قراءة نقدية لقصيدة ( خارج الوقت )

محمد أبو النصر صبحي

قراءة نقدية لقصيدة ( خارج الوقت )

أحمد عبد المعطي حجازي

محمد أبو النصر صبحي

 [email protected]

دراسات عليا في النقد الأدبي والإعلامي

مصر –القاهره - المرج

1.     نشرت جريدة "الأهرام" في عدد الجمعة 1/5/2009، قصيدة جديدة للشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي بعنوان "خارج الوقت" بعد توقف عن كتابة الشعر دام أكثر من عشر سنوات.

يقول صاحبنا :

أنا أعرفُ بالطبعِ أن زمانى هذا غريمى 

وأنَّ الذى لي فيه قليلْ 

لي فيه الذي فاتني أن أحصله 

والذي فر من قبضتي 

والذي أتذكره وأحنُّ له 

والذي هو حلمٌ جميل 

اكتفى بزياراته المتقطعة الآنَ، 

فالوقت ما عاد يسعفنا 

والذي لم يكن لم يكن 

والذي قيل من قبلُ قيلْ!

**

وأنا لم أعد أعرفُ الوقت 

فالشمسُ تُفلت من بين كفيَّ 

والأرضُ تحتيَ دائرةٌ كالرحى 

والليالى شكولْ!

**

وأنا راحلٌ أبدا

لا أفكر في أن أعود إلى حيث كنت 

ولا أتمنى الوصولْ!

لا أريد من الحلم أن يتحقق

كيلاً يشاركنى الوقت فيهُ 

وتلفحَه الشمس مني، 

وتطفئَه المتعة العابرة

لا أريد من الحلم شيئًا،

سوى أن يظلَّ كما هو حلماً،

يرفرف فوق الزمانِِِ،

ويعبر لجته الفائرة؟

ليحط على جبهتي فجأة ويباغتني بالهديلْ

ثم يرحل في سره خارج الوقتِ،

مستغرقا في الرحيلْ!

**

وأنا الآنَ حُرٌّ

لأن الزمان غريمي،

وأن الذي لي فيه قليلْ

ولهذا أسير على حافة منه،

اقرأ أوجه أهليهِ

مستغربا أن أكون هنا

أتذكر وجهي الذي كان لي

في المرايا التي تنطفي في طريقيَ،

واحدةً بعد واحدةٍ

وأميل مع الدمع حيث يميلْ

**

وأنا لم أعد أطلب المستحيلْ 

لم أعد أتحدث عن مدنٍ حرة 

أتسقَّطُ أخبارها 

وأسائلُ عنها المسافرَ 

والقارئَ الغيب 

وابن السبيلْ 

ويخيل لي وأنا أتحدث عنها، كأنى أرها 

وأسمع أصداءها 

مترددة في اخضرار السهولْ 

**

لم أعد أطلب المستحيلْ 

ولم يبق لي أن أفكر في بشر سعداءَ

يعيشون في زمن كالطفولةِ

لا يهرمون به أبداً 

فهمو يولدون مع الصبحِ 

حتى إذا أقبل الليل ناموا

لكي يولدوا في غدٍ من جديد،

كما يتفتح وردٌ نديٌّ على عتباتِ الفصولْ

**

وأنا لم أعد أتوقَّع زائرةً 

تطرق الباب في آخر الليل 

نافضةً عطرها في دمي

لم أعد أتوقع أن يرجع الأصدقاء الحميمونَ 

من ليلهم لندير الشمولْ 

ونبكي الطلولْ

** كان لزاما على أن أتوقف مع عمل جديد لصاحبنا هذا الذي انقطعت صلته بالشعر فترة طويلة فهل هذا نوع من جفاف القريحة الشعرية ؟ أم أنه عزوف الشعراء ؟ أم ماذا ؟ وما موقف قصيدته من النقد بعد هذه الفترة ؟ هل مازال مصنعه جدير بالإنتاج ؟

سأحاول الإجابة بشيء من النقد العملي فأنا مازلت رهن الفكرة التي تقول أن التطبيق خير وسيلة للإقناع 

1-صاحبنا ركب بحر المتدارك أو المحدث كما يقولون وهو من أسهل بحور الشعر وأظن أن عليه خلاف من ناحية نسبته للخليل ولكن ليس هذا مقامه المهم أن هذا البحر كان الشعراء يلصقون العار بكل من ركبه لسهولته وسهولة نغمته .

2- الشاعر يحاول أن يعكس موقف الذات الإنسانية من الزمن فدورة الزمن المتشابهة من (خريف - شتاء - صيف - ربيع ) تمضي وتطحن الجميع فالإنسان كان مفعما بالحيوية والأمل وبالأحلام ثم ما لبث أن ماتت فيه الحيوية و الإحساس بالأمل .

والأرضُ تحتيَ دائرةٌ كالرحى 

والليالى شكولْ!

الشاعر هنا يحس بالتغيير و الفقد مع دورة الزمن التي تجعل الصغير يشب على الطور وقطار العمر يمضي به فالأيام تتوالى و الشهور تتعاقب ونهاية المطاف دورة الزمن متشابهة كما أوضحت و لايقع أي تغيير على الزمن ولكن التغيير كله يقع على الكائنات الحية ولا نشعر بهذا التغيير إلا إذا صدمنا بأمر ما مع الزمن كالموت مثلا .

إذن الزمن غريمي وغريم كل واحد فينا وينشىء عن هذا وجود الصراع بين الإنسان و الوقت ولكن موقف شاعرنا يميل للسلبية من وجهة نظر الكثير ولكن من يفطن للحقيقة يجد أن لا مفر من هذا لذلك اتخدم الشاعر لكثير من العبارات التي توحي بأنه الآن لا يريد شيئا ولا يحلم بشيء فبالأمس وانظر معي هنا 

وأنا لم أعد أطلب المستحيلْ 

لم أعد أتحدث عن مدنٍ حرة 

أتسقَّطُ أخبارها 

وأسائلُ عنها المسافرَ 

والقارئَ الغيب 

وابن السبيلْ 

ويخيل لي وأنا أتحدث عنها، كأنى أرها 

وأسمع أصداءها 

مترددة في اخضرار السهولْ 

هذا المقطع يذكرنا بديوان (مدينة بلا قلب ) كان يحلم بماذا و الآن لايريد شيئا لأن هذا هو الواقع هو لم يستسلم لليأس لكنها الواقعية فما فشل في تحقيقه بالأمس مع هذا التغير الذي انصب عليه يستحيل أن يصنع شيئا أو ان تكون له لقدرة على الحلم والتخيل .

وانظر معي هذا المقطع يذكرنا بقصيدة (سلة ليمون )

لم أعد أطلب المستحيلْ 

ولم يبق لي أن أفكر في بشر سعداءَ

يعيشون في زمن كالطفولةِ

لا يهرمون به أبداً 

فهمو يولدون مع الصبحِ 

حتى إذا أقبل الليل ناموا

لكي يولدوا في غدٍ من جديد،

كما يتفتح وردٌ نديٌّ على عتباتِ الفصولْ

وانظر معي هذا المقطع يذكرنا بقصيدة (زائرة اليل )

وأنا لم أعد أتوقَّع زائرةً 

تطرق الباب في آخر الليل 

نافضةً عطرها في دمي

لم أعد أتوقع أن يرجع الأصدقاء الحميمونَ 

من ليلهم لندير الشمولْ 

ونبكي الطلولْ

إذن كل الذي كتبه وكل الذي كان يحلم به الآن لم يعد يطلب المستحيل وأرى أنه هناك ربط بين هذه القصيدة وقصيدة ( الهلال ) لشوقي فكلاهما يعكس الإحساس بالفقد و التغيير تجاه الزمن فإذا تأملنا دورة الزمن في حياة الإنسان وجدناها ثابتة لا تتغير لكن لها تأثير على الإنسان أيضا تشبه قصة نجيب محفوظ (القهوة الخالية ) ولكن مع اختلاف البناء الشعري عن البناء القصصي ومفردات التناول .

في نهاية الحديث أقول أن هذه القصيدة مازالت بكرا للنقاد الجادين وخاصة لمن يبحثون عن التحليل الأسلوبي والبنائي والتفكيكي للقصيدة المعاصرة .