الربوة المنسية لمولود معمري في الذاكرة المعشوشبة

الربوة المنسية لمولود معمري في الذاكرة المعشوشبة

محمد فريد الرياحي

[email protected]

الربوة المنسية؟ هذا التركيب الوصفي لا يقرأ عندنا قراءة نقدية، إلا في مجال العلاقة الموجودة بين الربوة ومولود معمري، أي العلاقة الوجدانية التي تلغي من وجودها عوامل النسيان، فكيف يستقيم هذا الفهم لهذه العلاقة، مع أن عنوان الرواية يقر بقيام النسيان حقيقة وجودية،مشاهدة ومشهودة؟. ذلك هو الإشكال الأول الذي يواجهنا، ونحن نقف عند العنوان لنتجاوزه إلى العمل الروائي. أما الإشكال الثاني فمرجعه إلى هذه الأسئلة. ما هي مساحة النسيان في الزمان والمكان؟ وهل هذه المساحة مساحة شعورية فردية فردانية؟ أم هل هي مساحة جماعية جمعانية لها ما يسوغها في واقع محدود؟ هل هي مساحة رسخت عن وعي وقصد من أجل تكريس واقع آخر ينبغي أن يكون قارا، أم هل هي مساحة تتأطر في سياق الانشغال باليومي الذي يفاجئ الإنسان بتراكماته الحياتية؟ حول هذين الإشكالين يمكن أن نقرأ التركيب الوصفي، (الربوة المنسية) أي جانبا من جوانب المجال الروائي عند مولود معمري. ويمكننا أيضا أن نقرأ هذا المجال من خلال إشكالات أخرى تقف في مسارنا التحليلي، وهي إشكالات تملك خصوصية الإلحاح الذي يؤرق الفكر. ونحن لا نقصد من وراء هذا الحديث الوقوف عند الإشكالين أو البحث في وعن الإشكالات الأخرى. فلذلك موضع غير هذا الموضع، ولكننا واقفون عند الفقرة الأولى من الرواية، بل عند الجملة الأولى من الفقرة الأولى (الربيع عندنا لا يدوم). وتواجهنا في سياق هذه الجملة الصدمة هذه الأسئلة. أي ربيع هذا الذي لا يدوم؟ هل هو الربيع الفصل؟ يبدو ذلك من خلال الوصف السطحي الذي لا يبلغ العمق العميق من الأرض. غير أننا نعتقد أن الربيع في سياق الرواية كلا، لا يقف عند المعنى المعروف عند الناس، ولكنه الربيع الذي يضم في نسق فكري عقدي وجداني الربيع بمعنى الفصل، والربيع بمعنى الشباب، والربيع بمعنى الربوة المعشوشبة في ذاكرة مولود معمري، والمنسية في ذاكرة الآخرين. كيف تكون الربوة منسية في الذاكرة الجماعية؟ إشكال آخر أو سؤال إشكال نضمه إلى الأسئلة التي طرحناها سابقا لا لنجيب عنه وعنها ولكن لنثير قضايا لا أشباه قضايا. ( القضايا في هذا المجال تتموقف في معانيها الفلسفية الفكرية الشعورية العقدية الوجدانية.وهي المعاني التي أكدها مولود معمري في الوهج التراثي أي في التاريخ الذي يتألق في الذاكرة سلوكا موزونا متزنا من زاوية نظر معينة أي من زاوية مجموع الحقائق  التي تحتضنها(آيت يني) و(آيت يعقوب) و(آيت إسماعيل) و(تاجمعيت) و(تعساست) وغير هذا وذاك من المجموعات الزمانية والمكانية العقدية والوجدانية والتراثية التي نعرفها موشومة في ذاكرة (زْواوا). ما هو الخطاب الروائي الذي أراد مولود معمري ترسيخه أولا في الذاكرة الشعبية بالمفهوم الجبلي، وثانيا في الذاكرة الشعبية بالمفهوم المدني؟ إنه لا يمكن فهم هذا الخطاب بمعزل عن الجملة الأولى من الفقرة الأولى من الرواية. في الفقرة الأولى نجد أصل الخطاب منتصبا بين ذهاب ضمير المتكلم ورجوعه ( لقد تركت وأنا أذهب أَعزي تعساست عروس الليل ووجدت وأنا أعود تمعزوزت ابنة لثماس شابة مقبلة على الزواج) بين الذهاب والإياب تتحول الفتاة الصغيرة إلى فتاة شابة لا لتتمتع بشبابها ولكن لتصبح زوجة. والزواج هناك في الجبل وفي الربوة المنسية مواجهة للصقيع، بل هو الصقيع عينه، إن لم يكن زواجا وجدانيا، أوكان وجدانيا من جهة ومأساة من الجهة الأخرى. وفي جهة المأساة يغيب الدفء إذ يحاصر من كل ناحية بالصقيع الشتائي، والقيظ الصيفي. والحصار يشتد ويمتد ليحتد الإحساس بأن الناس في الربوة المنسية تنتقل بهم الحياة مباشرة من الشتاء إلى الصيف. وفي هذا الانتقال، بل في هذا النقل ما يؤكد الأزمة الوجودية التي تتفرع في جميع الاتجاهات التراثية والعقدية واللغوية والشعورية والاجتماعية. هل يمكن أن يكون هذا الحصار الوجودي هو النسيان ذاته أي النسيان الذي يضرب بأثقاله على الربوة؟ هذا سؤال قد يشكل عندنا صلب الأزمة التي تعيش فيها هذه الربوة. نقول( قد )لأننا لا نريد أن نجزم في الأمر انطلاقا من أن القراءة النقدية كشف وتوقع وحدوث لما لم يكن يتوقع في السياق النصي. وعلى هذا لا داعي إلى أن نفرض منهجا نقديا معينا نصدر عنه في هذه القراءة، بل إننا سنترك قراءتنا لحسنا النقدي الذي لا يجد ذاته إلا في الاستلهام النصاني. قلنا هذا سؤال، قد يشكل عندنا، صلب الأزمة التي تعيش فيها الربوة. فمتى تتحول إلى جبل شامخ يعصم الإنسان من الحصار؟ بل متى تعود الربوة إلى سابق عهدها من القوة الجبلية، والقدرة على الحفاظ على الدفء الربيعي؟ نجد، من هنا، مستويين للدلالة، الدلالة على الجبل، أي رمز العصمة والتحصن والرسوخ في قرار مكين، والدلالة على الربيع، أي على السر الذي يحرك الحياة فيثيرها من خلف السدف. وعندما يجتمع الجبل والربيع، أي عندما تجتمع الرجولة بما فيها، وما حولها، وما معها من ماض وحاضر ومستقبل، والأنوثة بما عندها ولديها من قدرة على الولادة والتوالد، والزيادة والتزايد، أي على الإبداع الحياتي الذي يجد ذاته ووعيه في الماضي التراثي، والحاضر العملي، والمستقبل الغيبي الموجود في رحم التراث، إذ يقع هذا الاجتماع تتحقق النبوءة الولادة، أي تخرج الربوة من دهاليز النسيان لترتفع وترتفع في الحضرة، أي في محفل الغناء والأهازيج، والزغاريد وضرب الطبول، ونقر الدفوف، ومداعبة الأوتار. وفي هذه الحضرة يأتلق ضمير المتكلم توهجا، وتزدهي العروس تألقا، وتفرح بهذا الإئتلاق، وذلك الازدهاء، أصوات تنطلق من ضمير التاريخ مزهوة العاطفة، مشبوبة الفكر، لتشهد التواصل الممدود في الشرعية التاريخية بين الغائب والحاضر. وما الحاضر والغائب في البدء وفي النهاية إلا التجذر الواعي في الأرض، وما تنبت الأرض من قيم ومبادئ، وأحاجي وحكايات، فإذا أضيف هذا المعنى إلى المرأة السر، أي عروس الليل، وما يحمل الليل من أحلام وخيالات وغناء ورقص على طريقة الحضرة، بلغ التحدي البشري للصقيع أشده، وكان الدفء في مواجهة القيظ الصيفي الذي يعد في هذه الحال، وقتا للقطاف، أي وقتا لاصفرار المحاصيل، أوقل لانتصاب( تعساست) في علوها وشموخها. وانتصابُها أي عودة الحياة إليها يكون في يوم لا ريب فيه. يقول أحد الأصوات (الوداع أقول لك الوداع حتى اليوم القادم الذي تلتقي فيه روحي بروحك وبروح أعزي وإدير وكو حقيقة من أجل صنع تعساست في عالم تغيب فيه المعاناة والعقبات.)

(زْواوا)  تجمع أمازيغي ثقافي وحضاري. وبهذا توحي رواية (الربوة المنسية)