الإسلام .. والمسلمون .. و" المؤسسة الدينية "

يجري على ألسنة بعض أهل الفضل وأصحاب الفكر في هذا العصر مصطلح " المؤسسة الدينية " ...مصطلح ما قرأناه وما سمعنا بها في تاريخ الإسلام ولا في عصور المسلمين.

ونحن المسلمين فيما قرأنا وعلمنا لم يكن لنا ، ولا نريد أن يكون ، مؤسسة دينية تصادر ديننا ، وتفتئت بالباطل علينا كما كان شأن الأحبار والرهبان. وكان خيار علمائنا عبر التاريخ أنهم لا يطؤون لصاحب السلطان بساطا . وقال الخليفة للعالم وبعد أن استحضره ليكرمه : سلني !! قال العالم أسألك أن لا ترسل إليّ حتى آتيك ..!!! يعني أن لا ترسل إليّ أبدا ، فما أنا وأنت بالصحاب.

رجال رغبوا عن رؤية صاحب السلطان . وتورعوا عن عطائه، وعاشوا في أخصاص وأكواخ، يستفون الخبز المدقوق، أو يبلون الرغيف اليابس بدجلة أو الفرات ..

ليس عندنا في تاريخ الإسلام مؤسسة دينية ولا نريد لنا في حاضره أن يكون، ولا كهنوت ، ولا إكليروس ...لا شماس ولا خوري ولا راهب ولا كاردينال ولا مطران ولا بابا ولا ماما ..

فيما حفظنا أن رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره ، وهو أحب إلينا ، ونحن أسمع وأطوع له من كل من وقف بباب سلطان ...هو أحن علينا ونحن أحفى به ، وأطوع له ..

إمامنا الإمام الأعظم أبو حنيفة ضرب على القضاء حتى مات فأبى ..

إمامنا إمام دار الهجرة مالك بن أنس الأصبحي ضُرب على فتوى وسُخّم وجهه، وطيف به في المدينة على حمار، وهو يقول إرغاما لأنف أبي جعفر المنصور : طلاق المكره لا يقع ..

إمامنا الإمام محمد بن إدريس الشافعي المطلبي ، خرج من العراق إلى مصر، ينأى بدينه وبعلمه من فتك السلطان ..

إمامنا الإمام أحمد بن حنبل ناصر السنة وقامع البدعة ، ضرب وسجن وعذب . وهو يقول " القرآن كلام الله غير مخلوق "

هؤلاء أئمتنا أئمة الهدى الأعلام الأربعة المتبوعون ، ومن لم يكن على شاكلتهم فلا يتبع ..وقد نقول وأين سلاطين زمانهم ، من أوغاد عصر نعيش فيه!!

كانت الكنيسة "مؤسسة" وكانت تصارع أو تضارع الملوك، تتوجهم وتحرمهم. والعالم عندنا بعلمه بورعه بتقواه ببعده عن مواطن الشبهة، وليس بجبته ولا بعمامته ولا بقربه من صاحب السلطان ..بل كلما اقترب العالم من صاحب السلطان أكثر، كان موضعا للريبة والشك أكثر، وكانت الرغبة عنه أولى ، وكان حريا بنا حتى لو أفتانا في قضايا الطهارة، ونقض الوضوء أن نرغب عن قوله، ونغادره إلى اجتهاد أصحاب العلم من الناصحين. وما نصوا عليه في قواعد الاجتهاد : مخالفة أقوال أصحاب الأهواء والبدع أصل مكين. من أصول هذا الدين.

وكلما قال صاحب العلم قولا يوافق صاحب السلطان، فيجب أن نكون منه على حذر ، ونقلب فتواه على وجوهها ففيها السم ناقع. وصاحب السلطان عنده من السياط ما يغنيه ، إلا أن يكون لسان هذا الذي يستعمله سوطا على الدين والعرض.

لا تقولوا المؤسسة الدينية أبدا ...

الدين والإسلام ليس حكرا ..

والعلم حق لكل من اتقى و تعلم وطلب وجد وشمر واجتهد ثم اتقى وأحسن. وهؤلاء لا يؤهلهم معهد مهما علا، للقول في الإسلام ، ولا للتوقيع عن الله.

لا تقولوا المؤسسة الدينية. ولا نقابة أرباب الشعائر الدينية، ولا دار فتوى ، ولا وزارة أوقاف ، ولا جامعة أو كلية أو معهد .. ولا أزهر ولا زيتونة ..

والمسجد بالإنسان لا بالعمران ولا بالعنوان ..

فلا الأذان أذان في منارته ..إذا تعالى ولا الآذان آذن

جانب الذين يلابسون السلطان واتهمهم مهما زعموا ... ولاسيما إذا كان السلطان متسلطا يسوم الناس العسف، يحملهم على المنكر ويعاقبهم على المعروف..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 931