الأسطورة وإرهاصاتها في الشعر العربي

يعدّ استخدام الأسطورة وتوظيفها في الشعر العربي المعاصر من القضايا المهمة جداً، فقلما نجد شاعراً عربياً معاصراً معروفاً، إلا و قد استخدم الأسطورة في قصائده .

فما هو السبب في ذلك؟!

إنّ من يتابع ماهية الأسطورة وكينونتها يجد أنها تشكّل نظاماً خاصاً في بنية الخطاب الشعري العربي المعاصر، والملاحظ أن هذا النظام يتسم بالضبابية والتشظي، مما يجعل سيمياءه عصية على الضبط والتحديد، بل إننا نشعر أنها تمثل غموضاً في الرؤية التي يريد الشاعر أن يطرحها في نصّه الشعري، ولعل السبب في ذلك يعود إلى كثافة الأسطورة، وتعدّد اتجاهاتها، من خلال ماتكتنفه من  غموض و تداخل مع أنساق وحقول معرفية متنوعة، حقول لها علاقات متواشجة مع علم النفس وعلم الحضارات والأديان والتاريخ، وغير ذلك، فعندما نستحضر الأسطورة نجد أنفسنا نستحضر تاريخاً متداخلاً مع الخيال والميثولوجيا و الخرافة، و التراث الشعبي، والملاحم وغيرها، مما يجعل من الصعب على القارئ العادي، بل المثقف أحياناً أن يتعرّف على أوجهها ودلالاتها بشكل متكامل، نتيجة تناصها مع تلك الحقول المعرفية المتعددة، وهنا يطالعنا سؤال مهم:

هل الأسطورة هي الخرافة أم هي التاريخ أم هي التراث الشعبي؟ أم هي مجرد أثنولوجيا وصفية متعلقة بمعتقدات الشعوب و روحانياتها و تقاليدها، التي تنعكس معاً في قالب شعري نراه في الشعر المعاصر؟ 

إن الباحث المتتبع لهذه القضية بدقة وعمق، يجد أن الأسطورة مزيج من ذلك كله، وهو الأمر الذي يفسر صعوبتها واستغلاقها على القارئ في أحايين كثيرة.

وهذا ليس لأن فيها عيباً أو قصوراً، بل لأنها تمثّل  رؤية متنامية متشعبة في بنى متراكبة من الزمان التاريخي، و المكان الأثنوجرافي، والتراث الشعبي، بل هي في بعض الأماكن جزء من التاريخ، وهو الأمر الذي أشار إليه المفكر (كلود ليفي شتراوس)  .

ولم يكن اللجوء إلى  الأسطورة لمجرد التعجيز أو إثارة الغموض، بل لأن الشعراء وجدوا فيها ملاذاً يحقق لهم الانتصار على العقبات ويمكنهم من تجاوز الخيبات والنكسات.

ولعلنا نرى أن اللجوء إلى الأسطورة، ماهو إلا هروب من مواجهة الواقع، لأن الفكر الأسطوري أصلاً يقوم على أساس غيبي بعيد عن العقلانية له منطقه المختلف تماما عن منطق الفكر و الموضوعية.

فأساطير: سيزيف، طائر الفينيق، بروميثيوس، وبيجماليون، وغيرها تنزع دائما إلى إضفاء صفات قدسية غامضة على مواضيعها و أحداثها و شخصياتها، وهو مايجعل كثيراً من الشعراء والنقاد ينفرون منها، ولايحبذونها، وهنا لنا أن نقول أن الأسطورة جزء من تراث إنساني له وجوده سواء آمنا به أم لم نؤمن، وهو قابل للتأويل وفق بنى النص الشعري، والغموض ليس عيباً فيه، فقديماً سئل أبو تمام، لماذا لا تقول من الشعر مايُفهم؟

فأجاب : ولماذا لاتفهموا ما يقال؟!

الأسطورة في الشعر واقع واكب الحداثة الشعرية، ولا يجوز أن نغمض اعيننا عنه، بل نطلع عليه ونكتب دراساتنا النقدية فيه، سلبا. كان أو إيجاباً، علماً أنني ممن يحب الشعر الفصيح ويعتز به وينتسب إلى مدرسته، لكن الظاهرة الشعرية أياً كان نوعها يجب أن تدرس ويقال فيها الرأي العلمي الدقيق.

وسوم: العدد 668