رسائل من أحمد الجدع ( 76 )

رسائل من أحمد الجدع ( 76 )

أحمد الجدع

الأخ عبد الخالق فريد شاعر العراق الجريح .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

سعدت بزيارتك التي عودتنا عليها ، فأنت منذ صباك ترحل إلى الأدباء والشعراء العرب في بلدانهم ، وتقترب من مشاهيرهم ، وتقتبس من عبقرياتهم ، وتتابع إنتاجهم ، وتخصهم بتقديرك وإعجابك .

وقد أصبح اتصالك بهم أخذاً وعطاءً بعد أن نضج فكرك وسما شعرك ، وبعد أن كنت تلميذاً للفكر والشعر ، أصبحت أستاذاً بهما ، فغدا لك جموعٌ من المعجبين وكثير من التلاميذ الذين حذو حذوك ، وتلمسوا دربك .

أخي العزيز :

إن الجلوس إليك ، والاستماع إلى شعرك والاستفادة من فكرك ، لهو مكسب عظيم ، وربح وفير ، ولكن زياراتك كلها ، وا أسفاه ، قصيرة عابرة ، لأنك تأتي من العراق وفي برنامجك زيارات لبلدان العروبة ، حيث الأحبة فيها كثر ، توزع عليهم أوقاتك وأشعارك ، فيكون حظنا من كل هذا حظاً يسيراً ، كنا نود أن يكون وفيراً .

أخي الكريم :

لست ادري على أي شيء أشكرك ، فودك وافر أعجز أن أفيه ما يستحقه ، ودواوينك التي تتكرم عليّ بها أسمى من أن أصفها بكلمات المجاملة أو التقريظ العابر ، فهي تحتاج إلى وقفات طويلة ، ونقدات عميقة ، وتأملات دقيقة ، هيهات هيهات أن يتسع لها وقتي أو يؤدي حقها قلمي ، فأنت يا أبا فريد نمط في الشعر المعاصر فريد ، وأنت يا أخي بقية الشعراء الكبار الذين حفل بهم القرن العشرون ، وأخشى أن لا يأتي الزمان بمثلهم وقد أفل ذلك القرن ، ودخلنا في قرن يعلم الله ما يأتي به من أدباء وشعراء ، وقد شهدنا أواخر القرن العشرين تراجعاً مخيفاً في منزلة الشعر والأدب ، وأخشى أن تستمر أنماط الماضي فتكون أنماطاً للحاضر ، فإذا غدا الأمر كذلك فوا أسفا على الأدب والأدباء ويا حسرتا على الشعر والشعراء .

أخي شاعر المشاعر :

نعم إنك شاعر المشاعر الرقيقة ، الذي فتنته الحسناوات شاباً وكهلاً ، فأحاطهن بغزله ، وأهداهن روائعه ، أكثر من عشرين ديواناً لا تجد فيها إلا سحر الغزل ، ورقة العاطفة وسعة الخيال .

لست أدري من أين تأتي بكل هذه العواطف ، ولم السؤال والموهبة هي المجال ، فقد أعطاك الله موهبة النظم فسخرتها للغزل ، وهل تشبع الحسناوات من الغزل ؟

إنك يا عزيزي شاعر الغزل ، ليس لك في غير الغزل مأرب ، وليس لك في غيره نصيب ، أنا لا أعرف شيئاً من مغامراتك معهن في عهود الصبا ، فقد عرفتك وقد غزا الشيب رأسك ، وحنى الدهر ظهرك ، وقد قال الشاعر القديم صادقاً :

أراهن لا يحببن من قل ماله

 

ولا من رأين الشيب فيه وقوّسا

نعم : ولا من رأين الشيب فيه وقوّسا !

إنك يا أخي قد أهديتني آخر دواوينك وقد نظمته بعد أن بدا شيبك للحسناوات وبعد أن قوّس ظهرك بعد فوات ، فهل وجدت حسناء من هؤلاء الحسناوات تلتفت إليك وترشقك بسهم وحيد ... يا أبا فريد !

ألم يقل أمير الشعراء بعد أن اقترب من الستين : ولممت من طرق الملاح شباكي !

وألم يقل عصام الغزالي بعد أن وصل إلى الخمسين : وأرشق باليراع ولا أصيد !

هذان شاعران من مصر بلد الحب والعشق والغرام ، البلد الذي أنتج قصص الحب الكبرى : أنطونيو وكليوبترا ، ويوسف وزليخة ، والذي ضم جثمان جميل بن معمر العذري الذي أحب بثينة وهرب من حبها إلى مصر فمات فيها بعيداً وقد قتله الحب والبعاد .

مالي يا أخي والحب وقد دخلتُ في العقد الثامن ، عقد مراجعة الذات والفرار إلى الله واسع المغفرة ، أسأله أن يشملني بمغفرته وفضله ، وأن يشملك أيضاً .

أخي أبا فريد : بانتظار أن ألقاك قريباً في عمّان ، وقد حملت لي معك درة من دررك الغالية ، فأنت الغالي الذي لا يحمل من الشعر إلا ما ندر وما غلا .