أَعْجَبُ الْعَجَبِ فِي نَشْرِ الْكُتُبِ 5

clip_image002_4605c.jpg

سابع فهارس الدُّكْتُورِ الْمَطْبَعِيِّ الْمُفَهْرِسِ وآخرها، فهرس المصطلحات والكلمات المشروحة (المشروحات)، ذو الست والخمسين والخمسمئة الشيء، الذي اختلط فيه عملُ المؤلف بعمل المحقق، وكان ينبغي أن يختص لعمل المؤلف وحده، أو أن ينقسم لعمليهما على فهرسين مختلفين، أو أن يشتمل على ما يميز بعضهما من بعض؛ فلكل منهما مصطلحاته ومشروحاته التي لا يستقيم دونها عمله، ولا يكتمل.

ولا يماري عاقل في أهمية هذا الفهرس الشديدة أحيانا، ولاسيما إذا كان فهرس الموضوعات كليًّا إجماليًّا، لا جزئيًّا تفصيليًّا كفهرسي الذي اشتمل على ثمانية وثمانين ومئة عنوان، أغلبها مصطلحات، وإن لم تمتنع على من شاء زيادة التجزيء والتفصيل.

إن فهرس المصطلحات فهرس العلماء المتخصصين المتمكنين الذين يستطيعون وحدهم تمييز المصطلحات والتنويه بها والتنبيه عليها. وإن فهرس المشروحات فهرس القراء المتحققين بما يقرؤون الذين لا تندّ عنهم من المشروحات نادَّةٌ، ولا تشرُد شاردة، ولاسيما إذا تفرّدتْ في موضعها. وهل يطمح محقق المخطوط بعمله إلى أكثر من أن يُعَدَّ في العلماء والقراء جميعا معا، بحيث تَحفظ عليه قراءتُه خدمةَ القارئ غير المتخصص، كما يَحفظ عليه علمُه خدمةَ القارئ المتخصص!

ولقد خلط الفهرسين بعضَهما ببعض في فهرسٍ واحدٍ، الدُّكْتُورُ الْمَطْبَعِيُّ الْمُفَهْرِسُ؛ فأفضى إلى مجموع كبير، لم يكن يضرُّه اقتسامه ولا اجتزاؤه -وهو الذي لم يَتحرَّج في فهرس الأحاديث النبوية الشريفة من اقتصاره على حديث واحد!- ولكنه تَهرَّبَ مما بَغَتَه، فَآدَه، وفَدَحَه، ولم يملك له حيلةً، ولم يهتدِ سبيلا، إلا سبيلَ التَّدليس!

نعم؛ فإخفاءُ المصطلحات في المشروحات مثلُ إخفاء المشروحات في المصطلحات، تدليسٌ مثل تدليس إخفاء أسماء الأعلام في الأسماء المبهمة!

ولقد لفتتني عن تمثيل تدليس الدُّكْتُورِ الْمَطْبَعِيِّ الْمُفَهْرِسِ ذَيْنِ التدليسين (خلط عمل المؤلف بعمل المحقق، وخلط المصطلحات بالمشروحات)- خيانتُه من ائتمنه، بتضمين فهرسه هذا، عشرات الكلمات التي لا هي مصطلحاتٌ ولا مشروحاتٌ!

-        تُرى أَمِنَ المصطلحات أم المشروحات "آتَيْنَاهُ"، في نقل المؤلف عن العمري: "وَعَلَى الْفَصِيحِ فَالْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ كَلِمَةِ "آخَرَ"، مُبْدَلَةٌ أَلِفًا مَحْضَةً مِثْلَ "آتَيْنَاهُ" وَأَخَوَاتِهَا"، التي استفتح بها فهرسَه الدُّكْتُورُ الْمَطْبَعِيُّ الْمُفَهْرِسُ!

وليست غير مشبه به!

-        أَثُمَّ من المصطلحات أم المشروحات "أَوْ لَا"، في بيت منظومة المؤلف: " أَوْ لَا فَلِلطَّرَفَيْنِ اسْتُجْمِعَا وَلِصَدْرٍ أَوَّلٌ وَلِثَانٍ عَجْزًا اخْتَزِلِ"،

الذي قال بعقبه: "قَوْلُهُ "أَوْ لَا"، أَيْ لَا يَنْجُو مِنَ الزِّحَافِ"!

وليست غير تعبير مَنْظوميّ موجَز!

-        أَثُمَّتَ من المصطلحات أم المشروحات "الْبَالِي"، و"مَشِيبُ"، و"سُرْحُوبُ"، في نقل المؤلف عن العمري: "وَهِيَ كَحَرَكَةِ بَاءِ "الْبَالِي" وَهِيَ الْفَتْحَةُ، وَحَرَكَةِ شِينِ "مَشِيبُ" وَهِيَ الْكَسْرَةُ، وَحَرَكَةِ حَاءِ "سُرْحُوبُ" وَهِيَ الضَّمَّةُ فِي الْأَبْيَاتِ السَّالِفِ إِنْشَادُهَا فِي مَبْحَثِ الرِّدْفِ"، أراد أبيات امرئ القيس فعلقمة الفحل فامرئ القيس، الآتية:

"أَلَا عِمْ صَبَاحًا أَيُّها الطَّلَلُ الْبَالِي وَهَلْ يَعِمَنْ مَنْ كَانَ فِي الْعُصُرِ الْخَالِي"،

"طَحَا بِكَ قَلْبٌ فِي الْحِسَانِ طَرُوبُ بُعَيْدَ الشَّبَابِ عَصْرَ حَانَ مَشِيبُ"،

"قَدْ أَشْهَدُ الْغَارَةَ الشَّعْوَاءَ تَحْمِلُنِي جَرْدَاءُ مَعْرُوقَةُ اللَّحْيَيْنِ سُرْحُوبُ"،

التي مَثَّلَ بكلمات قوافيها تلك، حركاتِ الحذو الممكنةَ، وتَجوَّزَ في تمثيل فتحتها بفتحة باء "الْبَالِي" من آخر صدر بيتها، وحقها أن تُمثل بفتحة خاء "الْخَالِي"، من آخر عَجُزه؛ ولكن لمَّا كان البيت مصرَّعًا (متشابهَ أواخرِ الشطرين وزنًا وقافية)، وكان العروضيّون ربما اكتفوا بنصف البيت إذا أغنى عن سائره، أناب عن عَجُزه صَدْره، وعن "الْخَالِي" "الْبَالِي"!

وليست غير أمثلة!

-        أَثُمَّتَ من المصطلحات أم المشروحات "صِلْ بِجَزْئِهِمُ"، في بيت منظومة المؤلف:

"وَذَاتُ جَزْءٍ وَصُحٍّ صِلْ بِجَزْئِهِمُ تَرْفِيلَ خَبْنٍ مُذَالًا صِحَّةً تَصِلِ"!

الذي شرحه بقوله: ""صِلْ بِجَزْئِهِمُ"، أَيْ صِلْ هَذِهِ الْعَرُوضَ بِمَجْزُوءِ أَحَدِ هَذِهِ الْأَضْرُبِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي سَتُذْكَرُ -إِنْ شَاءَ اللهُ!- وَهِيَ الْمَخْبُونُ الْمُرفَّل، ثُمَّ الْمُذَالُ، ثُمَّ الصَّحِيحُ"!

وليست غير تعبير مَنْظوميّ موجَز!

ألأن المؤلف أعاد ذكر بعض تعبيرات منظومته الموجزة عند شرحها، فميزتُ نصوصها من شروحها بعلامات التنصيص المعروفة (" ")، يضمِّنها فهرسَه الدُّكْتُورُ الْمَطْبَعِيُّ الْمُفَهْرِسُ!

لقد كان الكتاب كله -وليس غير شرح تعبيرات منظومة موجزة- جديرا إذن بفهرسه هذا القَمَّاش القَشَّاش!

وسوم: العدد 664