قراءة نقدية وتحليلية في أدب الطفل قصة الملك المخلوع والملك المخدوع

قراءة نقدية وتحليلية في أدب الطفل

قصة الملك المخلوع والملك المخدوع

 للكاتب غيضان السيد على نموذجاً

د. أميرة حسين

دكتوراه في النقد والأدب المقارن

تعايش الكاتب مع الأحداث السياسية التي وقعت في مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير المصرية معايشة فنية في قصة " الملك المخلوع والملك المخدوع" ونسج أحداث قصته التي عاشها على لسان الراوي الذي لم يبتعد كثيراً عن القصص الشعبي ، فكان عنوان القصة مناسبا لإدراك الطفل وموجزا ومثيرا لانتباهه.

- لا ننكر أن العنوان ذاته يقترح البعد العالمي لفكرة الكاتب وهى" ضرورة اختيار الإنسان المناسب لوضعه في المكان المناسب" خاصة عندما يتعلق الأمر بإدارة شئون البلاد، فهي مشكلة متواجدة حاليا في كل مكان من العالم، وتعانى منها الشعوب في أغلب الأحيان، وهى حقيقة تستحق الاهتمام واستلهام الفكر والعقل، فجاءت فكرة الكاتب داخل القصة تخص كل زمان ومكان، وتضع الطفل موضع الناقد والمفكر الواقعي، وتعلمه الابتعاد عن مظاهر اللامبالاة، والابتعاد عن الكذب والأهواء والعواطف المزيفة وتشعره بأهمية التفكير العقلاني والتخطيط السليم النابع من الشعور الواعي.

- افتتح الكاتب قصته بطريقة الحكواتي نفسه نحو ما جاء في قوله:

" وفور أن تم إلقاء القبض على الأسد الظالم لأهل مملكته وإيداعه سجن المزرعة الزرقاء، حتى نادى المنادى في الغابة الخضراء بفتح باب الترشح لشغل وظيفة " ملك الغابة" خلفاً للملك المخلوع، وعلى من يرى في نفسه الكفاءة ليصبح ملكاً للغابة فعليه التقدم لإثبات مواهبه أمام لجنة الحكماء العشرين وهم الشيوخ الكبار من أهل الغابة وسكانها الذين لهم خبرة كبيرة ودراية بأمورها، وهم جميعا من كبار الحيوانات"

هنا نجد أن الكاتب قام في افتتاح قصته على لسان الراوي بوضع الطفل أمام الأحداث الجارية ليساعد الطفل على التمكن من ترتيب الأحداث ومتابعتها من كافة الاتجاهات، فوضع الطفل أمام قضية تدور حوله داخل مجتمعه وهى كيفية اختيار الملك المناسب الذي يتميز بالكفاءة والموهبة والعدل والقدرة على إدارة شئون البلاد؛ خاصة بعدما تخلصوا في الغابة الخضراء من الأسد الظالم، ودخلوا مرحلة جديدة وهى مرحلة البحث عن ملك عادل تقتنع به لجنة الحكماء العشرين، وهم الشيوخ الكبار من أهل الغابة وسكانها ولهم خبرة كبيرة ودراية بأمورها.

- هنا يعمل الكاتب على تنمية الخيال لدى الطفل، وذلك من أجل أن يفكر الطفل في الصفات التي يجب توافرها وتواجدها في الملك العادل الذي سيتقدم للترشيح لمنصب " ملك الغابة" فهو منصب ليس سهلا، ولا يستطيع أي شخص أن يديره بل يجب أن يكون شخصاً على قدر من الكفاءة والوعي والثقافة والذكاء وغيرها من الصفات الايجابية التي يهدف الكاتب منها إلى تعليم الطفل فن التعامل مع الحياة والأحداث الجارية من حوله، فيقوم الكاتب بعرض صفات المرشحين لهذه الوظيفة ، وبدأها بالثعلب الذي اخذ يعرض حيله الماكرة أمام اللجنة، وأوضح الكاتب للطفل سبب رفض اللجنة لترشح الثعلب ، لأنهم لا يريدون ملكاً خبيثاً ماكراً محتالاً، فكان أول درس يتعلمه الطفل هنا أن صفات المكر والخبث والخداع صفات مرفوضة لا يجب أن تكون في أي مرشح لوظيفة "الملك العادل الذي يدير شئون البلاد أو يترشح  لشغل وظيفة "ملك الغابة".

والحكمة هنا من عرض الكاتب لصفات الثعلب من مكر وخديعة وكذب وخبث أنها انتشرت في عصرنا بصورة ظاهرة يشتكى منها الكثير من الناس، ويقع فيها العديد من الحكام والمسئولين، وهى صفات لها أثرها السلبي على دولتنا ومجتمعنا، وتكون سببا في انتشار التخلف والرجعية داخل الدولة في كافة المجالات العلمية والاقتصادية والأدبية والفنية والأخلاقية، وقد عبر الشعراء والحكماء منذ القدم عن نتائج المكر والخبث ومنها أقوال أمير الشعراء احمد شوقي في قصيدة رائعة تصف الخبث والمكر، والتي يقول في مطلعها:

برز الثــــعلب يوما في شعار الواعظــــينا
فمشى في الأرض يهذى ويسب الماكرينا
و يــــــقول: الحمـــــد لله إلــــه العالمــــينا
يا عبـــــاد الله، توبوا فـهو كهف التـــائبينا

وازهـــــدوا في الطير، إن العيش عيش الزاهـــدينا

و اطلبوا الديك يؤذن لصلاة الصـــبح فينا
فأتى الديك رسولا من إمـــــــام الناسكينا
عرض الأمر عليه و هو يرجــوا أن يلينا

فأجاب الديك: عذرا يا أضـــل المــــــهتدينا

 

- ثم يقدم الكاتب المرشح الثاني وهو الحصان الذي من مميزاته الصهيل بصورة جميلة والرقص الرائع إلا أن لجنة الحكماء رفضت ترشح الحصان لأنها لن ترى فيه مقومات الملك العادل الرزين والمتزن في حركاته وتفكيره، فكان الدرس الثاني للطفل أنه يجب أن يتصف المرشح لإدارة البلاد بالاتزان في الحركات والعقلانية في التفكير والحركة والهدوء؛ فهذا كله من شأنه أن يساعده على اتخاذ القرارات الصائبة، فاتخاذ القرار الناجح يعتمد على التقدير السليم كما يعتمد على الاتزان والتعادل في حالات الميول المختلفة، والتفاعل مع كافة الاتجاهات حتى لا يختل ميزان الأمور من الحاكم.

- ثم يقدم الكاتب المرشح الثالث وهو البلبل الذي يتميز بالرقة والمسالمة والحب وغناء الأغاني الشجية إلا أن لجنة الحكماء رفضت ترشحه لأنها لم ترض عنه ولم ترى فيه مقومات الحاكم المناسب ، والدرس الذي يقدمه الكاتب هنا للطفل هو عدم الانبهار بالمظاهر الخارجية للأشخاص فلا يعجبك ملابسه أو صوته أو شكله الوسيم فالمظهر الخارجي مهم لكنه أحيانا يكون خداعا؛ فالأولى أن تعجب بالشخصية الشجاعة وتفكيره، كيفيه تصرفاته، وحكمته التي  يظهرها في الأوقات الصعبة بما يتناسب مع الوظيفة التي يتقدم لها وهى إدارة شئون البلاد أو وظيفة ملك الغابة .

- ثم يقدم الكاتب المرشح الرابع وهو النمر الذي يكشف سريعا عن سرعته ويبرز قوته وعضلاته المفتولة، ويظهر بطشه لكل من يخرج على قوانين الغابة ونظامها الملكي، إلا أن لجنة الحكماء رفضت ترشيحه لأنه يشبهه الأسد المخلوع الملك السابق للغابة لأنه كان ظالما لأفراد شعبه، والدرس الذي يقدمه الكاتب للطفل هنا من أهم الدروس وهو أن المرشح لإدارة البلاد يجب أن يؤمن بالديمقراطية وحرية الآراء قولا وفعلا، وألا يكون البطش أداته الأولى في التعامل مع شعبه، وأن يستحدث القوانين، ويعمل على تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، والثقافية التي تكفل الحرية والمساواة بين أفراد شعبه.

- ثم يقدم الكاتب المرشح الخامس والأخير وهو القرد الذي أظهر الحكمة والعقل القريب من حكمة الإنسان العاقل فتم اختياره من لجنة الحكماء التي اشترطت عليه شرطين أساسيين فكان الشرط الأول: أن يحكم بالعدل ويقيم المساواة بين كل أفراد المملكة.

يشير الكاتب هنا إلى أن إقامة العدل والمساواة بين أفراد المملكة صفات أساسية يجب توافرها في الملك الذي يدير شئون مملكته فلا يجوز له أن يميل أو يفضل فئة من شعبه على الأخرى وإلا قامت الثورة مرة أخرى، وطالبوا بخلعه كالملك السابق.

والحكمة التي تظهر هنا أن من لم يطبق العدل والمساواة فلجنة الحكماء وأفراد المملكة لهم الحق في خلعه فورا وإيداعه السجن كسابقه الأسد الملك المخلوع.

أما الشرط الثاني: فهو أن يحافظ القرد على مقر الحكم نظيفا وجميلا  ومنسقا ذو رائحة طيبة عطرة ، والدرس المستفاد من هذا الشرط أن النظافة مطلوبة في كل زمان ومكان ، ويجب على الملك أن يحافظ على نظافة مملكته التي يقيم فيها ويظهرها في أبهى صورة وأطيب رائحة  ، فشرط النظافة ما هو إلا دليل مادي ملموس وفعلي على عمل ونشاط الملك واهتمامه بمملكته من الداخل والخارج.

- وبعد ما هنأت الحيوانات في الغابة القرد الملك الجديد لفوزه، وانصرفت جميعا إلا الثعلب الذي اقترب من القرد وعبر له عن سعادته بفوزه بمنصب الملك وأنه أكثر حبا له فهما عائلتان صديقتان منذ زمن طويل، ونصح الثعلب الأسد نصيحة رائعة كي يحافظ على القصر نظيفا وذا رائحة طيبة، وهى أن يتناول شربة من مسحوق السنا المكى،فهذا سيجعل الروائح تخرج منه طيبة وذات رائحة عطرة ، وسمع القرد نصيحة الثعلب المكار ، وما هي إلا سويعات قليلة وأصيب بالإسهال فملأ القصر بالقاذورات والرائحة الكريهة داخل القصر، وعندما جاءت الحيوانات في الصباح وشمت الرائحة الكريهة قررت لجنة الحكماء خلع القرد من منصبه لإخلاله بالشروط، ولما تظلم القرد بأنه وقع في خديعة الثعلب اللئيم قالت لجنة الحكماء مقولتها الحاسمة " أن من يخدعه الثعلب لا يستحق أن يكون ملكا".

 - هنا يضع الكاتب الطفل أمام الأمر الواقع ليعلمه كيف يتعامل مع المرشح الذي وقع الاختيار عليه وفشل في مهمته، فالقرد الملك الجديد لم يؤمن نفسه فور فوزه واستلامه لمنصب ملك الغابة، واستمع إلى كل ما قال له الثعلب المكار دون أن يدير فكره ولو للحظه بأنه يخدعه بخبثه ومكره، فكان عاقبه الاستماع له خسارة وظيفة ملك الغابة التي كان يسعى لها، فالملك يجب أن يمتاز بالدقة والتحري لكل ما يقال له حتى لا يخسر سمعته وملكه ولا ينخدع من الثعالب المحاطة به، والتي تريد خلعه لتستولي على الحكم أو وظيفة ملك الغابة، فالملك يجب أن يكون أذكى مما ينخدع حتى لا ينخلع.

- هكذا امتازت القصة بوضوح الأسلوب وبساطة في استخدام الكلمات وجاءت الأحداث داخل القصة مترابطة بطريقة مقنعه ومنطقية من خلال الحوار المتنامي على ألسنة الحيوانات التي هدفت إلى توصيل رسائل سامية ونبيلة أهمها غرس الحب الحقيقي للوطن في الطفل ، وجاءت الصورة العضوية داخل القصة ذات تصميما واضحا عنى الكاتب فيها بجميع جوانب القصة بحيث أدى كل حيوان دوره في مكانه المناسب، لتعود كل خطوط القصة للنهاية المرسومة، كما جاءت لغة الكاتب سهلة مناسبة للطفل بعيدة عن الألفاظ الجزلة باستثناء لفظة توقفت عندها وهى لفظة (السلمكى) كما كتبت في القصة، والتي أرى أنها مكتوبة خطأ فليس هناك معنى لهذه اللفظة بهذا الشكل،اللفظة الصحيحة التي أراها وفقا للمعنى الوارد في القصة هي لفظة السنا المكى المعروف علميا باسم Cassia Angustifolia  وهى عشبه قديمة معروفة عند الأطباء والعطارين منذ القرن التاسع من الميلاد وتستخدم كعلاج ملين وعلاج أمراض الجهاز الهضمي ، وتعرف في العديد من الدول وتستخدم باسم السنا في مناطق الحجاز وجنوب المملكة العربية السعودية، كما توجد في أمريكا الشمالية وجنوب أسيا وأنحاء كثيرة من العالم.

 لذا أرى أنه على الكاتب بل على كل كتاب أدب الأطفال مراعاة الدقة في استخدام الألفاظ الغريبة التي تكتب داخل القصة لأنهم أحد أدوات تعليم الأطفال، فعقلية الطفل لا يمكن الاستهانة بها أبدا فهو ذكى ويعرف خبايا الأمور وحتما سيسال عن المعاني الغريبة بداخل القصة.

كذلك استخدم الكاتب السجع في بعض الكلمات داخل القصة مثل مخلوع ومخدوع لما له من تأثير في النفس وجذب للمستمع للقصة لمعرفة الفرق في المعنى بين اللفظتين بشكل صحيح.

فاتسم أسلوب العرض بالوضوح والحيوية والبساطة التي تدفع الطفل للإقبال على القصة وفهمها والتأثر بها.