خاطرة وامضة

نعماء محمد المجذوب

شيطان الشعر ما أحمقه!! إن استدعيته عاندني وكابر، وإن أهملته جاذبني ونازل، فأنا معه في كرّ وفرّ، لا يدعني أستريح فوق صخرة شامخة، وإن هربت منه إلى مرج أخضر، وعانقت السنابل الذهبية، وتسلقت الأيكة المروية، وشدتني الأنوار العلوية، وحلقت بين الكواكب المتناثرة، والبروج الدائرة والمتاهات المنسية، فاجأني بركلة قصية، هوت بي في القيعان السفلية.

شيطان شعري، ما أحمقه، ما أعنده!!

يرغبني، ويثير لدي شهوة الكتابة، ويريني التصاوير والأهوال، واللهيب والأضواء، والأمواج والآفاق، ويحثني على الركض والجري، ويخبطني بسوط كالأخطبوط، فتحاول يداي أن تمسك بخيط، وأقبض عليه بين إصبعيّ، ولكن سرعان ما يفلت مني، ويستعصي القلم بيدي.

شيطان شعري، ما أرعنه، ما أمرقه!!

كلمات باسمة يلقيها في خاطري، معطرة، ندية بالحب، غزيرة بالمعرفة، ينثرها على أشلاء أعصابي، فوق بساط مزركش، ألوانها مغرية، أضواؤها باهرة، أشكالها ناطقة، فأقتنص اللحظات، كي ألملمها في خيط وردي، أزين به نافذتي، أو أحبسه بين دفتي دفتري، ويجذبني الأمل، وتعصف في داخلي الهمّة، ثم فجأة تطير المفردات، وتحلق بين جفنيَّ المغلقتين، وتخبو الأنوار، وتتلاشى الرغبات، وتختنق البسمات.

شيطان شعري، ما أغدره، ما أسفهه!!

كفاك بي مداعبة وسخرية.

كفاك بي عبثاً وهمجية.

كفاك بي زرعاً للأسية.

هصرتني، لوعتني، طوحت بي بين غيمات الشفق، وفي كل أفق، وأدخلتني كل جحر ووكر.

كفاك سخرية بالبشر.

فلألملم مشاعري وكلماتي، ولأحبسها في دفائن صدري، وأهديها إلى فرسان أفكاري، وأمتطيها في الصراط المستقيم، وإلى الأبد عند رب غفور رحيم.

 

وسوم: العدد 798