في الذكرى السنوية الثانية لرحيل والدي المربي الحاج/ عبد الهادي نعمان فيصل

أبي الحبيب .. أيها الغائب جسداً، الحاضر روحاً في ذكرى رحيلك الثانية، وأنا أردد:

ذكرى الفقيد تذيبُ القلب من كمد         وتلهــــــب النفــــــــس أشــــــــــــواقاً بلا همـــــــد

عاش الفقيد بعزم لا يزعزعــــــــــــــــــــــه          قصف من الريح أو عصف من الفند

أبي الحبيب .. لقد مرت عليَّ أوقات وأنا أواصل الجهد لأنهي كتاب: (د. حيدر عبد الشافي – الرجل والقضية)، فسألتني: متى تنتهي من هذا الكتاب الذي خطفك عني يا بني بعيداً؟ لكنني يا أبي الآن – لمّا أنهيته بعد أن أختارك الله إلى جواره - أقدمه تحية لروحك الطاهرة، ولأقول لك: ها أنا قد عدت يا أبي؛ لأتذكر سيرتك العطرة وأنت تصعد دوماً في ذرى المسيرة التعليمية الطويلة لتقدم للأجيال قمماً من الصعود:

كنتَ المعلم يمشي صاعداً أبداً                   صوب الجِنان ولم تقعد ولم تَجدِ

ما كنتَ تركَنُ للدنيا وتعشقُهـــــــا            بل كنت تَنْشدُ وجهَ الواحدِ الأحدِ

إذن .. لتستمر يا أبتي صاعداً في مسيرتك إلى الفردوس بإذن الله، فاليوم في ذكرى رحيلك الثانية لم تغب عن عيني، ولا عن ذاكرتي .. وكيف لي أن أنسى ذاكراك وأنت تسري في دمي ما حييت ؟!! إذن فشقّ طريقَك صاعداً مبتسماً:

شُقّْ الطريق إلى الفـــــــــردوس مبتسمـــــــــــــــاً            ومــــــــــــــــــــــا تشبثتَ بالأمــــــــــوال والسند

أنت المكرمُ في الفردوس يـــــــــــا أبتـــــــــــي              أنت العطـــــــوف المربي خيرُ معتمد

أنت الصفاءُ ونور الشمس ما سطعت                    أنت الإباء ورمــــــــــــز العــــــــــــز والنجد

قد عشتَ حراً عزيزَ النفس مصطبراً              تلقَى الخطـــــــــــوبَ بقلبِ الواثقِ الجِلد

لك التحيـــــــــــات والأشــــــــــــــــواق نرفعهــــا                فـــــــــي كــــــــل يوم نرومُ العونَ والمدد

لا زال ذكـــــــرك فـــــــــــــي الآفاق يغمرنا                طيباً يضوع شذى دوماً إلــــــــــى الأبد

لا زلتَ تمــــــــلأ أسمــــــــــاعاً وأفئـــــــــــــــــدة                 تحيـــــــا بحبك طــــــــــــول العمـــر والأمد

أبي الحبيب .. ما أكثر المصاعب في هذه الحياة! وأنا أتذكرك دوماً وأنت تتعامل مع حوادثها بحكمة ودراية، وأنت بيننا، وأتذكر كيف كنت تعالجها، وتخرج منها، وتقفز في مهارة فوق عوائقها.. مبحراً في بحرها اللّجيّ.. وعندما أتذكر كل ذلك أُكبرُ أفعالكَ، وأقف على جميع تصرفاتك؛ لكنني في هذه الذكرى الثانية أكتفي بطرح السلام على روحك الطاهرة داعياً لك ومردداً:

عليك مني سلامُ الله أبعثه     يا ابنَ الفضائلِ يجزي الخيرَ مجزيها

أبي الحبيب .. برحيلك شعرت بفراغ ونقص في الأمان، لأنك كنت لي الملاذ.. وأنا أجدك يا أبي مثالاً في العطاء والتضحية.. وأحاول أن أقلدك، إذ كنت:

تبـــــــــذر العطف للضعاف وداداً            وعطــــــــــــاء مما الإله حباكا

وتجوب الساحات تسعى حثيثاً           تنشر الخير مردفاً بعطاكا

وتتجدد الذكرى يا أبي الحبيب، حيث لا أنسى جهودك الطيبة في عمل الخير، فكانت مشاعرك أشبه بمجموعة من أوتار حساسة مهيأة دوماً لمشاركة المعوزين معاناتهم وآلامهم فأردد:

لجموع الأيتام أوقفتَ مــــــــــــــــــــــالاً             تمحّي به من العيون شجاها

يــــــــــــــــــــــا مناراً للعلم يشفي عقولاً             ونفــــــــــــــوساً من جهلها وبلاها

هل يعبُّ الإنسان من كل لونِ           وأخوه مكبّلٌ فـــــــــــــي دُجاها؟!

وتواسي المحروم تبذل عوناً              وأماناً فلبِّ مــــــن قـــــــــد دعاها

وتتجدد الذكرى يا أبي، وأنا ما زلت سادراً في ذكراك العميقة ما بين شوق لحضورك العدمي، وفي ألم لبعادك الأبديّ .. ولا أني في هذه الذكرى أن أردد:

أيُّ مجدٍ يفوق تسبيحَ قلبٍ     وضمير يخشى الإله خفيّاً؟

يحمل الكَلّ للضعيف عَواناً     ويُعين المحتاج صنعاً ندياً

فلا أملك – يا أبي – إلا أن تكون قدوتي، ومثلي الأعلى، وظلال السنين، وحنين الذكريات لأنك:

تمثّل في صفاتك كـــــــــــــلَّ مالي                     وحبّك مُبحر في كل شانـــي

جداول نبعك السحري صارت                            مناهــــــــــــل للقــــــــــــــوافي والبيان

عبدتُ الله في عينيكَ سحـــــــراً                     وذقتُ من الرعاية ما كفاني

يجاذبني خيالك فـــــــــي افـتراق                      ويأسرني حنانك في التداني

فنمْ فــــــــــي مقلتيّ وفي فؤادي                       كلانا فـــــــــــــي الهوى متعانقان

أبي .. الآن أستطيع أن أجمّع بعض صفاتك السامية، وخصالك النقية، وأخاطبك وأنت بين يدي العادل الرحيم، وأقول:

يــــــــــــــا أمير الوفاء والأدب الجمّ            رقيق الشعــــــــــور والــــــــــــــــومضات

تُفعم الروضَ حين تُفضي إليه           من جميل الأفعال والنبضـــــــــات

في ثياب من التواضع تُصغي                    وتزيل الأسى وتمسح العبَـــــــــرات

وتداوي الجراح من بعـــــــــــد همّ             صارخ علــــــى شطوط حيـــــــــــــاتي

قد سكبت التحنان ورداً وتمراً             بلْسميَّ الإيحــــــــــاء فـــــــي العثرات

لك في الخير أفــــــــرع باسقات             من رحيق الإحساس واللمسات

وفي الختام، لا أملك في هذا المقام إلا الدعوات لروحك الطاهرة دعاءً مستمراً سرمدياً.

clip_image002_e6e9f.jpg

clip_image004_1f2ba.jpg

clip_image006_ebe47.jpg

clip_image008_92d64.jpg

clip_image010_99318.jpg

clip_image012_9cfae.jpg

وسوم: العدد 812