أبُو شَلاّخ البَرّمَائِيّ

رِوَايَة

للأديب السّعودي الدّكتور/ غازي القصيبي

معالي د. غازي القصيبي رحمه الله

زينب.ع.م.البحراني

[email protected]

هُناك كُتُب نتمنّى أن ينساها تاريخ الأدب مُنذ مُصافحتنا صفحتها الأولى، وكُتُب نتمنّى أن يقرأها كُل من نعرف ومن لا نعرف. ومن الكُتُب التي أسعدني الحظ بمُطالعتها ووددتُ لو قرأها كُلّ عُشّاق المُتعة الفكريّة رواية "أبو شلاّخ البرّمائي"(1) للأديب السّعودي/ غازي عبد الرّحمن القصيبي (2).

يدخُل القارئ إلى الرّواية عبر رسالةٍ كتبها صحفيّ مُفترض، اسمه "توفيق خليل توفيق" إلى رئيس تحرير جريدة "الشرق الأوحد" التي يعمل توفيق مسؤولاً عن صفحتها الثّقافيّة. مُعربًا فيها عن إرفاقه الجُزء الأوّل من الكتاب الذي كُلّف بإعداده ليكون مبنيًا على مُقابلات مُطوّلة مع السيّد "يعقوب المفصّخ الشهير بأبي شلاخ البَرّمائِي"، والذي سُرعان ما نكتشف أنّه بطل الرّواية وشخصيّتها المِحوريّة. ثُمّ نبدأ رحلتنا الممتعة على امتداد مائتين واثنتين وسبعين صفحةٍ من المُتعة الأدبيّة المُقسّمة بين سبعة فُصول روائيّة، بدءًا من "بدايات النّبوغ" عنوانًا للفصل الأوّل، مرورًا بـ "مرحلة الصّمود والتصدّي" في الفصل الثّاني، "وديعة روزفلت" في الفصل الثالث، "امبراطوريّة أم سبعة التّجاريّة"، "نساوين في حياتي"، "رحلتي الغريبة حول العالم" للفصول الرّابع والخامس والسّادس على التّوالي، ثمّ "الجوانب العديدة للقمر" للفصل السّابع، والسّابق لمَخْرَج الرّوايَة الأخير.

*صورة من تاريخ مُجتمع:

في مرحلة ما قبل النفط، حين كان الجوع هو الوضع الطبيعي لمعظم الناس في منطقة الخليج والجزيرة العربيّة (3)، وحيث لم تكُن هُناك شهادات ميلاد أو تقويم يُعرف به التّاريخ، ولِد "أبو شلاّخ" ولادةً مُتعسّرة ابنًا لأسرة ميسورة الحال شرق السعوديّة، بوزنٍ تجاوز أوزان الأطفال الرّضّع، وبمواهب تجاوزت مقدرة الكِبار، ولهذا يصف نفسه في حواره مع الصحفي "توفيق خليل توفيق" بقوله: "كُنتُ طفلاً عبقريًا. البعض، هذه الأيام، يستخدم تعبير الطفل المُعجِزة، ولكنني إنسان مُتواضع وتكفيني صفة العبقريّة. كُنتُ أبدو وأتصرّف كما لو كُنتُ أكبر من عُمري الحقيقي بكثير. والغريب أنني حين بلغت سن الأربعين انعكست الآية. أصبحتُ أبدو وأتصرّف كما لو كنت أصغر من عمري الحقيقي بكثير .. صـ 31-32"

من جرّاء ولادته المُتعسّرة توفّيت والدته، فجاء الكبار له بمُربّية دفعتها المُعاملة السيّئة إلى الانتحار بشرب كميّات هائلة من الحليب أدّت إلى انفجار أمعائها ووفاتها، جاء بعدها عبدٌ صغير انتحر هو الآخر بأكل العقارب التي وجدها في زريبة البيت. وهُنا خطر للكبار شراء حيوانات صغيرة يتسلّى بها، كان أوّلها حملُ صغير: " بدأنا بحمل ظريف رضيع. في بداية الأمر كنت أرضعه معي من حليبي. ثُمّ اكتشفت أنّه يصرخ بشدّة عندما ألشطه بالخيزرانة. وبدأنا التّسلية: شفطة حليب ولشطة خيزرانة. بمرور الوقت، تعوّد الحمل على اللشط ولم يعُد يصرُخ. بدأت أبحث عن تسليةٍ أخرى. بعد تفكيرٍ طويل عميق وجدت أنّ حملاً صغيرًا مثله لا يحتاج إلى عينين. تكفيه عين واحدة. أدخلت مسمارًا في عينه اليُمنى وقلعتها. الغريب أنّه كان يضحك أثناء القلع. بعدها، أصبح اسمه الأعور، بعد أن كان بلا اسم. استظرفتُ حكاية قلع العين. قلعت عينه الأخرى، وأصبح اسمه الأعمى. ذات يوم، ولسبب لا أعرفه، قرّر الكبار ذبح الحمل وأكله... صـ 29"(4)

أخيرًا قرّر الكِبار أنّ الوقت قد حان لإرساله إلى "الكُتّاب" ليتعلّم قراءة القُرآن، لكنّه هرب من أمام باب "المطوّعة" إلى السّوق ليختطفه الجان وتبدأ رحلته العجيبة مع كائنات عيونها مشقوقة بالطّول، وأنوفهم تحتوي على 3 فتحات، وأرجلهم كأرجُل المعيز، وأظلافهم كأظلاف البقر، وعلى رأس الواحد منهم قرنان حادّان طويلان، لتنتهي مع "كريشان أبو كريشة" ملك القرامطة أصحاب ثورة الزّنج التاريخيّة، وقرر الانتقام من أبي شلاخ جزاء سلوكيّاته التي دفعت العبد الصغير إلى الانتحار بابتلاع العقارب، فحوّله إلى عبدٍ يخدم القرامطة على سطح مركبهم الشّراعي الضخم ليل نهار. واختار له لقب "أبو شلاّخ" من باب السخرية، إلى أن شاءت صُدفة أشبه بصُدف حكايات "ألف ليلةٍ وليلة" أن يتمكّن من الفرار والانتقام بمعونة سمكةٍ أنقذها ليكتشف أنّها إحدى بنات ملوك الجان!

*روح ألف ليلة بثوب مُعاصر:

ومع استغراقك بين الفصول الرّوائيّة يجذبك ذاك التّزاوج السّاحر بين روح الأدب العربيّ القديم والأدب المُعاصِر، فبينما تبدو لك روح ألف ليلة وليلة حاضرة بحضور الجان، والمواقف الغراميّة العجيبة، وإنشاد الشّعر النّبطي بين حدثٍ وآخر، وفي مُناسباتٍ لا يقبل بها السرد الحديث، إلى جانب الزّفرات الحرّى والدّموع القادمة من عالم "ألف ليلة" بأسلوبٍ مُتقن تمّ تفعيله بحذق ليكون مصدرًا للفُكاهة بعيدًا عن الفجاجة والتقليد والاستهلاك، إضافةً إلى إلباس شخصيّات محليّة اشتهر بها الموروث الشعبي السعودي ثوب عالم القص في ذاك العصر، ويبدو هذا جليًا في حديثه عن زُملائه في شركة (وكمارا) (5) الأمريكيّة التي بدأت لتوها أعمال التنقيب عن البترول في المنطقة الشرقيّة من السعوديّة خلال ذلك بدايات شبابه، وبعد ابتلاء أسرته بنكبة جنون البقر: " كُنتُ واقفًا في الطّابور أمام مكتب التوظيف في كمب 3 المخصص للحيوانات والمواطنين. وجدت في الطّابور 7 أشخاص من عمري أو يكبرونني قليلاً. بدأنا الحديث والتّعارُف، تبيّن أنّ أحدهم اسمه ركيضان لأنّه أسرع النّاس في الرّكض. واتّضح أنّ الثّاني اسمه دليلان لأنذه يقفو الأثر ويدل كل الطّرق، أمّا الثالث فاسمه ثويران وهو يعتز بهذا اللقب لأنّه مُشتق من قوّة الثّور لا من غباوته(6) وكان اسم الرّابع نحيتان، لأنّه كان أنحت النّاس....

- توفيق: ينحت تماثيل؟!

- أبو شلاّخ: لا، يا أخي أبو لمياء. ينحت يعني ينضل، يعني يحسد، يعني يحتّ الطّير الطّاير. أمّا الخامس، فكان اسمه طريبان لأنّه جميل الصوت يطرب النّاس غذا غنّى. وكان اسم السّادس طبيبان لأنّه نابغة في الطّب الشّعبي ورث أسراره أبًا عن جد. أمّا السّابع فكان اسمه ضحيكان لأنّه نكتي ومُهرّج لا يكف عن الضّحك والإضحاك. انتظرنا حتّى أدخلونا على الهندي المسؤول عن توظيف الحيوانات والمواطنين، فاستقبلنا بوجه مكفهر مغسول بمرق(7) وأخبرنا أنّ رئيس الشركة يودّ مُقابلتنا.. صـ 58" (8)

*الهنود.. بين السيادة والعبوديّة:

والإشارة إلى دور الهنود المقيمين في السعوديّة بأكثر من صفة تجاوزت الحديث عن "الهندي المسؤول عن توظيف الحيوانات والمواطنين" في شركة "وكمارا" الأمريكيّة إلى الطبّاخ الهندي "برشوتم" الذي رافق العمّال في مُغامرة مد خط "التابلاين" الصحراوي: " كان برشوتم الضحيّة الأولى لضحيكان. كل النكت العنصريّة السخيفة التي انتشرت، فيما بعد، عن الهنود كان مصدرها ضحيكان. النكت من نوع "واحد هندي نسي يتنفس مات"، أو "واحد هندي باع التلفزيون واشترى فيديو". حقيقة الأمر، يا أخي أبو لمياء، أنّ الهنود مُتقدّمون عن العربان بسنوات ضوئيّة. يكفي أنّ لديهم قنابل ذريّة. يكفي أنّ لديهم من المهندسين أضعاف ما لدى أمريكا. يكفي أنّ لديهم ديمقراطيّة ناجحة رغم وجود ألف لغة وألف ديانة وألف عشيرة. يكفي أنّ نصف حاجة العالم من الفنيين في مجال الكومبيوتر خلال العقد القادم ستُغطى من الهند، يكفي أن ....." .......... "تبيّن أنّ برشوتم، الذي كُنّا نظنّه أميًا مسكينًا، يحمل درجة الدكتوراه في الباراسيكولوجي من جامعة المهاريشي. كما تبيّن أن لديه مواهب روحيّة خارقة. لم نكتشف هذه المواهب إلا بعد أن لاحظنا أن ضحيكان كفّ عن إيذاء برشوتم بالنكت السّخيفة وأخذ يعامله باحترام شديد. تبيّن أن برشوتم نوّم ضحيكان مغناطيسيًا وغسل مخه وأزال منه النّزعة العنصريّة ضد الهنود، وإن كان أبقى النزعات العنصرية ضد بقيّة البشر على حالها... صـ 63-64"

ويبقى "برشوتم" رفيقًا لأبي شلاّخ، وشخصيّة تراوح مكانها على صفحات الرّواية إلى أن عُيّن كبيرًا للخُبراء في شركة "أم سبعة" التي صار أبو شلاخ رئيسها التنفيذي، والتي سُميت بهذا الاسم تيمّنًا بعين شهيرة في منطقة "الهفوف" السعوديّة. وعلى عادة الهنود في ابتكار الأفكار العجيبة، وتصوّرهم أنّ العقليّة العربيّة غير قادرة على التفكير، يكون لبرشوتم دورًا فاعلاً في ابتكار مشروع قادر على استقطاب أرباح هائلة للشركة " ذات يوم دخل عليّ الدّكتور هاري كريشنا برشوتم وهو في حالة حزن عميق. قل: " خير يا برشوتم؟! عسى أم العيال.." قاطعني: "أم العيال صحة بمب". قلت: "الحمد لله. أنت لِيسْ حزين شكل مال انت؟". قال: "أنت لازم كلّم معايْ عربي فصيح". قلت: "أبشر! مالك تبدو مُكتئبًا هذا الصّباح؟". قال: أنا كثير مشتاق ياكل جراد". قلت: "كل! من رادّك؟" قال: "أنت فكّر شويْ! جراد الحين كلّو مسموم. حشرات مبيدات. إنسان ياكل جراد إنسان روح مستشفى. يمكن إنسان موت". قلت: "صحيح. وما دخلي أنا؟" قال: "بابا! أنت فكّر شويْ! كُلْ ناس هني يحب جراد. كُل ناس!" قلت: "والزّبدة؟" قال: "زبدة شركة سوّي مزرعة جراد. نربّي جراد" قلت: حسبي الله عليك يا برشوتم! الناس تبيد الجراد وحنّا نربّيه؟!". قال:" اسمع، بابا! ربّي جراد كثير. سوّي جراد سمين. متروس بيض. بعدين بيع جراد. سوّي فلوس كثير" قلت: "والله انك جبتها، يا برشوتم. نربّي الجراد في البر ونبيعه". قال برشوتم: "لا!لا! في بر بدو شِمْ ريحة جراد. بدو هجم. بدو أكل جراد بلاش. لازم سوّي مزرعة بعيد... صـ 158"

*استغلال العقليّات الاستهلاكيّة:

وتستمر إمبراطوريّة أم سبعة التجاريّة في مشاريعها تحت شعار "غنى الأغنياء سببه غباء الفقراء" مُستغلّةً سذاجة النّاس وبساطة العقليّات المُستهلِكَة، وتحقق أرباحًا هائلة من مشاريع "مخنقة الجن العُظمى" و "العين المعدنيّة الفوسفوريّة" و "تأجير عين نحيتان الحسود على نوادي كُرة القدم لهزيمة الفرق المُنافسة" إلى جانب "متفلة الشفاء العاجل" التي كانت أكبر دليل على سذاجة جماهير المُستهلكين في السعوديّة والوطن العربي: "العامّة، يا أخي أبو لمياء، في كل مكان، يعتقدون أنّه إذا تفل رجل صالح في الماء وشرب منه مريض فإنّ المريض يشفى. والعامّة، في كل مكان، يشربون، باستمرار، مياهًا متفولاً فيها. الذي فعلته الشركة أنّها طوّرت الفكرة، وجعلت الماء صحيًا تمامًا. يقف رجُل أشيب وقور يحمل سيماء الصرح وسِمة الزهاد أمام خزّان مياه كبير ويتظاهر بالبصق فيه. لاحظ أنّي قلت يتظاهر ولكن الجموع المحتشدة لاتعرف أنه يتظاهر. الخزان مليء بالماء النقي الصّحي، ومن الخزان تنتقل المياه إلى مصنع تعبئة، حيث تُعبأ في زجاجات بلاستكيّة معقّمة. تُباع الزّجاجة، سعة نصف لتر، بـ 100 ريال... صـ 130"

*إسقاطات سياسيّة في قالب ممتع:

ويُلاحظ القارئ أنّ الإسقاطات السياسيّة والإجتماعيّة تحظى بمساحاتٍ ممتدّة على صفحات الرّواية، تبدأ بوصف ميوله الساديّ مع الحيوانات التي امتلكها في طفولته، وعلى رأسها الحمل الوديع، ثمّ الفرق في نظام السيطرة على تلاميذ "الكُتّاب" بين "المطوّعة موزة" المُتساهلة، و"الشيخ مشعاب"المستبد برأيه مُستعينًا بلشطات غصن رمّان منقوع في الخل والملح والزرنيخ على أجساد الأطفال الصّغار، وحكايات علاقته بمجموعة من الرؤساء في الوطن العربي وأمريكا وأوروبا وإسرائل وشرق آسيا، إلى جانب إشارة إلى علاقة الشعوب البسيطة بالثّورة من خلال حكاية حدثت له ولرفاقه أثناء عملهم في مد خط البترول الصحراوي لصالح شركة "وكمارا" الأمريكيّة: "ذات ليلة، وكان القمر بدرًا، كُنت على طعس من الطّعوس أنظم الشّعر، وإذا برجُل مُلثّم على ظهر بعيرٍ هائل يقترب منّي ويُحييني، قلت: "حيّاك الله، يا خوي. مَنْ أنت؟" قال: " أنا إنسان ثوري، ولا أستطيع الإفصاح عن هويّتي الحقيقيّة، ولكنّ أصدقائي يسمّونني البدوي المُلطّم الثّائر الغامض الليلي". قلت: "والنّعم! بس اسمك، يا خوي، طويل شوي!"، قال: "تستطيع أن تستعمل اسمي الحركي". قلت: "وما اسمك الحركي؟". قال: "بعير". قلت: "حيّاك الله، يا بعير. أي خدمة؟". تبيّن أنّ البدويّ المُلطّم الثّائر الغامض الليلي جاء يُحرّضنا على الإضراب عن الطّعام حتّى تستجيب (وكمارا) لمطالبنا. أوضحت له أننا لم نتقدّم بأي مطالب للشركة. أوضح بعير أن علينا أن نتقدّم بمطالب شأننا شأن أي طليعة عُمّالية في العالم. المهم، يا أبو لمياء، أنّه تمكّن من إقناعي، وتمكّنت من لإقناع الفريق. قررنا التقدّم بمطالب للشّركة، وقررنا أن نُضرب عن الطّعام حتى نموت جوعًا إذا لم تستجب الشركة لمطالبنا. كلّفني الزّملاء بإعداد خطاب المطالب والإنذار. أعددتُ رسالةً قُلتُ فيها: "إلى جناب المستر بانكر رئيس "وكمارا" المبجّل. من طرف حِنّا يا فريق "التابلاين" لدينا مطالب وحقوق مشروعة وعلى الشّركة تنفيذها فورًا، وإلا سوف نُضرب عن الطّعام حتّى نموت جوعًا. وهذه المطالب هي: أولاً- مُضاعفة رواتبنا 10 مرّات. ثانيًا- إسكاننا في منازل بريفاب مكندشة على امتداد خط "التابلاين". ثالثًا- إعطاؤنا قروضًا حسنة للزّواج وبناء السّكن. رابعًا- إلغاء كمب رقم 3 نهائيًا. ونحن في انتظار ردّكم السريع الإيجابي". عندما جاء الكنور في أوّل الشهر، كالمُعتاد، سلّمنا السائق الرّسالة ورجوناه أن يضعها، شخصيًا، في يد المستر بانكر. مرّت الأيّام ونحن ننتظر الجواب على أحرّ من الجمر. في مطلع الشهر التّالي وصل الكنور ومعه ردّ المستر بانكر. وقد جاء فيه بالحرف الواحد: "إلى السيد يعقوب بواسطة "تابلاين". مكتوبكم وصل والسرور حصل. من طرف مطالب بعدين "وكمارا". يسير فيه فلوس كتير كتير مطالب يسير تمام تمام. الحين فلوس كتير مافي، مطالب تحقيق صعب. من طرف إضراب عن أكل نِحنا في الأمريكا نسمّي هذا شيء ريجيم. هذا ريجيم تمام تمام. ينفع جسم إنتو ويسوّي توفير "وكمارا". سي يو ليتر!". قال ضحيكان واجمًا: "وش يقول هالبليّة؟" قلت: "أحر ما عندنا أبرد ما عنده. هالبليّة يقول إن مطالبنا بتحققها الشّركة لين تكثر فلوسها، أمّا الحين فتوكّلوا على الله واضربوا عن الأكل". عبثًا حاول برشوتم أن يثنينا عن عزمنا. قلنا له إنّ الطليعة العمّاليّة في كُلّ مكان سوف تقف معنا، وإن المظاهرات ستجتاح عواصم العالم الكبرى بمجرّد أن يشيع الخبر. قال برشوتم: "خبر كيف يشيع؟! نحنا وسط بر!". تجاهلنا مُلاحظته القيّمة ومضينا قُدمًا. بعد يومٍ من مُعاناة اللاهوب، قررنا أن نشرب الماء ونكتفي بالإضراب عن الطعام. بعد عدّة أيّام أثر فينا الجوع حتّى كدنا نفطس. لم يشع الخبر، ولم نسمع شيئًا عن الطلائع العمّاليّة، ولا عن مُظاهرات تجتاح العواصم. حتّى بعير لم يظهر لتقوية روحنا المعنويّة .... صـ 65-66-67"

هذه الرّواية التي استعرضت شطرًا كبيرًا من التاريخ العربي في صورةٍ تجمع بين الجديّة والسّخرية، تستحق عشرات الصفحات للكتابة عنها، مثلما تستحق أن يقرأها كل إنسان عربي ومواطن سعودي على وجه الخصوص، لأنّ سرّ الإبداع الكامن بين سطورها يوقظ في النفس وعيًا تعجز غيرها من الرّوايات عن إيقاظه.

                

(1) غازي عبد الرّحمن القصيبي: أبو شلاًخ البرّمائي، الطبعة السّادسة، المؤسسة العربيّة للدّراسات والنّشر2010م

(2) شاعر وأديب وسفير دبلوماسي ووزير سعودي (2 مارس 1940م- أغسطس 2010م)

(3) وهي مرحلة من أهم مراحل تاريخ مجتمع الخليج العربي التي أهملها الأدب بكُلّ أسف.

(4) يُمكننا أن نُلاحظ هُنا صورةً واضحة من علاقة الديكتاتوريّة بالشعوب المغلوبة على أمرها.

(5) إشارة إلى شركة (آرامكو) التي افتُتحت في السعوديّة وقتها.

(6) من الثّابت أنّ هُناك العديد من الأسماء التي على هذا النّسق في كثير من مناطق السعوديّة، لا سيّما البدويّة منها، بحيث تبدو العلاقة بين شكلها ومعناها غير متوقّعة!

(7) "مغسول بمرق" وصف سعودي مجازي للشخص ذي الوجه العابس أو المكفهر.

(8) الإشارة إلى الهندي المسؤول عن توظيف الحيوانات والمواطنين ذات دلالة تاريخيّة واجتماعيّة لا تخفى على الإنسان السعودي خصوصًا، لمعيشته وترعرعه بين حدود تلك البيئة.