رثاء الداعية فيصل الحجي

عبد الجبار الزيدي

clip_image002_eceeb.jpg

كيف أرثيك يا أمير القوافي !               وقريضي مهلهل لا يكافي

كيف أبكيك والمدامع جفَّتْ        يوم غادرت في الليالي العجافِ

يا لَسيفٍ قد سُلَّ والغمدُ باكٍ         وعَرينُ الآسَادِ ليس بخَافِ 

   ماذا أستطيع أن أقول فيك يا حبيبي وشيخي وقدوتي ( أبا أنس ) الحجي ؟! كيف أرثيك وحالي حال الطنطاوي إذ عجز عن رثاء بنان ؛ وعجزت أنا عن رثاء أمي - يرحمها الله – وعجزت عن رثاء شيخي وحبيبي عبد الفتاح أبو غدة – يرحمه الله – أجل ! عجزت لأنكم فوق كل الكلمات ! وأكبر من كل المعاني والعبارات ! إن بكتك أهلك ( أم أنس )- جبر الله مصابها – وبكاك أولادك الكرام وبناتك الكريمات .. وبكاك إخوانك وأقرباؤك منذ أيام .. فقد بكيتك - واللهِ !- أوائلَ الثمانينيات وكانت نفسي تحدثني : كيف لمثل ( أبي أنس ) الحجي أن يموت ؟! وكنت أقول في نفسي : لو كان من حق بشر أن يخلد بعد الأنبياء والصديقين .. لكان فيصل الحجي جديرا بالخلود ! أجل ! بكيتك يوم رأيتُك نذرت نفسك ووقتك ومالك وشعرك ونثرك وعلمك لخدمة الإسلام والمسلمين .. فقد رأيتك يا ( أبا أنس !) – يرحمك الله - في مدينة الرياض – وأشهدُ الله -: تسعى في خدمة إخوانك ؛ فلا تدعُ أخًا من إخوانك ذا فرحة أو مناسبة إلا كنت أول من يبادر إلى تهنئته ؛ ووجهك وضاح وثغرك باسم ؛ لا يعصيك في ذلك شعر أصيل ، ولا يخذلك نثر جميل ! ورأيتك لا تدع أخا من إخوانك أو صديقا من أصدقائك مريضا إلا كنت أول من يعوده ويواسيه ؛ ويداك مثقلتان بالهدايا ! على رغم ضيق الحال وكثرة العيال ! لقد رأيتك يا ( أبا أنس !) – يرحمك الله - إذا ما احتدم القول وتنافرت النفوس البشرية وجهِلَ عليك أحد من إخوانك – وربما كنت أنا واحدًا منهم – تتمثل قول الله :( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ، وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ، وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ !) فكنت تكظم غيظك ، وكنت تعفو عن الناس وتبادر إلى الصلح - أسأل أن يجعلك فيمن يحب من المحسنين –. ورأيتك يا ( أبا أنس !) – يرحمك الله - اعتزلت الفتنة عندما سارع إليها إخوانك يومًا ما - وصار العرب عربين - فخاض بعضهم مع الخائضين .. فكففت لسانك وقلمك الصادرين عن خلقك القويم وطبعك الكريم .. ولقد رأيت عددا كبيرا من الإخوان وغير الإخوان ... يعرفون عناوين الفنادق والمطاعم وسيارات الأجرة التي يدلون عليها إخوانهم الضيوف القادمين من بلدان بعيدة .. ولكني نزلت ونزل غيري بيتَك المضياف ! وأكلت وأكل غيري طعامَك الطيب ! وركبت وركب غيري سيارتَك الواسعة التي تقودها روَّاحًا بها غدَّاءً  ؛ تقضي حوائج إخوانك المسلمين !! فمن أكرم ممن جعل بيته للضيوف فندقا ، واتخذ بيته للضيوف مطعما ، وجنَّد نفسه لإخوانه سائقًا ، وسخَّر سيارته لقضاء حوائج المسلمين ؟!!! وأنَّى لشعري الواهن الكليل وبياني المتعثر أن يحيط بخصالك ومزاياك الطيبات يا أيها الفارس الذي لا يترجل ! والحليم الذي لا يتعجل ! كيف أستطيع أن أوفيك حقك داعيا إلى الله وعلما خفاقا ورقما صعبا في جماعة الإخوان المسلمين ؟! كيف أستطيع أن أكتب في شعرك الجزل ومعانيك الرصينة .. يا صاحب الدواوين ؟! إن العين لتدمع وإنَّ القلب ليحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي الرب ! وإنا على فراقك يا حبيبنا ( أبا أنس ) الحجي لمحزونون :

انظر إلى جبل يمشي الرجال به    وانظر إلى القبر ما يحوي من الشرف

وانظر إلى فيصل الإسلام منغمدا     وانظر إلى درة الإسلام في الصدف 

   حبيبي وشيخي وأستاذي وقدوتي فيصل (  أبا أنس ) الحجي ! كم كنت أتمنى أن تشهد انتصار الثورة السورية ! وتعيش زوال الطغاة ، وترى بكاء عيون العائدين إلى الأوطان فرحا بالعودة والأمان والاطمئنان ؟!!!. ولكن اختارك ربنا إلى جواره وأنعم وأكرم به جوارًا ؛ فهو أرحم الراحمين . اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تفتنا بعده ، واغفر لنا وله ، وأعل نُزُلَه في مقام الخالدين  ؛ فإنه ضيفك الوافد عليك ؛ المحتاج إلى عفوك ورضوانك ؛ يا أكرم الأكرمين ! أما أنت يا أختنا أم أنس ! ويا أحبائي وأعزائي : أنس ، ومحمد ، وجابر ، والبراء ، وفهد ، وزين العابدين ! ويا أخواتي كريمات الشيخ الحبيب ! ويا إخوتي أشقاء الشيخ الفقيد الراحل ! فأعظم الله أجركم ، ورزقكم الصبر الجميل ، والثواب الجزيل ، وجمع بينكم وبين الشيخ في جنات النعيم - إن شاء الله - وإنا لله وإنا إليه راجعون . محبكم الحزين : عبد الجبار الزيدي

وسوم: العدد 707