رسائل من أحمد الجدع 20

رسائل من أحمد الجدع

20

أحمد الجدع

الأخ الدكتور حجر بن أحمد البنعلي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وأبدأ بالتبريك بمناسبة افتتاح موقعك الإلكتروني ، وقد قرأت بالأمس قصيدتك التي شطرت بها قصيدة أبي القاسم الشابي ، وكان تشطيراً موفقاً وبمناسبته، وبعد .

قرأت كتابك " مجنون ليلى  بين الطب والأدب " وأول ما يلفت القارئ هذا العنوان الجديد : دراسة المجنون طبياً، وقد تخيلتك وأنت تحمل أدواتك الطبية وتمدده على سرير الطب وتفحصه وتشخصه !

لا شك أن هذا جديد كتابك ، ولا شك أنك عرضت خبراتك الطبية في تحليل مرضه النفسي والعضوي أيضاً ، وبهذا أضفت فصلاً جديداً إلى سيرة المجنون .

في كل أمة من الأمم شخصيات مميزة تحمل عنواناً لشيء مميز ، فقيس بن الملوح العامري وقصته مع ليلى العامرية تمثل حالة السموّ في الحب والانقطاع له ، والإبداع الشعري الذي سطر به قيس سيرته مع هذا الحب .

هناك في الشعر العربي قصص حب أخرى ولكنها لا تقترب في روعتها من روعة قصة المجنون ، ولا زلنا حتى اليوم إذا قرأنا شعراً في الحب نسبناه إلى قيس ، وإذا ما ذكرت ليلى في شعر قلنا إنها ليلى العامرية .

ولا زلنا نتمثل بهذين البيتين في مناسباتهما :

الأول :

كل يغني على ليلاه متخذا
والثاني

وكلاً يدعي وصلاً بليلى

 


ليلى من الأنس أو ليلى من الخشب

وليلى لا تقرُّ لهم بذاكا

الأخ حجر السُّلمي :

القضية التي فكرتُ فيها كثيراً هي هذا العنوان الذي أطلقه القدماء ورضي به المعاصرون على نموذج الحب الذي عاش به المجنون مع ليلى ، وهو   " الحب العذري " .

لماذا ينسبون مثل هذا الحب إلى قبيلة عذرة علماً بأن أسمى نماذجه كان عامرياً !

لماذا لم ينسبوه إلى بني عامر رهط المجنون ورهط ليلى ، وقد قرأت بعض الآراء في ذلك منها أن حياة بني عذرة في الصحراء رقت قلوبهم وصقلت مشاعرهم وجعلتهم يبدعون هذا اللون من الحب .

وأنا لا أرى ذلك سبباً وجيهاً، ذلك لأن العامريين كانوا موغلين في البداوة أكثر من بني عذرة ، فبنو عذرة كانوا يسكنون في شمال المدينة وامتدت سكناهم حتى وادي القرى، ومن الواضح أنهم كانوا أكثر ميلاً للاستقرار في وادٍ تنتظم فيه القرى حتى بلاد الشام ، وفيه يقول جميل بن معمر العذري :

ولقد أجرُّ الذيل في وادي القرى

 

نشوان بين مزارع ونخيل

أما بنو عامر فكانوا يسكنون نجداً، ونجد أكثر إيغالاً في البداوة وأقرب أن تكون ذات قلوب مرهفة، وأكثر ميلاً للحب من بني عذرة، وفيهم نبغ المجنون وليلى، وفي صحرائهم أبدع المجنون أعذب قصائد الحب وأروعها .

تعال يا أخي نستعرض شعراء الحب العذري :

1- قيس بن الملوح العامري   وصاحبته ليلى بنت المهدي العامرية .

2- جميل بن معمر العذري    وصاحبته بثينة وهي من بني عذرة .

3- قيس بن ذريح الكناني      وصاحبته لبنى بنت كعب الخزاعية .

4- عروة بن حزام العذري     وصاحبته عفراء بنت عقال العذرية .

5- كثير بن عبد الرحمن الخزاعي     وصاحبته عزة الضمرية الكنانية .

6- توبة بن الحُميِّر العامري   وصاحبته ليلى الأخيلية العامرية .

7- الصمة القشيري العامري   وصاحبته ريا العامرية (ابنة عمه) .

هذه منظومة الحب العذري ، ثلاثة منهم من بني عامر ، وهم أشهرهم : قيس وليلى ، توبة بن الحمير، والصمة القشيري ، فلماذا إذن قلنا إن مثل هذا الحب كان عذرياً ؟

أنا لا أرى أن الحب العذري منسوبٌ إلى قبيلة عذرة ، بل أرى أنه منسوب إلى المرأة العذراء الممدوحة دائماً لنقائها وعفتها وحيائها وخيالاتها البكر في الحب .

أخي صاحب الكتاب البديع " مجنون ليلى بين الطب والأدب " أخذني الحب العذري بعيداً، وما أخذني هذا المأخذ إلا كتابك الرائع .

معالي الأخ الدكتور حجر بن أحمد بن حجر البنعلي السلمي :سلام عليك .