رسائل من أحمد الجدع 18

رسائل من أحمد الجدع

18

أحمد الجدع

يا صاحب " العمدة " لقد خذلتني عندما عجزتُ أن أجيب عن سؤال في الثقافة العامة ضمن امتحان اللغة العربية في شهادة المترك الأردنية عام 1958 م بعد حوالي ألف سنة من وفاتك .

كان السؤال عرِّف بما لا يزيد على سطرين بالكتب العشرة التالية :

البخلاء – الأمالي – وفيات الأعيان – معجم الأدباء – لسان العرب – على هامش السيرة – نهج البلاغة – العمدة- فجر الإسلام – كليلة ودمنة .

أجبت عن الكتب التسعة ، وأعيتني الحيلة وأعيتني معرفتي أن أعرف عن كتابك هذا شيئاً .

كانت غصة في نفسي ، وما إن وجدت المقدرة المالية حتى سارعت بشراء كتابك حتى إذا ما سئلت عنه عرفت الإجابة عليه .

كنت مدرساً في الطائف ، ثم إني ذهبت إلى مكة لأداء العمرة في السابع والعشرين من رمضان عام 1383 هـ أي قبل تسعة وأربعين عاماً من تاريخ كتابة هذه الرسالة إليك ( 1432 هـ ) ووقفت أمام مكتبة تبيع الكتب بالقرب من الحرم ، ورأيت كتابك ، نعم رأيته ، فتذكرت سؤال عام 1958 للميلاد فسارعت ونقدت البائع ما طلب واحتضنت الكتاب كأنه وَلَدٌ وُلِدَ في تلك الساعة .

كان اسم كتابك : " العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده " ، وغالطنا الممتحنون فقالوا لنا : العمدة،العمدة فقط، ولم يكملوا الاسم ، ولو كانوا أكملوه لكانوا قد سربوا لنا الجواب .

أقول مصيباً لو ذكر واضع السؤال اسم الكتاب كاملاً : " العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده" لاهتدى قسم من الطلاب إلى الجواب .. ولأخفق قسم آخر !!

هكذا هم الطلاب في كل مكان .

لو سألني سائل : كيف أتيت بالسؤال بنصه بعد تسعة وأربعين سنة من تقديمك لامتحان المترك ، هل ما زلت تحفظه عن ظهر غيب ؟

أبادر فأقول : كلا ، إلا أنني امرؤ أحتفظ بأوراقي للذكرى ، ومما اهتممت بحفظه مجموعة الأسئلة التي امتحنت بها في الشهادات التي قدمت لها امتحاناً، وأمامي الآن مجلد فيه أسئلة المترك عام 1958 م وأسئلة التوجيهية المصرية التي تقدمت لها عام 1959 م وأسئلة الجامعة بسنواتها الأربع من عام 1967 حتى عام 1970 م كل هذه الذكريات انثالت هنا على الورق بسبب جزء من سؤال عن كتابك العمدة ، نعم العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، وهو من أهم الكتب في تاريخ الشعر العربي ونقده .

من أهم ما احتواه كتابك هو تنصيبك للمتنبي سيداً للشعر العربي ، ولعل فكرة ، إمرة الشعراء جاءت فيما بعد مقتبسة من موقفك من شعر المتنبي ، وقد قلت وأنت تذكر منازل الشعراء من الشعر :" ثم جاء المتنبي فملأ الدنيا وشغل الناس " .

ومن هذا القبيل ما أوردته في كتابك هذا ونسبته إلى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه : " لو أن الشعراء المتقدمين ضمهم زمان واحد ، ونصبت لهم راية ، فجروا معاً ، علمنا من السابق منهم ، وإذ لم يكن فالذي لم يقل لرغبة ولا لرهبة ، فقيل : ومن هو ؟

فقال : الكندي ( يعني امرأ القيس بن حجر الكندي ) قيل : ولم ؟ قال : لأني رأيته أحسنهم نادرة وأسبقهم بادرة" .

إذن لقد جاءت إمارة الشعر حديثاً مقتبسة من هذه الأقوال التي كانت تقدم شاعراً على كل الشعراء .

كتابك من أهم كتب النقد الأدبي ، فقد أوردت فيه أقوال نقاد الشعر منذ العصر الجاهلي حتى زمانك ، والحقيقة أن القارئ يجد متعة في القراءة لنصاعة أسلوبك وفصاحة ألفاظك وغزارة معلوماتك .

وقد يسر الله لكتابك أشهر من عرف بتحقيق الكتب في العصر الحديث محمد محي الدين عبد الحميد فحققه أفضل تحقيق .

قد يسأل سائل : من هو ابن رشيق القيرواني ، فالناس لا تعرفك إلا بهذا الاسم ، فأقول بأنك أبو علي الحسن بن رشيق القيرواني الأزدي ، ولدت عام 390 هـ ومت عام 456 هـ عن عمر وصلك بك إلى ست وستين سنة، ويكفيك أنك قد ألفت هذا الكتاب الرائع ، ومع هذا فإن لك معه كتباً أخرى ، وبالإضافة إلى ذلك فقد كنت شاعراً وإن لم تشتهر بالشعر ، ومن شعرك حين مرضت مرضك الذي مت فيه :

يا ربّ لا أقوى على دفع الأذى
ما لي بعثتَ إلي ألف بعوضةٍ

 

وبك استعنت على الضعيف المؤذي
وبعثت واحدة إلى النمروذ!

ومن شعره هذا نستخلص أنه مات بالحمى .

يا أبا علي : الحسن بن رشيق القيرواني ، رحمك الله وسلام عليك .