(الطائرة الورقية) ومبادرات الأطفال الخلاقة

clip_image002_0606c.jpg

في غلاف مقوّى وصور أنيقة جميلة معبّرة، وخطّ واضح وكلمات مُشَكّلة ومناسبة للأطفال الصغار، تُخرج الكاتبة رفيقة عثمان قصّتها (الطائرة الورقيّة) لتحمل رسالة سامية، وتلهم الأطفال العديد من القيم، دون تلقين مملّ وبقصّة مثيرة ممتعة.

الرسالة الواضحة في هذه القصّة، هي ضرورة المحافظة على البيئة عن طريق إعادة تدوير الورق والاستفادة منه بصناعة أشياء مفيدة، وعدم حرقه أو إلقائه في الطرقات، والتقليل من استعماله للحفاظ على خضرة الأرض ونقاء هوائها. لكنّ القصّة تحمل أيضا العديد من الدروس والعبر، في كلماتها القليلة وصورها الملوّنة الجميلة.

من هذه القيم، احترام الكبار؛ فالطلبة الصغار ينادون عامل النظافة في المدرسة بالعمّ رشيد بكلّ احترام وتقدير، وهذه قيمة إيجابيّة تبثّها القصّة منذ كلماتها الأولى. كما وتعزّز القصّة أهميّة العمل الجماعي والتّخطيط السليم قبل القيام بأيّ عمل. فالأطفال يجتمعون ويتبادلون الأفكار المختلفة ويتناقشون دون أن يستأثر أحدهم برأيه أو يفرضه على الآخرين، ويستشيرون معلّمتهم، ثمّ يتوصّلون إلى قرار جماعيّ بالعمل معا على إعادة تدوير الأوراق، مع فسح المجال لكلّ طفل للتفرّد والإبداع وصنع الألعاب التي يختارها هو أو يحلم بها من هذه الأوراق، ما دامت تصبّ في نفس الهدف، ألا وهو الحفاظ على البيئة. ومن أهم القيم التي تعزّزها القصة لدى الأطفال أيضا قيمة المبادرة، فالأطفال هم الذين تنبّهوا للورق الذي تهدره المدرسة، وبادروا إلى إعادة تدويره دون أن يوجههم الكبار أو يفرضوا رأيهم عليهم.

وكما تشجّع القصة الأطفال على التفكير والإبداع، توجّههم أيضا إلى استخدام الحاسوب لتعلّم استخدامات أخرى للأوراق، لافتة نظرهم إلى أنّ للحاسوب استخدامات مفيدة جدّا عدا اللعب، وإهدار الوقت. ولا تخلو القصة من المعلومات المفيدة للأطفال، تُبَثّ لهم خلال الصفحات دون تلقين مملّ. فالورق مصدره الأشجار، وقطع الأشجار يفسد الهواء، وحرق الورق يلوّث الهواء.

وفي القصة درس آخر لا يقلّ أهمية عن بقيّة الدروس والعبر فيها: فالأمور لا تسير دائما على ما يرام، والمشاكل والأزمات قد تفرض نفسها علينا في الأوقات الحرجة دون أن نكون قد حسبنا لها حسابا. فبعد أن عمل الأطفال جاهدين على صنع الألعاب والطائرات الورقية وتلوينها، وبعد أنّ رتّبوها بعناية في ساحة المدرسة للاحتفال بيوم البيئة، تهبّ الرياح وتفسد ما صنعوا، ليجد الأطفال أنفسهم أمام حقيقة قاسية، أنّ هذه الدنيا مليئة بالمنغّصات كما هي مليئة بالجمال والسعادة، لكنّ الأطفال يتعاونون فيما بينهم ولا ييأسون ويستطيعون بمهارة أن ينقذوا أعمالهم ويدخلوها إلى داخل المدرسة وينزلوا الطائرات الورقية من أعالي الشجر؛ ليتغلّبوا بشجاعتهم على هذه المشكلة، وتسير الأمور في نهاية الأمر كما يحبّون ويتمنّون.

وهناك العديد من اللفتات الجميلة في هذه القصّة، فمدير المدرسة يكافئ الطلبة على جهودهم بإهدائهم شتلة زيتون لكلّ منهم؛ ليزرعها في حديقة منزله وتحمل اسمه، توجيها لهم لحبّ الزراعة والمحافظة على الأشجار، ليس عن طريق الاقتصاد في استخدام الورق وإعادة تدويره فحسب، بل عن طريق زراعة الأشجار وخاصة شجرة الزيتون التي هي رمز للحبّ والسلام على هذه الأرض المباركة. وتتضافر جهود الكاتبة رفيقة عثمان والفنّانة منار نعيرات، التي رسمت اللوحات الجميلة للكتاب، في تنمية الرّوح الوطنيّة لدى القرّاء من الأطفال وربطهم بتراثهم، فما الحفاظ على البيئة إلا صورة من صور حبّ الوطن. فالرسّامة تبدع في رسم البنات في يوم البيئة وهنّ يلبسن الثوب الفلسطينيّ المطرّز، والأولاد وهم يتلفّعون بالكوفيّة الفلسطينيّة، ثمّ تُنهي الكاتبة قصتها بأغنيّة عن البيئة استمدّتها من التراث الفلسطينيّ؛ فتكون (على دلعونا) خاتمة هذا الكتاب الممتع المفيد.

وسوم: العدد 668