جمهورية عربستان الفاضلة

م. محمد حسن فقيه

[email protected]

نهيب بجميع المواطنين موالاة أو معارضة والمقيمين داخل حمى الوطن وخارج ترابه ، إلى سرعة المبادرة لتسجيل أسمائهم في سفارات الجمهورية العربية الفاضلة ، لممارسة حقهم الإنتخابي والمشاركة باختيار ممثليهم في مجلس الشعب مستهل الشهر القادم ، بشفافية ممبزة وحرية مطلقة واختيار نزيه لفرسان الريادة والتغيير .

وتحت هذا الإعلان - المدفوع الثمن - على الصفحة الأولى من الجريدة وبالألوان والخط العريض  قرأت أيضا :

" إضمن صوتك داخل المجلس باختيارك السليم والحر لمرشحك الكفؤ المناسب " .

" صوتك أمانة ....... فامنحه لمن يستحقه " .

" مجلس برلماني قوي تختاره ، يحفظ حقوقك  وينشر العدل والحرية في ربوع الوطن "                   

شعرت بسعادة غامرة وأنا أقرأ هذا الإعلان في صحيفة المستقبل العربي عن الإنتخابات النيابية في وطني الحبيب بينما كنت متمددا على سريري بعد أن وصلت متأخرا من عملي  ، وتناولت عشاء ثقيلا لأعوض الجهد الذي بذلته طوال النهار .

دارت الأفكار في رأسي ، انبثقت الأحلام تتراقص أمام عيني ، هذا الإعلان الذي آقرأه بحلّة جديدة وسابقة غير معهودة ، فهو يوجه نداء حرا ديموقراطيا لجميع المواطنين بما فيها - نحن - المعارضة ، لانتخاب ممثلي مجلس الشعب بطريقة ديموقراطية نزيهة وشفافة ، تختلف كثيرا عن الانتخابات السابقة من مستوي حرية التعبير والإختيار، وهذا بحد ذاته  يثير كثيرا من التساؤلات الإيجابية وإشارات الإستفهام المحفّزة في وطني الحبيب ، وجمهوريتنا الفاضلة المستقبلية ، وحتى لا يسرح بي الخيال بعيدا هززت برأسي وأنا أًتمتم : " الصباح رباح " ، غدا سأذهب للسفارة لتجديد جواز السفر ، وأتبين جدية هذا الإعلان وأقف على حقيقة أمره  .

في الصباح الباكر عندما اقتربت من السفارة وجدت مراسيم الإحتفال والبهجة أمام السفارة تملأ المكان من اللوحات والشعارات وعبارات الحفاوة ولترحيب عند مدخل السفارة ، وفي داخل فنائها ، كانت البسمة تعلو الشفاه ، والتأهيل والتسهيل على ألسنة الجميع ابتداء من الحارس ومرورا بالسكرتيرة ومن ثم إلى جميع الموظفين والمسؤولين ، الملصقات والشعارات تملأ مدخل السفارة وبهوها الواسع الفسيح من الداخل ، وجميعها تحثّ جميع المواطنين بكافة أطيافهم الإثنية وانتماءاتهم السياسية على المشاركة الفاعلة في الإنتخابات التشريعية  بحرية ونزاهة وشفافية ، شعور جميل أدخل البهجة والسرور إلى نفسي ، وإحساس عذب عميق تملّكني وتغلغل في كياني وأنا أشهد أمامي هذه المظاهر الجديدة من اللطف الزائد والإحترام المخجل ، والأهم من كل ذلك هذه الشحنة الدافقة الجديدة من الحرية واحترام المواطن ، تذكرت كلمة الرفيق القائد : " المواطن أغلى ما نملك " ، فهدأت نفسي قليلا واستكانت مشاعري وأنا أحدّث نفسي : لقد بدأنا عهد التطبيق للمبادئ والشعارات ، دنوت من السكرتيرة الجميلة وأنا أسألها عن الموظف المختص لتجديد جواز سفري ، فاستقبلتني بوجه باش وبسمة عريضة جللت محيّاها ، ثم استلمت مني الجواز وهي تشير نحوي بلطف وأدب لأتبعها نحو الموظف المختص ، ولما وصلت إليه أشارت إلي بالجلوس على الكرسي الوثير بجانبه ، وهي تقول بلطف أخجلني إسترح يا أستاذ ، دقائق وسيجهز لك السيد نائل كل ما تريد ، ثم استأذنتني للعودة إلى مكانها وهي تودّعني ببسمة لطيفة قبل أن تعود أدراجها إلى مكتبها لتقدم خدمة جديدة لمواطن آخر جديد .

أصرّ السيد نائل على جلوسي بجانبه ، وطلب لي كوبا من عصير الليمون البارد ، ليخفف عني من عناء حرّ تموز اللاهب ، ولم أكد أنهي شرب العصير الطازج حتى شعرت بالانتعاش يسري داخل نفسي والإرتواء يكاد يخرج من أظافري  ، كا ن السيد نائل قد أنهى إجراءاته ولم يبق غير توقيع القنصل وختم السفارة لتجديد جواز السفر.

- أود أن ألفت نظرك يا سيدي بأنني لم استكمل دفع رسوم الاغتراب بعد ، فلقد دفعت نصفها في المرة السابقة وتبقى على دفع النصف الآخر .

-  أعلم هذا فكله مبين عندي تماما على الحاسب الآلي يا سيدي .

- لكنك لم تسألني عن ذلك ، أو تشترط الدفع مسبقا قبل التجديد كما حدث معي في المرة السابقة .

- الأمر يعود لك .... تدفعها متى تشاء .... أو عند عودتك إلى تراب الوطن يا سيدي .

وقبل أن يسمع تعليقي أو شكري على ذلك ، استماحني عذرا ريثما يفارقني قليلا ليأخذ الجواز بنفسه إلى سعادة القنصل فيختمه بعد توقيعه ثم يعود به إليّ على جناح السرعة .

دقائق معدودة على أصابع الكف الواحد عاد بعدها إلي السيد نائل بالجواز ممهورا بتوقيع سعادة القنصل ومزينا  بختم السفارة الأرجواني ، قدمه إلي وهو يبتسم قائلا : تشرفنا بخدمتكم يا سيدي المواطن ! ثم استأنف بأسلوب دبلوماسي لطيف : هل من خدمة أخرى يا سيدي ؟

وجدت الفرصة سانحة فاهتبلتها ، وكما يقال الفرصة خلسة فاقتنصها قبل أن تفلت منك  وتخسرها ، فقابلته بابتسامة أعرض وأنا أقول له : وهل نستطيع الإستغناء عن خدماتكم الجليلة يا سيدي ؟ ثم استأنفت بإسلوب لبق : لقد أغراني لطفكم وشجعني حسن تعاملكم لطلب المزيد .... هناك  رجاء آخر يا سيدي ، قاطعني  بلباقة وأدب جمّ  قائلا : بل أنت تطلب يا سيدي ..... نحن هنا لخدمتكم .... تفضل يا سيدي ماذا تأمرنا به ؟

-   استغفر الله ..... بل إني استفسرعن إمكانية تسجيل اسمي في سجل الانتخابات .

-  بكل سروريا سيدي .

-  ولكن من حقك أن تعلم بأني معارض سياسي .

-  هذا حق شخصي لكل مواطن ليعبرعن رأيه وموقفه السياسي بكل حرية وشفافية ، وسواء علمت أنا أو غيري أم لم نعلم ، فيبقى هذا حقك المشروع  ، ولا يغير من الأمر شيئا .

-  لقد أثلجت صدري حقيقة .

-  واجبنا خدمتكم .... وهذا من أهم حقوقكم في دولتنا الفاضلة .

-  أخجلني تواضعكم .

-  بل يشرفني خدمتكم يا سيدي ، ولكن أرجو أن تسمح لي قليلا من  وقتك الثمين ريثما أحضر لك استمارة التسجيل لتملأها .

-  العفو منك يا سيدي ، أكون لك في غاية الشكر والإمتنان .

عاد إلي السيد نائل بعد لحظات وهو يحمل استمارة التسجيل لتدوين المعلومات اللازمة ، ناولني إياها وهو يقول  : حضرة السفيريطلب موافقتك لتشرب فنجانا من القهوة معه إن كان وقتكم الثمين يسمح بذلك ! .

سرح بي الخيال بعيدا وانبثقت قصة زميلي سامي وهو يروي لي حكايته من شهر مضى لتجديد جواز سفره ، حين سألته السكرتيرة - والتي تعمل في إحدى سفاراتنا الكريمة ولا تنتمي لجمهوريتنا الفاضلة - بلهجة عربية مكسرة وهي تطلّ عليه من كوة صغيرة على الشارع العام الذي اصطف فيه المراجعين من مواطنينا المحترمين مزدحمين متلاحمين ، وبعد أن استلمت الجوازمنه وقلبت صفحاته ، وأدخلت اسمه في الحاسب الذي أمامها  وحسبت له بدل الإغتراب ثم نادته وهي تقول : عليك ثلاثة آلاف دولار مقابل بدل اغتراب يجب دفعها قبل التجديد كاملا ، وحين أجابها ولكني لا أملك هذا المبلغ  ... ألا يمكن تأجيله أو تقسيطه على دفعات ؟ أجابت بغلظة جافية ولهجة مكسرة : الدفع حالا ولكامل المبلغ قبل الإجراءات ، وعندما طلب منها مقابلة السفير أو القنصل أو حتى أي مسؤول كان ، ردت عليه بعصبية ونزق متبرمة من طلبه الوقح ! المسؤولون مشغولون بقضايا كبيرة أهم من هذه الأمور الشخصية والتفاهات ، ثم رمت له الجواز قبل أن تسمع الجواب وهي تكرر مقولتها : أحضر المبلغ المطلوب من بدل الإغتراب وادفعه ، ثم قدم طلب تجديد الجواز !   

يا للدنيا كيف انقلبت ! سعادة السفير يرجوني ! تمالكت نفسي وكبتّ مشاعري التي فاضت ببسمة ارتسمت على وجهي وتنهيدة انشراح وارتياح انطلقت من صدري ، انتبهت إلى نفسي التي سرحت بذاكرتي إلى الخلف ، وتذكرت حالي فاستدركت مسرعا :

- بل لي الشرف في مقابلة سعادة السفير..... سعادته لا يرجو بل يطلب ....  فأنا جندي مطيع في مصلحة وطني الحبيب .      

- بل الوطن يفخر بأمثالك من المواطنين الشرفاء والنخبة المتنورة يا سيدي .

- إنك تخجلني كثيرا بلطفك واحترامك العالي يا سيدي .

- إنه واجبنا الطبيعي تجاهك وتجاه جميع المواطنين من أبناء جمهوريتنا الفاضلة يا سيدي .

بعد هذه المجاملات اللطيفة ومظاهر الإحترام الرفيع قال بأسلوبه المهذب :

-   هل تتكرم بمرافقتي إلى مكتب سعادة السفير فإنه بانتظارك .

-   إنه من دواعي سروري ، بكل امتنان وترحيب ، هيا انطلق أمامي وأنا جندي خلفك .

قدمني السيد نائل إلى سعادة السفير الذي هبّ واقفا من خلف مكتبه وأقبل نحوي يصافحني ، ثم أشار إلي بالجلوس على كرسي وثير على يمين المكتب ، وأصرّ أن يجلس على كرسي آخر مقابله لنكن وجها لوجه ، تاركا مكان كرسيه الفخم الوتدي الدوار خلف مكتبه فارغا ، وبعد أن استأذن السيد نائل وطلب لي سعادة السفير القهوة .

-   أنا  سعيد بمقابلتك يا سيدي .

-   بل إني أنا المحظوظ  والأسعد بمقابلتك يا سعادة السفير.

-   بلغني السيد نائل أنك تودّ المشاركة  في الانتخابات .

-   لقد أغراني الإعلان الذي قرأته في الجريدة يا سعادة السفير وإن لم أأ خذه على محمل الجدّ تماما ، ولكن بعد حضوري للسفارة وما رأيت بها من من مظاهر جديدة ، واحترام وتقدير للمواطن وأدب ولطف في التعامل أخجلني ، رأيت أن المشاركة في مثل هذه الإنتخابات الديموفراطية بحرية كاملة ، واجبا لازما محتّما عليّ هذه المرة ، علما بأني لم أشارك في الانتخابات السابقة . 

-   هذا هو عين الصواب  ، وهذا ما كان يجب أن يحصل منذ أمد بعيد ، لقد أدرك سيادة الرئيس بنظرته البعيدة  الثاقبة ذلك ، بأن الطريق الأفضل لتعمل الموالاة والمعارضة معا  لخدمة الوطن هو الإنتخاب الحر والإختيار النزيه لممثلي الجمهورية في مجلس الشعب ، حتى يستفيد الوطن  من كفاءات الجميع وخبراتهم ، فلعل الرأي السديد يكون من هذا الخط ، والإقتراح الوجيه يكون من ذاك الطيف ، والخطة المحكمة تكون من تلك الكتلة ، فتتعانق الرؤى والخطط والإقتراحات بين الجميع ، وتتناقح الأفكار بين مختلف التيارات والكتل والتوجهات ، ليخرج الجميع بأفكار ملهمة سديدة ، وخطط واعية رشيدة ، تنعكس بالخير والفائدة على أبناء الوطن بأجمعه .

-   إنه الحكمة والرأي السديد يا سعادة السفير ، فبهذا تجتمع خبرات الوطن وكوادره ، وتتحد الكفاءات والإمكانيات في بناء الوطن الحديث ، ويعمل الجميع بيد واحدة وقلب واحد وتوجه واحد إلى هدف مشترك  من جميع المواطنين ومختلف الأطياف  والكتل والتيارات ، للنهوض بهذا الوطن صعدا نحو الأمثل في جمهوريتنا الفاضلة المرتقبة ، لإحباط جميع مؤمرات الأعداء من خارج الوطن ، ضد مبادئه الثابتة وقيمه الأصيلة وشعبه المعطاء وترابه الطاهر .

أعاد سعادة السفير ترحيبه بي ثانية ، وبعد بسمة لطيفة قال :

-   سألتني عن رغبتك لتسجيل اسمك في قائمة الناخبين ؟

-   إن كان النظام الجديد في جمهوريتنا الفاضلة يسمح بذلك ؟

-   النظام الجديد ؟ ! ....  بالطبع  يسمح يا سيدي .

-   أقصد يسمح للانتخاب بحرية ونزاهة لمن أراه - أنا -  مناسبا لخدمة الوطن ! .

-   ابتسم مرة أخرى وهويقول : بالطبع يسمح يا سيدي .

-   أتفهم ما أقصده تماما يا سعادة السفير ؟

-   إني أفهم ما تقصده تماما يا سيدي .... إنك تستطيع انتخاب من تشاء من أصحابك ممن تراه مناسبا من المعارضة  بكامل حريتك واختيارك ! .

-   هذه خطوة إيجابية متقدمة يا سعادة السفير ، ولكنك تعلم تماما أن المشكلة لا تكمن في حرية الإختيار بقدر ما تكون في عملية الفرز النزيهة والشفافة .

-   لقد وضعت لجنة الإنتخابات العليا لا ئحة بذلك ، وضبطت هذه الأموربدقة وإحكام  لأنها اعتمدت ممثلين عن كل مرشح يحق لهم الحضور والإشراف على عملية الفرز ، كما سمحت برقابة دولية على  جميع مراكزالإنتخابات داخل القطر وخارجه  .     

-   هذه بشرى سعيدة يا سعادة السفير .

-   بل إني أطمئنك يا سيدي بأن  سلسلة البشائر السعيدة قد بدأت وسوف تستمر ، حتى تصبح جمهوريتنا الفاضلة  اسما حقيقيا على مسمى ، وفي طليعة دول العالم ، حرية وتقدما ومكانة وسيادة .

-   إته يوم المنى يا سعادة السفير .

-   قالها بعزم مشفوعة بثقة وإيمان : سيحصل هذا قريبا بإذن الله ....

-   سمع الله منك وحقق ذلك .... أنا جد مسرور بلقائكم وتشرفي بشرب القهوة بمعيتكم ومنحكم هذه  الدقائق السعيدة من وقتكم الثمين لهذه المقابلة المثمرة إن شاء الله ، وأرجو أن تسمح لي بالإنصراف يا سيدي آملا ألاّ أكون قد أثقلت عليكم .

-   دخولك السفارة برجلك وإرادتك ....... ثم أطلق ضحكة لطيفة وهو يقول مداعبا : لكن خروجك من السفارة ..... !  

-   أجبت ملاطفا وأنا ابتسم .... كأننا تكلمنا من لحظات عن النظام الجديد ! ثم أضفت بجدية : استئذاني للإنصراف إنما هو حرصا على أشغالكم الكثيرة ومسؤلياتكم الكبيرة يا سعادة السفير.

-   وهذه المقابلة جزء هام من مشاغلى ومسؤلياتي تجاه الوطن وخدمة المواطنين يا سيدي ، ثم أردف إن حديثي لم ينته بعد معك يا سيدي إلا إذا كنت على عجل من أمرك فنكمل الحديث غدا .

-   بل إني طوع أمرك ورهن إشارتك  ما دام الأمر جزءا من مشاغلك ، فكلنا جنود ويد واحدة لخدمة الوطن .

-   لدي فكرة أريد طرحها عليك ويسرني معرفة رأيك ووجهة نظرك في الموضوع .

-   إني آذان صاغية .

-   أنا لا أطلب منك تسجيل اسمك  في قوائم المنتخبين فحسب بل إني أطلب منك أن تطمئن زملاءك من المعارضة ليسجلوا أسماءهم أيضا وتوضح لهم ما تكلمنا به .

-   حاضر يا سعادة السفير ، ولكن يا سعادة السفير مع إني على ثقة بك وموقن بكلامك ، ولكن لا بد من التأكد والتثبت من بعض الأمور لأتمكن من طمأنة  زملائي وتشجيعهم .

-   هذا من حقك ، ولكم كل ما تطلبونه  للتأكد والإطمئنان ، ولكن حقيقة ليس هذا ما أردته منك فحسب .. ... وإنما أردت أن أعرض عليك مناقشة الأمر بين زملائك لا للتسجيل فقط بل لاختيار مرشح كفوء من بينكم  ذي رأي سديد وتفكير حر ، تلتقون عليه وتلتفون حوله ويمثل رأيكم ، وحقيقة وبلا مجاملة فإني إقترح أن تسجل اسمك في قائمة المرشحين أو ما تراه من أحد زملائك – إن كنت زاهدا بذلك – ليمثل تجمعكم ويوصل صوتكم ويدعم توجهكم ويوضح أفكاركم ورؤاكم  ويقرب المسافة بيننا وبينكم ، لما لمست وسمعت وقرأت عنك  وعن بعض زملائك ، وأعجبتت بثقافتك الواسعة ، وأفكارك النيرة ، ومبادئك الوطنية  و....... وإننا بحاجة لأمثالكم من النخبة أصحاب الرأي والفكر لنشترك جميعا في خدمة الوطن  ونرفع ......

صحوت على وكزة ثقيلة في كتفي ، فتحت عيناي بتثاقل والنعاس ما زال يغالبني ، لتقرع كلمات سمير أذني بصوته المجلجل : " كدت أن أكسر الباب ولم تصح  وأنت تغط في نوم عميق ، كأنك كنت تغطس في سابع نومة كقتيل ! .... لعلك كنت متعبا ..... أو تناولت عشاء ثقيلا. "

أجبته وأنا أحاول الابتسام : أو لعنللي قد جمعت بين الأمرين ، ولكنك قطعت علي حلما جميلا .

-   خيرا إن شاء الله ........ بشّر !

التفت إلى الجريدة المرمية على الطاولة بجانب السرير وأنا أشير إلى إعلان الانتخابات دون أن أنبس ببنت شفة .

قال مستغربا : أبهذا كنت تحلم  ؟ !  فأومأت برأسي صامتا .

قهقه مستهزئا بصوت عال يسخر مني وهو يقول : هل علمت أن سفارتنا الفاضلة لا تجدد الجواز إلا بشروط قاسية وابتزاز مالي وأمني ....... و....

حلمت بأن سفير دولتنا الفاضلة يشجعني على المشاركة الفاعلة في الانتخابات ، ويدعو زملاءنا من المعارضة إلى ذلك ، ويطمئنهم على حرية الرأي والإختيار ، وشفافية الفرز النزيه  لأصوات الناخبين ، كما أنه دعاني ، لا بل حثّني لاختيار مرشح من زملائنا في المعارضة من المغتربين في هذا البلد لمقعد نيابي في مجلس الشعب .

عن أية انتخابات ... وحرية .... ونزاهة .... وترشيح من المعارضة  تتكلم يا ولدي ! إستيقظ ... إصح  من نومك وأفق من حلمك ، فنحن مازلنا في جمهورية عربستان المستبدة " لا أريكم إلا ما أرى ولا أهديكم إلا طريق الرشاد "   .    

-   ولكني سأذهب غدا للسفارة وأطالب بتجديد جوازي وأسجل اسمي في قائمة الانتخابات .

-  قال بسخرية مرّة : إنهم ليسوا بحاجة إلى صوتك لانتخاب أعضاء مجلس الشعب  ممن صوتوا على مرسوم يقضي بإعدام كل من ينتمي إلى حزب سياسي معارض ، أو كأنك لا تعلم شيئا عن مصادرة الرأي ، وخنق الحرية ، وانتهاكات حقوق الإنسان ،  بسبب الإعتقالات المستمرة ، والتحقيق والتهديد والوعيد ..... والتعذيب والتنكيل ... بل  وما هو أشد من ذلك وأدهى .

-   لعلّ هناك إصلاحات جديدة ... أوتوجها جديدا وتعليمات جديدة ، فالأمور لا تدوم على حالها أبدا وكما يقول القائل : " الصلحة ..... بلمحة " .

أضاف أخيرا وقد طفح به الكيل معقبا على كلامي : لعلك قد نسيت قصة زميلنا سامي ، أو تناسيت قصص غيره وأمثاله الكثير عن ممارسات الإستبداد والتخلف في هذه الدولة ، والتي يمكن أن يتغير فيها كل شيء حتى الحجر والجماد إلا أفكار حكامها الرجعية ونهجها القمعي وسياستها الاستبدادية ......... ثم ختم حديثه ساخرا : أنصحك بأن تكمل نومك فلعلك تضم صوتك إلى صوت السفبر لتنتخبني نائبا في مجلس الشعب المحترم  في نومك وأنت تحلم ! .

جذبت اللحاف نحوي وأنا أودعه مغمضا عيناي ، وأقول بهدوء وارتخاء والنوم يشدني نحوه  بقوة مائة حصان : أعدك بأني سأحاول .

صفق الباب خلفه بشدة وهو يردد : أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين .