المرأة في القصة الإسلامية والتغريبية، اجتماعياً

المقدمة

بعد أن اتصلت أمتنا العربية والإسلامية بالغرب، وتأثرت بما قدمه لها من معطيات ثقافية كانت جذور معظمها نابعة من الوثنية اليونانية الإغريقية، بدأت تفقد ثقتها بهويتها العربية والإسلامية وحضارتهما المجيدة، وأخذت تتبنى الفكر الغربي، وعملت الحداثة والفكر التغريبي على هدم الدين والأخلاق، واتخذت من الأدب عامة ومن الروايات خاصة سبيلها إلى ذلك .

وفكّر الأديب والناقد الإسلاميان في واقع هذا الأدب فرأيا أن من حق الملايين المسلمة أن تأخذ بمذهب أدبي يعبر عن نظرتها إلى الله والإنسان والحياة، وأن يخط لها أدب يتخذ وسيلة لنشر دعوتها في الآفاق، وإلا فإن النفوس الظامئة إلى الكلمة ستبحث عن بديل،قد يفسد فطرتها ويقوّض أخلاقها([2]) .

وكانت القصة إحدى وسائل التعبير والتنوير والتكوين، بها تتغلغل الفكرة إلى الألباب من خلال حوادث رحبة تؤديها شخصيات يتباين أسلوب حياتها .

وتعد الرواية إسلامية إن عبرت عن الكون والإنسان والحياة من وجهة نظر إسلامية بحيث تدور مع الإسلام حيث دار، مهما كان موضوعها خيرا أم شريرا إذ ليست العبرة بالموضوع ولكن بطريقة تداوله .

1-  المرأة في القصة الإسلامية اجتماعيا:

موضوع المرأة في القصة الإسلامية يكشف عن واقعها في إيجابياته وسلبياته، وإن كنت أرى أن القصة القصيرة كانت أقدر في التعبير عن هذا المجال، إلا أن د. نجيب الكيلاني قدم لنا في رواياته صفحات مشرقة وإن تخللها بعض الغبش أحيانا .

وقد بدا موقف الروايات الإسلامية من المرأة في حياتها الاجتماعية في التعبير عنها زوجة وعضوا نافعة في الحياة .

أ-في الحياة الزوجية :

وبدت هذه المهمات والأدوار من خلال اختيار الكاتب القصصي لها زوجة ملتزمة بالإسلام لتكون شريكة العمر ومربية الأولاد، أو بعيدة عن منهج الله فتلقى العذاب الأليم، كما تعرضت للزواج من الأجنبيات .

1ً-فانطلاقا من مبدأ " فاظفر بذات الدين تربت يداك " اختار عبد الله " إريان سابقا" في رواية "الرجل الذي آمن" لنجيب الكيلاني قرينته لينشئ بها أسرة إسلامية قوية الروابط متينة الأواصر، يهتم كل فرد منها بالحفاظ على دينه، والإشراف على شؤون الأسرة وتربية الأولاد، وكانت زوجته السورية قد التزمت بالحجاب الإسلامي وبسلوكيات المرأة المؤمنة، وقد رفض الاقتران بـ ( شمس ) الراقصة على الرغم من أنه كان يحبها من قبل ويتمنى لو تزوجها، وقد قاسمته زوجه الودود هموم العيش وأعانته في دعوته لأنها كانت تدرك شمولية الإسلام كما أدركها هو .

وفي رواية حوض الموت لسليمان القوابعة نراه يقول إن العلاقة التي تنشأ بين الزوجين تكون أدوم وأبقى، أما خيالات المراهقة فلا تصمد أمام قسوة الحياة([4]) " مشيرا بذلك إلى نضاله، وكان من المعارضة في بلده، وقد أدت هذه الضغوط النفسية عليه إلى اصطدامه مع زوجته وخسران ابنه وهجران منزله، ثم صمم أن يعود إلى بلاده لأن زوجنه تفتقد رقة الشرق وحساسيته([6]) " . ولما تركت هذا العمل وعملت في شركة أخرى نظر إليها مدير الشركة ثم سألها لم لا تتزوجين؟ ثم لامست يده يدها فقالت له في احتقار: " ليس كل الطير يؤكل لحمه" وخرجت وهي تحتقر الذئب النهم([8]).

2- المرأة في القصة التغريبية في :

القصة التغريبية هي نمط من التعبير يلجأ إليه كل أديب تنكر للقيم والمثل التي تعارفت عليها الأديان، ودعا إلى التغيير بمثل وأخلاق تتنكر للماضي وقيمه([10])" وكأنها بذلك تردد ماقاله مجمع باكون عن المرأة النصرانية لاالمسلمة، لكنها أوهمت القراء أن تطور المرأة مرهون بتحريرها، أو كما زعمت بتخليها عن حجابها وسيرها في طريق الغرب الذي راحت تدعو إليه هي وأمثالها للقضاء على الهوية الإسلامية وثوابتها([12]) .

وفي الرواية نفسها يطالعنا الكاتب بشخصية الفتى اللقيط وقد كبر في الصحراء، وفيها رأى أنثى تنتظر الاستسقاء فيملأ لها، فتعود إليه بصحبة رجل ضرير يتوكأ على عصا ليخطب وده ويزوجه ابنته، ويروح الكاتب بعد ذلك يصف لقاءهما، وقد تأثر بقصة موسى وابنتي شعيب، ولكن شتان بين العرضين  والهدفين، فالقرآن الكريم عرض الحياء والعفة([14]) " !!..

إن على الأديب أن يجرد قلمه لشحن النفوس بالأنفة والعزة، وأن ينفرها من الرذيلة والمنكر ويرفعها لتتعالى على الشهوات، لا أن يهبط بها بتحليل الخبائث، والتنديد بالطيبات، واتهام الأديان وتشويه النصوص المقدسة، وتقديس الفجور، ومن يفعل ذلك يشير إلى سوء طويته، وإلى سعيه لنشر الفحشاء والمنكر، وإرساء الفجور واقتلاع الفضيلة بأسلوب قصصي مهين .

2ً-الخيانة الزوجية :

جاء في بروتوكولات حكماء صهيون : " يجب علينا أن نعمل على انهيار الأخلاق في كل مكان فتسهل سيطرتنا على العالم . إن فرويد منا وسيظل يعري الإنسان ويعرض علاقاته الجنسية في ضور الشمس حتى لايبقى في نظر الشباب شيء مقدس، ويصبح هم النساء والرجال إرواء الغريزة الجنسية ...وحينئذ تنهار الأخلاق([16]) ". فالخمار، وهو فريضة شرعية جعلته ككتابة قصيدة، فكلاهما برأيها قديم يجب الثورة عليه .

وقد ورد في الروايات المتغربة ترداد لهذه المعاني، ففي"عائد إلى القدس" يصور الكاتب شابا خليجيا - واختياره هذا فيه مافيه أيضا- يولم للمسؤولين الأمريكيين وليمة من أجل شراء الأسلحة –بزعمه- ويدعو إليها ممثلات هوليود، ويتعاون مع الصهاينة، وترقص زوجته الخليجية معه ... ثم تركب الحصان وعلى رأسها قبعة، ويقودها سائسها .. ولا يكتفي الروائي بهذا بل يجعل الخليجي وزوجته ينتقدان الحجاب، ويتمنيان أن يتغير المجتمع ليزول تأثيره، وليتخلص الشعب من الكبت الذي يعاني منه. وقد بدت مظاهر التحرر بزعمه في احتساء المخدرات عند الرجال والنساء، كما جعل المرأة الخليجية تقول لزوجها : " لماذا يحق لي أن أرافقك هنا في نزهة على الخيل ولا يسمح لي في بلادنا؟ فيجيبها بأن التقاليد لاتسمح بذلك، ثم يطمئنها لأن البلاد تسير في طريق التغير([18]) .

ولكن بثينة خضر مكي الكاتبة الحداثية اعترفت على لسان شخصيتها  في قصتها " صهيل النهر " بأن التعدد خير من التفلت، وذلك بعد أن عانت هذه الشخصية في غربتها ماعانت، وكانت رجاء قد هجرت السودان بعد أن تزوج عليها زوجها رغبة في الولد، وعاشت في جنيف وحدها فتعرضت للذل والمخاطر ولا سيما من بائعي المخدرات، وودت لو بقيت سيدة بيتها وقالت : " هأنذا، يالسخرية الأقدار وعبثها، امرأة كهلة هاجرت من بلدها بعد أن تخطى عمرها حدود مغامرات الشباب، واستقر بها المقام في جنيف، غير أنني أذهب يوميا للعمل في أحد المطاعم الشهيرة بفرنسا " وتمنت لو جاءها رجل يخلصها من هذا الواقع المهين، غسل الصحون وكاسات الخمور في المطاعم والملاهي ومواخير المدن الأوربية الفاجرة، ثم تقول : " أسائل نفسي في حيرة : أيهما أجمل مياه البحيرة الصافية الرائقة أم موج النهر الهادر بجنونه وعذوبته وحلاوة مياهه ؟ ثم تندد بأهالي بلدها الذين لم يخطر في بال أحدهم أن يتكفل بأعباء معيشتها، ولكن الزواج على حد قولها مسؤولية وهم لايكاد طعامهم يكفيهم([20] " ويقصد بذلك الزواج من مزون .ولست أدري كيف أجاز الكاتب لنفسه أن يندد بالنظام الإسلامي القائم مع أن هذا النظام لا يتسلط في الزواج على المرأة ولكن الناس يظلمون، وقد أعمى الجهل قلب الكاتب فاتخذ من القصة وسيلة للطعن لأن القصة تتغلغل في القلوب والعقول وتستقر في ثنايا التفكير كما ذكر عبد الرزاق ديار بكرلي([22]) .

وفي " ثنائية " مجبل بن شهوان " للكاتب نفسه يسمي الزواج الشرعي رضوخا وتخاذلا من المرأة، ويستنكر ألا ترفع صوتها أمام بعلها، وأن تشمله بدعائها، وأن تغسل قدميه بالماء الساخن وتدغدغ حواسه بكلمات الانصياع والطاعة، وتحوم فراشةً مطيعة أو هرةً ناعمة[24]) .

ويتعاطف عيسى بُلّاطة في عائد إلى القدس مع وداد هنداوي، ويبرر علاقتها مع فؤاد سرحان بحجة انشغال زوجها عنها، ويصف بعلها مع عشيقته كاثي الأمريكية في سهرات راقصة وفي الفندق، ويقول وهو يصحو فيراها إلى جواره إنها : " ترقد رقدة ملائكية مطمئنة " ويسبح معها ويلتحمان جسدا، ثم يقول " إنها امرأة فاضلة وهي صديقة مكرمة([26]) " .

إنه لاضير على الأديب أن يصور المنكر على أنه لحظة من لحظات الضعف الإنساني إن كان تقديمه باعتدال ، وقدوتنا في ذلك القرآن الكريم والحديث الشريف، أما أن يصور في هيئة ماجنة ويسمى بأسماء مدحية ويطلق عليه اسم البطولة التي تستحق التمجيد الذي " يصقل الذهن والفكر ويكنس القلب من قذارة الزمن([28]) " ، أو أن يصور لمجرد التصوير دون أن يخدم غرضا إلا غرضا متكلفا بيِّن التكلف والحشو كما جرى بين إمباوا الابن وجثة خالته([30])، وكأن الحرية والتطور باتا لازمين للفسوق، وهذا هوس الكتاب المتغربين، مع أن بعض هؤلاء كتوفيق الحكيم اعترفوا بأن الأدب الذي يقود قارئه إلى الانحلال والإعجاب بالرذيلة والانحدار إنما هو أدب هدام، لأن المجتمع يمكن أن تسري فيه العدوى عن طريق الأدب، ويقول جويو الناقد الغربي : " إن الفن العالي ليس الذي يثير في النفس أحر المشاعر وأعنفها فحسب، وإنما هو ذلك الذي يثير فينا أكرم المشاعر وأنبلها([32]) "، وهذه العبارة بتنا نسمعها من الحداثيين والمتغربين اتهاما منهم لذوات الحجاب  لرميهن بالنقص أو بالفُجْر .

وهذا الكاتب ينتقد الرابطة الزوجية المقدسة بقوله في قصته ثنائية مجبل بن شهوان ساخراً : " لماذا لايكون الحب في صدور بعضهن عظيما إلا إن أخذ صكوك الامتياز([34]) " وكأنه بذلك يردد قول الحداثي كمال أبو ديب: " إن الخطيئة هي رمز التجدد، وانفجار الحياة، والقدرة على الموت، وابتعاث الحياة([36]) " .   

وحيدر حيدر في روايته وليمة لأعشاب البحر لا يقل عن سلفه إثما وفجورا ودعوة إلى الرذيلة، وقد اطلعت على ماكتبه في جريدة الخليج فرأيت مجونا وانحرافا، ويكفي أن أورد له واحدة جاءت على لسان إحدى شخصياته وتدعى فُلّة بو عناب لمهيار الباهلي : " لأول مرة أتعرى، هم كانوا يعرونني، رشيد الفلسطيني مزق سروالي ... اكتشف الله في جسد فُلة بو عناب العاهرة المقدسة ([38]) .

وفي روايته عصر الحب جعل " عزت " ينحرف مع " سيدة " ويجبر على الاقتران بها، ثم يفتح مسرحا ليليا، وكان يحب فتاة تدعى "بدرية " فرت مع زميله في الحارة، ثم صارت بطلة مسرحه، ثم صاحبة ملهى، ويعلق د. عودة الله القيسي على هذه السلوكيات فيقول : " إن هذه الأعمال الأخيرة لنجيب محفوظ تمثل رثاء للحياة ورثاء لهؤلاء الناس الذين تمضي الأيام تتلعب بهم([40]، فأين لنا اليوم مثل هذا الرشيد المصلح الذي يحمد عمله في الأرض والسماء .

د-شقاء المرأة في القصة التغريبية :

إن المرأة التي تعيش على القلق والشك وتجري وراء المتع والملذات لابد أن تحس بالشقاء نتيجة تناوش الأيدي لها والألسن، ثم رميها كما ترمى المخلفات، وقد صورت لنا بثينة خضر مكي في روايتها أغنية النار معاناة امرأة تعرفت على عادل الشاب السوداني الذي زار شركتها في أديس أبابا، وراح يتأمل مفاتنها التي تكشفت عنها ثيابها، ثم خرجا إلى النزهة معا وعادت معه إلى الفندق وشربا الخمرة، ثم ارتدت ثياب النوم.. ثم لازمته وأغرقته باتصالاتها، ولما عاد إلى بلاده لحقته وكان يعشقها بجنون، وإن كان لا يثق بتصرفاتها، ولذلك صار يغلق عليها باب الشقة، فعدّت ذلك سجنا لها، ثم تنمرت وخيرته بين الزواج أو الفضيحة، فاختار الأول وهو غير راض عن تصرفه لأنه لا يريد مثلها أما لأولاده، ولذلك راح يضربها ويشتمها، ثم طلقها بعد أن أنجبت له طفلة، فعادت إلى ديارها بعيدة عن ابنتها، ثم أصيبت بالسرطان، ورجت أسرة عادل أن ترى ابنتها ولو في المستشفى، وماتت وهي تتحسر على رؤيها(

[2] ) في النقد الأدبي –ظلام م202 ، وأصول النقد الأدبي /205 .

[4] ) طفل  الـCNN / 99

[6] رأس الشيطان / 206

[8] ) في النقد التطبيقي /11، ومجلة الأدب الإسلامي م10 ع37 س 1424هـ 2003م : لقاء العدد في حوار الدبلوماسي اليمني الشاعر د. عبد الولي الشميري ، بعنوان الأدب الإسلامي جاء ردا على موجة التغريب العاتية / 21 .

[10] ) محاضرات في نظرية الرواية / 7 ، وينظر للرد عليها في كتاب شبهات حول الإسلام / 106 -111، إذ يعرض أوضاع المرأة الغربية ومآسيها في المجتمع الصناعي ، ويقارن بينها وبين ماقدمه الإسلام للمرأة من حقوق قبل مئات السنين .

[12] ) ثنائية الروح والحجر التمثال / 38 - 47

[14][14] ) ثنائية الروح / 358 ، والنقط حذف لفحش لا أرى ضرورة لذكره .

[16] )مجلة الفتح ع 22 -23 س1423هـ : الحداثةالغربية : أبرز الملامح الفكرية للحداثة : العلمنة والإلحاد ، د. وليد قصاب ص 40 .

[18] ) الاعتراف / 60

[20] ) مزون / 42

[22] ) الاعتراف / 74 و 141

[24] ) شاهندة / 77 ، 84 ، 61 ...

[26] ) نفسه / 78

[28] ) الموج والصخر / 37 -38

[30] ) مجلة الصدى الكويتية 2000م ص 147، وسواء برئت بعد أم لم تبرأ فإن الاستنكار باق من الشعب المؤمن الذي لايرضى بغير الطهارة والعفة للأجيال .

[32] ) تل الصنم / 109

[34] )تل الصنم / 78 – 80 والكاتب بنزعته الحداثية يجعل من المرأة وسيلة لبث أفكاره الداعرة باسم الرمز، وكان يستطيع أن يتقي الفجور في رمزه كما فعل كثير من الأدباء حين جعلوا المرأة رمزا في قصائدهم الشعرية .

[36] ) ثنائية مجبل بن شهوان / 108-109 ، 432، وفي هذه القصة وصف الكاتب الفجور في إحدى وثلاثين مرة بشكل فاضح تشمئز النفوس الصالحة منه ، فضلا عن الألفاظ المتناثرة والصور العابرة هنا وهناك .

[38] ) تجارب في النقد الأدبي التطبيقي / 109

[40] ) مجلة الأدب الإسلامي س2 ع5  س1995م ظاهرة الأدب المكشوف في كتب التراث : د. محمد رجب البيومي /32

[41] )  مر في هذا البحث حديث عن شقاء المرأة رجاء في غربتها من خلال قصة صهيل النهر، ينظر في هذا البحث ص 11 . كما مر شقاء وداد هنداوي في قصة عائد إلى القدس، ينظر البحث ص 9 

وسوم: العدد649