لغة الأدب بين الجودة والركاكة

لغة الأدب بين الجودة والركاكة...

حسن محمد نجيب صهيوني

[email protected]

في مستهل حديثي السابق، في مقالتي السابقة، عن مصير اللغة العربية وجهالة أبنائنا بها وبمفرداتها جاءني رد على تلكم المقالة، وكان فحواه أن لا أتعب نفسي في البحث عن أسباب ضياع العربية بين شباب اليوم بالحكم الساقط أنها لم تعد تتماشى أو توائم العصر الحديث الذي ما فتئ يزجينا من التقدم التكنولوجي والاجتماعي بالكم والنوع الذي عجرت اللغة العربية عن الإحاطة به أو -على الأقل- مواكبته في كل الصُعُد الاجتماعية والسياسية .... إلخ.

شأني وشأن مرسل الرد على مقالتي كحال من سألته عن مدى حضور لغة القرآن الضادية في ذهنه فأجاب بقوله:

ما كنت أدري ما الجواب وربما              سكت اللجيم كأنه لا يعلم !!

كان الأزرى بذاك الشخص-أصلح الله أمره- لو انضم تحت لواء المحافظين على لغتهم مثل الحفاظ على مظهره وصُلبه، كيف لا ولغة الضاد هي قِوام هُويته وأساس شخصيته التي يعرف بها كل عربي، ولغة الناس هويتهم بين الأمم.

فقلة دراية الفكر العربي بلغته وأدبه أعجزه عن الوصول إلى فهم معانيها واجتثاث كُنهها، تاركاً بذلك لغته الأصيلة هروباً منها إلى شرذمة من بعض المفردات المبتدعة والمبهمة حروفها في رسائل الأجهزة الخلوية ورسائل البريد الالكتروني التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من واقعنا الحاضر الأليم.

العيب ليس في قصور لغتنا عن الوصول إلى أفواهنا وعقولنا، ولكن كل العيب في حضور معشر من الكُتّاب المُزيَّفين تحت رديء كتاباتهم وبعض الشعراء المستشعرين بكلمات ليس للشعر فيها صلة غير تقوّلهم عبثاً بأنها رمز للشعر الحديث الذي جُرِّد فيه الشعر من كل ضروبه وقوافيه. فبتنا نقحمهم في أذهاننا طلباً ليسير المعنى تاركين وراءنا مجداً معتّقاً بصرح اللغة العربية وشموخها، حتى آل بنا سوء المآل أن نزج بالأدب الغربي محل الأدب العربي الأصيل لنقحم أدب أفلاطون وأرسطو وشكسبير ومن شايعهم عوضاً عن أدب الزمخشري والغزالي والسيوطي وغيرهم من الأدباء والشعراء العرب الذين لا تلدهم العربية مرتين.  

ولو سألنا كل من شغفوا بمطالعة الأدب الغربي على حساب الأدب العربي- وأخشى أن يظن قارئ مقالتي هذه ببغضي للأدب الغربي، على العكس، أنا أشجع على مطالعة أدبهم ولكن ليس على حساب لغتنا وثقافتنا أو إحلاله محلها- لكان الجواب بأن إحجامهم عن مطالعة الأدب العربي هو نوعية المعروض من الكتابة، أي جودة قلم الكاتب وجودة الكتابة ذاتها، فأصبح الكاتب أو الشاعر المعاصر ليس إلا شخصاً مهمشاً في مجتمعه يعتور كتاباته أو قصائده قصور الفهم بمفردات لغته وحسن السبك وجودة المعنى ليصبح ما كتب أو نظم ركيكاً بائناً كل البين عن الجودة والإبداع الأدبي. فلا يعدو أولئك المتنمقون بما خطت أياديهم وما حملوه لنا من كتابات وما ساء حالهم من قصور في الإبداع والبلاغة عن كونهم كقول القائل:

كالعيس في البداء يقتلها الظما                    والماء فوق ظهورها محمول

فامتناعنا عن مطالعة الأدب المعاصر هو افتقادنا إلى جودة الكتابة التي تقودنا بالتالي إلى العثور على الكاتب الجيد الذي لا يحتاج لفرض نفسه باسمه وشخصه وإنما بنوعية إبداعه وجودة قلمه وإنشائه في جميل الكلام الذي يتغلغل إلى قلبك فيفعل فيه كالسحر ما يشاء.

فهلا أعطينا لأدبنا الذي يصنع من قوة الحرف وقوة الكلمة المعجزات ما يستحقه من الاهتمام والحرية ليعيد بذلك للكلمة قيمتها وحقها؟.

وإنه لعَمري، مما يضفي على كبار الأدباء السابقين الذين عرفناهم وقرأنا لهم القوة الأدبية والبَلَغة التي كانوا عليها، ونأمل أن نعيد تلك البلغة لأمتنا التي يعيث فيها قصور الإنشاء واضمحلال الجودة عن مؤداها، وما ذلك علينا- بإذن الله- بعزيز.