حبيبي يا أحمد سيف الإسلام

clip_image001_663d1.jpg

انتقل إلى رحاب مولاه في عين الشهر الذي ارتقى فيه والده، فقد وافاه الأجل مساء يوم الخميس 4 فبراير 2016 وكانت وفاة والده في 12 فبراير 1949.

عانى من مرضه الذي أقعده في بيته بشارع نوال بالدقي بمحافظة الجيزة طوال العشرين عاماً الأخيرة من عمره، قبلها جاب الآفاق نشاطاً وعملاً، إن في المملكة العربية السعودية، وإن في أوروبا، وإن في نقابة المحامين المصرية أميناً عاماً لها ، وإن في مجلس الشعب المصري ممثلاً لدائرته.

عرفته سمحاً ودوداً، تتألق ملامحه بالبشر والنور، وتفيض عيناه بالوداعة واللطف.

حمل بين جنبيه نفساً كبيرة سامية، لم يطلب لها منزلة غير المنزلة التي التي كانت فيها، وعاش بما قسم الله له من الرزق، ولقد رزقه الجم الكثير الذي لم يطلب فوقه مزيداً، ولم يبتغ به بديلا.

أنجب سناء وحسن وعثمان ولطيفة من زوجته التركية أم سناء، وإنها لشقيقة نفسه، وأليفة قلبه، وشريكته في النعمة حين تُظل، وحليفته على النائبة حين تنوب، ومعينته على الخطب حين يدلهم.

كان هو أخو البنات والإبن الوحيد للشيخ حسن البنا وورث عنه ملامح وجهه كما ورث عنه حبه للأدب وللغة العربية التي كان يتحدث بها بطلاقة وتلقائية دون تكلف.

إنه الأستاذ أحمد سيف الإسلام حسن البنا المحامي الحبيب ابن الحبيب.

وكما تمت جنازة الأب في صمت وهدوء ولم يشهدها أحد من معارفه أو أصدقائه

أو مريديه أو محبيه تمت جنازة الابن في عين الصمت وعين الهدوء فلم يشهدها سوى عموم الناس وتخلف عنها المعارف والأصدقاء والمحبين لأكثر من سبب لكن حسبه أنه بين يدي مولاه الذي يسمع ويرى ويجزي كل نفس بما كسبت ويعفو عن كثير.

لقد كنت واحداً ممن لم يستطع الصلاة عليه وتشييع جثمانه فصليت عليه صلاة الغائب وأحسب أن أمثالي في ذلك كثيرون.

لكن عزاءنا أن الزمان لا يثبت، وإنما هو منطلق دائماً، وأن الأيام لا تستقر، وإنما هي نهار يتبعه نهار، والدنيا تقبل وتدبر، والحكام ينصبون ويصرفون، وحبيبي الكريم كان رجلاً لبيباً، اعتبر بهذا كله فلم يسرف على نفسه، ولم يسرف على الناس، ولم يقدم بين يديه من العمل ما يسوؤه في الدنيا ويخزيه في الآخرة.

ولكنه رحل كما رحل أبوه من قبل يحرقه طموحه إلى العدل دون أن يُبلغه شيئاً، وما أكثر ما مضت الأجيال وليس لها من العدل حظ إلا انتظارها له، وتحرقها شوقاً إليه، ولكن العدل كان بطيئاً مسرفاً في البطء، كأنه كان يمشي في القيد، لا يكاد يخطو خطوات قصاراً حتى يجذبه من ورائه جاذب فيرده إلى مكانه الذي استقر فيه بعيداً كل البعد عن الناس الذين يحبهم ويحبونه، ويشتاق إليهم ويشتاقون إليه.

أشهد أنه كان حافظاً للود، مراعياً للحرمة، ذاكراً للجميل، أقام حياته على الصدق، وأجرى سيرته على الشفافية، وطوى ضميره على الصفاء، وآثر الفضيلة والخلق الكريم.

نظر لأمر دينه كأنه يموت غداً، ولأمر دنياه كأنه يعيش أبداً، فأشاع الله في قلبه الرضا والغبطة وأسبغ على نفسه البهجة، وأنزل على ضميره السكينة، ونقى دخيلته من الموجدة والضغينة.

وهو بعد ذلك محتاج إلى تذكره والدعاء له بالرحمة والمغفرة وأن يشفع فيه والده الذي اجتمع العالم كله حرب عليه من أدناه إلى أقصاه، فانتهت حياته بما انتهت به حياة عظماء هذا العالم وسادته، من قتل أو صلب أو إلقاء في السجن أو تشريد في الأرض، ولا ذنب لهم إلا أنهم أحبوا البشر وعطفوا عليهم، وتألموا لآلامهم، وبكوا لبكائهم، فنقم البشر منهم هذه العاطفة الطيبة الكريمة، وانتقم منهم بإزهاق أرواحهم، أو تعذيب أجسامهم، أو تقطيع أوصالهم، ولم يقنع في أمرهم بذلك حتى شوه وجه تاريخهم، وسود صفحاته بما شاء من الوصمات والعيوب، ولم تستطع شمس الحقيقة أن تبدد تلك الظلمات المحيطة بهم وبتاريخ حياتهم حتى الآن.

فاللهم إن كان الموت خير لنا فاقبضنا إليك الآن غير مفتونين ولا مبدلين.. اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم.

وسوم: العدد 654