الداعية الأديب الشيخ محمد المجذوب :حياته وشعره

clip_image001_7d858.jpg

(1327 ـ 1420هـ = 1907 ـ 1999م) 

أحد روّاد الأدب الإسلامي، مفكّر إسلامي، أديب موهوب، صاحب أسلوب دقيق ورشيق، شاعر مبدع من أصحاب الدواوين الشعريّة الراقية .

ولد في مدينة طرطوس بالساحل السوري، نشأ عصاميّاً مؤمناً بقيم الإسلام، عكف منذ صباه على كتب الأدب والتراث، فقرأ كثيراً من النصوص الأدبيّة، وحفظ العديد من القصائد، والمقطوعات الشعريّة الراقية، وأتقن علوم اللغة، وكانت له موهبة فطريّة صقلتها القراءة، وسعة الإطلاع، حتى ملك ناصية القول نظماً ونثراً، وعدّ في طليعة أدباء سوريّة وبلغائها، ثم انتقل إلى اللاذقية وبها تفتّحت عبقريّته، واشتغل مدرّساً للغة العربيّة في ثانويّاتها، وكان يرى أن التعليم هو مهمة الأنبياء، وهي أشق المهن وأسعدها، ويقول: إن المعلم الصالح هو الركيزة الأساسيّة في بناء المجتمع، فما لم يع هذه الحقيقة ويبذل كل إمكانيّاته لتحقيق واجبه في تكوين الأجيال السليمة، فلا سبيل إلى أي أمل في مستقبل أفضل . وفي معرض حديثه عن الجانب التربوي والتأليفي ينقل الأستاذ أنور الجندي في كتابه القيّم (مصابيح العصر والتراث) قول العلاّمة المجذوب: أعتقد أنّني أسهمت خلال عملي في التعليم والنشر، ولله الحمد في إبراز المعالم الإسلاميّة، سواء في أذهان الأجيال التي شاركت في تعليمها، وهي الآن منتشرة في مختلف أرجاء الوطن الإسلامي من أقصى الفليبين إلى أقصى حدود تركيا، أو في أذهان القرّاء الذين أشعر من خلال رسائلهم أنهم يحبّون أن يقرؤوا ما أقدّم لهم من أعمال فكريّة وأدبيّة وكان صوته مدوّياً فوق منابر الوطنيّة والقوميّة والإسلام، وداعية محبة ووئام وتسامح بين أبناء الوطن، وكان له حديث أسبوعي كل ثلاثاء في مركز (جماعة الإخوان المسلمين) التي ترأسها فترة طويلة بمدينة اللاذقية حتى بداية عهد الوحدة، عندما حلّت الجماعات والأحزاب السوريّة نفسها، كشرط من شروط الوحدة مع مصر عام 1958. وهاجر إلى المدينة المنوّرة، وأقام بجانب المسجد النبوي، على صاحبه أفضل الصلاة والسلام، وعمل في الجامعة الإسلاميّة، وقام بتكليف من الجامعة بجولات شملت الهند، وباكستان، وتركيا، وغيرها . امتاز أسلوبه بالجزالة، والفخامة، وانتقاء الألفاظ، مع روعة الأداء والتعبير، وفي نطاق الأدب تحدّث عنه شوقي عبد الحليم حمادة أستاذ الأدب والنقد بجامعة الأزهر فقال: هو الأديب النابه، والقاصّ البارع، والشاعر العملاق، والخطيب المفوّه، والكاتب الموهوب . تتميّز آثاره في مختلف حقول المعرفة بأنّها دائماً حديث القلب إلى القلب، لأنّها من قلم مجاهد يصدع بكلمة الحق، ولا تأخذه في الله لومة لائم، فهو لذلك مرتاح الضمير مطمئن القلب .

مولده ونشأته:

ولـد عام 1907م بمـدينة (طـرطوس) إحـدى محـافظتي الساحـل السوري، فـي بيت متـدين يعمل في التجـارة، وله صـلة بعلـوم الدين والعربية.

ونشأ في كنف والده التاجر العالم الوجيه الحاج مصطفى المجذوب الذي توفي وولده محمد في سن الطفولة، ومع ذلك شعر بالمسؤولية نحو والدته وأفراد عائلته منذ نعومة أظفاره، فنشأ نشأة عصامية، وتزوج في سن مبكرة ، ورزق عشرة من الأبناء والبنات .

دراسته وثقافته :

تلقى دراسته الأولية في الكتّاب، ثم في مدارس الدولة العثمانية، ثم على الشيوخ ومنهم عمه الشيخ عبد الله المجذوب شيخ طرطوس وعالمها.. وإمام وخطيب ومدرس جامع الساحة الكبير فيها.

جهاده ضد الفرنسيين :

سقطت سورية بيد الفرنسيين عام 1920م ، فانضم محمد المجذوب لركب المقاومين ، وشارك في النضال ضد الفرنسيين، وتعرض للسجن والمطاردة والاضطهاد مع إخوانه المناضلين.

 وتعاون مع إخوانه المجاهدين، وأجج نيران الغضب ضد الغاصبين، وتابع مقاومة العدو بالقلم واللسان والبندقية، وحضر المؤتمر الوطني الكبير 1936 حيث أضربت سورية ستين يوماً حتى حصلت على استقلالها بموجب معاهدة 1936 مع فرنسا، لكن ما لبثت أن ندمت، فألقتها وعادت إلى أسلوب الحكم المباشر. 

جهوده في التعليم والتدريس :

وفي سنة 1936م، بدأ عمله في سلك التعليم في سورية، ثم هاجر إلى المدينة المنورة سنة 1383هـ، وعمل مدرساً بالجامعة الإسلامية إلى نهاية سنة 1403هـ، التي تقاعد فيها، وبقي بالسعودية.

نشاطه العلمي والأدبي:

بدأ نشاطه العلمي والأدبي وهو دون العشرين من عمره، وقد نظم قصيدة وطنية نشرتها له إحدى الصحف المحلية، ثم أتبع ذلك بإصدار رسالة يرد فيها على دعاة النصرانية بعنوان: (فضائح المبشرين)، ثم توالى إنتاجه العلمي والأدبي والدعوي حتى بلغت مؤلفاته قرابة الخمسين مؤلفاً، تنطلق معظمها من الرؤية الإسلامية، وتعكس أحداث عصره في سورية وعلى مستوى العالم الإسلامي، وكان من أول الداعين إلى الأدب الإسلامي من خلال مقالاته وبحوثه في مجلة (حضارة الإسلام) ثم جُمعت فيما بعد في كتابه (مشكلات الجيل في ضوء الإسلام).

ولأنه بدأ حب المطالعة منذ طفولته، إذ كان يستأجر الكتب ليقرأها على ضوء السراج، وفي مهب الرياح اللاسعة، وأهله نيام، فقد استمرت المطالعة دأبه حتى وفاته رحمه الله.

والأستاذ المجذوب رجل عصامي مكافح، قضى شبابه كله في الكدح بمختلف الأعمال، للنهوض بمسؤولياته نحو إخوته وأولاده.

الجوائز التي حصل عليها :

وقد نال الجائزة الأولى لجامعة الدول العربية سنة 1948م على نشيده الوطني الذي نظمه، وتم اختياره من بين مئة نشيد.

شاعريته :

تعلق قلب الشاب محمد المجذوب بالدين وعلومه، وباللغة العربية - فهو وأفراد عائلته لا يتكلمون إلا الفصحى- وأعطى العلم والمطالعة قسماً كبيراً من وقته، وتفجرت لديه الموهبة الشعرية في سن مبكرة .

نظم الشعر وزاد وارتفع إنتاجه الشعري ونشر عدداً من دواوينه وهو في سورية منها 1-ديوان نار ونور، شعر كتب مقدمته الشاعر الكبير بدوي الجبل).

2- همسات قلب (ديوان شعر كبير).

3- ألحان وأشجان ( ديوان شعر ) .

وعندما أعلنت الجامعة العربية عن مسابقة لنشيد لها، كان نشيده الأول فحصل على جائزة الجامعة العربية .

محمد المجذوب قاصاً :

واهتم بالقصة، واشتهر بها ومن ذلك:

 -صرخة دم

– قصص من سورية

- فارس غرناطة

- قاهر الصحراء

- بطل من الصعيد

- مدينة التماثيل

- ومسرحية من تراث النبوّة.

دوره في تأسيس وقيادة الحركة الإسلامية في سورية :

كما اهتم شيخنا بالعمل الإسلامي، فكان رئيس مركز اللاذقية للجماعة والمشرف على فروع الساحل السوري.. هكذا كانت المرحلة الأولى من حياته في سورية

أما المرحلة الثانية: فكانت في المملكة العربية السعودية من 1964م لغاية 1997م، حيث برز في تمام النضج والإنتاج الفكري السلفي المعتدل، إذ تعاقد مع الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة (1964) هو وأخوه الدكتور مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان المسلمين في سورية وباني الحركة الإسلامية وقائد الصحوة الإسلامية فيها.  ثم رجع الاثنان إلى سورية حيث وافت المنية الدكتور السباعي بدمشق ودفن فيها، أما الشيخ محمد المجذوب فقد عاد إلى المدينة المنورة للتدريس في الجامعة الإسلامية وكان له نشاطه الإسلامي الفذ، وكان عضواً في المؤتمر الإسلامي العالمي، وكانت الجامعة تندبه كل عام إلى دولة من الدول الإسلامية ليحاضر في جامعاتها وقد منحته الجامعة الإسلامية رتبة الحامل للدكتوراه -أثناء كتابة العقد معه- وحدثني العديد من طلابه ومنهم من نال درجة الماجستير أو الدكتوراه وصار من كبار أساتذة الجامعة بأن أستاذهم الشيخ محمد المجذوب كان يتفاعل مع ما يدرسه فيغرس في نفوس طلابه حب الإسلام والتضحية في سبيله بالغالي والنفيس، خاصة عندما يدرس السيرة النبوية أو عندما يجول بهم في أرجاء العالم الإسلامي ويشعرهم بدورهم في الدفاع عن الإسلام والعمل له، وأقسم لي أحد طلابه على أن الكثيرين منهم كانوا يبكون أثناء محاضراته ويقول هذا الطالب: إن الإسلام قد خالط سويداء قلب الشيخ المجذوب، بل خالط كل كرية من كريات دمّه.  ارتفعت منزلة الشيخ المجذوب في الجامعة الإسلامية، فصار رئيساً للجنة كُلّفت بإصدار مجلتها القيمة ثم أصبح عضواً في المجلس الأعلى للجامعة، وقد دخلت معه مرة على أحد مديري الجامعة الإسلامية، فترك المدير مكتبه وأقبل على الشيخ يرحب به ويصغي لأقواله ويخاطبه يا والدي.. 

أهم مؤلفاته:

وقد مضى في طلـب المزيد من العـلوم والثقافة، معتمداً، بعد الله، على جهده الشخصي ومثابرته، ومن بين مؤلفـاته التي قـاربت الخمسين نـذكر أهمها:

1-           فضائح المبشرين.

2-           اليوبيل الفضي الذهبي.

3-           المرشد في الأدب العربي (مع آخرين).

4-           نار ونور (ديوان شعر كتب مقدمته الشاعر الكبير بدوي الجبل).

5-           من تراث الأبوة (مسرحية).

6-           قصص من الصميم.

7-           صور من حياتنا.

8-           فارس غرناطة وقصص أخرى (مجموعة قصصية).

9-           الأدب العربي (للسنة الأولى للجامعة الإسلامية).

10-     الأدب العربي «للسنة الثانية للجامعة الإسلامية).

11-     دروس من الوحي.

12-     قصص وعبر.

13-     مشكلات الجيل في ضوء الإسلام.

14-     تأملات في المرأة والمجتمع.

15-     مشاهد من حياة الصديق.

16-     همسات قلب (ديوان شعر كبير).

17-     قصص من سورية.

18-     مدينة التماثيل.

19-     قاهر الصحراء.

20-     ثورة الحرية.

21-     الكواكب الأحد عشر.

22-     بطل إلى النار.

23-     من أجل الإسلام وحواريات أخرى.

24-     الآيات الثلاث.

25-     كلمات من القلب.

26-     بطل من الصعيد وقصص أخرى.

27-     دماء وأشلاء.

28-     قصص لا تنسى من تاريخنا.

29-     أفكار إسلامية.

30-     كلمات مضيئة.

31-     الألغام المتفجرة.

32-     اللقاء السعيد وقصص أخرى.

33-     علماء ومفكرون عرفتهم (ثلاثة أجزاء).

34-     خواطر ومشاعر.

35-     قصص لا تنسى.

36-     ذكريات لا تنسى.

37-     ردود ومناقشات.

38-     السبيل القريب إلى صناعة الأديب.

39-     صرخة الدم (رواية).

40-     ألحان وأشجان (الديوان الثالث).

41-     الإسلام في مواجهة الباطنية (نشره باسم: أبو هيثم).

من أقواله:

«نشأتُ في بيت ملتزم بأركان الإسلام عبادة وسلوكاً، وأذكر أنني كنت في سن الحداثة، ولما أتجاوز الثانية عشرة من العمر، أقوم بصلاة التسابيح في الليل، ثم انتقلت إلى المدرسة التركية في المعهد العثماني.

وكانت الكتب التي أقرؤها منطلقة من التوجه الإسلامي، وفي مقدمتها مجلة «المنار» التي كان يصدرها الشيخ محمد رشيد رضا، وكتب الشيخ محمد عبده، ومحمد فريد وجدي، ومصطفى صادق الرافعي، وأمثالهم، ومن شأن هذا كله أن يضبط خُطاي في الطريق الإسلامي.

ثم جاءت الحركات الوطنية في مقاومة الانتداب، وفي سبيل الاستقلال، فشاركنا فيها من منطلق الروح الإسلامي نفسه، وضاعف من شعورنا هذا ما عانيناه من مضايقات الفرنسيين وأعوانهم في السجون وغير السجون.. وفي هذا الجو بدأت أنشر أفكاري الإسلامية في مختلف الصحف، سواء عن طريق المراسلة أو المقالة أو الشعر أو القصة.. ولقد قضيتُ في التعليم ما يزيد على الأربعين سنة، درّست خلاله العربية، والأدب، والسيرة النبوية، والحديث الشريف، ملتزماً في كل ذلك الخط الإسلامي، وأخرجت كذلك قرابة الخمسين من الكتب، وقدَّر الله لي أن أشارك مع نخبة من خيرة العاملين للإسلام وفي مقدمتهم الدكتور مصطفى السباعي، والأستاذ محمد المبارك، والأستاذ عصام العطار، والشيخ عبدالفتاح أبوغدة، وغيرهم من رجال الدعوة الإسلامية في سورية، في النشاط الإسلامي في مختلف المحافظات والمدن السورية والحمد لله.

صفوة القول: فنحن أمة اصطفاها الله لرسالته التي عليها يتوقف إنقاذ الإنسانية من الضياع، وقد وعدنا الله بالعزة والنصر ما التزمنا سبيله، واعتصمنا بحبله ورضي الله عن الفاروق عمر القائل لأخيه أبي عبيدة: «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما نبتغ العزة بغيره أذلَّنا الله»، ولقد مضينا في طريقنا، نبذل الجهود المضنية في إحياء الروح الإسلامي، وإيقاظ الوعي وتعميق الانتماء إلى منهج القرآن والسنَّة.. وقد بدأنا ذلك في «طرطوس» بالتعاون مع نخبة من شبابها، وبلغنا مرحلة لا بأس بها من النجاح، على الرغم من العقبات التي كان يقيمها في طريق الدعوة بعض ذوي الأغراض المشبوهة، ويريدون إقصاء الشباب المسلم عنها، ولكن استجابة هؤلاء الشباب كانت أكبر من دسائسهم، والحمد لله، ثم شاء الله أن أنتقل إلى اللاذقية للتدريس، فكلفتُ الإشراف على مراكز الدعوة على امتداد الساحل».

قالوا عنه:

وصفه المستشار عبد الله العقيل فقال :

كانت معرفتي به من خلال ما كنت أقرأ له في مجلة (حضارة الإسلام) التي كان يصدرها الدكتور مصطفى السبـاعي وفي مجلة (التمدن الإسلامي) التي كان يصدرها الأستـاذ أحمد مظهر العظمة، ومحـمد كمال الدين الخطيب بسورية من مقالات وقصص وقصائد وبحوث وفي غيرهما من المجلات الإسلامية.

كما كنتُ أسمع عن نشاطه في العمل الإسلامي مع إخوانه: مصطفى السباعي، ومحمد المبارك، وعبد الفتاح أبو غدة ، وغيرهم.

ثم كان لقائي به في المدينة المنورة حين حضوري لاجتماعات المجلس الاستشاري للجامعة الإسلامية الذي كنت عضواً فيه طوال خمس سنوات، وقد التقيته مع إخواني د. محمد السيد الوكيل، والأخ عبد العزيز الناصر، ود. عبد الله القادري، وغيرهم من الإخوان المقيمين بالمدينة المنورة مرات كثيرة.

وتوثقت الصلة الروحية والعلمية معه من خلال ما كنتُ أقرؤه من مؤلفاته، التي تناولت موضوعات شتى في الأدب والقصة والمسرحية والشعر، فضلاً عن الدروس والمحاضرات واللقاءات والندوات.

وحين شرعتُ في إصدار كتابي «من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة» كان للأستاذ محمد المجذوب الفضل الكبير بعد الله، في تزويدي بمعلومات مفيدة عن بعض الشخصيات التي كتبتُ عنها في كتابي آنف الذكر، وقد أشرتُ إلى ذلك في ثنايا الترجمات للأعلام الذين كتبت عنهم، فجزاه الله خير الجزاء، على ما قدم من جهود علمية ودعوية، تركت أطيب الأثر في المدينة المنورة، بين طلاب الجامعة الإسلامية، وجماهير الناس عموماً، من خلال دروسه في المساجد، ومحاضراته في الأندية، وأحاديثه في المجالس العامة والخاصة بالمدينة المنورة، وقد كسب حب الجميع.

يقول الدكتور شوقي عبد الحليم حمادة:

«الأستاذ محمد المجذوب هو الأديب النابه، والقاص البارع، والشاعر العملاق، والخطيب المفوّه، والكاتب الموهوب.. تتميز آثاره في مختلف حقول المعرفة، بأنها دائماً حديث القلب إلى القلب، لأنه من قلم مجاهد، يصدع بكلمة الحق، ولا تأخذه في الله لومة لائم، فهو لذلك مرتاح الضمير مطمئن القلب، على الرغم من مسؤوليته التي تنوء بها العصبة أولو القوة».

ويقول الأستاذ عبدالله الطنطاوي: «الأستاذ محمد المجذوب علم من أعلام الفكر، والشعر، والأدب، والدعوة إلى الله على بصيرة.. كان يعدُّ في الرعيل الأول من الشعراء السوريين، أمثال: بدوي الجبل، وعمر أبي ريشة، وعمر بهاء الدين الأميري، وعندما أصدر ديوانه الأول: «نار ونور» عام 1949م، قرأنا كلاماً منصفاً لمقدّم الديوان الشاعر الكبير بدوي الجبل، فقد أطرى الشاعر وشعره، ووقف عند قصيدته (نجوى قبّرة) وعدَّها من الأدب العالمي لما فيها من روح إنسانية شفيفة، وأسلوب مرهف، وصور أدت الغرض الإنساني الذي رمى إليه الشاعر في قصيدته البديعة هذه.

والأستاذ المجذوب من رواد القصة والرواية في سورية خاصة، وفي الوطن العربي عامة، يقف إلى جانب الدكتور شكيب الجابري، والدكتور عبدالسلام العجيلي، من الرواد في سورية.

وهو ذو باع طويل في مجال المقالة والبحوث الفكرية..

أما في ميدان الدعوة إلى الله، فكان من الرعيل الأول أيضاً، فقد كان أحد المؤسسين لجماعة الإخوان المسلمين في الساحل السوري، وكان رفيق درب الأستاذين الكبيرين الداعيتين: الدكتور الشيخ مصطفى السباعي، والأستاذ المفكر المبدع محمد المبارك، رحمهم الله جميعاً.

وتحدث عنه محمد نعسان عرواني فقال :

لقد أكرمني الله في السكن معه في المدينة المنورة في طريق الهجرة، وكنت أدخل شقته –بعد الاستئذان- في الطابق الأرضي، وأدلف إلى مكتبه الخاص الذي رصّت جدرانه بخزائن الكتب، فما كنت أراه إلا قارئاً للقرآن أو لأحد الكتب أو لإحدى الصحف أو المجلات، أو مستمعاً للمذياع أو كاتباً لمقال أو لأحد الكتب كما كنت أشعر بسرور لتفقدي إياه أو لدخولي منزله، فيرتاح من عمله لنتناقل آخر أنباء العالمين العربي والإسلامي أو لمناقشة أمر من الأمور إذ كانت له مناقشة ممتلئة بعبقريته ذات الوجوه المختلفة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وفقهياً.. ورغم هذا العمل المتواصل كان يمازح زوجه التي بقيت الوحيدة في منزله بعد أن تفرّق أولاده جميعاً طلباً للرزق في القارات وتركوا المدينة المنورة.  أما بذله للمجاهدين فحدّث ولا حرج في هذا المجال، وقد رأيته في أحد الأيام يكتب شيكاً بخمسين ألف ريال للمجاهدين الأفغان، ودخلت مكتبه في أحد الأيام فوجدت مكتبته قد اختفت، ولما سألته عنها قال: لقد عبئأناها في صناديق كرتون وأرسلناها إلى المجاهدين الأفغان.  أما بالنسبة لنا نحن المهاجرين السوريين، فكان خير عون للجموع التي تدفقت للمدينة المنورة فارّة بعقيدتها ودينها، ثم توزعت في أرجاء المملكة، وعندما كانت تحدث مشكلة لبعض هؤلاء ونعجز عن حلّها نستنجد بالشيخ المجذوب، فيكون نعم الأب المنجد رحمه الله.  وكنت أخرج برفقته إلى مختلف كليات الجامعة الإسلامية فيحثّ أساتذتها وطلابها على التبرع لمعالجة النكبة التي حلّت بسورية وكان يرحمه الله على رأس المتبرعين. 

وفاته : ولما بلغ التسعين من العمر، وكان أكثر أولاده قد تفرقوا في البلاد كما قدمت، واضطررت لقضاء معظم وقتي في عمان، شعر بدنو أجله –وكان كثيراً ما يذكر الموت- فأقنعه أحد أولاده بالذهاب إلى سورية، وتم له ذلك ، فعاد الشيخ الجليل من السعودية ، إلى مدينته "اللاذقية" السورية عام 1996م ولزم بيته، فلم يغادره إلا لضرورة، واعتزل الناس، وأكبّ على أوراقه وقلمه، يكمل مؤلفاته الأخيرة، ويكتب -كما ترامى إليّ- مذكراته وسيرة حياته، ثم وافته المنية رحمه الله بعد عمر زاد على الثانية والتسعين في شهر يونيو 1999م، وتناقل العلماء والأدباء والكتاب في أنحاء سورية ولبنان نبأ وفاته، وطالبوا بتأخير دفنه حتى يتمكنوا من الحضور إلى اللاذقية من أجل المشاركة في تشييعه، وكان لهم ما أرادوا، وبعد ثلاثة أيام من الوفاة شيعه الآلاف من تلاميذه وإخوانه وأصدقائه، وألقوا أمام قبره كلماتهم وقصائدهم، وبكاه كل من عرفه، ودعوا الله أن يرحمه ويسكنه الجنة، فلطالما عمل في ميادين الدعوة إلى الله، وامتُحن بالسجن والاغتراب عن وطنه من أجل دينه وجماعته، رحمه الله رحمة واسعة. والحمد لله رب العالمين.

مصادر الترجمة :

1-من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة – المستشار عبد الله العقيل .

2- محمد بن مصطفى المجذوب – محمد علي شاهين .

3- فضيلة الشيخ محمد المجذوب الحسني – محمد نعسان عرواني .

4. مجلة المجتمع 22/04/2006

5. مصابيح العصر والتراث ص 20 أنور الجندي .

6. شعراء الدعوة الإسلامية ج 5 ص 28 جدع وجرار .

7. مجلة المنهل س 54 م 49 1408/1988 مقال: تحية إلى العلامة محمد المجذوب ، لأنور الجندي .

8. مصادر التراجم السعوديّة ص 198 مطبوعات مكتبة الملك فهد الوطنيّة .

يتبع إن شاء الله -

وسوم: العدد 655