الأخ عبد الغني يونسو (أبو سامر الجسر)

عامان على رحيله : 

فارس يترجل !!

الأخ عبد الغني يونسو { أبو سامر الجسر }   

أُعزي أمْ أُعزّى ؟ لست أدري  -     لقد كان المصابُ به أليما!!

أتى الناعي ، فقلتُ :جرحت قلبي  - فإنك قد نعيت أخاً كريما  !

لاأستطيع أن أقول : إن خبر وفاة أخي وصديقي ورفيق دربي عبد الغني يونسو فاجأني فحسب ، ولكن شلّ يدي ولساني ، فلم أعد أدري ماذا آقول ؟ وماذا أكتب ؟ ومن أعزي ! وأنا المعزى به !؟

من أين أبدأياأباسامر ؟ أأبدأ من لجوئي إليك في بداما ، وقد اشتد الطلب بعد أحداث آذار ١٩٨٠ في جسر الشغور ، ولسان حالي يقول : 

وقال كلُّ خليل كنتُ آملُه  - لا أُلهينّك ، إني عنك مشغول ُ !؟ 

ولكنك لم تقل إني عنك مشغول  ، بل أرسلت الأخ تركي أبو حمزة ليحملني إلى منزلك في بداما ، وأنت تُعرّض نفسك وزوجتك وأولادك وبيتك للخطر ، وأي خطر !؟ 

وألقى في هذا البيت الكريم الإكرام والعناية ، والتكتم على وجودي ، وكانت زوجته - رحمها الله - على قدر المسؤولية والمخاطرة !؟ 

أم أبدأ من رسالتك وقد عزمت على ترك المنزل والوظيفة بعد أن غادرتك بأسابيع ، لتخبرني أن الواجب يقتضينا جمع الشباب وقد كثر العدد ، وهم بحاجة إلى من يرشدهم ، ويسدد حماسهم ، لنبدأمع الأخوين  الشهيدين صالح حسناوي و محمد ديرك ، مرحلة جديدة من المواجهة مع السلطة الباطنية المجرمة ، بعد أن اتخذ الإخوان قراراً بدخول المعركة ، وأن على الأخ ألّا يسلم نفسه  مهما كانت الظروف ! وكان بالنسبة لنا في جسر الشغور وريفها ميثاقاً غليظاً ، صاغه الأخ صالح بمقولة وفّى بها جميع من حضر : نموت في الجبل ، ولانسلم أنفسنا ونحن أحياء !! 

أم من رحلتنا التي امتدت قريباً من سنتين ، ونحن ننتقل من قرية إلى أخرى ، ومن جبل إلى جبل ، نتفقد الإخوة في قواعدهم ، ونمر على الأنصار نجدد العزيمة فيهم ، وأن المعركة مستمرة مع هؤلاء الطواغيت ، وكنت  أصلب عوداً ، وأشد تمرساً ، حتى إنك لتقسم أن تحمل متاعي ، وتداوي الجروح والخدوش في قدمي ، ثم تصنع حلوى تعرف أني أحبها تطييباً لخاطري ! 

 أم في إصرارك على عدم الخروج وقد كثر الشهداء فيمن كانوا معنا ، وتضاعف عدد المعتقلين والمعتقلات ، حتى تأتيك فتوى شرعية ممن تثق به من علماء حلب ، وإجابة عسكرية من الضابط الذي كنا نثق برأيه ودينه ومعرفته بالظروف التي نمر بها آنذاك ، ولم يبق في حوزتنا مع مجموعات أخرى سوى أقل القليل من الذخيرة !؟  

أم من حسك الأمني الدقيق ، وقد نجاني الله من الاعتقال  على يد شبيحة ذلك الوقت من أراذل البعثيين المسعورين الذي كانوا حميراًللحكم الطائفي الأرعن ، فأخرجتني من المكان ، وصدق حدسك فإذ بهم ككلاب الصيد يقتفون الأثر ، ولكنك خيّبت أملهم ، فعادوا لاهثين !؟ 

أم من افتراقنا بعد الخروج ، وقد خيّرنا الأخ العزيز أبو الطاهر بين البقاء مع الأخوة العاملين ، وبين أن نسافر للعمل في إحدى الدول التي تحتاج إلى مدرسين ، فكان البقاء مع إخواننا أحب إلينا ، فبقيت على الحدود مع مافي ذلك الوقت من مخاطرة تستقبل الأسر ، وتنسق مع إخوة الداخل ، ومضيتُ إلى أستاذنا محمد الحسناوي  للعمل في الإعلام ، ولم ينقطع التواصل بيننا !!

 وقد طوحت بنا الأيام بعد ذلك ننتظر ساعة الخلاص التي كنا نرقبها فإذا هي تطل مع آذار ٢٠١١ ، فلم تطق البقاء بعيداً ، فعدت إلى سابق عهدك ، ووظفت خبرتك ! ولكن من خاصموك لأمر شخصي لم يستطيعوا التغلب على نفوسهم ، وهكذا الحال في كل دعوة وحركة صادقة ، يلاقي الصادقون فيها تهميشاً وإقصاءً !؟ فتحاملت على الألم ، وأنت تعلم أن العمل للإسلام يتجاوز الجماعات ، وأن الجهاد لا يحتاج لمن يأذن به ، وقد هبت رياح التغيير ، فكان لا بد من النفير ، تصديقاً لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم : إذا استُنفرتم فانفروا ، وأذن الله آن تتحرر بداما ، فعدت لتبني و وتعلي البناء مع الصادقين المخلصين ، وقد وافتك المنية ، وأنت في خضم العمل لبلدك وأبناء بلدك ، ولتضمك الأرض التي فارقتها مرغماً منذ ثلاثين عاماً !! 

فسلام عليك أيها الأخ الحبيب ، أسأل الله أن يغفر لك ويرحمك ، ويعلي مقامك في جنات النعيم  !!

وسوم: العدد 719