مرثية لصمت الكمان

"في رحيل الأستاذ محمد أبو عجاج"

أحمد توفيق

[email protected]

 تتسع الفجيعة في الوقت ويشتد العزاء حضورا مدثرا بالصمت الذي يعرفه الكثير ممن لامسوا شيئا من دماثته,كان موعدي مع خبر رحيله الذي لم يترك حيزا للرحيل بعد , فقد كان على عتبة الموت المباغت  بكامل الحضور, بل اكثر تجليا.

 للجرمق ايحاءات شتى , ولكن قد يكبو الايحاء احيانا او يخطئ الايماء فيباغتنا القدر وينكسر الافق الحالم  لتصعد تراجيديا الفقدان, مزيج من الماضي ومواقفه, والحاضر المثخن بخبر الرحيل  , يصعد ابو وديع عاليا من بين البطم والسنديان وتعلن فجيعتنا من ارتفاع  الشمال  الذي نحب.

تئن قيثارة القلب ويتهادى الخسران على هودج الصبا ويترجل الفارس الانسان, يحضرني ملاك البكاء وكمان الدموع من احزان لوركا , لا باس طالما ان الحزن كوني, فحزن الشاعر الاندلسي الذي سقط الف كمان في راحة يده  هو عينه الحزن  الذي اختار موطئه حيث خاصرة الجرمق , رحل ابو وديع قبل ان ينهي ربما قراءة نوتته المبعثرة فوق خطوط يديه او على ملامح بعضنا .

عرفته استاذا فاضلا , كان لي شرف الالتقاء به اسبوعيا كطالب على امتداد عام دراسي كامل  كسائر الطلاب,  خلا مرتين  التيقته عل عجل, كنت  دوما ولا زلت  اكبر فيه طيبته وتواضعه  المكسو بخجل شفاف, واقدر حسه المرهف , من عرفه يفهم ما اقصده.

قذفني خبر رحيله بحالة من الصمت القسري ووحدة حاصرتني  فثقبتها بحديث هاتفي مع صديق وزميل  كان قد جمعني به مقعد الدراسة امام هذا الانسان النبيل, لعله ينفي الخبر.

بدا الحديث  قريبا جدا من الفاجعة واضحا حد التحديق بها,  لا مناص اذا ,الاستاذ محمد  قد رحل. .....

 لا ادري كيف قادتنا فجيعتنا بوفاته تلقائيا  الى الحديث عن التراث كركيزة للوجود ومكون للقومية ومعلم للهوية  وكيف ان ابا وديع كان يعمل بصمت وحمل على عاتقه كل هذه المسؤلية , حقا انه ابو وديع ولانه كذلك فهو مثال النبل والانتماء , كان يعمل بصمت وبتافني واخلاص , محمد هو الحارس المجهول الذي كان يحرسنا ساعات نومنا , و يجر في ليل الصمود شعر الاصايل على الربابة في هزع الجنوب وظلمات محاولات طمسنا.

بعيدا عن المجاز, وبملء البساطة, كنت اتذكره  دوما وانا اسير في مساءات مدينتا الجنوبية عندما اسمع اغانينا التراثية قادمة من افراحنا, واقول في سري شكرا لك استاذ ابو وديع, حقا من الجمال ان ترى اغنية تراثية تصعد من وحي الصفيح الذي تستكثره علينا المخططات.

لو كان ابو وديع حيا, لربما لم يعرفني الا بالوجه ,ولكن ثمة وجوه شتى نقر لملامحها بالاحترام والتقدير لاسباب قد تسللت الينا دونما نشعر, تلك هي قوة الحدس  التي تحكم الطيبين.

لم اذهب الى بيت العزاء رغم عزمي على ذلك, لا ادري لماذا, ربما هي احدى حيل اللاشعور  كالانكار تجاه فاجعة هوت علينا دون سابق انذار.

محمد رحل اذن. رحل عنا شابا بكامل همته العالية وازعم ان كان لديه الكثير من العمل لاجلنا, فعهدي بمثله الجد والاجتهاد والتفاني والاخلاص.و هل يمل الكنار من التغريد؟.

للاستثناء معايير مختلفة. ومحمد  اصاب شيئا من الاستثناء.

ابا وديع.

نسجت لنا من الحانك فرح الامسيات  وجدلت لنا جدائل من فوح الياسمين وعلقت اراجيح للرقي  ونصبت ساريات للسمو في كل عاصمة شددت الرحال اليها وكل مدينة يممت وجهك صوبها شارحا ان هنالك قوم بسطاء  يتكئون على تراث اصيل ولديهم موسيقاهم التي يحبونها حد التراب , ان لك ان تستريح في كنف اعبق ياسمينة رويتها من خالص الروح.

نم ابو وديع , نم, اليك السلام وعلى روحك  الطاهرة النقية  اعبق السلام.

ترنيمة

يا روح الحزن الراقد في حضن البنفسج

كيف لم توح الينا بهذا الرحيل ؟

اتزهدين؟

 وقد نضحت للشعراء

واضح الايحاء

في ليلهمو الطويل

ربما لو فعلت 

حلقت يمامة بيضاء فوقنا كاشارة

وناحت على حبل البكاء المناديل

او سربلتنا نغمة في  الصبا

حين ارتعاشة اليد 

في نقصان  هذا الوداع الثقيل