وفاءً لروح الإعلامي الفلسطيني رضوان أبو عياش

وفاءً لروح الإعلامي الفلسطيني

رضوان أبو عياش

شاكر فريد حسن

[email protected]

 في الفاتح من آذار الماضي فاضت روح  المناضل والكاتب والاعلامي الفلسطيني الكبير والمعروف الدكتور رضوان ابو عياش ، ابن مخيم عسكر في نابلس ، وعادت الى باريها ، بعد حياة زاخرة بالنضال والعطاء والتضحيات والكتابة الصحفية والشعرية والأدبية والنشاط السياسي والثقافي والاعلامي .

يعتبر ابو عياش احد ابرز الاعلاميين الفلسطينيين المخضرمين ، عرفناه في ذلك الزمن الجميل ، زمن المبادئ والقيم الثورية والجمالية ، في سبعينات القرن الماضي، من خلال صحيفة "الشعب" المقدسية لصاحبها ومؤسسها الصحفي محمود يعيش ، التي لعبت دوراً اساسياً ومهماً في الحياة الصحفية والثقافية والفكرية والسياسية الفلسطينية، حيث كان يعمل محرراً  فيها وينشر ما يجود به قلمه من كتابات صحفية حول الواقع السياسي الفلسطيني والمستجدات والمتغيرات السياسية المحلية الفلسطينية والعربية والعالمية .

وبعد ان توقفت "الشعب" عن الصدور انتقل ابو عياش للعمل سكرتيراً للمكتب الفلسطيني للخدمات الصحفية بالقدس ، ثم اشغل سكرتيراً لمجلة "العودة" المقدسية ، التي اسستها الصحفية ريموندا حوا الطويل ، الى جانب عدد من الاعلاميين الفلسطينيين منهم : الشاعر ابراهيم قراعين وباسم ابو سمية وعبد الكريم سمارة وجواد الجعبري ووليد العمري والياس زنانيري والمرحوم علي قعدان وغيرهم .

بعد ذلك اسس ابو عياش مع مجموعة من الزملاء العاملين في حقل الصحافة والاعلام "رابطة الصحفيين الفلسطينيين " واوكلت له مهمة رئاستها ، ثم انشأ مكتب العرب للصحافة في القدس ، لكنه اغلق بامر عسكري سنة 1993 ومنع من دخول القدس ، وبعد قدوم السلطة الفلسطينية ترأس هيئة الاذاعة والتلقزيون بين السنوات 1994- 2005 وأحدث انطلاقة واسعة وطفرة كبيرة في العمل الاذاعي والتلقزيوني الفلسطيني بقدراته وتجربته الصحفية الثرية ، ثم عمل وكيلاً لوزارة الثقافة الفلسطينية ومحاضراً للاعلام بجامعة بير زيت .

كان ابو عياش مناضلاً في صفوف الشعب الفلسطيني ، حيث لعب دوراً سرياً كبيراً في الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الأولى ضد الاحتلال وممارساته التنكيلية ، وتعرض للتحقيق والاعتقال اكثر من مرة ، وكان يذوب حباً وعشقاً بفلسطين وترابها حتى النخاع . كما كان صحفياً متمرساً كرس قلمه وكتاباته في خدمة الناس والقضايا الفلسطينية الحارقة والمفصلية ، وتركزت موضوعاته حول هموم الوطن والانسان الفلسطيني الطامح الى الانعتاق والحرية .

نشر ابوعياش مئات المقالات والمعالجات والتقارير السياسية في الصحف والمجلات والدوريات الفلسطينية ، التي عمل فيها ، وانجز ووضع عدة كتب ومؤلفات مطبوعة ابرزها: صحافة الوطن المحتل، اصابع تحترق، الصحافة والانتفاضة،  ترانيم الوتر الحزين ، كلمات الى فلسطين ، نسمات من ارض الرسالات ، هيئة الاذاعة والتلقزيون الفلسطينية ، ادعية دينية واشعار ، الاعلام الدولي والسياسات الاعلامية وغيرها.

تميز ابو عياش بانسانيته العميقة ، واستقامته الفكرية والوطنية، وثقافته الواسعة ، وأفقه السياسي بعيد المدى ، واخلاصه لقضايا الوطن . أحب الناس  وكان وفياً للمبادئ الوطنية ، التي آمن بها، راقياً في تعامله ومسلكه ونهجه ، محسناً في تواصله، مقنعاً في منطقه وتفكيره العقلاني السليم وتحليلاته السياسية . تمتع بالكثير من الصدق في زمن النفاق والكذب ،  وسقى القلوب وغذّى العقول بالفكر الفلسطيني الصافي،وبقيم المحبة والعدل والتسامح والسلام ، وابقى لنفسه ذكراً عظيماً وصورة جميلة ستخلد في صفحات من نور باقية ما بقي الزمان .

رضوان ابو عياش مبدع في الكتابة الصحفية اليومية ولكلماته نكهة الشعر والنثر، المعرفة والسياسة ، الحدث والقضية الثابتة والراسخة ، فكان من صفوة الاعلاميين الفلسطينيين وأكثرهم بعداً وعمقاً وتعاطياً مع آلام شعبنا وقضاياه وواقعه السياسي.  وقد كان له جولات وصولات في كتابة الشعر الوطني والانساني الملتزم ، واتسمت اشعاره بالحرارة والشفافية والسهولة وعذوبة الكلام ، ومن جميل ما خطته انامله من الكلمات الشاعرية هذه المقطوعة من باب "حنين العودة" حيث يقول:

الكلمة في بلدي هي غير الكلمة

والمعاني هي غير المعاني

واكدّ بكل جهدي لاصنع القارب

الذي يستطيع ان يحمل مشاعري

وكل صيغة من صيغ وجودي،

ليعبر جسر الآلام نحو الميناء البعيد

وحين تمتزج الذكرى بحلم الخلود

احن الى حضن امي

فتعلو هتافات قلبها

وتعانق الحقائق الخالدة

سمفونية البقاء .. ويكبر حلم الاطفال

الشومر والخبيزة .. ويعيد التاريخ

نسج خيوطه بترتيب منمق

وتتوقف دمعة سالت

على الأشواك العارية

ويظل حلمنا يكبر ويكبر

كاتساع الجرح وقرص عباد

الشمس.. ويكبر كموج البحر

عندها تستيقظ الذكريات

المتعبة وتحلم بما وراء الحلم

لان الوليد أقسم على الحياة

وأيقظه "اليرغول" فلم يعد

يشعر بالاغتراب.

فلروح رضوان ابو عياش الرحمة ، وستظل اعماله ومنجزاته وذكراه خالدة في نفوسنا ووجداننا وتاريخنا الثقافي والادبي والاعلامي الفلسطيني .