قراءة تناصيّة[1] بين ملحمة جلجامش ورواية مومو لميخائيل إنده

قراءة تناصيّة بين ملحمة جلجامش ورواية مومو لميخائيل إنده، المقال الفائز بمسابقة القراءة الكبرى في مكتبة الإسكندرية

بدأ البشر بتتبع سرّ الحياة ولغز الموت منذ طور النضج الإنساني

في وادي الرافدين ووادي النيل، وما يزال الخلود مطلبًا للإنسان منذ أواخر

الألف الرابع قبل الميلاد.

وإذا كان الزمن هو إثبات للوجود الإنساني، وهو الذي يخامرنا في

كلّ الأوقات والأعمار، ولا يغادرنا إلاّ مع الموت، ويتضاد مع الأزل

والأبد، فإنّ السرمديّة هو الزمن المضاف إليه طموح الذات الإنسانيّة

الفاعلة على دروب انتصارهم على الموت للحصول على الخلود. ومأساويةٌ هي

خسارات البشر على دروب كفاحهم للحصول على الخلود لأنّ: "الإنسان مهما علا

لن يبلغ السماء طولًا، ومهما اتسع لن يغطي الأرض عرضًا"[2]، ثمّ كان أن

ظهرت فكرة الإله رأفة بهم، فأحالهم الله إلى الجنة الأبديّة الموعودة،

وقبل الله كانت تتنامى الفنون جميعها لتخفّف من عبء معاناة الإنسان من

الموت المجاور لدنياه، ولاتزال تتنامى، لتجعل أزمنته[3] مقبولة. لقد بقيّ

كفاح الإنسان مقترنًا بتوقه للتحرر من قيد الزمان الملازم لحياته من لحظة

ولادته حتى مفارقتها بالموت. وملحمة جلجامش من أولى الآثار الأدبيّة

التي: "انشغلت بفكرة أو موضوع أساسيّ هو البرهان على حتميّة الموت على

البشر حتى لو كان ثلثاه إلهًا خالدًا، وثلثه من البشر الفانيّة"[4]. تّرى

هل تمكّن الإنسان من التقاط الزمن ليتمكّن من الخلود؟ هل استطاع أن يقصّر

من زمن النهار أو الليل؟ هل أطال زمن السنة عن 365 وربع يوم، أم قصّر

زمنها؟ لو تمكّن من ذلك لكان سيطر على الزمن، واكتشف سرّ الخلود، ولكنه

لايزال مستمرًّا بكفاحه الدائم في زمن دائريّ مغلق تعاقبي، كما عبّرت عنه

أسطورة سيزيف الشهيرة.

         لقد اشتغلت الحضارة العلميّة المعاصرة على توفير الزمن للإنسان،

ليفيد منه كما يفيد من كلّ الأشياء المحيطة به، فكانت النتيجة أن شيّأته

وحوّلته إلى لاهث لتوفير المزيد من الزمن اللازم لاحتياجاته النفعيّة.

أما رغباته الروحيّة فأهملتها، وبقيت مرهونة بالفنّ والأدب اللذين انشغلا

بالزمن المتواصل السرمديّ. وإذا كانت نبتة الخلود عند الإله إنكي موجودة

في أعماق المياه، استعصت على البشر نتيجة التهام الحيّة لها كما ورد في

ملحمة جلجامش، فإنّ ميخائيل إنده، في رواية مومو، تضاد مع جلجامش، وأثبت

أن امتلاكها ليس عصيًّا عندما يدرك المرء كيف يُدخِل الزمن إلى قلبه، ولا

يسمح بخروجه منه ليخزّن عند لصوصه الذين لا يمكنهم الحياة إلاّ من سرقة

زمن البشر.

        تتناص رواية مومو مع ملحمة جلجامش بمعالجتها للزمن السرمدي،

وتعالج قضية، طالما شغلت البشر، بمنظور جديد، فقد وظّف ميخائيل إنده

طاقات طفلة تمكّنت من الإفلات هاربة من ملجأ أطفال ومن صخب المدينة إلى

أطلال مسرح، سكنته بمساعدة بسطاء يأتون إليها، ويستمتعون بزمنهم السارّ،

وبالمقابل كانت مومو تحلّ لهم مشاكلهم بذكائها. تخلصت مومو من زمن قالت

عنه: "على قدر ما أذكر كنت موجودة دائمًا"[5]وحددت عمرها بـ 102 سنة، كما

أنها عديمة المعرفة بالأعداد، فهي لا تعرف إلاّ أنّها جاءت لتضفي على

الزمان قدرًا من الإلفة والمحبّة، بعتقه من قيوده، تمامًا كما: "تحوّل

الزمن في ملحمة جلجامش من الزمن المحدود إلى الزمن غير المحدود، أو الزمن

الأسطوري الذي يشير إلى زمانٍ أول قديم حيث بداية الأشياء، وحيث يفقد

التاريخ قيمته الأساسية"[6] مومو إنده هي كاهنة الحبّ التي أخذت إنكيدو

جلجامش من يده إلى أوروك ذات الأسواق: "فسمع كلامها، وقبل نصحها/ مشورة

المرأة/ وقعت من نفسه حسنًا/ قسمت ثوبها نصفين/ بنصف كسته/ وبنصف الثوب

الآخر/ كست نفسها/ وكأمّ مشت به/ إلى مائدة الرعاة/ حيث الحظائر/ فتجمع

الرعاة حوله"[7] المرأة التي ارتحلت إلى أطراف الزمان بالقرب من بحيرة

الوحوش، وخلصته من توحّشه بأنوثتها، فأنسنته عبر رحيق جسدها، قبل أكثر من

4000عامًا مضت، متحديّة إرادة آلهة الخلود الذين خلقوه ندًّا لجلجامش.

هاهي تخلق من جديد، إنّها مومو، التي قادت كفاحًا من عتبة براءة طفولتها

الأنثويّة، مومو التي ترعرت على أطراف الزمن بالقرب من أطلال مسرح قديم،

ولكنه بعيدٌ عن الرجال الرماديين، آلهة هذا العصر وليس عصر جلجامش،

تمكّنت موم عبر درب اللامكان أن تخترق عتبة الزمن الذي قالت عنه: "الزمن

حياة، والحياة مقرّها القلب"[8]، وإلاّ فالحياة: "ظلام دامس وما من شعاع/

لا يرى من أمامه، ولا من خلفه"[9]. انتصرت مومو لثلّة من أصدقائها الذين

أشفقوا عليها وأسكنوها في مسرج دائري قديم، بيبو الكنّاس وجيجي المرشد

السياحي، باولو، ماسيمو، فرانكو، ماريا وأختها، ديدي، كلاوديو، نينو

وزوجته ليليان ونيكولا عامل البناء، والأطفال المترددين إلى مكان إقامتها

في المسرح المهجور، وكلّ الناس الذين: "كانوا يأتون بسرور إلى مومو كي

تستمع إليهم، وعندئذ كانوا يجدون أنفسهم"[10]، أما الآن فهم يعيشون ضمن

بيوت: "تقلب المعدة من الغثيان...إنّها أسوأ الأشياء الني بنوها، إنّها

صوامع للنفوس"[11]، إنهم يعيشون تحت حكم بنك توفير الزمن، الزمن المسروق

من البشر، الذي دفع بصاحب الحانوت وزوجته السمينة طرد رجال طيبين كبار في

السنّ من حانوتهما، وتحوّل الحلّاق اللطيف إلى رجل عصبيّ المزاج، متكدّر،

وأضحى الناس: "كسالى وخاملون، يسرقون الزمن من ربنا العزيز"[12]، ولم يبق

لمومو إلا لعبة بيبي غريل التي تنطق كالبشر، ولكنها تبقى بالنسبة إلى

مومو ذلك الشىء الذي يتحوّل الناس إليه ليتشيأوا على شاكلته، متوسلين بنك

توفير الزمن وأصحابه من الرجال الرماديين. إنّه ذات الموت الذي الذي

واجهه جلجامش مع صديقه: "لم يفتح إنكيدو عينيه/ وضع جلجامش يده على قلبه/

لم يتحسّس له نبضًا/ فرمى عليه وشاحًا كوشاح العروس/...ستة أيام وسبع

ليالٍ بكيت عليه حتّى سقطت دودةٌ من أنفه/ فانتابني هلع الموت حتّى همتُ

في البراري/...نظر إليّ وقادني إلى بيت الظلام/ إلى دار لا يرجع بصاحبه

من حيث أتى"[13]، تمامًا كما صحت مومو على موت زمن الناس الذي هو بمثابة

معرفة حقيقة تحوّل الناس إلى أشياء. وعندما رفضت مومو هذا الموت اتّهمها

الرجل الرمادي بوقوفها: "حجر عثرة في طريق أصدقائها، وتدمّر

تقدمهم..."[14] ثمّ عرّف عن نفسه أنّه مندوب بنك توفير الزمن فسألته من

دون أن تستسلم:

- ألا يحبّك أحد؟"[15] فضعف الرجل الرماديّ أمامها وأطلعها على السرّ،

لأنّه لايقدر أن يتحمل ألفاظ الحبّ ومعانيه التي تعرفها مومو جيدًا

والمتجسّدة بسلوكها، عكس إنكيدو المطبوع على التوحّش، كالرجل الرمادي،

ولكنه استجاب لامرأته التي دعته للحبّ فتضاجعا ستة أيام وسبع ليال حتى

نسيّ مسقط رأسه. ولم يستكن رجال الهيئة الرمادية لاعترافات مندوبهم أمام

مومو، فحكموا عليه بالتلاشي عقوبة له، وعدّوا مومو هدفًا خطيرًا لهم

لابدّ من تدميره، مع أصدقائها لأنّ:

 - " الأطفال أعداؤنا الطبيعيون... فهم أصعب بكثير من غيرهم من الناّس أن

تدفعه لتوفير الزمن"[16] كما عبّر رئيس الرجال الرماديّون، الأشرار،

سارقي الزمن من النّاس، ثمّ: "لاحت على شفاههم ابتسامة ضئيلة كحدّ

السكين"[17] وشرعوا يلاحقون مومو للقضاء عليها؛ إنّهم حرّاس غابة الأرز

المعاصرة الذين صرعهم جلجامش وإنكيدو في الملحمة العتيقة بعد أن: "انطلقا

سائرين خمسين ساعة مضاعفة أثناء النهار وقطعا مدى سفر شهر ونصف الشهر في

ثلاثة أيام"[18]الغابة التي تمتدّ مسافة عشرة آلاف ساعة من كلّ جهة، فـ:

"خلطت الملحمة الشعور الزماني بالوجود المكانيّ بشكل يمكّن القارىء من

تحقيق إدراك زمانيّ مكانيّ في نفس الوقت"[19] تمامًا كما وظّف إنده فعل

الأستاذ أورا، والسلحفاة كاسيوبايا، حيث اقتادا مومو إلى منزل اللامكان

عبر الزمن السرمدي، ليختلط الشعور الزماني بالوجود المكاني. لقد عمّق

إنده الأزمة وأضاف لها معان جديدة للزمان السرمدي المهيمن على مناخ

الرواية؛ إذ يجد المتلقي عند تمكن مومو من الإفلات من براثن الرجال

الماديين الذين ما انكفأوا عن ملاحقتها للتخلّص منها، دخلت في زمن

الأستاذ أورا، الذي استقبلها بحبّ، ثمّ ألبسها نظّارة الرؤية الكليّة،

فاكتشفت أنّ: "الرجال الرماديّين يعيشون من زمن حياة الناس، ولكنّ هذا

الزمن يموت فعلًا عندما ينتزع من صاحبه الحقيقي، لأنّ كلّ إنسان له زمنه،

ومادام ملكه بالفعل فإنّه يظلّ حيًّا"[20] إنّ الرجال الرماديين يحافظون

على وجودهم بأشياء ميّتة، وعندما يموت زمن الناس يسرقونه، وعندما يحافظ

الناس على أزمنتهم يعودون إلى العدم الذي أتوا منه. وحدها مومو قادت

مقاومة البشر على درب الأبديّة، إنّها جلجامش عصرنا، الذي صُدم بموت

صديقه، فبكاه كثيرًا، وسعى نحو الخلود، فلجأ إلى أوتنابشيم الخالد

(الأستاذ أورا) العارف لسرّ الحياة ولغز الموت، ودلّه الإله إنكي

(السلحفاة) فقاده إلى أعماق المياه وجلب نبتة الخلود، فأضاعها على الدرب،

لقد التهمتها الحيّة عندما أخرج زمنه من قلبه ونام. تُرى هل تفقد مومو

زهرة الزمن التي اهتدت إليها عن طريق الأستاذ أورا؟

        من منزل اللامكان (حارة لم تكن أبدًا) يأتي زمن البشر"[21]ومنه

ترى العيون وتسمع الآذان والقلب يدرك الزمن باستثناء الزمن المسروق

بالنسبة إلى القلوب العمياء والصماء، فهي لا تعي شيئًا رغم أنها تنبض.

لقد تمكّن إنده من نسج الزمن وموضعه في شبكة سحريّة، بحيث كان ملح السرد،

بل روح الشبكة التي ارتسم على سديها شخصيات تتواءم مع أفعالها المنتجة

للأحداث، في حيّز زمكاني مختلف، وتنكشف العيوب النسقيّة في بيئة التشيؤ،

لقد طمح إنده لتقديم نسق ثقافيّ جديد يفيد منه القارىء لامتلاك زمنه،

وبالتالي مصيره. فمن يخاف من الموت يستهين بزمنه، فيخرج من قلبه، ومن

يدخل الزمن إلى قلبه تحتفي الحياة به، ويبتهج بها، الزمن الذي بدا لمومو

زهرة مكوّنة من الألوان المتلألئة، محمولة على بندول يتأرجح، فكلما تذبل

ورقة منها تغرق في العمق المظلم، وتنتظر كبذرة ترقد في الأرض طيلة دورة

كاملة للشمس، كالكلمات التي تنمو بداخل الشخص الذي يجد زمنه في قلبه.

        تنامى الرجال الرماديّون، وخزّنوا أزمنة البشر في مخازنهم،

فتحوّل جيجي الحالم الذي كان يسير في دروبه الهائمة إلى جيرولامو الكاذب،

وصار صوته يضحك ضحكة ميّتة"[22] وأصبح بيبو الكنّاس يكنس من دون حبّ

للعمل، وحدّدوا للأطفال ألعابًا تفيدهم، ولكنّهم نسوا أن يجعلوهم مبتهجين

وحالمين. أليس هذا معادل لموت إنكيدو في ملحمة جلجامش؟ لقد: "بقيت مومو

وحيدة بعد أن انشغل عنها الأطفال وصديقيها بغية توفير الزمن..."[23]،

والوحدة صنوّ الموت، حتّى نينو لم يعثر على وقت لإجابة مومو في مطعمه

المعدّ للوجبات السريعة، وعندما برّر لها انشغاله عنها قائلًا: "إنّ أخطر

ما في الحياة هي أحلام الأماني التي تتحقّق"[24] نظرت إليه وفهمت بوجه

خاصّ أنّه مريض الموت، وعندما التقت بجيجي لاحظت حجم التغيّر فيه، فأدركت

أنها فقدته عن طريق العثور عليه، كما فقد جلجامش عشبة الخلود عندما

وجدها.

        رافقت مومو جيجي إلى المطار، فارقها التزامًا بزمنه الهارب من

قلبه، وضاعت السلحفاة كاسيوبايا منها، فتعثّرت بطريق عودتها إلى منزل

اللامكان في حارة لم تكن أبدًا قاصدة بيت الزمن، حتّى ضاع منها الأستاذ

أورا. كم حزنت لوحدتها التي عبّر عنها جلجامش: "أي أوتو: لم أعرف لي

أمًّا ولدتني، ولا أبًا ربّاني/ أنت من أوجدني في هذه الأرض ورعاني"[25]،

ثمّ سعى بحثًا عن الزمن المفقود حتّى عثر على عشبة الخلود وحملها

ليقدّمها إلى كبار السنّ في أوروك، لكنّ الحيّة أفشلت سعيه عندما

التهمتها. كذلك مومو تمكنت من العثور على مسرحها، وهناك دعت أصدقائها من

الأطفال والكبار إلى اجتماع لمواجهة الرجال الرماديين، ففشل الاجتماع،

كما حصل مع جلجامش، ثمّ جاءها الرجال الرمايون وقالوا لها: - "الناس

أصبحوا لا لزوم لهم منذ وقت طويل، هم أنفسهم تسببوا في ألاّ يكون

لأمثالهم مكان في الدنيا، ونحن سوف نسيطر على الدّنيا"[26]، هل استكانت

مومو للرجال الرماديين أم تجنبت حيّة جلجامش؟ في سياق الرواية نجدها

التقت مع السلحفاة التي قادتها من جديد على درب موزّع الزمن الأستاذ

أورا، وبعد ملاحقة الرجال الرماديّين لها واهتدائهم إلى موزّع الزمان،

أدركت أنّها لاتكبر، بل تصغر لأنّ: "الزمن عندما يسري إلى داخلك تزداد

عمرًا، وعندما يسري من داخلك تصغر عمرًا"[27]. لقد تجنبت مومو حيّة

جلجامش، وبنت منظومة معرفيّة جديدة مغايرة لمنظومة جلجامش. إلى أن

استطاعت في حارة لم تكن أبدًا أن تدفع الرجال الرماديين نحو التحلّل إلى

لا شىء عندما تطأ أقدامهم الحارة، لأنّ الزمن يخرج منهم في غمضة عين، ولم

يبق لهم إلاّ أن يستأنفوا تسميم الزمن بدخان سيجارهم، من دون القدرة على

التهام زهرة الزمن التي تحملها مومو. أما هي فقد صغرت عقدًا من الزمن

الذي استغرقته في عبورها، وأيقنت أن: "إصابة المرء باللامبالاة والكآبة،

يجعله لا يعبأ بأي شىء، ولا يغضب، ولا يتحمس، ولا يبتهج، ولا يحزن، وينسى

الضحك والبكاء، ثم يصبح داخله باردًا، ويفقد القدرة على الحب، ويضحي

المرء خاوٍ عبوسًا كالرجال الرماديين، يحمل سأمًا مميتًا ومرضًا غير

قابلٍ للشفاء"[28]، ثمّ استأنفت مومو صراعها مع سارقي الزمن، موظّفة زهرة

الساعة، لتدخل مغامرة توقيفه، فتجمد الأستاذ أورا، وسعت السلحفاة مع مومو

لإطلاق سراح الزمن متعقبةً الرجال الرماديين، حتى حدث زلزال الزمن على

شكل رنين لم يسمعه إنسان من قبل أبدًا: "لقد كان كزفير قادم من أغوار

مئات السنين، ثمّ انتهى كلّ شىء، لقد توقّف الزمن"[29] فتجمّدت كلّ

الأشياء والمخلوقات عندما فقدت مومو زمنها. حاول الرجال الرماديون الهروب

مبدين الهلع من زوالهم من الدنيا، وفاقدين لعقولهم ففشلوا، إلى أنّ قضت

مومو على آخر واحد منهم.

        ثمّ طارت سحابة فوق الأسطح، سحابة هائلة من الأزهار التي كانت

تنمو وتكبر، حتى عادت إلى قلوب البشر فعادت الحركة إلى كل شىء، لقد عاد

الزمن المخزّن لدى الرجال الرماديين إلى قلوب البشر، بعدما انتصرت عليهم

مومو. التقت مومو أخيرًا ببيبو الكنّاس، وكلاهما كان يضحك ويبكي على

التوالي ويتكلمان بلا انقطاع منتشيان من السعادة الغامرة، و: "الناس

كانوا يمرّون بهما، وظلّوا واقفين مبتهجين، يضحكون ويبكون معهما، لأنهم

جميعًا كان عندهم ما يكفي من الوقت"[30]وعندما عادت مومو وبيبو إلى

المسرح الدائريّ القديم كان جميع الأصدقاء بانتظارهما. أمّا جلجامش فلم

يتمكّن من الحفاظ على عشبة الخلود، فقدها بدرب عودته إلى أوروك، مدينته،

عندما سمح بخروج الزمن منه، ولذلك لن نجد في ملحمته أحدًا بانتظاره،

فرسّخ موت البشر منذ أكثر من 4000 عامًا، تُرى، ألم يحن زمن الخلود

للإنسان في عالم انتصارات الثورات العلمية المعاصرة؟ ألم يحن زمن الحلم

والخيال الخصب والمغامرة مع المجهول؟

مراجع ومصادر:

1.      ميخائيل إنده، مومو، ترجمة: باهر الجوهري (دار الفكر: دمشق، ط1، 2005)

2.      عبد الملك مرتاض، في نظرية الرواية (عالم المعرفة: الكويت، العدد

240، ديسمبر 1998)

3.      فراس السواح، جلجامش (دار علاء الدين: دمشق، ط1، 1996)

4.      طه باقر، ملحمة كلكامش (دار المدى: دمشق، ط5، 1986)4.

5.      محمد خليفة حسن، الأسطورة والتاريخ في التراث الشرقي القديم (عين

للدراسات: القاهرة، 1997)

6.      جميل حمداوي، مناهج النقد العربي (مكتبة المعارف: الرباط، ط1، 2010)

________________________________

[1] - مفهوم التناص: تبحث الدراسات التناصيّة في أصول الإبداع ومكوناته

الجنينية والكشف عن التعالق والتأثّر والتأثير والجدل بين النصوص على

المستويات الدلاليّة والشكليّة والتيميّة، وثمّة من عدّ كافة الأشكال

الثقافية هجينة مولّدة مزيجة مشوبة غير نقية، وما النصوص إلإبداعيّة إلاّ

حالة من: "امتصاص ومحاكاة للنصوص السابقة، وتفاعل معها عبر عمليات الحوار

والنقد والأسلبة والتهجين والباروديا والسخرية والحوارية"، إضافة لما

يحمله مصطلح التناص في النقد العربي من دلالات تتعلق بالتضمين والاقتباس

والإحالة والإيحاء والإشارة، إلى السرقات الشعرية التي من الممكن أن

تصنّف في سياق التناص أيضًا. جميل حمداوي، مناهج النقد العربي (مكتبة

المعارف: الرباط، ط1، 2010) من ص 37

[2] - فراس السواح، جلجامش (دار علاء الدين: دمشق، ط1، 1996) ص47

[3] - يتكوّن الزمن من أنواع مختلفة، وهي: الزمن المتواصل (الكوني)، هو

الزمن السرمدي المنصرف إلى تكوّن العالم، والأزل والأبد. ثمّ الزمن

المتعاقب، الدائريّ المغلق، يدور حول نفسه، ويتكرر ناسخًا نفسه، مثل

الأيام والشهور. الزمن المتشظي (المنقطع) لا يكررنفسه، كأعمار الناس.

الزمن الغائب، التعلق بحياة الناس، كالنوم ومراحل الطفولة التي لاتميّز

بين الماضي والمستقبل. الزمن الذاتي (النفسي)، وهو مناقض للموضوعي

المفروض على البش، بينما النفسي هو محالو تحويل الذات الزمن الطويل إلى

زمن قصير في لحظات السعادة والانتصار. عبد الملك مرتاض، في نظرية الرواية

(عالم المعرفة: الكويت، العدد 240، ديسمبر 1998) من ص199 حتى 208

[4] - طه باقر، ملحمة كلكامش (دار المدى: دمشق، ط5، 1986) ص42

[5] - ميخائيل إنده، مومو، ترجمة: باهر الجوهري (دار الفكر: دمشق، ط1، 2005) ص29

[6] - محمد خليفة حسن، الأسطورة والتاريخ في التراث الشرقي القديم (عين

للدراسات: القاهرة، 1997) ص121

[7] - فراس السواح: مصدر سابق، ص127

[8] - ميخائيل إنده، مومو، ترجمة: باهر الجوهري (دار الفكر: دمشق، ط1، 2005) ص79

[9] - فراس السواح: مصدر سابق، ص94

[10] - مومو: مصدر سابق، ص103

[11] - مومو: مصدر سابق، ص105

[12] - مومو: مصدر سابق، ص102

[13] - فراس السواح: مصدر سابق، ص ص، 62 و 64

[14] - مومو: مصدر سابق، ص117

[15] - مومو: مصدر سابق، ص119

[16] - مومو: مصدر سابق، ص140

[17] - مومو: مصدر سابق، ص166

[18] - محمد خليفة حسن: مصدر سابق، ص123

[19] - محمد خليفة حسن: مصدر سابق، ص125

[20] - مومو: مصدر سابق، ص177

[21] - مومو: مصدر سابق، ص184

[22] - مومو: مصدر سابق، ص ص، 201 و 203

[23] - مومو: مصدر سابق، ص235

[24] - مومو: مصدر سابق، ص235

[25] - فراس السواح: مصدر سابق، ص46

[26] - مومو: مصدر سابق، ص256

[27] - مومو: مصدر سابق، ص267

[28] - مومو: مصدر سابق، ص274

[29] - مومو: مصدر سابق، ص279

[30] - مومو: مصدر سابق، ص299

وسوم: العدد 698