رسائل من أحمد الجدع ( 74 )

أحمد الجدع

إلى الأخ محمد مصطفى المجذوب .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

امتاز علماء الدين المسلمين بأنهم بالإضافة إلى علمهم الشرعي كانوا أدباء وشعراء ، وقلما وجدت عالماً مسلماً إلا وقد تحلى بالشعر ، مكثراً أو مقلاً ، وكنت يا أخي من هؤلاء العلماء ، وقد أبدعت شعراً كان له صدى بين المسلمين لأنك ضربت على على وتر المآسي والنكبات التي انهالت على المسلمين في هذا العصر الجبري الذي ساد فيه التحوت والروابض ، فتداعت الأمم كلها علينا تنهش لحومنا وتقضم أوطاننا وتنهب خيراتنا ... ولا من يئن أو يتأوه أو ينبض له عرق !!

كان أول كتاب قرأته من كتبك "قصتان من الماضي" وكان هذا الكتاب مقرراً على المرحلة الإعدادية في دولة قطر ، كان ذلك في مطلع السبعينيات من القرن الميلادي الماضي ، أما أول قصيدة قرأتها لك فقد كانت بعنوان "اللعين الأول" وهي قصيدة رمزية عن الظلم والظالمين ، قرأتها في مجلة "المسلمون" الصادرة في جنيف بسويسرا في العدد الأول من المجلد العاشر ، المؤرخ في ربيع الثاني من عام 1386هـ الموافق لشهر آب لعام 1966م أي قبل خمسة وأربعين عاماً ، وعندما ألفت كتابي أجمل مائة قصيدة في الشعر الإسلامي المعاصر اخترتها في الجزء الأول الصادر عام 1999م ، بمعنى أن هذه القصيدة بقيت في ذاكرتي ثلاثة وثلاثين عاماً ، ولا تبقى قصيدة في الذاكرة هذه المدة الطويلة إلا إذا كانت قصيدة رائعة ومتفوقة .

برزت في الدعوة الإسلامية مبكراً ، وذلك عندما كانت الدعوة تحبو ، وتتلمس طريقها بين أمواج من الدعوات المنحرفة التي لاقت قبولاً لدى الجماهير ، واندفعت تحطم كل شيء في طريقها كالثور الهائج ، وكان على الدعاة أن يصبروا ويصابروا ويثبتوا ، وكنت من الأوائل في الصبر والمصابرة والثبات .

كتبت الكتب ، والدراسات ، والقصص ، والشعر ، ودرّست في المساجد والمدارس والجامعات وامتد بك العمر حتى تجاوزت التسعين ، ولم تتوقف عن البذل حتى آخر يوم في حياتك .

أصدرت أول دواوينك بعنوان "نار ونور" الصادر في دمشق ، ثم أتبعته بديوانك "همسات قلب" وقلت إنه مختارات من أشعارك ، وهذه المختارات ملأت أربعمئة وأربعين صفحة من القطع الكبير ، وهذا الديوان عندي في طبعته الأولى الصادرة عام 1390هـ 1970م أي قبل أكثر من أربعين عاماً ، وقد كتب له مقدمة ضافية بلغت ثلاثين صفحة الأستاذ عبد العزيز الربيع مدير التعليم في المدينة المنورة .

أما ديوانك الثالث فهو بعنوان "آلام وأحلام" الصادر عن نادي المدينة المنورة الأدبي عام 1413هـ 1992م ، وهو في مكتبتي ، وقد ذكرت في مقدمته أنه أيضاً مختارات من شعرك .

إذن لك أشعار لم تنشر بعد ، وكنا نحب لو نشرتها في حياتك ، فهيهات هيهات أن نجد من ينشرها بعد رحيلك .

أما ابنتك نعماء زوجة صديقنا وأخينا محمد نعسان عرواني المكنى بأبي العز والذي بدأت معرفتي به في قطر فقد اشتهرت بكتابتها للقصص القصيرة والروايات الطويلة .

وقد سعدت بطباعة قصصها ورواياتها في دار الضياء للنشر والتوزيع التي أملكها ، وهذه القصص والروايات هي :

1- جلنارا – مجموعة قصصية .

2- الزمن المفقود – رواية .

3- مارد في صدري – رواية .

وقد قرأت على موقع رابطة أدباء الشام أن لها رواية بعنوان "الزمن الجريح" وقد أبلغني الدكتور عبد الله الطنطاوي ، مدير الموقع ، أن هذه الرواية لا زالت مخطوطة ، وهي جاهزة لديه ، وقد وعدته بطباعتها في دار الضياء .

عندما كنت أعمل في قطر صليت في مسجد في ضاحية من ضواحي الدوحة تدعى الغرافة ، وبينما كنت خارجاً رأيت لوحة علق عليها مجلة حائطية ، وفيها قصيدة لك تمتدح فيها عالم أهل السنة في الحديث "ناصر الدين الألباني" فأعجبني فيها قولك :

فما عسى أن يقول الشعر في رجل

 

 

يدعوه حتى عداه ناصر الدين

 

وهذا الملمح لا يقع عليه إلا شاعر فحل ، لماح للمعاني الدقيقة ، وقد وقعت أنت على هذا المعنى الدقيق والرائق والرائع : يدعوه حتى عداه ناصر الدين !

ولجمال هذه القصيدة فإني أثبتها هنا حتى أمتع القارئ بجمالها :

قالوا ألا كلمة في الشيخ تنصفه
شُنت عليه حروب لا يسوغها
فقلت: فوق ثنائي ما يبلغه
ورده الجيل للوحي الجليل يد
وحسبه أنه هز العقول وقد
فأصبحت ذات وعي ليس يعجزه
والدين سر من الرحمن بيَّنه
والجامدون حيارى ليس في يدهم
فما عسى أن يقول الشعر في رجل
وأي ضير إذا فرد تجاهله

 

 

فقد طغى الجور حتى في الموازين
عقل يرى الحق في ظل البراهين
محمد الشام عن خير النبيين
ما إن يكابر فيها غير مفتون
باتت من الحَجر والتقليد في هون
التمييز ما بين مفروض ومسنون
رسوله وسواه محض تخمين
إلا رواية مجروح لموهون
يدعوه حتى عداه ناصر الدين
وقد فشا  فضله بين الملايين؟

 

ولمن لا يعرفك ، فإنك ولدت في مدينة طرطوس بسورية عام 1907م ، وفيها انتهى أجلك عام 1999م .

عملت مدرساً في طرطوس واللاذقية ، ثم مدرساً في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ، ونشرت فكرك في صحف ومجلات العالمين العربي والإسلامي وألفت العشرات من الكتب الإسلامية .

الأخ محمد مصطفى المجذوب ، نذكرك بعطائك ، ونبتهل إلى الله أن يجزل لك المثوبة وأن يشملك ويشملني بفضله العظيم ... آمين .