تقريظة

واجب الوقت

هذا الكتاب ، هو واجب الوقت : في بابه ، وفي حاجة الأمّة ، إليه !

 هو واجب الوقت : في تأليفه ، وفي نشره ، وفي قراءته ، وفي العمل بمضموناته !

  بل يمكن القول ، بلا حرج : إن التمرّس في موضوعه ، هو من أوجب الواجبات ، على المهتمّين بالشأن العامّ، للأمّة ، في سائر أوقات الأمّة !

الأمّة ، كلها ، في أصقاع الأرض، بحاجة إلى مافي هذا الكتاب ، من أفكار!

 عنوان الكتاب ، ذاتُه ، بكلماته الخمس، يدلّ ، بقوّة ، على مانقول ! وقد أعطاها المؤلف ، حقها ، في التعريف ، ضمن الكتاب .

وكل كلمة منها ، واضحة الدلالة ، على مضمونها .

كلمة: ( السياسة ) ، بعمومها ، بحرٌ خضمّ ! وهي تتضمّن ، من العناوين، مايحتاج البحث فيه ، إلى مجلدات ! ومن ذلك: التفكير السياسي ، والتحليل السياسي ، والتنظير السياسي ، والفعل السياسي..! 

 وهذا ، كله ، يحتاجه كل سياسي ؛ لاسيّما ، مَن كان في موقع صناعة رأي سياسي ، أو قرار سياسي !

 أمّا (السياسة الشرعية) ، فخاصّة بأمّة الإسلام ، بكل مايندرج في إطارها ، من دول ، وأحزاب ، وجماعات.. وأشخاص مهتمّين بالعمل العامّ !

 فكلمة : ( الشرعية ) هي قيد ، يقيّد المصطلح العامّ ، للسياسة ، من ناحية..ويوجّهها – من ناحية ثانية - وجهتها الخاصّة ، المنضبطة ، الخالية من شوائب التعميم ، في كلمة ( السياسة ) :  شوائبِ التفكير السياسي، وشوائب العمل السياسي !

 وتأتي كلمة : (أولويات) لتضيف ، إلى المصطلح ، معنى جديداً ، وتفتح آفاقاً جديدة ، للتفكير والعمل !

 ثمّ تأتي كلمة : (فقه) لتضيف ، إلى الأولويات ، معنى جديداً ، وتفتح آفاقاً رائعة ، رحبة ، جديدة ، تعَدّ من أهمّ الضروريات ، لكلّ من يفكّر، أو يتصدّى للتفكير، في الشأن السياسي العامّ ، للأمّة !

 ولقد أبحرَ الباحث ، جزاه الله خيراً، في هذا اليمّ الزاخر،  إبحار الربّان الخبير، المتمرّس ، المسلّح بعلم واسع، وعقل حصيف ، وهدف واضح..  وإيمان راسخ ، بأهمّية مايؤدّي من أمانة ، هي أثقل من الجبال الرواسي !

 الكتاب هو حاجة ماسّة ، للأمّة كلها :

 لمفكّريها ، ومنظّريها ، وللناذرين حياتهم ، دفاعاً عن وجودها ، ومصيرها ، وحاضرها ، ومستقبلها.. سواء أكانت أسلحتهم ، في ذلك ، أقلاماً وألسنة، أم كانت سيوفاً و بنادقَ!

 ونحسب - بل نوقن - أن هذا الكتاب، أقام الحجّة ، على كل مهتمّ ، بالشأن العامّ ، للأمّة ، أيّاً كان سلاحه ، وفي المقدّمة ، مِن هؤلاء : حمّلة البنادق والسيوف ؛ لأن أسلحتهم تسفك الدماء، بشكل آني ، يومي ، مباشر.. وتستثير مَن يَحمل السلاح المضادّ ، بشكل آني، يومي ، مباشر..! سواءٌ أكان حمَلةُ السلاح ، أبناءُ الأمّة ، على خطأ، أم على صواب.. وسواءٌ أكانوا على الحقّ،  أم على الباطل.. وسواء أرَفعوا أسلحتهم ، في وجوه أعداء الأمّة ، أم رفعوها دفاعاً عن شعارات صنعوها- أو صُنعت لهم - ليستبيحوا بها دماء أبناء الأمّة،  من منطلق ديني.. ويبيحوا هذه الدماء، ذاتها، لأعداء الأمّة ، الذين يسفكونها،  بحجّة محاربة الشعارات الدامية ، ورافعيها !

أمّا حمَلة الأسلحة الأخرى : ( الأقلام والألسنة ) فهم رِدْءٌ مُواكبٌ ، ومُؤازر، للفريق الأول ، يتقدّم عليه حيناً ، ويتأخر عنه أحياناً ! ولا تستغني الأمّة ، عن هذا، ولا ذاك ، إلاّ في إطار مايحتويه هذا الكتاب ، من فقه الأولويات  في السياسة الشرعية !

  إن فقه الأولويات ، في السياسة الشرعية ، هو- بالضرورة - فقه موازنات ! وهو فقه رائع ، بل هو أروع أنواع الفقه، وأعلاها درجة، وأسماها منزلة :

الموازنة : بين المصلحة والمفسدة ، و بين أعظم المصلحتين ، وأشدّ المفسدتين .. والموازنة بين الخير والشرّ، وبين خير الخيرين وشرّ الشرّين.. والموازنة بين المهمّ والأهمّ، وبين الخطير والأخطر، وبين الضروري والأشدّ ضرورة .. وبين ماله صفة الاستعجال ، وما يمكن تأجيله ..

 والموازنة بين الخيارات ، التي  يختارها المرء ، ممّا هو متاح له ، على ضوء الواقع والمتوقع ، بالنظر إلى الحال ، وإلى المآل .. وبالنظر إلى التداعيات المحتملة ، السلبية والإيجابية ، حالاً ومآلاً .. وبالنظر إلى آثار التداعيات ، وتداعياتها .. على ضوء ماهو متاح ، للعقل البشري ، من قدرات على الحساب ، والتحليل ، والتنبّؤ.. وعلى ضوء ماتتيحه الوسائل المساعدة ، المعاصرة ، من إمكانات ، رافدة لإمكانات العقل البشري !   

ولقد وفق الباحث ، في عرض هذا، كله ، على مستوى الأسس والكليات، وعلى مستوى الأمثلة والنماذج ؛ ولاسيّما ، لدى الحديث عن المسائل المعاصرة ، التي تفرض نفسها ، بقوّة، على الأمّة الإسلامية ، في الحاضر، وفي المستقبل .. كما فرَضت مسائل أخرى ، نفسَها - مشابهة لها أو مغايرة - على أجيال الأمّة ، من سنين ، بل ربّما ، من قرون !

 جزى الله مؤلف الكتاب ، الباحث الفذّ: خضير باعلي وسعيد.. خير الجزاء، على هذا الجهد ، المميّز حقاً !

وجزى الله ، خير الجزاء ، المشرف على البحث ، واللجنة التي ناقشت الباحث فيه ، بصفته : ( رسالة جامعية، نال بها الباحث ، شهادة الماجستير.. / وهي جديرة ، بأن ينال بها : شهادة الدكتوراه ، كما رأى سائر أعضاء لجنة التحكيم ، الذين ناقشوا المؤلف في بحثه / ) .

 وليس بدعاً ، في إطار الأمّة الواحدة ، أن يكون مؤلف الكتاب جزائرياً.. وأن تكون الجامعة أردنية.. وأن يكون كاتب هذه السطور سورياً ، قرأ الكتاب ، فامتلأ به عقله وقلبه.. واستيقظت – في أثناء القراءة - أحلامه الوردية ، بنهضة الأمّة ؛ فكتب هذه السطور المتواضعة ، التي تعرّف بالكتاب ، دون أن تفيه حقه ، حتى في التعريف الذي يستحقّه !

 والحمد لله رب العالمين.

وسوم: العدد 727