د. علي الصكر.. شُكرًا على قراءتك المُدهشة

تعقيبًا على ما كتبه الدكتور "علي الصكر"

عن كتاب "مُذكّرات أديبة فاشلة" (1)

زينب ع.م البحراني

لطالما كُنتُ ومازلتُ من المؤمنين بأنّ الكتاب "يقرأ" ذات القارئ بقدر ما "يقرأه" القارئ، وربّما أكثر. ولو أننا وضعنا كتابًا بيني يدي عشرة أشخاص لقراءته، ثمّ سألنا كلّ واحدٍ منهم على حدة عمّا انطبع منه في نفسه لسمعنا من كلّ فردٍ فيهم إجابةً تختلف عن إجابة رفيقه في التجربة. وتصاعد إيماني بهذا المبدأ حين طالعت قراءة الدّكتور "علي الصّكر"(2) في كتاب "مُذكّرات أديبة فاشلة"، والتي وجدت نفسي مُنساقةً لقراءتها غير مرّةً قبل أن أكتُب هذا التّعقيب الممتن غاية الامتنان لذاك العمق التحليلي المُمتاز الذي أتقن توغّله بين سطور الكتاب ليخلص إلى نتيجة عامّة شملها بمقاله.

فرغم أنّ الكتاب ناقش عددًا من صور "الفشل العام" للكُتّاب في الوطن العربي أكثر من مناقشته صور "الفشل الخاص" للكاتبات الإناث في البيئة ذاتها، إلا أنّ الدّكتور الصكر ركّز اهتمامه على الفصول التي تُناقش الأثر الاجتماعي لحياة الكاتبات في هذه المنطقة، وانعكاسه على نُضجهن الإنساني والمعرفي، ومن ثمّ نُضج نتاجهن الأدبي. وكان في تركيزه ذاك اختيار موفّق لمشكلة تستحق الكثير من تسليط الضوء والمُناقشة، لأنّ ذاك القحط الشديد في تواصل المرأة مع التجربة الاجتماعيّة، والاختلاط بمختلف النماذج البشريّة والإنسانيّة، مازال حتى اليوم يحد من وعيها الإنساني، ومن ثم يحرم تجاربها الإبداعيّة من النضج الذي تستحقّه. كما أنّ حرمانها مع التواصل الصريح مع وسائل الإعلام، والنشاطات الثقافيّة الحيّة، كفيل بوأد صوت كلّ إصدارٍ من إصداراتها بعد شهور من بزوغه؛ إن لم يكُن بعد أيّام. والدليل على ذلك أننا لو ألقينا نظرةً على الأسماء الأدبيّة الأنثويّة السعودية التي نالت حظًا كبيرًا من الانتشار الجماهيري إلى جانب اهتمام النقاد لو وجدنا أنّ تواصلهنّ الدّائم والموجّه مع وسائل الإعلام العربيّة هو أهم أسباب هذا الانتشار، في الوقت الذي غُبِنَت ومازالت تغبن فيه مواهب أخرى كبيرة من المنطقة ذاتها جرّاء المنع من التواصل البنّاء مع تلك الوسائل في عصرٍ لم يعد يقبل بقبول قدَرِ القبوع في البيت انتظارًا للرزق والفرج. ولا أنكر أنني من أشد المُناهضين لتلك الآراء الساذجة الغارقة في عالم الأوهام والتخيّلات بادّعائها أنّ الكاتبة "سين" أو الأديبة "صاد" تمكّنت من تحقيق المعجزات في هذا المجال رغم شحها في التواصل مع الإعلام، واعتكافها الأبدي في صومعتها الأدبيّة القصيّة، وبُرجها العاجي المُنعزِل! وأعتبر في قرارة نفسي أنّ المروّجين لها هم إمّا جهلاء بحقيقة تكوين الإبداع في النّفس، وإمّا خبثاء أنانيّون، لا يريدون خيرًا لاسمٍ مُستجدٍ في هذا الوسط؛ ظنًا منهم أنّ تلك الأسماء ستأكل من حظوظهم وحظوظ مُقرّبيهم في دائرتهم الضيّقة إن بزغت إلى النّور بجُرأةٍ وصراحة.

إنّ أكبر مشاكل المرأة في وطننا العربي، من وجهة نظري، هي حرمانها من التفكير والتجريب، ومن ثمّ حرمانها من اتّخاذ القرار الصحيح في مُختلف شؤون حياتها، ومع مثل هذه المشكلة مازلنا نسمع كلّ يوم عن أسماء أنثوية أدبيّة سرعان ما تنطفئ ويغرقها طوفان الكبوات والصّدمات، لأنّها واجهت قضيّةً خطيرة كالكتابة بنفسيّة غير مُكتملة، ومن ثمّ غير مؤهّلة لتلك المواجهة الكبيرة. غير أنني لا أستطيع الادّعاء أنّ "الرّجُل" هو السبب في نموّ المرأة في مجتمعنا بنفسيّةٍ تظلّ خديجةً مهما داست عليها الأيّام والسنين، لأنّ الرّجُل هو الآخر ضحيّة أخرى تدفع في مواقف كثيرة ثمنًا أكبر مما تدفعه المرأة، بل وأرى أنّ الاضطهاد المُجتمعي المُنصب على الرّجُل في بلادنا كإنسان هو أحد أهم أسباب مشاكل المرأة، لأنّه يتلقى تربيةً وتعليمًا قاصرًا يحرمه هو الآخر من النضج المعنوي، ومن ثمّ يجد نفسه أمام مهمّة "السّيادة" التي يفرضها المُجتمع ضمنيًا وعرفيًا قبل أن يتمتع بنفسيّة مُكتملة تؤهّله لتقلّد ذاك المنصب وتولّي تلك المهمّة، وهكذا يضيع الرّاعي برعيّته.

أخيرًا.. لا يسعني غير أنّ أسجّل تقديرًا واجبًا بقولي: "دكتور علي الصّكر؛ حسبي مثل قراءتك المُدهشة نجاحًا كبيرًا لمثل هذا الكتاب الصغير المُتواضع. أشكُرك، وأرجو لفكرك المنصب على الورق مزيدًا من الإشعاع والتألّق في أرض العرب وما وراءها".

                

(1)   يمكن مُطالعة نص مقال الدكتور علي الصكر كاملاً بالرّجوع إلى صحيفة القُدس العربي- العدد 6792- 14 إبريل 2011م.

(2)    د. علي الصكر؛ كاتب عراقي.