الرمزية والمعادلة الجمالية في شعر رشيدة فقري

الرمزية والمعادلة الجمالية

في شعر رشيدة فقري

محمد داني

شاعر وناقد - المغرب

1- الرمز والمعادلة الجمالية:

   الرمز موقف جمالي تتبناه الشاعرة رشيدة فقري.. وقد تبدى هذا في بعض قصائدها.. وشاعرتنا تذكرنا بشعراء الرمزية الفرنسيين.. فهي ترى الجمال في الجمال، ولا تهدف منه إلا الجمال .. لذا هي تحلم بالقصيدة المعبرة، الصادقة الخالية من التزويق.. والصافية شعرا.. وصورة...

  إنه نوع من المطلق الذي تؤمن به.. ونوع من المثالية المترسخة في ذاتها وفكرها..لونت بها بعض شعرها... وهنا نجد رشيدة فقري تتوافق مع كثير من شعراء العربية المحدثين ... ولذا هي تؤمن بمبدإ الشعرللشعر... تطابقا مع مقولة : الفن للفن.

 إنها تحس بأنها في واقع منحط dans un réel décadent، تغيرت فيه الكثير من القيم، وأصابته الكثير من التفسخات... والتبديلات... ولذا تلجأ أحيانا إلى الرمز للعثور فيه على الجمال...وليثور ضمنيا على هذا التفسخ والانحطاط الموجود..

 إنها تبحث عن المثالي.. ومن ثمة جاءت مجموعتها الشعرية( إكسير الروح)، غنية بالإشارات إلى الوفاء، والإخلاص، والعلاقة الإنسانية المتينة، والتعاطف، والمحبة، والحب... وكلها عندها معادلة للجمالي...

 والرمز هو:"موضوع يشير إلى موضوع آخر، لكن فيه ما يؤهله لأن يتطلب الانتباه إليه لذاته، كشيء معروض"..

 والرمز الموظف في شعر رشيدة فقري، يمتاز بسمات، هي: الإيحائية،والانفعالية، والتخييل، والحسية، والسياقية. أي أن الرمز الذي توظفه له دلالته الخاصة، والتي تتوافق مع نفسيتها وأفكارها، ورؤاها، وتصورها الشعري...

  أي إنها توظف رمزا لا يخلو من شعور متضمن للانفعال...مجازيته تنتج حقيقة... وهي تجسد المواقف، والحالات، والأفكار.. مرتبط بسياق القصيدة العام.. وهذا كله يحقق في شعرها نوعا من الجمالية والفنية.

  هذا الرمز شكل الصورة الشعرية عند الشاعرة رشيدة فقري.. وأصبح جزءا منها.. فأصبح رمز (الأعراش)، و(المساء) حاملا لكثير من الصور التي ابتدعتها.. تقول في قصيدتها(مدينتي)، والتي تقو فيها:مدينتي

العالقة في القلب

ها

قد أحاط بك المساء

الممر الهادئ لبحرك

الممر الساكن لشوارعك

الممر الساكن إلى هوانك

ها قد أحاط بك المساء

المنتشي بذكرى الأحبة

بذكرى أشياء هاجرتني

فتقاذفتني الأنواء

والضحك...

حتى البكاء

لا شفاء

من هواك

مدينتي

لا شفاء

  غنها في ندائها لمدينة الدار البيضاء، المدينة العالقة في دواخلها،والتي تجد في نفسها علاقة متينة تربطها بها..وتجد في هذا الحب رمزا يجعلها ترى في ك شيء رمزا يشعل حبها لهذه المدينة...ترى في مدينتها مظاهر الحزن والفقر والمأساة ورغم ذلك يستمر هذا الحب، وتستمر هذه العلاقة...فترمز لمآسي المدينة بالمساء، وما يحب به المساء من أسرار ، ومآسي، وسواد.. وما يخفيه من خبايا وأسرار..كما ترمز بالشوارع والممرات إلى حالة الشتات التي عليها نفسها وداخلها...

  إنه في قصيدتها ترمز إلى الحالة النفسية التي عليها ، وهو تسترجع صور مدينتها التي تشبه صور دواخلها.....

  وأمام غضب هذا المتيمة بحبه، وصده، لا تجد في التعبير عما تحس أمام هذه التقلبات النفسية، والمزاجية غير أن تستعير بالرمز للتعبير عن حالتها... تقول في مقطع من قصيدتها(رسالة مجهولة)، والتي تقول فيه:تزاحمني فيك

كل اللغات التي

أمتلكها

لا تساوي كلمة.. تغص في حلقي

كل اللغات

عقيمة

ولغتك خصبة سيدي

توزع الحياة في عروشي

بلدي

قلبك .. الوطن الفسيح

سيدي سلاما زكيا

ولا تسألني

عن اختياري

فأنا الوالهة

بين

دفء صدرك

ونار.. بعدك

فنجد توظيفا مجموعة من الرموز ولو أنها في الواقع استعارات، وكنايات...فتوظف رمز (اللغات- الحياة- عروش-الوطن- دفء الصدر- نار البعد)...وهي رموز كلها تستخدمها لتبين حالتها التي هي في لحظة عشق وحب وحنين...فترمز لقلبه بالوطن، لتبين شساعته، وسماحته. كما ترمز بالحياة عن الحب الذي يستشعره القلب، والسعادة التي تغمرها لحظة تيقنها بمحبة من تحب، وتواصله معها...وترمز بالدفء للمحبة التي تغمر الجسد، والقلق واليأس الذي تحسه عندما تشعر منه صدا وهجرانا...

  إنها تستعمل كل هذه الرموز لتعبر عن ذاتها الشاعرة..وتعبر عن نفسها الولهانة...وترمز إلى نفسها كذات، وكإنسان يعاني حالة اضطرابية نتج عنها الأرق، والسهد...جراء الحنين والشوق العارم لمن تحب ( الحبيب، والوطن والمدينة)..

  لقد كانت الشاعرة واعية بأهمية الرمز في شعرها.. ولذا لم تعمل على مراكمته بصورة فجة.. حتى لا تفقد نصوصها الشعرية بريقها.. ولذلك كانت الجمالية حاضرة في كل خطوة تخطوها....

 وترمز للحبيب بالقلب،فتسائله كيف جانب الصوابا...وكيف أنها طرقت بابه لكنه استمر في صده وتجاهله لها...والذي لم يلن لا لدمع، ولا لجرح، ولا لسهاد...ولذا وجدت في هذا الحب وهذا الغرام موتا، وتوجعا...وحزنا وعذابا...لذا نجدها تقول في قصيدتها(يا لقلبي):

يا لقلبي كيف جانبت الصوابا

وطرقت الباب لكن ما استجابا

تلعق الجرح الذي سالت دماه

فسقت قلبي المعنى والترابا

تطلب الوصل بجفن عز دمعا

فغدت أحلامه الحيرى سرابا

لم تكن دنيا غرامي غير موت

صامت يسقيك حزنا وعذابا

إيه يا قلبي مهلا كيف ترضى

ظلم من أحببت قد ذبنا انتحابا

فترقب غيثنا ما دمت تظمى

قطرة تكفيك من شوق جوابا

 والرمز اعتمدت فيه الشاعرة على النداء(يا لقلبي) ، والذي تريد منه إخبار الكل عن مدى المحبة التي تكنها لمن تحب. وهذا يبين أن هذا الإعلان الجهري، المعتمد على النداء.. يأتي من ذاكرة ماضية، تشكل فيها القرب والبعد.. إنها لحظات مضت.. تستجليها في الحاضر، لتواسي بها نفسا حزينة في موقف ذكرى وتذكر....

وبالتالي توالت في مقام التذكر والاستحضار أفعال الماضييا= جانبت- طرقت- استجاب- سالت- سقت- غدت- ذبنا)...

  وهذه الأفعال الماضية تباينها أفعال حاضرة.. تبين اللحظة .. والحالة التي نتجت عن هذا التذكر وهذا الاستحضار...(تلعق- تطلب- لم تكن- يسقيك- ترضى- ترقب- تظمى- تكفيك)...

 هكذا نرى أنه عندنا لوحتان متقابلتان:

 - اللوحة الأولى: فيها معاينة ، واختيار، واقتناع، وتحويل ، وتصيير لإزالة أسباب متعددة.

 - اللوحة الثانية:فيها خلود إلى النفس.. تذكر ماض... استرجاعه... عيش لحظاته في واقع... حسرة.

  كلا الحالتين يجمعهما السياق الخبري، وهذا يطبع قصيدتها الشعرية (يا لقلبي) ، وكثيرا من شعرها... ولو أنها ي

  تركض أحيانا نحو سياق الإنشاء، ولكنه باقتضاب، وخفوت...

 وكلا اللوحتين ، منبعثتين من نفس الذات الشاعرة.... ومرتبطتين بها أيما ارتباط.. لذا جاء الرمز مكملا للجمالية التي تبحث عنها الشاعرة، ومكملا للمعاني التي ترومها، وترسلها إلى المتلقي عبر رسائلها الشعرية، وصورها الفنية.