يومَ يُوفَّ الصابرونَ أجرَهُمْ بغَيْرِ حِسابْ

"يومَ يُوفَّ الصابرونَ أجرَهُمْ بغَيْرِ حِسابْ"

أمُّ اليُمْن

لم أكن بالتي تُبدعُ الرِّثاءَ يا أبي،،،،، فلستُ سأرثيكَ إذنْ

وسار الجبَلْ

هذه المرَّةَ إلى الوطن!

واعتادتْ حلَبْ أن تبقى عبر السنونِ

سهلاً أخضراً

تعلوها قلعةٌ شهباءْ

أتغيَّرتْ تضاريسها الآنَ بِكْ

وعلاها جبلٌ؛ من أربعينَ غُربة؟!...

جبلٌ يحملُ روحكَ كالطودِ العظيم

يا سَعدَها

تلكَ الأوطانُ القَشيبَة

كم سافَرَتْ بروحِكَ دون أن تجعلكَ تطأ ثراها...

يا "سعدَهمْ"

حرموكَ.. أربعينَ عاماً

لتخلُدَ – رغماً عن أُنوفهم – إلى أَبَدْ

 

لستُ أرثيكْ

"وسيعلمُ الذين ظَلموا أيَّ مُنقَلَبٍ ينقلبون"

فكلُّهم الآنَ ينتهونَ من حيث تبدأ

ملِكاً مُسجَّى

يا لهفَ روحكَ في عليائها

أيُّ موتٍ هذا الذي رجَّلَ جسدكَ

ليُسْرَجَ في الوطنْ

أيُّ غُربةٍ – تبَّتْ يداها – أبعَدَتْ ذاكرةَ الوطنِ عن خُطاكَ وأيَّ أرض؟!!

لستُ أرثيكْ

فرثاءُ الطَّفلَةِ إذ تثغو شفتاها

شيءٌ قبيحْ

وكلامي يا أبي وَجْدٌ

أرتوي من إنصاتِكَ إليهِ

فهلْ.. تسمَعْ؟

::: أنا آ أبي ما زلتُ أراكَ

بتلكَ الضحكةِ التي يملؤها اللؤلؤ

بذاك الجبينِ الوضاءِ كبدرٍ في تمامهِ

-يا زين الرجالِ-

بلحيةٍ لطالما شددتُ شعيراتها

فنَهَرْتَني؛ بعيْنٍ حانية

وهربتُ،،، فأتيْتَني مُنادياً:

أنْ تعالَيْ

ما زلتِ طفلةً

أُربيكِ وابنكِ معاً.

آأبي...

وكيف أكتبُ وأنتَ القَلَمْ

وأنتَ الرُّوحُ

تطوفُ حولي سبعاً لتُرقيني

وأنتَ أنا؛

وكلُّ الذينَ أُحِبُّ..

يا كُلَّ الذينَ أُحِبَّ

تململتْ حروفُ اللغةِ وغزاها السَّوادْ

فكيف أكتبُ

وأنتَ يا أبي كلُّ الكِتابة!

وسار الجبلْ

إلى حيثُ نما..

وتكاثرَتْ عليه المذاهِبُ

فاستطالَ فوقَ النجومِ

وفوقَ الهمومِ

جبلاً!!

ماذا يقولُ الآخرونَ

واعتادتْ الجبالُ أن تبقى مكانها..

أيها الجبلْ

الراحِلُ الآنَ

ما تفعلُ الأوطانُ التي عبَرْتَها

وتركتَها ودياناً ثكلى..

ما تفعلُ أنـا.....

وتركتَني وراءكَ

أُحصي أسمائي.. أجمعها..

فكيف أنا؟ وبعثرةُ الروحِ تتشرَّبُني

مُذ ذهبتَ

فلمَ رحلتَ ولم تأخذني؟

ألم نتَّفِقُ يا "أبي" أن نعبُرَ الحدودَ معاً؟

ألم نتَّفِقْ أن نجوبَ شوارعها معاً؟

تبَّتْ أيديها من غُربةْ

تبَّتْ أيديها من وَطـَنْ

ها هي حلبْ

بعد أربعينَ سنة

الأرضُ مزدحمة

والمساجدُ تعانقُ مآذنها السماءْ

والطيورُ في صحنِ الدَّارِ

تتمشَّى على مهلٍ

و الآخرونَ في دنياها سائرونْ

فأينكَ منها؟!!!

ها هي حلبْ

بشوارعها التي وصَفْتْ

بتفاصيلِ بيتِ جدِّي

بالحارةِ التي عرَفَتْكْ

تستقبلُ روحكَ فاهنأْ بها..

ماذا أقولُ وقد أشعرَ اللِّسانُ صمتاً

طوبى لها الآنْ

فقد تزيَّنَتْ بكَ وأمطَرَتْ

أكانتْ تبكيكَ كعادتها؟

وما جدوى البكاءُ أيها الصابِرْ..

ما جدوى البكاءُ أيها الجبلْ

إن لم يُشقِّقْ أرضاً تُروي عطش سنينْ

آأبي...

مازلتُ طفلةً.. فلمَ ذهبتَ وبعدُ لم أكبُرْ

ومازال هناكَ الكثيرُ لأتعلَّمَهُ منكَ يا أبي

فأيًّ أُميَّةٍ أنا

وأيُّ عالِمٍ أنتْ

آأبي

والصبرُ أنتْ

والدفءُ أنتْ

والحُبُّ أنتْ

أما أنا

فسأشعُرُ بالكثيرِ من البردِ بعدكَ

فأينكَ تُغطِّيني؟...

يا كُلَّ دِثارِ الأرضِ زمِّلوني..

فالبردُ هُنا كثيفْ

و يا كُلَّ تُرابِ الأرضِ رِفقاً؛ فأبي الآنَ لكم رفيقْ

إلى مُلتقى يا أبي

كما أسميتَني::: أمُّ اليُمْن

8 أكتوبر 2010م/الجمعة