رسائل من أحمد الجدع ( 37 )

رسائل من أحمد الجدع ( 37 )

أحمد الجدع

السيد أديب إسحاق : دمشق – بيروت – القاهرة – باريس .

نعم ولدت في دمشق ، بينما كان أبوك في بيروت ، انتقلت من دمشق إلى بيروت ، ومن بيروت إلى القاهرة ومن القاهرة إلى باريس ، ثم عدت إلى بيروت حيث توفاك الله فيها في قرية الحدث .

ولدت عام 1272 هـ 1856 م وتوفاك الله عام 1302 هـ 1885 م عن ثلاثين عاماً ويعجب من يستعرض أعمالك وتحركاتك كيف تكون بهذه الكثرة والتميز بهذه الفترة الوجيزة التي عشتها .

عملتَ في الجرائد التالية : ثمرات الفنون ، التقدم ، في بيروت عامة لبنان .

تعرفت في القاهرة على جمال الدين الأفغاني ، فأعجبت به ، وتبنيت أفكاره .

وفي القاهرة أصدرت جريدة باسم :" مصر " عام 1877 م ، ثم رحلت إلى الإسكندرية وأصدرت جريدة "التجارة" .

ثم إنك رحلت إلى باريس ، فأصدرت فيها جريدة " مصر القاهرة " ، وفي باريس تعرفت على أدبائها وشعرائها وعلى رأسهم فيكتو هوجو الشاعر الفرنسي المشهور .

لم تكتف بهذا النشاط الصحفي ، فألفت الكتب :

تراجم مصر في هذا العصر ، نزهة الأحداق في مصارع العشاق .

ثم إن أخاك عوني إسحاق جمع مؤلفاتك ومقالاتك وأصدرها في كتاب بعنوان " الدرر (مجموعة المقالات والمنظومات)".

ولأنك أجدت اللغة الفرنسية وعشت في باريس فقد ترجمت المسرحيات التالية :

أندروماك ، شارلمان ، الباريسية الحسناء .

كل هذا لم تكتف به ، بل كنت شاعراً ، ولك شعر وطني .

أديب إسحاق المواطن العربي الأرمني الأصل المسيحي الديانة ، اعتنق الوطنية وشهر لسانه ضد المستعمرين ، وأطلق في وجوههم الأبيات الآتية التي حفظتها أنا منذ أكثر من ستين عاماً ، وكانت هذه الأبيات في فلسطين على كل لسان، وذلك لأن أهل فلسطين كانوا يعانون من الإنجليز ثم من بعدهم من اليهود ، قال أديب إسحاق :

قتل امرئ في غابة
وقتل شعب آمنٍ
والحق للقوة لا   

 

جريمة لا تغتفر
مسألة فيها نظر
يعطاه إلا من ظفر

ويمكن أن نقول : إلا من صبر ، والصبر في الجهاد من أدوات النصر .

وكان أديب إسحاق متأثراً بالثقافة الإسلامية ، خاطب أهل مصر بالحديث الشريف ، وأقوال الخلفاء والحكماء:

يا أهل مصر :

إني محدثكم حديثاً غريباً : " إذا كان أمراؤكم خياركم ، وأغنياؤكم أسخياءكم ، وأمركم شورى بينكم، فظهر الأرض خير لكم من باطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم ، وأغنياؤكم بخلاءكم ، وأموركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها " .

تعتبر مصر أديب إسحاق مصرياً، لهذا صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في سلسلة " تاريخ المصريين " كتاب بعنوان " أديب إسحاق عاشق الحرية " بقلم علاء الدين وحيد .

وتعتبر لبنان أديب إسحاق لبنانياً، وإنك لتجد في تراحم اللبنانيين ترجمة لأديب إسحق .

هذا الزخم الوطني لأديب إسحاق لم يستمر ، فقد وقف مناهضاً لثورة عرابي ، وأنشأ في ذلك قصيدة طويلة مطلعها:

عج بي على تلك الطولول ونادي
هل صادهم شرك الردى فأبادهم
أم غادروا الأوطان في أوطانهم   

 

أنى تحمل أهل هذا الوادي
صرف أناخ على ثمود وعاد
قد حاذروا غدر الزمان العادي

أعجبني قوله : أم غادروا الأوطان في أوطانهم ... ألا يشبه هذا قول القائل الاغتراب في داخل الوطن .

أديب إسحاق : أنت شاعر جنت عليه الصحافة .