الشاعر الراحل جمال قعوار بعيون فلسطينية

شاكر فريد حسن

[email protected]

خبا ،هذا الأسبوع، نجم فلسطيني وضاء هو الشاعر والأديب جمال قعوار ، الذي ملأ الفضاء الثقافي بأشعار الحب والغزل والوطن والطبيعة والوجدان والتأمل .

وجمال قعوار هو من الوجوه الادبية ذات التوجه القومي المهمة والمعروفة في المشهد الثقافي الفلسطيي في بلادنا ، ومن أوائل الشعراء الذين أصدوروا مجموعة شعرية في خمسينيات القرن الماضي وهي مجموعة "سلمى" . وقد عانى من التهميش والتغييب الاعلامي واغمط حقه ولم يحظ بالتقدير الذي يستحقه .

تميز الراحل جمال قعوار بالتواضع والطيبة واللطافة والتسامح والخلق الرفيع والحس الانساني الصادق ،وارتبط بالهم الوطني والمأساة الفلسطينية، التي عاشها وعايشها وكان شاهداً حياً على فصولها.

عرف جمال بغزارة الانتاج والمشاركة الفاعلة في النشاطات الثقافية والأدبية وترأس رابطة الكتاب والأدباء الفلسطينيين ، وأشغل رئيس تحرير مجلة "المواكب" الأدبية الثقافية والفكرية ، التي كان لها دور هام وبارز في اشاعة الوعي الملتزم وتعميق الانتماء الفلسطيني وبلورة الهوية الوطنية والقومية والانسانية لفلسطينيي الداخل .

لفتت قصائد جمال قعوار الأنظار لصدقها وطلاوتها وعذوبتها وانسانيتها وايقاعها الموسيقي والفني وصورها المكثفة .وتناول العديد من الكتاب والنقاد والباحثين والاكاديميين تجربته الشعرية ومسيرته الادبية ، وتعرضوا بالنقد والتقريظ والاطراء والدراسة لمجمل اعماله ، التي بلغت أكثر من عشرين ديواناً . وفي هذه العجالة سنتوقف عند بعض هذه الاراء ونستعرض مقتطفات  مما كتب وقيل حول تجربته ومسيرته الشعرية الطويلة الزاخرة بالعطاء والابداع الجميل الراقي .

يقول الشاعر الراحل طه محمد علي ، الذي كان صديقاً له منذ العام 1952: " جمال قعوار شاعر مطبوع ، طويل الممارسة ، وعريض التجربة، وحبه العظيم للجيد من الادب العربي القديم  يملك عليه قلبه . يقدس الشعر الجاهلي ، ويحب المتنبي ، ويرى في شوقي من الشعراء المعاصرين شاعراً غنائياً عظيماً ، وهو يروي عن ظهر قلب أشعار المتنبي وأبي تمام والمعري وأنوه ان جمال حتى وهو يكتب القطعة الشعرية الجميلة القصيرة التي تغنى،لم يخرج مطلقاً عن عذوبة اللفظ وبلاغة العبارة وسلامة الأسلوب العربي السليم ".

أما الشاعر والمفكر المرحوم فوزي عبد اللـه ، الذي جمعته به صداقة حميمة وعلاقة وثيقة ، فقال في معرض حديثه عن مجموعته الشعرية "ايلول" : " ان تشبيهات الشاعر تأتي في معظمها خالية من أداة التشبيه مما يزيد من جماليتها ، وهي مستمدة من الأرض الفلسطينية ، فالنبع والغدير والحواكير والسنابل والطيور  هي عبق سحر بلادنا فلسطين أما في التشبيهيين الأخيرين فيحاول الشاعر تحديد الموقع بشكل مباشر تحديداً لانتمائه الوطني " .

ويرى الكاتب المرحوم سليم خوري ان جمال قعوار "كان واضحاً كل الوضوح في "اغنيات من الجليل" ، وكان يعبر عن احاسيس ومشاعر اقليم الأرض ، الأشجار، الرجال ، الصبايا، الأزهار ، السجون ، الآمال والاماني كلها تحولت الى كلمات في فم جمال ، ومن ثم تحولت هذه الكلمات الى رؤى شعرية حية امام كل من يقرأ "أغنيات من الجليل" ولكن جمالاً بقي في نظري – وكانه يقف ليبدأ حديثه من جديد ويقص علينا "قصتهم" ولكم قصة من !".

في حين يقول صديقه ورفيق دربه الشاعر والاديب الراحل ميشيل حداد عن ديوان"موسم الذكرى" : " انها مقطوعة شعرية انيقة تحمل الكثير من الغزل الرقيق والرفض العنيف والانسانية الشفافة المليئة بالاحساس المرهف مع ما يقاسيه شعبنا من قسوة وعناء الحياة ، ومع تطلعه الى الاستقرار في الاطمئنان على من حوله من الاهل".

أما الكاتب عطا اللـه جبر فيقول :" ان مضامين الشعر لدى الشاعر كثيرة وزحمة تربطها جميعاً مأساة الانسان الفلسطيني ومحاولاته الدائمة في النهوض . والمضامين كثيرة لا تلغي بعضها بل تشد من أزر بعضها البعض وتتنامى متوترة قلقة متمازجة مسايرة للحدث بشكل واضح ، فالامل بعودة اللاجئين يتلاقى مع حب جارف لما تبقى من فلسطين . وهنا تجيء قصائد من مجموعة "اغنيات من الجليل" فلا حياة للحبيب لان المحبوبة وراء الحدود. والجليل لن يعود كسابق عهده الا اذا عادت المحبوبة لحضن الحبيب . اما في "الريح والشراع" فأن الشاعر يحول قصائده الى مقاومة من كان السبب في المأساة وتصبح كلماته بمثابة سلاح يواجه الريح العاتية ليخترق المركب الفلسطيني بحره ويصل المرساة . اذ ان مأساة الشاعر تعمقت أكثر وقطعة اخرى من الجسد الفلسطيني انسحقت ، وقسم من ابنائه فرض عليهم الترحيل بعد محاولة الابادة ".

واما الشاعر والكاتب حاتم جوعية فيقول عن جمال : " يمتاز شعر جمال قعوار جميعه (الكلاسيكي والتفعيلي والنثري) بقوة اللغة وجزالتها ، وبمقدرة وثروة لغوية ثرية واسعة من الكلمات والمفردات وبالتعابير البلاغية الجديدة المبتكرة وببراعة فائقة في اختيار الكلمات والمفردات الجميلة الخلابة والمميزة بالمستوى الفني الراقي وبالصورة الشعرية المكثفة البليغة ، وبالخيال الرومانسي المجنح الحالم الخصيب،وبالرؤيا الشمولية والفلسفية للحياة ، وشعره قوي النبرة عالي الهمة نفيس رائع جميل – جليل الهدف يحمل رسالة مثل سامية لشعبه وللانسانية جمعاء في شتى ضروبه وألوانه ".

بينما الكاتب نبيل عودة فيقول : " ان اجواء غرامه ووطنياته تكاد تندمج وتذوب ببعضها البعض ، واحياناً تعاود قراءة القصيدة مرة ومرتين لتميز ان كان دافعها الاول الغرام او دافع وطني .. ويكاد ، عامة، شعرنا الفلسطيني كله يتميز بهذه الخاصية ".

اما الشاعر محمد علوش ، الذي جمع وأعد كتاب "مسيرة العطاء في شعر جمال قعوار " فيخلص الى الاستنتاج : " ان قصائد قعوار تنمي الذاكرة وتحفزها دائماً على التذكر والتذكير ، وتواكب الأحداث واتطورات ، انها الآني واليومي ، وفيها بعد النظر والالتفات على كل ركن شاردة عن الاضواء، من الأشياء البسيطة المتروكة انبثق اجمل الشعر الذي يحمل في طياته بشارة التكوين ، وقصائده اجراس تقراع ، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالارض والانسان ، بالوطن والحنين، بالكفاح ضد الظلم والتمييز، بالصراع من اجل الحياة الكريمة ، مشهراً ابداعاته الشعرية عالياً في فضاء الشعر واجواء المرح ، حتى اصبح محط آمال الكثيرين ".

أخيراً ، اكتفي بهذا القدر مما دبجته الأقلام وكتبته بمدادها عن شاعرنا الراحل جمال قعوار ، الذي يظل عاشقاً للتراب والوطن ومن زيتونات وسنديانات فلسطين الباسقة . فسلاماً على روحه وعاشت ذكراه خالدة .