عن الشيخ إبراهيم زيد الكيلاني رحمـه الله

ياسر الزعاترة

في حشد مهيب؛ ودّع الأردن يوم أمس علما من أعلامه الكبار. إنه الأستاذ د. إبراهيم زيد الكيلاني؛ الأكاديمي والأستاذ الجامعي، والنائب والوزير والداعية والسياسي، والإنسان قبل ذلك كله.

قلة من المشتغلين في ميدان العمل العام من يحافظون على مسارهم الدعوي والسياسي على نسق واحد، والندرة هم من يتطورون بشكل إيجابي، ويصبحون أكثر قربا من نبض الناس وهموم الأمة، إذ الأغلب أن تمضي تحولات قطاع من هؤلاء في اتجاه تراجعي بحسب تطور الحاجات الإنسانية، ولعل ذلك هو ما يفسر مثلا إقبال الشباب على الجهاد والعمل العام، مع نكوص من قبل غالبية الكبار في السن. والأمر هنا لا يتعلق فقط بقدرات الجسد، بل بتوثب الروح كعامل أكثر أهمية.

في مسيرة الحركات الإسلامية، وعموم المشتغلين بالعمل العام جحافل ممن كانوا يتصدرون الصفوف، ثم انتقلوا لمربعات أخرى ضمن تبريرات كثيرة، من دون وضع هؤلاء جميعا في سلة واحدة، لأن من بينهم -دون شك- أناسا اجتهدوا في البحث عما يرونه صوابا.

الشيخ إبراهيم زيد الكيلاني كان نموذجا من بين الندرة الذين لم يكتفوا بالحفاظ على مسارهم الإيجابي، بل ظلوا يتطورون نحو الأفضل أيضا؛ ليس في مستوى الدعوة والعلم والتقوى، بل في مستوى الجرأة والانحياز للحق أيضا، إذ بقي -رحمه الله- حتى الرمق الأخير صوتا مدويا ضد ما يراه خاطئا على مختلف الأصعدة.

في كل ميدان كنت تجده -رحمه الله- صوتا مدويا في الدفاع عن الحق، وعن قضايا الأمة، لا يكل ولا يمل؛ لم تتعبه السنون ولا الهرم ولا المرض، وظل يجاهد في الله حق جهاد حتى جاءه الأجل، فرحل على خير، نحسبه كذلك والله حسيبه.

كانت فلسطين عند الشيخ قضية القضايا، والشغل الشاغل، وفي كل ميدان يخص قضيتها ومظالم شعبها، كنت تجده صادحا بالحق، رافعا لشعار الجهاد والمقاومة كسبيل للتحرير، ورافضا، بل ومنددا بأي شكل من أشكال التطبيع مع العدو.

في مختلف المواقع التي أشغلها كان منحازا للحق وفق ما يراه، ولذلك حاز ثقة الناس داخل الجماعة التي انتمى إليها (الإخوان) وخارجها أيضا، وقدم مساهمات كبيرة في العمل العام ستظل تصب في ميزان حسناته، وفي مقدمتها جمعية المحافظة على القرآن الكريم التي تخدم كتاب الله ودينه في مختلف مناطق المملكة.

وحتى على الصعيد الشخصي والأسري، قدم الشيخ نموذجا متميزا في بناء أسرة طيبة قدمت للبلد علماء وعاملين، ندعو الله أن يكونوا على نهج والدهم في البناء والعطاء، وأن يجعلهم جميعا في ميزان حسناته.

يرحل الشيخ إبراهيم زيد الكيلاني بعد عقود طويلة من الدعوة والعطاء، كان خلالها نموذجا في العلم والدعوة والعمل العام في خدمة دينه ووطنه؛ نسأل الله أن يجزيه عنها خير الجزاء، وأن يجعلها سلما يرفعه إلى منازل الأنبياء والصديقين والشهداء، وحسن أولئك رفيقا.