رواية "قلبي هناك" في ندوة اليوم السابع

clip_image002_90454.jpg

ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني  رواية "قلبي هناك" للكاتب المقدسي مهند الصباح، صدرت الرواية عن دار الجندي للنشر والتّوزيع في القدس، وتقع في 218 صفحة من الحجم المتوسّط.

بدأ النقاش ديمة جمعة السمان فقالت:

قلب الروائي مهند الصباح لا زال هناك

رواية فتحت جروح الماضي وأحيت فينا مشاعر "النكبة" من جديد

 "قلبي هناك" رواية مهند الصباح أهداها الكاتب إلى قلبه النابض بها، إلى من كانت سببا ليكون قلبه هناك، إلى قريته التي هجر منها جده، إلى قرية قالونيا.

يستطيع القارىء أن يقرأ ما أخفاه الكاتب بين السطور، فالاهداء لم يقتصر على قالونيا، بل شمل كل قرية أو بلدة لا زالت تسكن في قلوب مهجريها، حيث انتهت مصائرهم في إحدى مخيمات اللاجئين، تاركين ذكرياتهم وراءهم تشهد أنهم كانوا هناك. حياة خشنة عاشوها في مخيمات اللجوء التي تكرمت وجادت عليهم  بها وكالة الغوث. لوحة رسمها الكاتب بإتقان، تصور لنا قسوة الحياة في المخيمات، وبيئتها غير الصحية، والحياة الاجتماعية  التي تحرمه من خصوصيته، حيث عاشها اللاجىء مكرها.

هي مخيمات وما أدراك ما المخيمات! تمضي الأيام، وتتحول الخيام المعهودة إلى اسمنتية، يتغير شكلها الهندسي الهرمي المألوف أيضا، ولكن وضع اللاجىء ونفسيته وظروفه تأبى أن تتغير. يكبر الأولاد في "تغريبتهم" ويدركون الأمور من حولهم على حقيقتها. يكبر الطفل ابراهيم، يلتحق بالجامعة ويتخرج منها وصديق الطفولة محمود، وكأي شاب مفعم بالحياة،  كان يظن أن الدنيا ستفتح أبوابها له فور تخرجه، وإذا به يصطدم بواقع البطالة التي تلاحق الشباب، وتقتل أحلامهم. وبعد سنتين من عذابات  البطالة يتعثر محمود في إحدى برامج المؤسسات النرويجية غير الحكومية التطبيعية (إن. جي. اوز). وما شجعه أن المنحة مدفوعة كاملة لمدة سنتين، بشرط العودة الى البلاد، مع ضمان العمل بعد العودة. وبما أن هناك فرصة لاثنين، يقوم محمود بإقناع إبراهيم التقديم للمنحة؛ ليكون رفيقه في السفر، خاصة وأن ابراهيم كان قد تعرض لصدمة عاطفية أوصلته مرحلة الياس،  فقد تزوجت حبيبته من آخر بعد فشله في إيجاد عمل، مما منعه من التقدم لطلب يدها، فضاعت منه فرصة الزواج من سلمى. ولم يكن قبول ابراهيم للمنحة سوى نوع من الهروب من واقع مرير. لقد أجاد الكاتب التطرق لهذه القضية التي تواجه شبابنا، وتدفعهم الى الهجرة خارج البلاد بحثا عن فرصة عمل.

أصابع اليد ليست واحدة، وهكذا هم الشباب المهاجرون أيضا، فمنهم من يلتزم بدينه وخلقه وعاداته وتقاليده في بلاد الغربة، ومنهم من يخلعها على باب الطائرة إلى حين عودته إلى البلاد؛  ليلتم الشمل من جديد، تماما كمحمود الذي سمح لنفسه أن ينجرف خلف الشّهوات والملذّات في النرويج. أمّا ابراهيم فقد كان ملتزما، وتقيّد بنصائح الجد الصديق الصدوق الحكيم، على الرغم من المغريات التي أوقعت العديد من ضعاف النفوس من الشباب في براثنها، الا أن تمسك ابراهيم بالثوابت التي نشأ عليها  جعله يرد شتى المغريات خائبة، مع ضرورة الاشارة أن الفضل الأكبر كان لجده وعلاقته المتميزة معه، فقد كان صديقا قريبا مخلصا لحفيده مثّل عنده الضمير. كم أعجبتني علاقة الحفيد بالجد، أتقن الكاتب وصفها، وأظهر أهميتها، فللجد والجدة دور كبير في حياة الحفيد، قد يؤثر به أكثر من أبويه،  وهذا ما كان.

ويعود  الصديقان إلى البلاد ليكتشفا أن العمل الذي حصلا عليه بعد حصولهما على المنحة  ما هو  سوى محاولة لترويضهما؛ ليقبلا الذل والهوان، وليغضا البصر عن الانتهاكات الاسرائيلية بحق أبناء جلدتهم باسم الحضارة والديمقراطية. فتغلب الضمير الوطني الانساني، وتركا العمل غير نادمين. فعاد محمود وزوجته النرويجية  إنغريد إلى النرويج× ليبحثا عن عمل يناسبهما. وبقي ابراهيم وزوجته صوفيا (وهي من أصول عربية ومن أم نرويجية) في القدس يديران مؤسسة تعنى بحقوق الانسان، ليعملا على إحياء الذاكرة الوطنية الفلسطينية، ينظمان رحلات إلى المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948. كل يروي قصة تهجيره من بلدته تاركا بيتا يحتضن ذكرياته وذكريات أسرته، ويعود العلم الفلسطيني يرفرف هناك عاليا حرا طليقا. وإذا بعين المحتل  ترقب من بعيد، فوقفوا له بالمرصاد، اعتقلوا وهددوا وحاولوا  إيقاف برنامج ابراهيم الوطني بشتى الوسائل، فلم ينجحوا، بل زاده ذلك إصرارا على المضي في طريقه.

وتتدخل عاطفة الأبوة محاولة منع ابراهيم من الاستمرار بالرحلات، التي قد ترمي به في غياهب سجون الاحتلال، فهدد الأب وتوعد محاولا استخدام سطوته وسيطرته كأب شرقي، إلا أن إصرار ابراهيم انتصر .

رواية عدلت البوصلة، وكشفت عن أصالة الفلسطيني، وكشفت عن مؤامرات يخطط لها الغرب تحمل عنوان الديمقراطية وحقوق الانسان، برامج تقود الفلسطيني بنعومة إلى التقيد بنص كتبه الأوروبي بذكاء؛ ليخدم مصالحه ومصالح الاحتلال يحمل شعار الديمقراطية، وهو براء منها ومن مفهوم الانسانية التي يتغنى بها الغرب، ويتصف فيها زورا وبهتانا.

وقال جميل السلحوت:

الكاتب الصباح في أواخر الثّلاثينات من عمره، ولد ويعيش في جبل الزيتون، وتعود جذوره إلى قرية قالونيا إحدى قرى القدس المهجّرة، عرفناه عندما تردّد منذ حوالي عام على أمسيات ندوة اليوم السّابع الثّقافيّة في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس، وهو شابّ هادئ، قليل الكلام.

مضمون الرّواية: تتحدّث الرّواية عن شابّين "ابراهيم ومحمود" فلسطينيّين لاجئين، درسا علم الاجتماع في جامعة بير زيت، وأكملا دراستهما لحقوق الانسان في أحد المعاهد النّرويجيّة، ثمّ عادا إلى القدس.

وقد أسهبت الرّواية في الحديث عن حياة الشّابّين في النّرويج، فمحمود كان شابّا منفتحا، انخرط في الحياة النّرويجيّة، فاحتسى الخمور وعاشر النّساء، في حين بقي ابراهيم محافظا، مع أنّه عشق فتاة "صوفيا" والدها عربيّ وأمّها نرويجيّة، وأحبّها حبّا عذريّا القصد منه كان الزّواج، فلحقت به بعد عودته، وتزوّجا هنا في القدس، بعد أن رفضت الزّواج منه في النّرويج، بينما يتزوّج صديقه محمود الفتاة النّرويجيّة "أنغريد". والقارئ للرّواية سيلاحظ اختلاف الثّقافات وما يصاحبه من اختلافات في الحياة اليوميّة في المقارنة بين الحياة في النرويج والحياة في فلسطين المحتلّة.

بعد عودة الشّابّين إلى القدس يعملان في مركز لحقوق الانسان يتبع النّرويج، فينتبهان إلى أهداف المنظّمات غير الحكوميّة العاملة في مجال حقوق الانسان، وبين فهم الفلسطينيّ الذي يعاني من ويلات الاحتلال لحقوقه كإنسان، ممّا دفعهما لترك العمل فيها.

والجزء الأخير من الرّواية مخصّص لزيارة مجموعات من اللاجئين الفلسطينيّين لقراهم المهجّرة المحيطة بالقدس من الجهة الغربيّة مثل:"الجورة، عين كارم، دير ياسن، المالحة، لفتا: قالونيا، اصطاف وغيرها."

البناء الرّوائي: استطاع الكاتب بناء روايته بطريقة منطقيّة، فربط عشرات القصص والحكايات بخيط شفيف، وبقي مسيطرا عليها حتّى النّهاية، وبسرده الانسيابيّ ظهر عنصر التّشويق جليّا، بحيث يجذب القارئ لمتابعة الرّواية من بدايتها حتّى نهايتها دون كلل أو ملل. وحبّذا لو أنّ الكاتب استغنى عن المقدّمة التي كتبها للرّواية، فلا مبرّر لوجود هذه المقدّمة.

اللغة: لغة الكاتب انسيابيّة فصيحة جميلة، وشابتها بعض الأخطاء اللغويّة والمطبعيّة.

ويلاحظ أنّ الموضوع الذي طرقه الكاتب، يكاد يكون غير مسبوق في الحديث عن حياة اللاجئين الفلسطينيّين الذين شُرّدوا من ديارهم في نكبة الشّعب الفلسطيني في العام 1948، ومدى حنينهم إلى ديارهم، ويصف مشاعرهم الدّافقة وهم يرون ديارهم، التي هجّروا منها.

وهذه الرّواية تنبئ بأنّ كاتبها سيكون له شأن في عالم الرّواية، كما أنّها تشكّل إضافة نوعيّة شكلا ومضمونا للمكتبة الفلسطينيّة والعربيّة.

وقالت نزهة أبو غوش:

الصّراع في رواية "قلبي هناك"

في رواية "قلبي هناك" نلمح مدى الصّراع الّذي يعيشه الشّابّ الفلسطيني الّذي هجّر عن أرضه ووطنه، علمًا بأنّ مهنّد الصبّاح من بلدة قالونيا المتاخمة لمدينة القدس والمهجّرة عام 1948.

عاش ابراهيم الرّاوي بطل الرّواية حياة صراع مع الحياة والأحداث منذ نعومة أظفاره.

صراع الأسئلة مع الاجابات عليها. هو يسأل عن حياته في مخيّم، عن الأرض، عن ترك الأرض الكنز الّتي يتحدّث عنها الجدّ في كلّ مناسبة؛ لكنّ الاجابات لم تكن لتقنع طفلا يعيش حياة البؤس في مخيّم انعدمت فيه كلّ وسائل الحياة المحترمة.

الصّراع القائم داخل المجتمع الفلسطينيّ، صراع الطّبقيّة الّذي خلق فجوة عميقة داخل نفسيّة ابراهيم وصديقه محمود في نفس المخيّم.

نتيجة لمفهوم الطّبقيّة، فقد محمود محبوبته سلمى، الّتي فضّلت آخر عليه من طبقة تؤهّلها  لحياة مادّيّة  أفضل.

انفصال سلمى، محبوبة ابراهيم عنه، خلقت في داخله صراعا مريرا وتساؤلات تشير لوقوع السّبب على شخصيّته الضّعيفة، ربّما؛ لأنّها كانت تلومه دائما لعدم انخراطه في أيّ من الأُطر النّضاليّة. كان صراعه مع نفسه في هذه المرحلة من أصعب الصّراعات، رغم أنّه ينحاز فكريّا إِلى سياسة القوّة والارادة؛ من أجل أن ينال الفلسطيني حقّه.

  عمل محمود، صّديق ابراهيم على ملء الفجوة الطّبقيّة من خلال سفره إِلى النّرويج، وحاول اقناع صديقه ابراهيم بالرّحيل معه؛ من أجل تكملة دراستة لحقوق الانسان.

عاش ابراهيم فترة من الصّراع، ما بين تركه الوطن، أو البقاء فيه دون عمل أو أمل للتّقدّم؛ حتّى قرّر أخيرا الرّحيل بعد الضّغط الّذي تعرّض له من قبل صديقه.

بيّن لنا الكاتب مهنّد صّباح صورة الصّراع الّتي يحياها الشّاب هنا في فلسطين. مرحلة بناء الذّات كانت هي الأصعب. كسب لقمة العيش بكرامة، وعدم إتاحة الوسائل والفرص لها، خلقت في نفسيّة الشّاب صراعا رهيبا توجّب عليه أن يقرّر الخروج للبحث عنها خارج الوطن بعيدا عن الأهل والأرض.

الصراع مع الغربة عاشه الصّديقان ابراهيم ومحمود.

بحث محمود عن فتاة نرويجيّة وعاش معها؛ من أجل ارضاء غرائزه، كانت صديقته بمثابة المسكّن، كما يقول." انغريد هي مسكّن آلامي الّذي لا ينسى" ص 91. هنا نرى في تعبير الكاتب مهنّد، كم هو صعب ذلك الضّياع الّذي يعيشه الشّابّ الفلسطيني في الغربة! هو يتأرجح ما بين قيم ومعايير اجتماعيّة موروثة؛ وبين حياة حرّة طليقة من هذه القيود المرهقة لأفكاره وغرائزه.

ربّما استطاع ابراهيم الثّبات والسّيطرة وعدم التّأرجح ما بين الحضارتين،  حيث أحبّ بصدق صوفيا، فتاة من أصل عربيّ لأمّ نرويجيّة، أخلص لها وتزوّجها وعاش معها بين أهله؛ لكنّه ظلّ يعيش صراعًا اجتماعيا وثقافيّا ما بين " نحن، وهم" حيث المقارنات الّتي كان يعقدها في خياله ما بين الحضارتين خلال احتكاكه المعيشي في النرويج.

صراع المغترب الفلسطيني في توصيل رسالته، بينما يقف بالمقابل آخر من الدّولة  اليهوديّة. هل يقف له بالمرصاد، أم يتعامل بحنكة ودبلوماسيّة – كما فعل محمود- من أجل كسب مواقف الآخرين وفضحهم أمام مواقف المؤيدين لهم؟

ظلّ ابراهيم يعيش هذا الصّراع ولم يتوصّل لقرار.

الصّراع الّذي ما زال قائما  بين أن يعيش الانسان الفلسطيني في مخيّم على أثر نكبة، ويعاني ضيق العيش والحرمان في وطنه؛ وبين أن يعيش طليقا بظروف توفّر له العيش بكرامة، غريبا عن الوطن الأُمّ؟

  أثناء التّجوال في البلدات المهجّرة المتاخمة لمدينة القدس، منها بلدة قالونيا، وعين كارم والقسطل؛ يتحدّث الرّاوي وكأنّ الزّائرين، أصحاب هذه القرى، وكأنّما "يحملون أشلاء ماضيهم" ص 164. " هم الآن في اغتراب زماني: زمن معاش وزمن آخر مفترض"ص164. وهل هناك أصعب من هذا الصّراع والاغتراب للإنسان الفلسطيني؟  

تحدث المفارقة عندما يحاول منظمو الرّحلات للقرى المهجّرة، وهم من أعضاء جمعيّة حقوق الانسان: ابراهيم ومحمود وزوجاتهم؛ حين يقابلون بمعاملة مخالفة لحقوق الانسان على أرضه، حيث يمنع من الصّلاة في مسجد القرية القديم في بلدة عين كارم، ويؤخذ ابراهيم للتّحقيق؛ بتهمة إثارة الفوضى والازعاج في البلدة.

يمكننا القول بأنّ الكاتب صبّاح تمكّن من عرض الأحداث بأسلوب مشوّق وبلغة سلسة متينة، تحمل في ثناياها الواقعيّة التّاريخيّة المطعّمة بأُسلوب روائي؛ كما تمكّن من إيصال رسالته الّتي تعبّر عن صراع الشّاب الفلسطيني على أرضه.

وقال عبدالله دعيس:

ينتصر مهنّد صبّاح في روايته (قلبي هناك) للحبّ، فتنتهي كل حكاية عشق بخاتمة جميلة، ببيت زوجية يجمع الحبيبين، وينتصر للآجئيين فيعيدهم إلى قراهم، ولو لزيارة قصيرة يتفّيؤون أشجارها التي تتوق لدفء أنفاسهم، ويستنشقون عبق ترابها الذي لطالما حنّوا إليه وحملوا حبّه بين أضلعهم.

"قلبي هناك" تقصّ حكايات عشق: أولها، حبّ الفلسطينيّ لوطنه، وارتباطه به مهما تقاذفته دروب الهجرة والإبعاد، ثمّ عشق الفلسطينيّ، الإنسان، للمرأة وإخلاصه لها، حتّى لو كانت من غير أرضه وعلى غير دينه. فما يجمع أطراف الرواية هو الحبّ، وليس الحقد والكره، مع أنّها تتناول موضوع اقتلاع الفلسطينيّين من أرضهم وتشتيتهم في مخيمات اللجوء. لكنّ الكاتب يتناول هذا الموضوع من جانب آخر مختلف، فيجعل هؤلاء اللاجئين محبّين، يخرجون دائما من حالة اليأس والإحباط، وانسداد أفق العيش الكريم، إلى بحبوحة من الحبّ والحياة الكريمة، وإن كانت منقوصة بعيدا عن الوطن، فيبقى القلب هناك، مدفونا في قالونيا، ودير ياسين والقسطل ولفتا منتظرا عودة ميمونة بإذن الله.

رواية (قلبي هناك) هي إضافة جديدة إلى أدب النكبة، وقضيّة اللاجئين الفلسطينيّين، وهي جهد يضاف إلى ما كُتب في هذا الموضوع. ومهما كُتب عن النّكبة الفلسطينيّة وعن حياة الفلسطينيّين في الشتات، فلن توفى حقّها؛ فلكل فلسطينيّ هُجّر من أرضه حكايات وذكريات، أهمها حكاية العشق لتراب قريته، الذي تكدّس في قلبه، وانتقل مع تراث القرية وعاداتها وتميّزها وتفرّدها، إليه عبر آلاف من السنين قضاها الفلسطينيّون متّحدين مع هذه الأرض، فلو اقتلع الفلسطينيّ من أرضه، ولو سوّيت مباني القرية بالأرض، ستبقى كلّ ذرة تراب فيها تحكي قصّة، وسيبقى كلّ فرد منها يحملها في قلبه، فتراث آلاف السنين لا يمكن أن يتبدّد في لحظات اللجوء.

وتتميز هذا الرواية، أنّها تناولت موضوع لاجئي قرى القدس الذين يعيشون في مدينة القدس نفسها، فوضعهم فريد، فهم لم يبتعدوا كثيرا عن أرضهم ولكنّهم لا يستطيعون العودة إليها إلا زائرين مراقَبين من شرطة الاحتلال. وهم أيضا يعيشون في مدينتهم التي يحبونها، كما كلّ عربي ومسلم، ومع ذلك يتوقون إلى قراهم وتتعلق قلوبهم بها؛ فليس هناك ما يغني عن الوطن، والتوطين خيار غير مطروح حتّى ولو كان في مدينة القدس. وتتميز الرواية أيضا أنها تدخل في النسيج الاجتماعي لأبناء المخيّم، الذين أصبحت تجمعهم حياة اللجوء، مع أنهم من قرى مختلفة، وكذلك لحياة الأسرة اللاجئة داخل المدينة، وتكيّفها للحياة فيها مع ارتباطها الوثيق بقريتها الأمّ.

وتعرض الرواية أيضا مشكلة الشباب الذين يتخرّجون من الجامعات ولا يجدون فرص العمل، إلا كأجراء عند العدو، أو يضطرّون للهجرة بحثا عن فرصة عيش بعيدا عن الوطن، فتصبح غربتهم غربتين وألمهم ألمين. وتتناول الرواية أيضا خداع المؤسّسات الأجنبيّة، التي تسوّق نفسها كمدافعة عن حقوق الإنسان ونصرة الشعب الفلسطينيّ، وانحيازها التام للاحتلال، وتبرير أفعاله المنافية لحق الإنسان بالعيش الكريم.

وتنتهي الرواية بعودة اللاجئين الذين يعيشون في القدس لزيارة قراهم ليوم واحد. وتبدو صورتهم هناك وكأنهم هم الأصل والعدو الذي استوطن الأرض وزرع فيها عماراته وشوارعه غريب طارئ، يعلم في قرارة قلبه أنّه مغتصب، ويخشى حتّى من زيارة عابرة لصاحب الأرض لأرضه؛ فهو يرى سمرة الأرض في بدن صاحبها، وهواءها في أنفاسه، وينظر إلى نفسه فيراها غريبة لا تنتمي إلى هذه البلاد، فيثور ليبعد هذا اللاجئ الضعيف عن أرضه، وليمنح نفسه برهة أخرى من الاستيطان عليها، موقنا أنّه زائل، وأنّ هؤلاء الذين يستقلّون الحافلات ويغسلون وجوهم من عيون الماء في لفتا وصطاف، لا بدّ أنهم عائدون إليها ولو بعد حين.

وكتبت رفيقة عثمان:

تصنّف رواية قلبي هناك، ضمن الروايات الواقعيّة، ويمكن تقسيمها على نصفين، النصف الأوّل من الرواية، اهتم في عرض على ما يبدو سيرة ذاتيّة للكاتب، ومن ثمَّ تدرّج نحو كتابة إحياء الذاكرة الفلسطينيَّة للمكان، والإنسان، والزمان،

اختار الكاتب الكتابة النبش عن الذاكرة الفلسطينيّة، من خلال إجراء الجولات المنظَّمة إلى القرى المُدمّرة والمُهجّرة، منذ عام 1948، وعام 1967. في غربي القدس؛ وكان البطل إبراهيم هو المرشد لهذه الجولات.

  لم يكن اختيار الكاتب عفويّا لهذه المناطق، خاصّةً قرية قالونيا، ولفتا، والقسطل، وغيرها من القرى المحيطة. نجح الكاتب في تسجيل بعض الأحداث والوقائع، والوصف لأحوال القرى التي قام بزيارتها، مع زائرين آخرين، بأعمار مختلفة، ومنهم من كان من المُهجّرين،

  حاز المكان على حيِّز كبير في نصوص الرواية، حيث كان للمكان حضور واضح، وهام في الرواية، بذكر كل أسماء القرى، والآثار القديمة، وكذلك حضور الزمان، "الزمنكيَّة."

استخدم الكاتب أسلوب السرد السلس لدور البطل بالتحدّث بضمير (الأنا)، مما أضفى مصداقيّة، وتماهيا مع شخصيّة البطل، وأتاح الفرصة؛ لإجراء أسلوب الحوار الذاتي (المونولوج)، بطريقة متكرّرة في نصوص الرواية. كما ورد صفحة 166، 168-170. هذا يُحسب لصالح الكاتب، افتقرت الرواية لعنصر الخيال الخصب، ولم تظهر قمّة الحبكة في الرواية.

لغة فصيحة، سهلة وبسيطة، ولم تخلُ اللغة من اللهجة العاميّة، وفق الشخصيّات التي تعكس لهجة القرية التي قدم منها البطل المتحدِّث؛ مما أضفى تشويقا على السرد، ولم يكن هذا الاستعمال مملّا بل على العكس.

صفحة 184، لم يكن تمهيد لولادة طفل لإبراهيم وصوفيا، حبّذا لو تخلَّل السرد تمهيدا بسيطا حول ولادة طفلهما.

  ورد صفحة 200، معلومات مغلوطة حول أصل أهالي قرية أبوغوش، " يقال أنَّ أصل أهل القرية يعود إلى الشيشان ، وأنغوشيا، وقد بني فيها مؤخّرا مسجد ضخم بأربعة مآذن على الطراز الشيشاني بتمويل من الحكومة الشيشانيّة"، حبّذا لو استند الكاتب على مصادر علميّة؛ لعرض هذه الحقيقة، وعدم الاعتماد على الأقاويل فحسب؛ كي لا يُعزّز الكاتب تشويه الهويّة لأهالي القرية، كما أراد لها البعض وعزلهم عن قوميّتهم، والتشكيك يهويّتهم. إن وجدت عائلة شيشانية واحدة قاطنة في القرية، فهذا لا يعني بأنَّّ أصلهم شيشان، كذلك بناء المسجد، لا يؤكّد بأنَّ أصل أهل القرية شيشانيون.

وردت أخطاء لغويّة، ونحويّة متعدِّدة في كافَّة النصوص كما ورد في الصفحات التالية على سبيل المثال:

       تذويد الفكرة – تذوُّت الفكرة- صفحة 16، يا لها من مفاجئة – مفاجأة - ص 35، ليسوا بأفضل حال - أفضل حالا ص46، ينفضّ المصليِّين – المصلُّون،

       كان جدّك وجدّتك ( يقولون – يقولان )، ( يتناولون- يتناولان)، (يضيرهم- يضيرهما)، ( يملُّون- يملَّان)، ( يكلُّون- يكلَّان). ص 92، اطلقننا – انطلقنا ص 92

       كما فعل زاك وبربارة معك. هم من يريدونها حرب – هما كما يريدانها حربًا ....ص95، نتحدَّث فيما بعد حتّى لا تملِّين - حتّى لا تملِّي ص 123، كيف احوالكم؟ - احوالكما؟ (إبراهيم ومحمود ص 137، ترق لي بنتًا في هذه المدينة- بنتُ ص144، تسأل – لا تسلْ ص144

تعتبر رواية "قلبي هناك"، رواية توثِّق أسماء الأماكن مع تعاليمها، وأحداث جرت فيها في زمن قبل التهجير. من الجدير ذكره بأنها رواية تنعش الذاكرة، وتستحق قراءتها خاصَّة من قِبل طلاب المدارس؛ كي لا ينسوا.

وكتبت هدى خوجة:

جاءالعنوان مناسبا وملائما لمحتوى الرّواية، ومن حيث الغلاف؛ صورة القدس مع استخدام الوان ترابية تبين عشق الكاتب لأرض وتراب القدس الشّريف.    

لغة الرواية عميقة، جميلة واستخدمت أحيانا اللغة المحكية؛ لتقريب المعنى والهدف، والأسلوب سهل ومتناسق؛ ومشّوق ومؤثّر. تتطرق الرّواية لقضية اللاجئين والنكبة والمخيّم وحقوق الإنسان، تشمل على أربع وثلاثين فصلا تبدأ بالنّشأة وتنتهي بفصل نقطة انتهى.

ولا يزال الكاتب يذكرنا بحلم العودة وحق العودة؛ ص13" فهل ستضمن لنا العودة إلى قرانا المهجّرة؟"

أم مجرّد مشروع يهدف إلى تصفية اللاجئين؟ 

"اهتم بسؤال واحد فقط: هل سنعود إلى قرانا المهجرة منذ 1948؟!"ص14  

" لا شيء ينسي اللاجئ أصله" ص16 

وردت عدّة تشبيهات جميلة في الرّواية منها على سبيل المثال؛ " ازداد منسوب شغفي من الأسئلة التائهة التي تلاطمت كأمواج بحر هائج،"ص23

عرج الكاتب على الجامعات الفلسطينيّة باختلاف الأيدلوجيات أو ما يسمى بالعرس الديمقراطي، كان هنالك ثورة اجتماعية واضحة مع التّركيز على الحراك الاجتماعي ، وفلسفة علم الاجتماع. احتوت الرّواية على العديد من الأقوال والأمثال الشّعبيّة مثال " من طين بلادك لطّ أخدادك"ص32   "فرجي عذرك ولا تفرجي بخلك" ص190. وأيضا "المهاهاة " والأغاني التراثيّة ص193.  وكان هنالك تطرق للسفر أو الهجرة، مع التركيز على مجال حقوق الانسان.

  وصيّة الجد الحكيم كانت قبل سفر إبراهيم؛ لتعميق الأفكار ووضعها على بساط الواقع؛ حيث جاء بها يا جدي إنك ستسافر بعد غد إلى بلاد غريبة، أهلها ليسوا كأهلك، عاداتهم ليست كعاداتك،أرضها ليست تشبه أرضك، لغتهم تختلف عن لغتك، ولا تأمل من أحد شيئا لكي لا تصاب بالخيبة"ص57

حيث تجارب الأعوام وضعت ببضع دقائق أمام الحفيد لاتقاء نيران الغربة.

استخدم الحبكة والحوار بشكل جيد،وكانت المفاجأة بسفر صوفيا إلى موطن إبراهبم.

  حب الأرض سامٍ في الرواية، مع بيان قصص تهجير القرى وأسماؤها منها عين كارم وبيت مزمل وتزوير أسمائها،  بيت محيسر ،  صوبا وعمواس ولفتا  ومجزرة دير ياسين.

وفي النهاية إلى متى سنردد: سنرجع يوما إلى حينا ص214؟

وكتبت هدى عثمان أبو غوش:

قسم الكاتب الرواية إلى عدة مراحل  ما بين ألتنشأة، ألغربة ،العودة ،والزواج وختاما ذاكرة النكبة .

 برزت الناحية العاطفية في الرواية بشكل مؤثر أثناء جولة قام بها بطل الرواية ابن المخيم  إبراهيم إلى القرى المهجرة عام 1948 في غربي القدس حيث انفعل المشاركون وعبروا عن مشاعرهم وذكرياتهم ، وقد نجح في توثيقه للقرى من خلال سرده الدقيق لمعالم القرى والعقبات التي واجهوها خلال زيارتهم للقرى من قبل المستوطنين والشرطة.

بينما جاءت علاقته العاطفية نحو حبيبته صوفيا النرويجية  بشكل مقيد حيث سيطر عليها الحوار الثقافي والفكري.

الرواية خالية من المشاهد العاطفية أو الجنسية، بل يحيطها صورة الشاب المحافظ الذي لا يتأثر بمغريات وحرية الغرب. بعكس صديقه محمود المنفتح الذي يرى بأن الحرام هو شيء نسبي في علاقته مع حبيبته إنغريد .

أُسلوب الكاتب جميل، سلس،  بسيط ، غير معقد ، بلسان الأنا . نمط الرواية هادئ فعاصفة الأرض والعاطفة لا تهب إلا قليلا من خلال ردة فعل لبعض الشخصيات وسرعان ما تخمد .

تفوح رائحة الماضي والذكريات من خلال الحوار العامي وبعض من أغاني  التراث القديم والمونولوج، إستشهد الكاتب على لسان إبراهيم  بقصيدة للشاعر هارون هاشم رشيد في ذكرى النكبة ليعبر عن مدى الحنين والشوق للعودة  لقراهم. انتقد الكاتب على لسان إبراهيم الخطابات والشعارات الطويلة التي يستبعد تحقيقها على أرض الواقع .

  تأثر بطل الرواية من أقوال جدّه التي ذكرها لنا من خلال سرده، "الشر سياج لأهله "  " لا فهم ولا إرادة.

بعض الملاحظات التي لفتت انتباهي في الرواية وهي:

لم تكن أي إشارة لإنجاب طفل لإبراهيم حيث قام الكاتب بمفاجأتنا به خلال ذكره بعدم مقدرته أن يحتضنه. صفحة185.

أشار الكاتب لأُصول قرية أبوغوش بشكل خاطئ حيث نسب أُصولهم للشيشان ولم يعتمد على مصادر موثقة صحيحة .

وقالت رنا القنبر:

من يقرأ رواية قلبي هناك لمهند الصباح منذ الصفحات الأولى يستطيع أن يدرك حجم الثقافة والوعي التي يمتلكهما الكاتب، فمهند يطرح أمامنا عمقا من نوع أخر، يطرح ويشكك ويتساءل، ولا يملك يقينا مطلقا لأفكار بطله في الرواية، وآراء عدة مغايرة؛ ليدعونا للتساؤل والبحث، متغلغلا في سوسيولوجيا المجتمع  الفلسطيني في اكثر من مرحلة، مستعرضا مسائل شائكة وافكارا جدليّة بنوع من الحيادية والكثير من الذكاء، ، ويضعها في عمل روائي جميل وهو باكورة أعماله .

 تطرق الصباح في روايته إلى الجانب الإنساني والإجتماعي في آن واحد، فالكاتب أظهر عدة جوانب في الحافلة التي اعتبرتها قلب الرواية، فقد تناولها بفلسفة جميلة، حيث أظهر الصراع بين الأجيال وبين جيل الشباب نفسه، الذي ينقسم الآن في الرأي والفكر والمبادئ والوعي في شخصية ثائر الشاب المتحمس المقهور، الذي لا يحسب خطواته، وشخصية إبراهيم الشاب الذي كان دائم البحث كثير السؤال .

ما ميز العمل من وجهة نظري أن "إبراهيم" وهو الشخصية المركزية في الرواية،  كان باحثا في زمن افتقدنا فيه السؤال والبحث، فلم يكتف بما تناقلته الأجيال أو ما قاله الأجداد والآباء، فأصرّ أن يخوض غمار المرحلة بنفسه؛  ليبحث عن ذاته، ونقطة ارتكاز لاشباع ذلك المتردد فيه .

في صفحة 83 يقول الكاتب على لسان محمود "لا شيء ثابت مع مرور الزمن. الثابت الوحيد أنّه ليس هناك شيء ثابت ضمن إطارنا البشريّ"،  فيرد  عليه ابراهيم  بعد نقاش وجدال أنا لا أفهمك يا أبن المخيم فيجيبه محمود " ها قد تفوهت بها. المخيّم لو أنني سلّمت بثبوت المخيم كمصير حتميّ لي ما وجدتني هنا " ومن هنا استطيع القول بأن مهند كان واعيا بما طرحه أمامنا في هذا الوقت بالتحديد، باختلاف المتغير سواء كان سلبيا أم ايجابيا، فعلينا أن نعترف أن ليس ثمة ما هو ثابت حقا، وأن نتساءل عن كمية المبادئ والافكار الذي تبنيناها "بالتوريث"، ربما هل هي صحية أم لا، هل تتماشى مع وضعنا الراهن أم أن عواطفنا هي الغالبة دائما؟ وماذا عن الخوف الذي بات رفيقنا، وخشيتنا من كل ما هو جديد الذي نعتبره دخيلا؟  فيذكرني الكاتب بنظرية الكهف لافلاطون التي أحببت الوقوف عندها، ومن وحيها أتساءل عن أيّ نور نبحث  داخل الكهف إن كانت الشمس في انتظارنا خارجه؟ لكن نحن نكتفي بما ورثناه وربما لا نسعى للمزيد.

امتازت الرواية بأسلوب السرد السهل الممتنع، تطرح عدة مواضيع مختلفة بحبكة عالية وجميلة، لم يتوفق الكاتب في العناوين في الرواية، خصوصا أن الأحداث جاءت متتالية ومتسلسلة، فلم يكن بحاجة للتعريف بها أبدا، وأخيرا أقول أنّ الكاتب أصر أن لا يضع نفسه داخل إطار محدد، فطرح أمامنا عدة تساؤلات وعدة حلول؛  ليدعو القارئ للسؤال:  هل وجد إبراهيم نفسه؟ وماذا حملت قصاصة الورق؟  هل كتب  إبراهيم  " نقطة انتهى" لحديث والدته وجده ووالده، ومن أصرّوا على منعه من الاستمرار، وعاد إلى رحلته الطويلة التي لا تنتهي؟ وما نفع الإنسان دون قلبه؟

وكتبت رائدة أبو الصوي:

 بانوراما .منظر شامل في كل اتجاه .رواية تلخص القضية الفلسطينية من مختلف الزوايا .رؤيا واعية للأحداث .

ماذا فعلت بي رواية "قلبي هناك"؟

شعرت بالأرتواء والاشباع والاستمتاع .أنطق الكاتب الحروف والشخصيات، طاقة هائلة في السرد ، يجد القاريء في هذه الرواية ضالته .فيها اجابات وتحاليل للكثير من المشاهد .اشباع روحي ونفسي وفكري واجتماعي وسياسي .

من خلال الشخصية الرئيسية في الرواية ابراهيم وزميله محمود استطاعا التعرف على طبيعة عمل المؤسسات الدولية لحقوق الأنسان ، موضوع لم يتطرق له من قبل في الروايات الا ما ندر .

ما أحوجنا هذه الأيام للأطلاع على طبيعة عملهم وعقلياتهم وأجنداتهم .

نحن نعيش في مرحلة نشاطهم وكثرة مكاتبهم في الوطن العربي بشكل عام وبلادنا بشكل خاص .

هذه المؤسسات التي تجد فرصتها في العمل، وتستمد قوتها من خلال الأوضاع المؤلمة والقاسية التي تمر بنا .

قلبي هناك وأوضاع الشباب ورغباتهم ومتطلباتهم وما يواجههم من عقبات في غاية الخطورة في مشوارهم التعليمي في الغربة ،وما يترتب على أخطائهم من تبعات في المستقبل .سرد شيق جدا  للأحداث .

بداية بالعنوان (قلبي هناك ) وما أكثر الرموز التي يتعلق بها القلب ،القلب يتعلق بالوطن ...بالحبيب...بالأهل ...بالقضية الخ.

هنا الكاتب وضعنا في حالة من البحث والتشويق ، قلب الكاتب أين؟

في الوطن مع سلمى أم بالنرويج مع صوفيا ؟

تطرق الكاتب لقضية الشرف وتأثيرالحالة النفسية على اتخاذ القرارات المتعلقة بارتباط الفتاة بشاب وتكوين اسرة .

حتى في الغرب ."الشرف هو ميزان الحكم" هو أساس استقرار الحياة الزوجية

عندما رفضت صوفيا الزواج منه رغم ارتباطها به عاطفيا .

والسبب هو فقدانها لعذريتها؛ بسبب تعرضها للاغتصاب في ألمانيا. وجه الكاتب رسالة إلى جميع الفتيات لليقظة وابداء الحذر في التعامل مع الأصدقاء.

صوفيا استغلت من قبل أصدقائها .شربت حتى الثمالة وفقدت عذريتها .

رسالة إلى البنات في منتهى الأهمية أن الرجل الشرقي ينظر لك تلك النظرة المحافظة، ولا يرتبط بأي أنثى مهما كانت جميلة اذا فرطت بشرفها .

تلك النظرة تعرفها نساء الغرب عن رجال الشرق .وجه الكاتب الرسالة في منتهى الذكاء .الراحة النفسية سرقت من صوفيا بسبب تلك الحادثة رغم مرور 7 سنوات عليها .حادثة تركت خلفها ألما وجرحا عميقا داخل قلب صوفيا .

وقفت تلك الحادثة كالصخرة أمام رغبة صوفيا بالارتباط مع ابراهيم الشاب الشرقي؛ لأنها تعلم أن تلك الحادثة ستبقى وصمة عار تلاحقها كظلها حتى ولو كانت ضحية .الرجل الشرقي لا يرحم .

التلاعب بالأرقام والحروف واستخدام أسماء الشخصيات بطريقة لافتة ،رقم 13 وتشاؤم الدول الأسكندنافية منه والسبب وجود 13 عقدة في حبل المشنقة .

جاك وزاك ، والد صوفيا بائع زهور، لم ينتق الكاتب مهنة والد صوفيا عبثا

بائع زهور. صوفيا زهرة تعرضت للانتهاك كالقضية الفلسطينية .صوفيا الفتاة النقية التي تعاملت بطيبة وتعرضت للاغتصاب ، تماما كما تعرضت أرض الوطن للاغتصاب .

في الرواية تضحية واشتياق وانتماء ووفاء وعطاء وارتباط بالعادات والتقاليد وتمسك بالروابط الأسرية .اطلاع على عادات غريبة مثل عادات أهل النرويج ولغتهم "البوكمول" ،لا شك أن الكاتب مطلع على عادات وثقافة شعوب العالم .

قاريء ممتاز .لديه فلسفة.

عندما كتب عن الأمل ...الأمل له درجات ،أمل ...شبه أمل ...خيبة أمل .

زيارة القرى المهجرة غرب مدينتنا العزيزة القدس ، قالونيا /لفتا/القسطل/دير ياسين/بيت سوريك/بدو/بيت اكسا وغيرها .

موقف سائقي الحافلات وتصرفهم الخالي من التلاحم .تصرفهم فيه عقدة الدونية،  عقدة الخواجا واحترامهم للسواح الأجانب أكثر من أبناء الوطن .حكمة عظيمة وجهها الكاتب في الرواية عندما كتب "نرتقي عندما نلتقي على وطن واحد، حين نقف تحت راية واحدة، حين يجمعنا هم واحد"

وصف الزغاريد وصفا جميلا عندما قال ص 193:" تنطلق الزغاريد عاليا كأنها صادرة من سرب عصافير يغرد فرحا لفرخ جديد نجح في اختبار الطيران لأول مرة .الكاتب الشاب يشبه هذا الفرخ الذي نجح بامتياز في التحليق عاليا في سماء الأدب في الوطن والعالم العربي.

الرواية لم تستثن أي مواطن مقدسي في تسلسل أحداثها ، أمّ أنطون كان لها دور مهم في الرواية وبيتها في حارة النصارى كان حاضرا .

ساريس وبيت محسير .معلومات خاصة بالمكان والزمان وضعها الكاتب بين دفتي الرواية . الرواية تزينت بأبيات رائعة من قصيدة الشاعر الكبير هارون هاشم رشيد

سنرجع يوما الى حينا ...ونغرق في دافئات المنى

سنرجع مهما يمر الزمان .....وتنأى المسافات ما بيننا

فيا قلب مهلا ولا ترتمي..... على درب عودتنا موهنا

يعز علينا غدا أن تعود .....رفوف الطيور ونحن هنا .

وقالت آمال القاسم:

رواية قلبي هناك واختلاف الثقافات

عن دار الجندي للنّشر والتّوزيع في القدس، صدرت بداية العام 2017 للرّوائيّ المقدسيّ مهند محمد الصباح، وتقع الرّواية في 218 صفحة من الحجم المتوسط

مضمون الرواية لا شك أنه سياسي اجتماعي، تميز بالواقعية، حيث تناول قضية اللاجئين من خلال رواية الشباب المقدسي،  فتألق في وفائه لعرض معاناة الشباب المقدسي من خلال 33 فصلا،  مُسخّرا ابطال روايته لايصال رسائله من القدس وإليها . جسد الطابع الديني لمدينة الديانات الثلاث الاسلامية والمسيحية واليهودية، من خلال استخدامه أسماء ذات دلالات مثل حارة النصارى وأم انطون المسيحية، وكذلك ذكر حائط البراق (الكوتل )بطريقة لطيفة ملفتة وأضفى جمالا على طقوس يوم الجمعة والأكلات المفضلة للمقدسيين مثل المقلوبة، وأكد على الطابع الاسلامي للقدس بحديثه اللطيف عن فن العمارة والطابع العثماني للبناء.

لم يهمل أي من جوانب الحياة في القدس المحاصرة المعزولة، ليس للمقدسيين سوى منفذين للعالم الخارجي جسر الملك حسين ومطار اللد.

تميز أسلوبه بعنصر التشويق مستخدما مفردات ومعاني بسيطة، عكست مدى ثقافته الواسعة، كما عكس انتماءه الفكري اليساري.

 وممّا ساهم بشكل فعال في عنصر التشويق لدى القاريء حسن اختياره لعناوين الفصول ال 33 كان موفقا، وكانت العناوين ذات دلالة ترتبط بالمضمون، ولعبت دورا في تشويق القاريء وتحفيزه على التخيل ومحاولة استباق الأحداث.

وكما تميزأسلوبه بسلاسة الانتقال بين الفصول، والربط الموضوعي للاحداث في مختلف الفصول ال 33 دون اهمال للربط الدقيق بين الأحداث والزمان، فاعطى كل زمن حقه.  بساطته في التعبير أضافت مسحة جمالية على الرواية باستخدامه  مفردات شعبية (يمّه، سروال، تشعتشة، تحويشة العمر، القمباز، داية، يخرفوك.

 (9 ،18،38 ،165 ،174،191،193 ) واستخدم الامثال الشعبية :( فرجي عذرك ولا تفرجي بخلك، ورجل بالبيت ولا شهادة على الحيط ) على الرغم من أنّ بعض هذه الأمثال قد عفا عليها الزمن، ولم تعد مستخدمة ولكنه  ظهر على طبيعته دون تكليف، لم يفتعل صورا وأحداثا وصف المكان جيدا فهو ابن القدس، ويعرف أسماء حاراتها وشوارعها(باب العامود وشارع صلاح الدين وواد الجوز، وباب المغاربة، وحائط البراق حارة النصارى وباب الخليل ) يعرف عادات أهلها يعرف تماما ما لذي يجري بالقدس، ويعرف أيضا ردّات فعل المقدسيين، يشعر بأنّاتهم وآهاتهم، هو ابن القدس لا شك، عبّر عن غضب الشباب المقدسي وطموحهم ومعاناتهم، وأيضا عن التحدّيات التي تواجههم،  أينما يتجه الشباب المقدسي يواجهه الاحتلال المرير الذي يحد من طموحه، ويحدّد سقف أحلامه مستخدما في ذلك لغة الشباب الدّارجة بينهم ، في نفس الوقت حافظ على العائلة الممتدة، وجود الجدّ والجدّة لربط الماضي والحاضر، وليدير من خلالها صراع الأجيال، وانتقال حلم العودة إلى الجيل الجديد، أراد من خلالهما الحفاظ على التراث والعادات والتقاليد.

كاتبنا الشاب المثقف قنّن دور المراة المقدسية مقتصرا على دورسناء أخت بطل الرواية وأمّه. ولم يخف علينا مدى تاثره بالواقع المرير، ومدى تأثيره عليه عندما قرّر قبول عرض المنحة عليه؛ للدراسة في الخارج لتامين عمل له.

كان موضوعيا شاملا دقيق الوصف والتشبيه، لدرجة أنه لو حضرت ريشة فنان لرسمت لوحة فنية دقيقة التعابير.

"ثورة حتى التخرج "

اختار لأبطاله أسماء مألوفة كابراهيم ومحمود، أمّا اسم حبيبة البطل فاختار أن يكون سلمى، ذلك الاسم الأصيل  الذي قلّ استخدامه، ومن خلاله عبّر عن الصراع الطبقي في المجتمع المقدسي، فسلمى ابنة عائلة أرستقراطية غنية، تختار زوجا يليق بمكانة عائلتها على الرغم من ثوريّتها، مبديا ذلك لغير صالح المرأة، ويعيب عليها ذلك متجاهلا قوانين المجتمع الذكورية السلطوية، عارضا ازدواجية التفكير لدى بطل الرواية الذي يقع في حب صوفيا المرأة الأوروبية فاقدة العذرية، وارتباطه بها لاحقا والدفاع عن حبه لها، موهما نفسه أنها تشبه سلمى، مسخرا ذلك لاظهار صراع الثقافات العربية والأجنبية، محطما في ذلك العادات والتقاليد التي تعتبر ذلك أمرا معيبا، ولكنه سرعان ما أوجد المبررات لذلك باعتبار أن صوفيا فقدت العذرية مكرهة حيثاغتصبت.

هنا أتوقف طويلا أمام هذا المشهد، الذي تناول فيه الكاتب  بطل روايته  ذلك الرجل الشرقي القادم من مجتمع ذكوري؛ لأطرح سؤالا:  هل حقا اراد الكاتب إيصال رسالة اجتماعية معينة من خلال هذا؟ وهل أراد أن يفضح الرجل الشرقي الذي يمارس سياسة التمييز بين المراة الأجنبية والمرأة الفلسطينية لصالح الأجنبية؟

أبدع كاتبنا في الفصول الأخيرة من الرواية، حيث قدم توثيقا واقعيا دقيقا لنهوض الوعي لدى الجماهير الفلسطينية، وتوجهها لاحياء ذكرى النكبة من خلال تنظيم زيارات إلى القرى التي هجر أهلها قسرا، فتألق في رسم لوحة من الفسيفساء لقرى القدس المهجرة، على الرغم من الإطالة التي أدت إلى التكرار، ولكنه أراد أن ينصف  قرى القدس المهجرة، وأراد التأكيد بأنّ الصراع لا يزال قائما، وأن حق العودة انتقل عبر الأجيال، وأصبح حلم الشباب والمواجهة حتما قادمة.

جمال هذه الرواية يكمن في الروح الشبابية العارمة فيها (أحاديث الشباب وأسلوب التعامل والأماكن التي يرتادونها، يضيق بهم العيش في القدس، لا يوجد خيارات حتى لو قرروا احتساء فنجان قهوة، الأماكن محدودة هي ذاتها في شارع صلاح الدين. القدس مركز الحياة عليك أن تثبت ذلك، لا تستطيع أن تغادر القدس وإلا ستفقد الهوية الزرقاء للأبد، وسوف تطوف على مداخلها تستجدي حق الاقامة وسجدة في مساجدها، وتراودك بالأحلام ويطاردك صوت بائعات النعناع على درجات باب العمود، ورائحة البن والبهارات تتطاير بخيالك، تعصف بأحلامك كل الذكريات، أتوقف عند وصايا الجدّ الذي يؤكد على هويته، ويركز على أننا في الغربة ضيوف، وإن طالت هجرتنا لا بد أن يكون لنا عودة، وأجمل ما في الوصايا يطلب من حفيده ألا يقارن بين ثقافتنا وثقافة الغرب، حتى لا يهمّش ثقافتنا فيصبح أسير غربتين.

وكتب ابراهيم جوهر:

رواية كُتبَت برويّة ووعي فجاءت تحمل اللغة الجميلة والأسلوب المشوّق وهي تشخّص أمراض الجشع والأنانية والبحث عن خلاص فردي بعيدا عن خلاص الوطن بأرضه وناسه ومستقبله وتنتقد نَزَقَ فئةٍ من النّاس ممن يستعجلون الهجرة بعيدا عن الإسهام في إعمار البلاد وواقعها.

"قلبي هناك" رواية تنتصر للحلم الباقي وتحفظ الذّاكرة الجغرافية للوطن، وتقدِّمُ كاتبها بثقة وقوّة في عالم الأدب.

وكتب طارق السيد:

قلبي هناك وتغريده خارج السرب

مع انتهاء قراءتي لرواية الكاتب مهند الصباح، أيقظني الشعور بحاجتنا للوقوف للحظات مع الذات ومحاسبتها .

قلب إبراهيم هنا وهناك، ما بين تهجير وتشتيت وحب يحاول أن يلملم أجزاءه بين حطام الحياة وحطام المخيم .

الجرح النازف الذي لم يلتئم بعد، بعد خسارة الأرض لم يبق إلا الذكريات التي تعمل عمل المورفين الذين يبقيه على قيد الحياة، يجوب في مخيم تفوح من جدرانه رائحة السردين، وطلاء حليب البودرة وهم من كانوا يملكون الاقطاع والحياة الرغيدة المستقرة. أين سيرحل القلب؟ وكيف سيظل هنا وهناك؟

بدأ الكاتب سرد روايته التي اعتمدت على السرد والحوار والمزاوجة بينهما بتسارع زمني، من المدرسة حتى الجامعة، والسفر والعودة والزواج والعمل، قطار ابن المخيم الفلسطيني الذي يسافر به ما بين وجع وحقيقة، ما بين أمل ورجاء .

لماذا إبراهيم؟ هل الاسم محض صدفة أم أن إبراهيم له رسالة في الأرض؟ أم أن الاسم جاء مسافرا بعفوية، أم أنه يتقاطع مع تيه إبراهيم، كانت رسالة البحث مع كلمات إعادة الى ذهني "فعلها كبيرهم هذا ."

الزمن في الرواية كان متسارعا وعلى شكل ومضات، تمثل قطار الزمن للشاب الفلسطيني الحالم، والذي يبعث رسائل جدلية باستمرار ويناقش القضية بطريقة روائية جميلة، فهو يعرض القضية بحيادية، ويظهر التناقض الفلسطيني ببداية الرواية والصراع ما بين الجد الذي يسعى بالمحافظة على جذوره، وما بين إبراهيم الذي يحاول أن يجاري أصدقاءه باللهجة المدنية، والتكيف مع حال المدينة، كما أيضا كان الخروج من المخيم يمثل له الخروج إلى دنيا غريبة، كخروج أليس في بلاد العجائب إلى حياتها الجديدة الغريبة .

لم يركز الكاتب على عنصر الزمان؛ لأنه اهتم بالقضايا على حساب الزمن المتسارع.

لم يجد إبراهيم قلبه في بلده، بل وجد نصفه الآخر في النرويج مع صوفيا، تلك الفتاة نصف العربية، والتي ألبسها ثوب الالتزام والمحافظة والاتفاق العقلي والمنطقي، كما نجد أيضا في أبيها النصف الشرقي الأكثر تأثيرا في تربية ابنته، ونلحظ ذلك من خلال مشهد كأس العرق الذي يواريه عن نظر إبراهيم احتراما لمشاعره .

لفت انتباهي شخصية (محمود ) ولست أعلم إن كان ذكاء أم عفوية، أم هي الشخصية الواقعية التي أرادنا الكاتب أن نراها، شخصية تحمل أبعادا واقعية، بالبداية نرى أبعادا شبه انتهازية، وبعد ذلك نرى رفضه بالاستمرار في المؤسسة؛ لأنه علم بأن لها أبعادا بالتطبيع، الشخصية ذهبت باتجاه آخر .

حب صوفيا تحول إلى حب عميق وشراكة بالقضية فيما بعد، ومثابرة من أجل تأسيس عمل والنشاط في القضية ، كانت تتقاسم قلبه مع قالونيا ورحلته في العودة إلى الماضي .

استطاع الكاتب أن يوظف القضايا والمعلومات، بذكاء ودون اقحام فقام بتمرير معلومات عن القرى الفلسطينية، على لسان إبراهيم كدليل ومرشد ولم يزج المعلومات بشكل مباشر.

كما وظف الصراع في القضية الفلسطينية والحديث عن أوسلو، والحياة ما بين المخيم وخارجه، والصراع الأيديلوجي بطريقة ذكية، على الرغم من التسارع في بعض الأحيان .

من القضايا المهمة التي ربما يعتبر مهند أول من تحدث عنها بالقدس بشكل روائي، هي المؤسسات وأجندتها، وتحول القضية من حالة إلى سوق انتفاع مربح للبعض .

أظهر الكاتب الطيبة الفلسطينية وعفويتها من خلال الحوارات العائلية الدافئة، وبذلك يكون قد نجح بعكس الرؤية الواقعية للمجتمع الفلسطيني، وخلق بذلك حوارا فلسطينيا على لسان الشريحة البسيطة في فلسطين .

وسوم: العدد 719