في قواعد اللهجة الفلسطينية(1)

د. محمد عقل

[email protected]

اللهجة الفلسطينية من أجمل اللهجات العربية وأعذبها وأبسطها وأقربها إلى القلوب، واللهجة المحكية هي عنوان البلد فمثلاً عندما تسمع شخصًا يتكلم تتعرف عليه وإلى أي بلد أو مدينة ينتمي من خلال اللهجة، ورغم وجود اختلافات بين هذه المحكيات إلا أن بينها قواسم مشتركة كثيرة. تمتاز اللهجة الفلسطينية بمرونتها وقدرتها على استيعاب الجديد، ولها قواعدها من نحو وصرف، وهي تعتمد في مفرداتها وقواعدها على اللغة العربية الفصحى، كما اعترتها مؤثرات النحت والقلب والإبدال والاختزال والتصحيف والدخيل كما اعترى لغة الأم. وفيما يلي عدد من مظاهرها وقواعدها:

1)القُطْعَة(النقصان):

 القُطْعَة هي نقصان في حروف الكلمة الأصلية، كقولهم: (جاج) في دجاج، و(بَصَّة النار) أي بَصْوتها وهي جمرتها فانقصوا وضَعَّفوا، و(بُبُّو العين) أي بؤبؤها وهو إنسانها أو سوادها، و(عطوني) لأعطوني، و(التم) لالتأم، و(اللي) أي الذي، و(مَرْت فلان) أي امرأته، و(هُون) أي هنا، ونهار (الحد) للأحد، و(فَزَّ) من قفز، و(السَّبَل) للسنبل، شكوش للشاكوش و(طقسس) عن الخبر أي فحص من (تَقَسَّس) الخبر، أو من تقصّاه. ويقطع أهل فلسطين آخر بعض الألفاظ كقولهم: (تَعَا) أي تَعَالَ،  و(تَعِي) أي تَعَالي، و(نص) أي نِصْف، و(هيك) أي هكذا، ويسمى ذلك في اللغة قُطْعَة طيئ لأن هذه القبيلة التزمتها في لهجتها، وكذا تفعل قبيلة شمر التي تسكن اليوم أرض طيئ إذ لا تكاد تنطق بالأصوات التالية إذا وقفت في آخر الكلمات وهي: (ل، م، ن، ت، ي، ر)، وكانت طيئ تسكن في نجد وهي يمنية الأصل، ولهجة اليمن الحديثة تحذف الأصوات ( م، ن، ل) إذا وقعت متطرفة وتلك سمات مشتركة بين طيئ وبين موطنها الأصلي، وفي جبل لبنان في قرية نيعا الشوق يقولون (أبو حسا) في (أبو حسن)، وفي فلسطين يقولون (هسه) أو (إسه) أي هذه الساعة، و(ما عرفتش) أي ما عرفت شيء، وفي اللاذقية بسورية يحذف دائماً آخر حرف في الجملة أو الكلمة إذا كانت مفردة مثال: (واح) في (واحد)، ومن الجدير بالذكر أن قسماً من طيئ سكن سوريا منذ العصر الأموي، كما رحلت إليها في فترات لاحقة قبائل من شمر.

2)الزيادة:

 الزيادة هي أن يزاد على الكلمة حرف، أو أكثر وذلك من لهجات العرب، مثل قولهم إيد لليد، إشي للشيء، مراية للمرآة، حرباية للحرباء، مصفاية للمصفاة، ومعوكر للمعكر، وبلاه من كلمة (بَلْه) بمعنى أترك ودع، أو هي مركبة من الباء و(لا) النافية فتكون بمعنى (بدونه)، وإمْبلى في بلى حرف الجواب، والعامود للعمود، والدويري لطائر الدوري؛ وتتم الزيادة بإشباع الحركة في صيغ الأمر من الأجوف بينما تقضى قاعدة اللغة الفصحى بقصرها كقولهم: بِيعْ، رُوحْ، عِيدْ، قُومْ، بدلاً من : بِعْ، رُحْ، أَعِدْ، وقُمْ. كما تتم الزيادة، أحياناً، للتكثير بتكرار حرفين مثل جرجر(فعلل) بدلاً من جر(فَعَّل)، وكذلك غزغز من غز بمعنى وخز، رشرش من رش، قصقص من قص، شقشق من شق، فكفك من فك. وقد تجتمع الزيادة والإبدال كقولهم: (لو طَرْبَأت) السما عَ الأرض أي لو طبقت؛ وفي الخليل يقولون (إنتسو) بدلاً من إنتو.

3)الإمالة:

 كانت الإمالة لغة أهل نجد عامة من تميم وقيس وأسد، وتسمى بالتضجع، أو الإضجاع والكسر، وهي تقريب الألف نحو الياء والفتحة التي قبلها نحو الكسرة، وهدفها تقريب الأصوات بعضها من بعض لضرب من التشاكل، وقد برزت هذه الظاهرة اللغوية في بعض قراءات القرآن الكريم مثال في سورة البلد آية 12: " وما أدراك ما العقبة" وفي قراءة أخرى: "وما أدريك ما العقبة" بإمالة الألف نحو الياء. على مر العصور نزلت في بلاد الشام قبائل نجدية كثيرة. يقول شكيب أرسلان: "وتحار عندما ترى أن جميع الشام تقريباً تلفظ الإمالة". يقول الدمشقي (العِشِي) ويقصد العِشَاء، و(هْنِيك) ويقصد هناك حيث لفظ ياء بدلاً من الألف وكسر ما قبلها، وهي إمالة واضحة، وهناك مثل شامي مشهور:"علمناهن الشحيدة سبقونا ع باب الدار" و(الشحِيدة) أصلها هو الشحادة أي أنهم أمالوا الألف بحيث لفظوها أقرب إلى الياء، وفي أماكن متفرقة من فلسطين يقولون (سيعة) بدلاً من ساعة، وإمبيرح بدلاً من إمبارح، ومليان بدلاً من ملآن، وهونيك بدلاً من هُناك. في بعض الأحيان يُميل الفلسطينيون التاء المربوطة حيث يلفظونها بين الألف والياء، كقولهم: طاولي بدلاً من طاولة، حلوي بدلاً من حلوة، وزغيري بدلاً من صغيرة، ولكنهم يقولون بطيخة وسيارة بدون إمالة. وأحيانًا تجتمع القطعة والإمالة فنقول: هيك أي هكذا. ولعل أبرز السمات التي تميز لهجة مدينة الخليل وضواحيها صفة المد والمط، وهو ما يُعرف في علم الأصوات الحديث(صفة التطويل).