالومضات السينمائية الاسترجاعية (فلاش باك) والمزج بينها وبين الومضات الاستباقية في مزيج يحقق أكثر من مفارقة، ويعطي أكثر من بعد، فلحظة الذروة تتمثل في خطوات مطمئنة لاستشهادي مقبل على لحظة التفجير، وفي الومضة الأولى يسترجع صورة أمه في بحثها الدءوب عن عروس له، وفي حلمها بأولاده يلعبون في حجرها، وفي الومضة الثانية يستبق الأحداث ليصور حالة أصحاب السلام وغضبهم من عمله، وفي الومضة الثالثة يسترجع في مقابل اتهامه بقتل الأبرياء صورة والده والمهاجرين عام 1948 والمذابح المتتالية التي عاناها الشعب، وفي الومضة الرابعة يستبق الأحداث ليصور أقوال الأدعياء عن قوت الشعب ومعاناة العمال، ويضع رده على ذلك في الومضة الخامسة عندما يسترجع أحوال العمال والناس في سنوات السلم العجاف بعد أن استلم اللصوص المفاتيح؛ فلا هم حرروا الوطن، ولا هم حققوا العزة، بل عاش الناس في مذلة، ثم يرجع الشاعر إلى اللحظة الزمنية الأولى؛ والاستشهادي مقبل بخطواته ليصور لحظة التفجير وما تحدثه على أرض الواقع وما تثيره من تداعيات لسنوات مقبلة.

    ويعتمد الشاعر في قصيدته على شخصيات رئيسة تمثلت في الاستشهادي وأمه وأصحاب السلام ووظف شخصيات غائبة كان لها دورها في بلورة الحدث وإعطائه بعداً درامياً إنسانياً مثل: أولاد الاستشهادي المتخيلون في ذهن والدته، ووالده المهاجر ومن معه من مهاجرين، والشهداء الأبرياء في المذابح المتتالية، والجياع، والعمال، وموقّعو السلام، واللص، بالإضافة إلى شخصيات متخيلة، تمثلت في السارد المطلع على خفايا الأمور، والمتلقي صاحب الضمير الذي يقارن بين الأقوال ليصدر بالتالي حكمه.

    واعتمد الشاعر في قصيدته المكثفة الحوار بنوعية، فهناك حوار خارجي بين الاستشهادي وأمه من جهة ومع أصحاب السلام وبعض الأدعياء من جهة ثانية وثالثة، بالإضافة إلى الحوار الداخلي (المونولوج) الذي بين فيه الشاعر رفض الاستشهادي لمصطلح براءة المحتل مبرزاً أفانين العذاب التي واجهها شعبه والجرائم البشعة التي ارتكبها المحتل.

    ولم يكتف الشاعر في قصيدته القصصية باللغة العادية بل وظّف لغة الجسد في أكثر من موضع ليمنح الحوار والحكاية شكلاً درامياً واقعياً، يمكن تصوره بسهولة، ويوسع دائرة معايشة المتلقي لأدق التفاصيل، مما يمنحه نسبة مشاركة أعلى في التفاعل مع الحدث، من ذلك قوله: (كان يمشي مطمئنا، واثق الخطوة، يتشدقون، ضغط الزر ففجر، فتبسم، وتبسم...).

   وتميز أسلوب الشاعر على صعيد اللغة بأكثر من سمة، حيث اعتمد التكرار في فعل التبسم في نهاية قصيدة الاستشهادي؛ ليكثف من خلالها فكرة استهانة الاستشهادي بالموت وقناعته بالفعل الذي يقوم به، وكرر عبارة (نموت كنبتة الصحراء) في قصيدة أحمد، ليعبر عن مرارة تجربة الطفل أحمد، التي تُوّجت بالموت والغرق، كما أنه يكرر معنى موت أحمد بأكثر من لفظ ليعبر عن مرارة التجربة: (غرقت، مت، غسلت، دفنت، لم أوسدك)، ويستخدم الشاعر أسلوب الحذف والإضمار في بعض المواضع من ذلك:

   خذوا كل شيىء ولا تسرقوا الشمس منا

   خذوا القمح لكن...

   خذوا النفط لكن...

  وفي ذلك إيحاء برفض قاطع للاستيلاء على الشمس وحذف عبارة (لا تسرقوا الشمس منا) في كل المواضع أبلغ من تكرارها، ففي تعدد المعطيات المضحّى بها في مقابلها تأكيد على معناها، ويكون الخفاء في بعض الأحيان أبلغ من الظهور والتكرار.

    ووظّف الشاعر بعض التعبيرات الخاصة به، مثل قوله: "تداعب قلبي المربوط بالشبك"، ففي ذلك إيحاء بقسوة المحتل وفاشيته، ومن ذلك قوله:

   عائد مثل (فج النور) في قلب المجاهد

   عائد مثلما حقي لباطلهم يطـــارد

  فهذه التعبيرات تحمل صوراً نابعةً من تجربة مميّزة للإيمان الذي مثل فج النور، والحق الذي يطارد، والتعبيرات هنا تعبر عن إحساس قوي بالإيمان، ومحاولة تجسيد ملموسة ومميزة لانبعاثه في قلب المؤمن، كما تعبر عن يقين كبير بالحق الذي يصفّ إلى جانبه، ويقينه بأنه قوي مهما ضعف أصحابه، وأنه بقوته يطارد الظالم والباطل، وتأمل التعبير في قوله:

   يا زمرة القلب الموحد ليس تخلطه الشوائب

حيث يوظّف فهمه الحركي، ويستخدم تعبيرات راشدة، تنطلق من رقة القلب إلى المسار الذي يصنع الحياة، ويدرك أسرار النجاح، من تجمع وتوحد ومحبة ونقاء من الأهواء، رحم الله شهيدنا الشاعر، وشاعرنا الشهيد، فقد ملأ الدنيا بفكره وعمله، وتركنا نتأمل نبوءته اليقينية لشهادته التي قطعها على نفسه مع أولاده يوم أن كانوا صغاراً، يحزنون لفراق عابر في سجون الاحتلال بمناسبة عام دراسي جديد:

   يا شغاف القلب عهداً لن نحيد

   فاكبروا للحق جندا

   يبذل الروح يضحي بالحياة

   لا يبالي في سبيل الحق لو سالت دماه

   يحمل الروح على الكفّ ويمضي في مناه

   أنا للجنة أحيا، يا إلهي

   في سبيل الحق فاقبضني شهيدا

   واجعل الأشلاء مني معبرا

   للعز للجيل الجديد

    وهي نبوءة شاعر ومفكر تنسجم مع رؤيا صالحة يراها الشهيد ليلة استشهاده ويحدث بها ابنه (أبو بكر) على مسمع من زوجته، حيث ناداه وقال له: "يا أبا بكر، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعاني إلى مأدبة الغداء"، ثم أوصاه بأمه وأهله، وانطلق خفيفاً مسرعاً، ملبياً دعوة الرسول، مقبلاً على الله، فهنيئا لك يا أبا أحمد على مائدة الرسول صلى الله عليه وسلم !!

مصادر الدراسة:

١_ الموسوعة التاريخية الحرة.

٢_ موقع الجزيرة نت .

٣_ المركز الفلسطيني للإعلام.

٤_ رابطة أدباء الشام.

٥_ الموقع الرسمي لحركة حماس.

٦_ موقع القسام .

٧_ موقع إخوان أون لاين.

٨_ الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر.

٩_ مواقع إلكترونية أخرى.

وسوم: العدد 1070