كُتاب عشرينيات القرن الماضى والعبث بثقافة الأمة!!

[ثقافة الأمة هي دينها ودينها هو أمنها]

العلامة محمود محمد شاكر

تسألنى ما بال حديقتنا!؟

وأنا أسأل ما بالك تسأل!؟

ربما يجد القارئ الإجابة على السؤال فى الصفحات التالية.

قبل أن نلقى باللوم على ظاهرة التفسخ وإلانفلات التى سادت المجتمع العربى والإسلامى بصفه عامه، لا بد من الرجوع إلى الأسباب الرئيسيه التى أدت إلى تفشى مثل هذة الظاهرة اللعينه فى مجتمعاتنا والتى تؤذن بالخراب.

وبلا مواربه، إستطاع معظم كُتاب عشرينيات القرن الماضى أن يسدد لمنظومه القيم الإسلاميه العليا ضربات متتاليه شديدة القوة فأهتزت المنظومة فى العقول والنفوس وعلاها الصدأ بعد أن تكاثرت عليها السهام.

إنه الجيل الذى ظهر أوائل القرن الماضى.

أوائل العشرينات والذى عاد أغلبه من بعثات مختلفة فى الدول الأوربية.

وقد نوّم إبليس معظم الذين ذهبوا فقد عادوا بغير الوجه الذى ذهبوا به ما عدا قله قليله جداً يأتى فى مقدمتها العلامه الشيخ محمد عبد الله دراز الذى كتب رسالته باللغة الفرنسية بعنوان (دستور الأخلاق فى القرآن).

نعم عاد الذين ذهبوا إلى أوربه بغير الوجه الذى ذهبوا به! ومنهم الدكتور طه حسين الذى عاد بالوجه الذى أعد له لقد فتح الغزو الفرنسى لمصر بوابه التغريب تحت راية التجديد والبحث!! حتى وصل الأمر إلى تجديد اللغه العربيه ذاتها وعنها نتحدث اليوم بصفه خاصة ونستعرض (نصوص بعض المذكرات والمناقشات التى دارت حول هذا الموضوع وما إتخذ من قرارات فى مؤتمر المجمع لسنه 1944)

والمجمع المقصود هو مجمع اللغه العربيه بالقاهره حالياً وتحت إسم (تيسير الكتابه العربية) وضع كتاب يضم

أ- مقترح: إتخاذ الحروف اللاتينيه بالكتابه العربيه قدمه عبد العزيز فهمى.

ب- مقترح: تيسير الكتابه العربيه قدمه على الجارم

ويقول عبد العزيز فهمى فى بدايه كلمته:

1- لاشك عندى أن حضرات المستشرقين، من بريطانيين وفرنسيين وإيطاليين وألمان وأمريكيين، يعجبون منا نحن الضعاف الذين يطأطئون كواهلهم، أمام تمثال اللغه، لحمل أوزار ألف وخمسمائة سنة مضت. إنهم رجال عظماء انقطعوا للعلم والبحث فى اللغات الشرقية القديمة، بائدها وقائمها، لا لأنهم يريدون أن يستعملون لغتنا العربية أو غيرها من تلك اللغات الشرقية فيما بينهم، أو اتخاذها وسيلة للتفاهم بين أقوامهم، بل لأنهم فى الحقيقة مؤرخون، مهمتهم النبش فى الحفريات اللغوية القديمة، فهم ينبشون آثار الفراعنة لتعرف لغتهم الهيروجليفية، وينبشون آثار الأشوريين والكلدانيين واليمنيين، كيما يعثرو على نص منقوش فى الحجارة، يستدلون منه على لغة كل قوم. ثم هم يقارنون ويضاهئون، كيما يخرجوا من المقارنة ومضاهأة القديم بالقديم، وتطبيق القديم والحاضر بعضهما على بعض، بنتيجة يقررونها تفيد الناس العلم بماضى كل لغة وما طرأ عليها من التطور حتى وصلت إلى أهلها فى عهدهم الحاضر، كما تفيد غالباً العلم بما طرأ على كل أمة من ناحية رقى حضارتها وتدهورها. وللمستشرقين لذة خاصة فى هذا النبش والبحث والاستقصاء. لكن عملهم هذا شئ وإمساك أية لغة بخناق أهلها دهراً طويلاً شئ أخر.

2- كلنا أصبح يعلم علماً ضرورياً، أن اللغه كائن كالكائنات الحية، ينمو ويهرم ويموت، مخلفاً من بعده ذرية لغوية متشعبة الأفراد هى أيضاً فى تطور مستمر. ولم يستطع قوم للأن أن يغالبوا هذه الظاهرة الطبيعية، فإن التطور يكبح شراسة من غالبة.

كان قدماء المصريين أعز أمة، فذهبت ريحهم وذ   هبت معهم لغتهم، وربما خلفها فى اللغة القبطية – التى ماتت هى الأخرى إلا فى بطون الأوراق – لهجة بعيدة عنها بعدا شاسعاً، ولم يستطع أحد من سلالة المصريين القدماء أن يخلد لغة هؤلاء الأجداد.

وكانت اليونانية القديمة لغة شعر وحكمة، فلما اشتد التبلبل فى ألسنة أهلها اضطروا على الرغم منهم أن يتخذوا من عاميتهم لهجة جعلوا لها قواعد نحو وصرف، وهى التى يتكلمونها ويكتبون بها اليوم.

وكانت اللاتينية لغة الإمبراطورية الرومانية، فأتى عليها التطور، فاشتقت منها الإيطالية والفرنسية والأسبانية وغيرها، وأصبح لكل لغة منها قواعدها الخاصة.

وقل مثل هذا عن الألمانية القديمة وما تفرع منها.

3- وكل لغة من تلك اللغات الذرارى هى كل يوم فى تطور. غير أن العلماء يراقبون هذا التطور ويجارون الناس على ما آلت إليه اللغة فى بيئتهم، حتى يوحدوا بين لغة الكلام ولغة الكتابة جهد الإستطاعة.

4- لكن حال اللغة العربية حال غريبة، بل أغرب من الغريبة، لأنها مع سريان التطور فى مفاصلها وتحتيتها فى عدة بلاد من أسية وإفريقية إلى لهجات لا يعلم عددها إلا الله، لم يدر بخلد أية سلطة فى أيى بلد من تلك البلاد المنفصلة سياسياً أن يجعل من لهجة أهله لغة قائمة بذاتها، لها نحوها وصرفها، وتكون هي المستعملة في الكلام الملفوظ، وفى الكتابة معا، تيسيراً على الناس، كما فعل الفرنسيون والإيطاليون والأسبان، أو كما فعل اليونان. لم يعالج إى بلد هذا التيسير، وبقى أهل اللغة العربية من  أتعس خلق الله فى الحياة.

5- إن أهل اللعة العربية مستكرهون على أن تكون العربية الفصحى هى لغة الكتابة عند الجميع، وأن يجعلوا على قلوبهم أكنة وفى آذانهم وقراً، وأن يردعوا عقولهم عن التأثر بقانون التطور الحتمى الآخذ مجراه بالضرورة – رغم أنوفهم – فى لهجات الجماهير، تلك اللهجات التى تتفرع فروعاً لا حد لها  ولا حصر، والتى تتسع كل يوم مسافة الخلف بينها وبين الفصيحة جدّة  جدّاتها اتساعاً بعيداً.

هذا الاستكراه الذى يوجب على الناس تعلم العربية الفصحى كما تصبح قرائتهم وكتابتهم، هو فى ذاته محنة حائقة بأهل العربية. إنه طغيان وبغى، لأنه تكليف للناس بما فوق طاقتهم.

ولقد كنا نصبر هذه المحنة لو تلك العربية الفصحى كانت سهلة المنال كبعض اللغات الأجنبية الحية، لكن تناولها من أشق ما يكون، وكلنا مؤمن بهذا، ولكن الذكرى تنفع المؤمنين. إنتهى كلام عبد العزيز فهمى والذى يقرأ كلام الرجل والذى تتضح ديانته من أسمه لايملكه الا أن يتعجب من:

1-      خلو كلمته من بسم الله الرحمن الرحيم أو مجرد ذكر الله تعاظم وارتفع أو ذكر كتابه أو ذكر رسوله صل الله عليه وسلم

2-      تمجيد ووصف لا يليق بالمستعمر وأعوانه من المستشرقين الذي وصفهم بالعظماء!!

3-      سب للعربيه وإن تناولها أشق ما يكون ويصف أهلها بأنهم أتعس خلق الله!

4-      ويختم بقوله (ألا إنى أحب العربيه حباً جماً)!

وكانت ردود الأعضاء (بأختصار شديد):

‌أ)       المستشرف "جب" (اللغه العربيه مصابه بعله لا شفاء منها وهذا الأدب العقيم التى تنعكس فيه أشعه من حضاره غابره ذهبت ولن تعود) ص44

‌ب) عباس العقاد (.. ولكننا نعارض الإقتراح لأنه لم يعدل بنا إلى خير من طريقنا ونشكر المقترح الجليل لإنه ولا ريب قد أتى بقصارى الحجج التى تخطر على بال فى تعزيز إقتراحه، فإذا عز عليه بعد هذا أن يقنع مخالفيه فقد بطل الكلام وقطعت جهيزه قول كل خطيب) ص49

‌ج)   رد على الجارم (فنحن لا نخيب ظن معاليه مننا ونبادر إلى عدم الموافقه عليه) ص56

‌د)     رد عبد القادر المغربى (فالمشرع غير قابل للتنفيذ ونحن على ما نحن عليه) ص57.

‌ه)  رد محمد كرد على (لغه حرسها القرآن لا يخش عليها البوار) ص62

‌و)    رد أحمد إبراهيم (صرف النظر فهى لا تقبل شكلاً فلا ينظر إليها موضوعاً) ص64.

‌ز)    رد حسن القاياتى (ماذا لم يكن قراء العربيه يحسنون النطق بالصواب فلن يضر ذلك بالعربيه) ص64.

‌ح)   رد فارس نمر (والذى لا شك فيه أن طريقه الحروف الإفرنجية أيسر و أسرع وأكثر إقتصادا من مختلف الوجهات ولا سيما الطباعة) ص64

‌ط)   رد حسين عبد الوهاب (إذا كانت الكتابه العربيه دلت وأفصحت عن أصوات لغات ولهجات أجنبيه كثيره ومتعدده الأصول فى مختلف العصور فكيف يتصور أنها غير كافيه أو قاصره) ص66

‌ي)  رد منصور فهمى (أن رسم الحروف لم يكن من الأسباب فى تأخر أهل البلاد العربيه) ص68

ومن أغرب الاقوال قول أحمد أمين:

"ونحن متفقون على أن القسم الأول صحيح فالكتابه العربيه صعبة مربكة" ص79.

وإنتهى المؤتمر بتوصيه طه حسين الآتيه:    (ص 80)   

" يطبع كل ما قيل حول تيسير الكتابة في هذا المؤتمر، ويذاع باطرق المعروفة، فيرسل إلى الهيئات المختصة ، وينشر على الجمهور وتتلقى لجنة الأصول ما يرد إليها من ملاحظات، وتعرض تقريرها على المؤتمر المقبل. ويطلب إلى الحكومة أن تضع جائزة مقدارها ألف جنيه لأحسن أقتراح في تيسير الكتابة العربية ، على ألا يكون لأعضاء المؤتمر الحق في دخول المسابقة"

فوافق حضرات الأعضاء على هذا لقرار.

والغريب أن الأستاذ عباس العقاد يرفض المقترح والدكتور طه حسين يطلب نشره على الجمهور؟!

رحم الله مولانا وسيدنا محمد الغزالي الذي قال إننا نظلم العقاد حين نقارنه بطه حسين!! الجمهور يناقش تيسير كتابة اللغة العربية! لغة القرآن الكريم!! ماذا نقول عن الدكتور طه حسين سلامه؟! وإذا لم يكن للعقاد إلا هذه الحسنة فهي في نظرنا تضعه على القمة.

هذا عن المقترح الأول!

وقد أبدينا ملاحظتنا على كلام عبد العزيز فهمى سابقاً والآن نبدى ملاحظتنا على الردود التى قدمها أعضاء المؤتمر على كلمة عبد العزيز فهمى لنرى من معه ومن ضده.

-      أقوى المؤيدين (فارس نمر) المعروف بكراهيته للاسلام أصلاً ومعه أ. جب المستشرق البغيض.

-      والباقى جميعهم رفض الإقتراح.

-      ولم يذكر منهم أنها لغه القرآن، إلا محمد على كرد، على المغربى وجب ذكره على إستحياء!

والشاهد أن القضيه لم تكن صعوبة الكتابة ولكنها كراهية العقيدة ومحاولة هدمها من الداخل ووضعها فى إطار بعيد عن التناول لتنتهى غير أن الأمر أى أمر اللغه محفوظ لأنها لغه القرآن الكريم الذى هو محفوظ بحفظ الله (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) قرأن كريم

والسؤال ما علاقه جب وفارس نمر بهذا الأمر!؟

أما عن المقترح الثانى فتقدم به على الجارم فهذه صورة من الأصل في صفحات (81 ، 82 ، 83 ، 84) من الكتاب المذكور سابقاً.

clip_image002_c3d24.jpg

clip_image004_2c5ab.jpg

clip_image006_16287.jpg

clip_image008_c071c.jpg

وكانت الردود:

رد عبد العزيز فهمى (وعلى الرغم من معارضتى لمشروع الأستاذ الجارم فانى أعده بإنى لن أناقش فيه ولن أتكلم إلا إذا عرض مشروعى) ص85 إبراهيم حمروش (مشروع كثير الاستثناءات) ص104 مره أخرى عبد العزيز فهمى (لا أراه وافياً تماماً) ص105 تعقيب الجارم (لم أرد من الاستثناء إلا التفادى من الإكثار..) ص105 . رد أنطون الجميل (إن تبقى الكتابه العربيه على شكلها وإن نأخذ القواعد الإسلامية)، ص110. رد عباس العقاد: (لا أوافق على أى طريقه إلا إذا كانت أسهل وأسرع من الطريقه الحاضره) ص11 رد أحمد إبراهيم: (الطريقه الجارميه لا تفيد)  ص85

وإلى مناقشة بعض الأعضاء وننقل بإختصار رأيهم:

محمد حسين هيكل: (الموضوع فى مجموعه ليس ميسور التحقيق.) منصور فهمى: (ما يقترحه هيكل متمشى مع نظام المجمع)! أحمد أمين: (أرى أن يبدى المجمع حين يطبق هذا المشروع ميل إلى تأييده أو الإعتراض عليه) انطون الجميل: (ما دام الطبوع هو المشروع فسيفهم الجمهور إتجاه أعضاء المجمع) مصطفى عبد الرازق: (أقترح تشكيل لجنه دائمه)!! محمد حسين هيكل: (يطبع المشروع وينشر فى كل البلاد العربيه ويتلقى المجمع الرد وينظر فى الموضوع على ضوء ذلك) فوافق الأعضاء على صيغه القرار

وتم طبع الكتاب فى يوم 25 من ذى الحجه 1365 (الموافق 19/11/1946) بالمطابع الأميرية بالقاهره بإسم (تيسير الكتابه العربيه (113 ورقه)). من مجمع فؤاد الأول للغة العربية. إنتهى.

والحقيقه أننا أمام قضيه تزيف كبرى لعقيده الأمه عن طريق هدم لغتها لغه كتابها بعقد المؤتمر الذى سبق الإشارة إليه وبه (نخبة) من رجال الثقافه والأدب على رأسهم طه حسين والعقاد وأحمد أمين والسؤال لماذا أ. جب وفارس نمر؟ هل يهمه أمر اللغه!؟ لا أعتقد!

لقد أوجع العقاد الجميع بكلمته وهى من حسناته الكبرى وأيضاً أوجعهم الأستاذ محمد على كرد والشيخ المغربى.

مصيبتنا كبيره في كتاب عشرينيات القرن الماضى!! أنهم سبب كل ما نحن فيه من بلاء وترّهل ثقافى عام بهجومهم الحاد على منظومه قيمنا ولغتنا وخصائص حضارتنا خاصه من خلال تمجيدهم لأدب اللا معقول والعبث واللاإرادية ولحظات الهبوط الإنسانى بدعوى الواقعيه والواقعيه الجديده والكلام الذى هو أفرغ من الفراغ!

ومما يلفت الانتباه فى هذا الموضوع قيام عبد العزيز فهمى بالدور الرئيسى فيه وكأنه قد كلف سابقاً بحل قضيه اللغه العربيه ولتيسر كتابتها ونطقها من قبل أمه كبيرة أسمها الأمه الإسلاميه أنزل الله تعاظم وأرتفع كتابه بها فحفظها بحفظه لكتابه.

فماذا كان يريد عبد العزيز فهمى !؟ الإجابه لا تسر مطلقاً بعد أن تراة يسخر من لغة القرآن فى مقدمه كلمته ويمجد اللغات العقيمة من إنجليزيه وأسبانيه وفرنسيه ويمجد أهلها ويعظم كتابها ويصفهم بأوصاف هم أبعد ما يكونون عنها!!

أنه عبد العزيز فهمى!! ومعه طه حسين وهيكل وانطون الجيل ومنصور فهمى وكل ما ذكرناهم عدا العقاد ومحمد كرد فقد وقفا ضد مزاعمهم بكل قوه.

أنهم من كتاب جيل عشرينات القرن الماضى الذى أفسد الثقافة واللغه والأدب وكل مظاهر الحياه الإجتماعيه بكل قوه حباً فى التبعيه والقابليه الشديده للإستعمار بكل صوره. ماذا نقول عن كتاب العشرينيات القرن الماضى!؟ الجيل الذى أفسد ما بعده وحرق الأخضر واليابس وحولنا إلى أرض جرداء لازرع فيها ولا ماء جيل أنتج عاهات (أدبيه) فى الروايه والمسرح والقصه القصيره والشعر وكل ألوان الفنون والإجتماع والفلسفه!! لقد إهتزت منظومه القيم الإسلاميه فى عقول ونفوس الناس وانكسر العمود الفقري لها وتحولت الأمه من أمه إلى شعب ومن شعب إلى جماهير ومن جماهير إلى غوغاء وقد لاحظناها فى أبهى صوره عام 1967!! لقد بكى الناس لغياب الزعيم واعلانه التنحى وطالبوه بالعوده لاستكمال المسيرة!!

هذا هو جيل العشرينيات ونتائج جيل العشرينيات!!

فهل نحن جيل بلا أساتذه؟

لا والله نحن جيل لنا أساتذه كبارهم قادتنا ولكن تم الردم عليهم من أمثال العلامة عبد العزيز عيسى ، والعلامة محمود محمد شاكر والعلامة الطاهر بن عاشور والعلامة محمد الصادق عرجون والعلامة محمد عبد الله دراز والعلامة محمد أبو زهرة رحمهم الله رحمة واسعة وغيرهم ومن حملوا فقههم وفكرهم من الأحياء،  وهم من الجيل التى تربى على العقيده الخاليه من الشوائب والإنحرفات والضلالات أخذها من مصدرها القرآني والسنه النبويه الشريفه واعمال الخلفاء الراشدين المهدين ولم يأخذها من سارتر ونيتشه ودوركيم، ودارون، وماركس، وكل الذين ذكرهم (سلامه موسى) فى كتابه (هؤلاء علمونى) وكذا (لويس عوض فى ديوانه البذئ (قصائد من بلوتولاند)!! القضية متشابكة ومعقدة وتحتاج إلى تفصيل طويل لا نقدر عليه الآن ونحن على بعد خطوتين من السبعين!!

ثقافة الأمة هي دينها ودينها هو أمنها وقد استطاع جيل العشرينيات أن ينال من ثقافة الأمة بتغيب وعيها حين قدم لها (العاهات) كنماذج صالحة وكان ما كان من سقوط عظيم في كافة المجالات ولا يخفى على القارئ الحصيف أن فضيحة معظم جيل العشرينيات واضحة كل الوضوح. إنهم باعوا خصائص أمتهم! بل وسخروا منها، بل وأنزلوها منازل التحقير والتهوين.

ويمكن الرجوع إلى ما قاله (ميخائيل نعيمه) عن الشعر الجاهلي .. انظر كتاب: (المرايا المقعرة) للدكتور النابه عبد العزيز حموده، لتعرف ماذا فعل جيل العشرينيات الذي ينتمى إليه (نعيمة) الذي يمجده البعض في بلادنا الإسلامية! وأنظر إلى ما ذكره عبد العزيز حموده أيضاً عن (جبران) وإلحاده وجهله أزمة ثقافية متراكمة تسبب فيها جيل العشرينيات الذي عبد (دارون) وعبد نظرياته التي أتلفت العقول، وعبد (فرويد) و (دوركايم) .. إنه جيل العشرينيات !!

الجيل الذي كان على رأسه (عباس العقاد) واقرأ ما قاله في كتابه (الله ـ كتاب في نشأة العقيدة الإلهية) ط 6 دار المعارف 1969 مصر. "ترقى الإنسان في العبادات كما ترقى في العلوم والصناعات" ص 13 من فصل أصل العقيدة من الكتاب المذكور.

هل هناك بلوى أكبر من هذه البلوى؟ أعتقد أنها تكاد تهدم العقاد! وتعددت طبعات الكتاب ووزع في أنحاء الوطن العربي .. إنه من نسج الفيلسوف الأشهر عباس العقاد كما جاء على ظهر الكتاب!! إنها لوثة الإنبهار بالغرب وكتابه وإعتبارهم منارات الهدى!! وما تعلمناه  أن الدين عقيدة وشريعة. عقيدة التوحيد التي تعنى أنه لا إله إلا الله بداية يوم أن خلق الله السماوات والأرض فأين التعدد كما يزعم الأستاذ العقاد أو الترقي أو التطور كما يقول؟ رحم الله عباس العقاد الذي دافع عن لغة القرآن بحسم وقوة.

الشريعة هى ما شرعه الله لعباده تدريجياً من الدين مثل الصلاة والصوم والحج وإنما سمي شريعة لأنه يقصد ويلجأ إليه (الموسوعة الإسلامية ص 808 / المجلس الأعلى للشئون الإسلامية) ولا أعتقد أن الأستاذ عباس العقاد كانت تفوته مثل هذه الأمور ولكنه الإنبهار بما قدمه (دارون)!! ويستمر العناد فنرى غيره وغيره ممن أشتهر بين الناس بلقب (مفكر) وهو زكى نجيب محمود يكتب كتابه الخطير بعنوان (خرافة الميتافيزيقا) أي خرافة الغيب لأن كلمة (ميتافيزيقا) تعنى ما وراء الطبيعة، فيقول لنا إن ما لم نشاهده فهو خرافة!! هكذا تربت الأمة على إنكار عالم الغيب وإكتفت بعالم الشهادة طبقاً لما قاله (المفكر) زكي نجيب محمود فأنتج لنا الدكتور حسن حنفي والدكتور مراد وهبه وغيرهم. ثم عاد في أواخر حياته ليعلن أنه لم يقرأ في التراث إلا سنوات معدودة لا تؤهله للحكم عليه وهذا على أساس أنه وضع الدين الذي أنزله رب العالمين ضمن التراث!! إنه (المفكر) زكي نجيب محمود !! خيبة أمل منقطعة النظير.

إنبهار أدى إلى الذوبان كما ترى أيها القاريء الكريم. أمه مصابة بالترَّهل الفكري نتيجة ما حدث لها من محاولات تذويب المفاهيم العقدية وإبعاد الدين عن حكم الحياة والذي قام به كتاب عشرينيات القرن الماضي بكل قسوة وسددوا للدين ضربات قاصمة ولكن للدين رب يحميه فقام العلماء الكبار وصدوا السيل الجارف من الزيف والأباطيل ولا يزال الباطل يعمل كما أن الحق له بالمرصاد.

إن (الدولة) العبرية التي يحاول يهود العالم والعالم المتصهين إقامتها على أرضنا المحتلة في فلسطين، لا يستطيع واحد منها أن يهزأ بمنظومة قيمها وهي أصلاً مجموعة من الأساطير والأباطيل كما قال الأستاذ روجيه جارودي في كتابه (الأساطير المؤسسة للصهيونية) وهو كتاب هام صدر عن دار الشروق بالقاهرة، لا يستطيع صهيوني أو متصهين أن يتفوه بكلمة أو إشارة ضد منظومة قيمها أما أبطالنا الأشاوس من كتاب عشرينيات القرن الماضي فعلوا ما فعلوا بمنظومة القيم الإسلامية العليا وجاء من بعدهم من أكملوا الدور فكتب نجيب محفوظ، وإدريس، والشرقاوي ، وإحسان ، وعاشور ، ولويس عوض، وغالى شكري، وآل الشاروني ، والسعداوي ، وحسن حنفى، والخراط ، وغيرهم وفعلوا ما فعلوا بمنظومة القيم العليا واستطاعوا بمساعدة الإعلام العابر للقارات أن يكسروا بعض مفرداتها وأن يهيلوا التراب على معظمها حتى باتت مستغربة عند الناس فهجروها وزين لهم الأبالسة (القيم البديلة)!!

إنه الواقع المؤسف ولا برهان على واقع.

لقد أوضح الأستاذ الدكتور فوزى محمد طايل في كتابه (ثقافتنا في إطار النظام العالمي الجديد) كيف تم إعادة صياغة ثقافة الأمة على غير عقيدتها وغرس مفاهيم الإشتراكية والقومية غيرها من الأباطيل في قلوب ونفوس الناس بواسطة وسائل الإعلام ودور النشر مثل فرانكلين ودار الشرق الأولى لتوزيع كتب الغرب والأخرى لتوزيع كتب الشرق!!!

وروج لكتب ماوستونج ولينين وماركس وأدلر وفرويد ونيتشه وكانت تباع بقروش زهيده للغاية مع أنها في غاية الأناقة والجمال ليتهافت الناس عليها وحدث وشاهدنا الطوابير أمام مكتبة الشرق قرب ميدان التحرير بالقاهرة تأخذ الهدايا الثمينة مع كتب (لينين) حتى أوصى الكاتب (عبد الرحمن الخميسي) بدفنه في موسكو وحدث !!! لقد تم إعادة تشكيل ثقافة الأمة على غير عقيدتها وحلت الإنطباعات المضللة محل الحقائق لذا أنكسرت منظومات القيم وعلاها الصدأ ويستلزم تجليتها بعد إصلاحها ليسنى قيام الأمة الكبيرة من رقدتها التي طالت بفعل الأبالسة من معظم كتاب عشرينيات القرن الماضي ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

مرفقات:

-      صورة من كلمة المستشرق هـ. أ. ر. جب التى ألقاها على مسامع نخبة من أهل الثقافة والأدب أطلق عليهم كتاب البعث زوراً وبهتاناً!!

-      صورة وجهة الكتاب الذي اسمه تيسير الكتابة العربية!!

clip_image010_d8192.jpg

clip_image012_c52b5.jpg

clip_image014_0c2e4.jpg

وسوم: العدد 647