رسائل 16

أستاذي وصديقي د/ صقر

د. محمد جمال صقر

[email protected]

سلام الله عليك دائمًا, أسف للتأخير فقد كان لديَّ امتحان في لغة العم بونابرت, أتمنى أن تكون أنت وأسرتك في خير الأحوال, في البداية أشكرك على فحوى هذه الرسالة التي تتحدث عن ترجمة ذلك المُفكر السوري لأشعار الغزل المصرية عن الألمانية, ويؤسفني تماما أني بدأت اشعر بالفعل بالضيق من كثرة تلك الترجمات المنشورة والتي لا تمت بصلة للأصل المصري القديم تماما, وعلى الأقل فقدت دقة مُترجميها من خلال نقلها من جماليات لغة إلى الأخرى مع إغفال النص المصري القديم, هل يمكنك أن تتقبل تلك الحقيقة التي فزعت منها, أن كتاب سليم حسن المشهور عن الأدب المصري القديم منقول بالحرف وبالهوامش من كتاب ألماني مُماثل, بل وتبلغ الوقاحة المدى حينما يقر انه قد تعامل مع النص المصري القديم, وهو شيء دون الحقيقة تماما, وأخر الترجمات التي اصطدمت بها كانت لأحد أصحاب البروبجاندة العالية, والذي فوجئت تماما بأنه في الأصل اثري, وقام بترجمة النص المصري القديم عن الإنجليزية وادعى انه عمل على النص المصري القديم أيضا, حقا أنا أعاني من ذلك السيل من الترجمات. لكن سبحان الله لديَّ أستاذ صديقي يدعى د/ محمود السعدني اخذ أشعار الحب التي قمت بترجمتها وسيفرد لها حلقات لتتلى بصوت سميحة أيوب ومحمود الحديني في الإذاعة ببرنامج أوراق البردي, ولديَّ صديق للتو قادم من ايطاليا بعد ما نال الدكتوراه في الغناء الأوبرالي, وأقنعني بفكرة مشروع لديه لإخراج هذه الأشعار إلى عالم الغناء مرة أخرى. نوعًا ما أنا مبسوط وبقول دائمًا الحمد لله انه ساعدني ومازال يساعدني كتير جدا. ومازالت عند وعدي الأول لك لو أردت ارتب لك لقاء مع أساتذة الإيقاع الموسيقي في كلية تربية موسيقية, لتعرض أوراقك وأفكارك, وأنا متأكد تمام التأكد أنهم سيسعدوا بك وستجد منهم الترحاب وسيعرضون عليك مشاركتك أبحاثك ذات الأفكار الجميلة, على فكرة أنا كان عندي بحث لك, كنت صورته منذ زمن ليس بقصير ودكنته عندي حتى يحين موعده, وعندما ألقيت بنظري الآن عليه فوجئت بالطبع بصاحبه لأني لم أكن أعرفك حينئذ ولكن يبدو أن القلوب والخواطر تتقابل قبل اللقاء المادي, وكان مبعث اهتمامي بهذا البحث كونه قد ألهمني أيضا بعمل مقارنة ما بين نصين مصريين من نفس النوع وبالفعل الآن فعلتها ما بين أنشودة للملك سنوسرت الثالث والملك رمسيس الثاني, وكم كانت النتيجة جميلة, وأعجبت كثيرا كل من اطلع عليها.

شكرا لك أستاذي وصديقي العزيز.

وفي سلام الله أيضا خير ختام

هاني رشوان

عزيزي الأستاذ هاني رشوان ،

يا سلاما عليك !

" تَعَفَّفْ وَلا تَبْتَئِسْ فَما يُقْضَ يَأْتيكا " !

إن تعجب فكيف أفعل أنا ، وقد حدث ما توقعته !

لقد سطا أستاذ بجامعة خاصة ، على بعض أفكاري المتاحة من قديمٍ على الورق ، ومن حديثٍ على الشبكة ، فأخرج بحثا شاركنا نحن به في مؤتمرنا الدولي الرابع ، ولم أنتبه إلا أخيرا ، وزاد من عجبي أن قال لأحد تلامذتي : أبحاث الدكتور صقر على النت ممتازة !

فلما بلغني ذلك وعرفت ما عرفت ، قلت لتلميذي : طبعا لا بد أن تكون ممتازة ، لأنها مفيدة !

ولما شرحت لتلميذي ، وخاف على صاحبه من أن يفتضح ، سَرَّبَ له الأمر ، وأشعره بفداحة ما ارتكب !

إنني لا أريد عادة أكثر من أن يشار إلي ، ولو سُطِي على العمل ؛ فلست أقل ممن يشار إليهم من دون استفادة !

دنيا !

دنيا البحث عن الهباء ، عن الهراء !

ولكنني يكفيني في عقاب السارق أنه لا يستهلك نفسه في الحق !

ثم اسخر معي !

لقد شكاني بعض راسبي الفرقة الثالثة التي كنت أدرس لها فكرة طريفة في الجمع بين الوحدات العروضية والوحدات الصرفية ، لا يعرفها أكثر الباحثين ، فكيف يتخيلون تدريسها ! - حتى بلغ بهم التهديد ، أن قالوا : " لم نفعل شيئا بعدُ تجاه الدكتور صقر " ، فاستثاروني إلى انتهاز فرصة الكلام في تدني أفكار الرسائل ، لأتكلم في أن مثلهم لا يرجى منه خير فيما بعد ، فانطلق الأساتذة يتحدثون بالثناء على هذا المسكين ؛ حتى قالوا ما لا أكاد أطمع فيه ، ولا أطمح إلى أكثر منه ، وهم المتكبرون عن مجاملة الصغار ،

" ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو (...) " !

أخي الكريم ،

أتحرك بكتابك " بوشكين " ، الذي قرأته في حينه ، واستطردت به إلى قراءة بعض ما عندي من أعماله ؛ فما أحسن في الكتب أن تستفزك إلى الكتب !

فمتى ألقاك لتأخذه ، أو لتحكي لي عن بحثي الذي تواضعت بتصويره ، وبمجاملتي بالحديث عنه !

وتهانينا سريعا ، على نجاحاتك !

وإنما قلت لك كثيرا مما سبق لأدلك على المعنى الذي أومن به ، من أن لكل مجتهد نصيبا ، لا بد أن يحصل عليه ، إن شاء الله !

والسلام !

محمد جمال صقر

عزيزي د/صقر

أدرك تمام الإدراك ما تتحدث عنه, وعن الأزمة الأخلاقية التي قُدر لنا أن نعيش على مواجهتها, وأدرك تماما أن النفوس النقية امتلأت أجسادها بسهام خُلقت من مكر المنافقين والمُخادعين من أصحاب البروبجاندا العالية, أنا لا أقول لك هذا من فراغ أو من باب المبالغة أو من باب التنفيس عما تشعر به ومشاركتك إياه, ولكن هذه الكلمات جاءت من خلال تذوقي لطعم الظلم والنفاق بل طعم الموت, ولن تكفي أي صفحات للحديث عما لاقيته ومازلت ألقاه, لقد تعاملت ومازالت أتعامل مع تلك الهالات التي يطلقون عليها اصطلاحًا بالعلماء, وكم فوجئت وفوجئت من كونهم مجرد أنفس مريضة بحب الظهور وكيل النفاق إليها من قبل أصحاب المصالح, ووجدت في كثير من الأحيان أن النفاق وأساليبه في بلادنا العريقة سلعة رائجة, يمكن لها أن تصنع من شخصيات مُعتمة الفكر والخلق والعلم نماذج من النجاح والتفوق ويصبحون بواسطته قدوة لكل طامع في مكانة تماثل التي نالها المنافق الأفاق الأكبر. بل يضعونهم حراسًا على مصائر الخلق وأخلاقهم ليشكلوا في النشء كيفما شاءوا, فينطلق العفن الذي يسكن ضمائرهم يدمر كل ما تبقى من قيم ومبادئ لدى تلاميذهم " حملة لواء النفاق وأهله من بعد أساتذتهم العظام" وأدرك تماما انك تعلم أن العلم الحقيقي نور رباني يُوحى به إلى المُختار من الله, وما قول الرسول الكريم بكون العلماء ورثة الأنبياء بلغو, فهل العلماء يرثون فقط العلم, بالطبع لا بل الأخلاق قبل العلم, ولذلك لن أجد من يخدعني بأساليب الدعاية الخاصة به عن مدى علمه الواسع, إذا لم يكن على درجة مماثلة من الأخلاق.

والحقيقة دائما الأشد مرارة ولكني أؤمن عن يقين " أن الحقائق المُظلمة الحقيرة لهيَّ أسمى لديَّ من سيادة الضلال وبهرجته" كما قال بوشكين, ولذا فلا تبتأس فأن الله سوف يحمي لك كل مجهود لأنه لا يُضيع اجر من يحسن عملا, وان تلك النجوم الواهية فانية ولن تدوم لأن كيانها خُلق من دخان + دخان, فهيَّ تحترق لتؤذي نفسها قبل الآخرين.

كما أنني اعتقد أن الشغل العميق يكسبه درجة من المناعة عن أفق هؤلاء المتنطعين, وهو ما أحاول دائما تلمسه في كل عمل لديَّ حتى لا يُصبح طعام سائغ لتلك الحيوانات التي تقتات على منجزات عقول الآخرين, وسأعطي لك مثالا: ابعث إليك الآن برسالة كنت استهزئ بها من احد هؤلاء, قام بعمل كتيب صغير عن أشعار الغزل, ولم أكن اعرف عنه شيء سوى كونه أستاذ مصري في جامعة لندن وان له تجربة في سرقة تلك الترجمة الضعيفة المتواجدة في كتيبه عن سارق أخر, فأرسلت له فقط الأشعار التي ترجمتها والقافية التي تخصها دون التحليل القواعدى والدلالي, وبالطبع لم يرد عليَّ, ولكني علمت بطريق غير مباشر من فايزة هيكل أنه قال لها انه عمل شغل جامد في الشعر المصري القديم, وبالطبع نال هذا استغرابها لأنها تعلم جيدا من هوَّ وحدود إمكانياته في كونه لا يُجيد اللغة المصرية لكونه في الأساس جيولوجي وليس اثري, ويبدو أن حظه العسر هذه المرة قد أوقعه فيَّ, لأني انتظر فقط نشره لذلك البحث, وسيكون من السهل جدا أن اثبت ما اقترفه هذا الأحمق كعمل مُعتاد له, وغفل عن كوني املك النواة الحقيقية للبحث وأن ما يملكه لا يدل إلا على جهله.

أستاذي العزيز لا تحزن, ودعهم في أمراضهم ينعمون, وانظر إليهم بعين الشفقة, وليتك تدرك كم هيَّ قاسية عليهم تلك النظرة.

أما عن بحثك الذي أفادتني فكرته كثيرا فهو " تغزل الجاحظ عن الصُناع – دراسة نصية عروضية" فقد هالني أسلوب البحث غير المُعتاد, وأسلوب ترتيب الأفكار, والميل دائمًا إلى المقارنة لتوضيح الفروق.

تأكد تماما أن علمك سيبقى لأنه خلق للدوام وليس للفناء.

وفي سلام الله خير ختام  

هاني رشوان