الشيخ الشهيد الدكتور أحمد ميرين سياد البلوشي

hgfjh1048.jpg

(1945 – 1995م)

   هو الشيخ الشهيد الدكتور أحمد ميرين سياد البلوشي الذي يعد من كبار الشخصيات الدينية والمذهبية المعاصرة لأهل السنة والجماعة في بلوشستان في إيران. وهو أحد قادة جماعة الدعوة والإصلاح التي تمثل فكر جماعة الإخوان المسلمين في إيران.

   وللتعرف على زوايا حياة هذا العالم المحدث ينبغي أن نبدأ بجولة مختصرة من يوم ولادته الميمونة إلى اليوم الذي استشهد فيه على أيدي قوات النظام الإيراني.

المولد، والنشأة:

ولد الشيخ الدكتور الشهيد أحمد ميرين سياد البلوشي في سنة 1945م، في قرية "جنجك كاروان" التابعة لمديرية ميناء "شاهبهار" الواقعة على سواحل بحر عمان، لأجل ذلك لما أقبلت إليهم المشاكل المالية والمعيشية سافرت أسرته إلى سلطنة عمان حينما كان "أحمد" في الخامسة من عمره، ثم بعد سنتين من الإقامة في قرية "سيف" في عمان هاجروا إلى إقليم "السند" وأقاموا ثلاث سنوات في قرية من قرى السند، ثم في هجرة أخرى توجهوا إلى "كراتشي"، وقد بلغ "أحمد" من العمر عشر سنين آنذاك، وآثار النبوغ والذكاء والرغبة إلى العبادة بادية بجلاء على جبينه، وهي تحكي عن مستقبل مشرق له.

الدراسة، والتكوين:

   وبعد تعلم القرآن وبعض الكتب الابتدائية على الشيخ "عيسى محمودي"، بدأ دراسة العلوم الإسلامية في مدرسة "باغيجه" بكراتشي، ثم رجع بعد إقامته أربع سنوات في كراتشي إلى قريته "كاروان"، ودرس عدداً من كتب الفقه على خاله "ملا شكري"، وبقي هناك نحو أربع سنوات.

الوظائف، والمسؤوليات:

   دفعت الأوضاع المعيشية الصعبة الدكتور الشهيد إلى أن يبدأ جولة جديدة من الأسفار، فسافر في هذه المرة إلى الدوحة في قطر، وتولى إمامة مسجد فيها.

وبعد سنتين بمساعدة شيخ المسجد الذي كان رجلاً معروفاً توجه إلى المدينة المنورة لمتابعة دراساته الشرعية والإسلامية.

   ولما انتهى من دراسة المعهد، التحق بكلية الحديث في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ولما انتهى من السنوات الأربعة للدراسات التخصصية قدم بحثاً علمياً يشمل تحقيق، وتخريج أحاديث كتاب "خصائص علي بن أبي طالب رضي الله عنه" للنسائي.

   وحصل على البكالوريا، وواصل دراسته بعد أداء امتحان صعب في تلك الجامعة، وفي النهاية استطاع أن يأخذ دكتوراه في الحديث الشريف بدرجة الامتياز بتقديم بحث آخر، وبتخريج أحاديث كتاب "المعجم لابن العربي".

   ينبغي أن نذكر أن الأستاذ من أجل تحقيق وتخريج الكتاب المذكور ولمعرفة أسانيد بعض الأحاديث وأحوال الرجال سافر إلى مكتبات العالم الإسلامي الكبيرة في إستانبول، ومصر، وديوبند، ولكهنو في الهند.

   ثم عاد الدكتور أحمد بعد قضاء عشرين سنة في دراسة العلوم الشرعية تاركاً أفضل المناصب المنتهزة المتاحة له في السعودية، والإمارات للاشتغال، فرجع إلى بلاده سنة 1985م، يحمل في جوانحه شعوراً بالمسئولية وفي صدره قلباً ممتلئاً بالأحاديث النبوية الشريفة، وأسس في قريته التي كانت فاقدة أدنى إمكانيات العيش من الماء والكهرباء والطريق، مدرسة سماها "معهد دار السنة" وجامعاً لإقامة الجمعة.

   وما إن مضت سنتان من عودته إلى إيران حيث قامت الحكومة باعتقاله سنة 1988م في طهران، ثم نقل إلى سجن "اوين".

   وفي السجن انتهز الدكتور أحمد هذه الفرصة، فحفظ القرآن الكريم في السجن، وكذلك القسم الخاص بالعلماء في السجن أتاح له فرصة مطالعة مصادر الشيعة، ومنابعهم في الحديث، وحصل على معلومات كافية بالنسبة إلى مذهب الشيعة.

   قضى الشهور الأولى والابتدائية في زنزانة انفرادية تحت مراقبات خاصة، ورأى أثناء هذه الحالة في المنام أن شخصاً دخل عليه بمنظر رائع حسن: (وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلاً)، و(لقد كذب رسل من قبلك) (إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور...). يقول الدكتور كنت مضطرباً قلقاً قبل هذا المنام واطمأننت بعده.

إطلاق سراح الشيخ:

   ثم أطلق سراح الشيخ أحمد ميرين سياد البلوشي بعد خمس سنوات صعبة في السجن في سنة 1992م، فواصل نشاطاته في مدرسته التي أسسها، وذاع صيته في أنحاء إيران، فتوافد عليه الطلبة، وأهل العلم أكثر من الماضي بعد خروجه من السجن.

أخلاقه، وصفاته:

   ومما يمتاز به الدكتور أحمد في حياته هو الالتزام الكامل بسيرة النبي عليه الصلاة والسلام، والبساطة في المعيشة، وعدم التكلف في المأكل والملبس، وعدم الإكثار في الكلام.

   ولم يكن يبدأ بالحديث ما لم يسأل عن شيء، وكان جوابه بعبارات واضحة مختصرة.

   ولم يكن يسمح لأحد أن يقبل يده أو يقوم استقبالاً له.

   ومن خصائصه أيضاً عدم الاستعانة بالآخرين في حاجاته.

كان يأكل من كد يمينه، فيعمل في حديقة لأجل نفقات أهله، ويساعدهم في وظائفهم المنزلية.

   وفي إحدى المرات قدم أناس من منطقة بعيدة لزيارة الدكتور – رحمه الله-، فعلموا أنه غير موجود في البيت، فتوجهوا نحو الحديقة، فوجدوا شخصاً كهلاً يعمل، فسألوه أين الدكتور أحمد؟ فأجاب أنا أحمد، فتعجبوا حينما رأوه في تلك الحالة البسيطة؟

   لم يسمع أحد من لسانه كلاماً مسيئاً، وكان يحسن ذكر من كان مختلفاً معه في بعض المسائل.

وكان قد تعود أن يصوم الإثنين والخميس دائماً.

حنين إلى الشهادة:

اعتبر أقارب الدكتور أحمد ميرين سياد وعشيرته العودة من السجن حياة جديدة له، واقترحوا عليه مغادرة إيران إلى إحدی دول الخليج، ولكن فضيلته أنكر هذا الاقتراح بكل قوة قائلاً في جوابهم: «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا».

ثم سافر الدكتور إلى الإمارات إثر طلب بعض أقربائه إلى "دبي"، ثم ترك "دبي" متوجهاً إلى "بندرعباس" على متن الطائرة بعد إقامته خمسين يوماً في دبي، في الوقت الذي أرسلت سلسلة الاغتيالات في إيران كثيراً من الرجال السياسيين واحداً تلو الآخر بأساليب مشبوهة وعنيفة إلى حظيرة الموت.

   يحكي أحد أقربائه المنتظرين في مطار "بندر عباس": «رأيت الدكتور أحمد يجيء متكلماً مع شخصين آخرين، فلما اقتربت من الدكتور، وسلمت عليه قال لي الرجلان متبسمين تبسما كاذباً: إبق أنت هنا منتظراً، فنحن نرجع بعد لحظات. وذهبوا بالدكتور معهم»

   تبدلت هذه اللحظات إلى ثلاثة أيام، ولا يدري أحد أين هو، وفي اليوم الثالث اتصل الأستاذ الشهيد بأحد أصدقائه في مدينة تشابهار، وكذلك في مدينة جاسك، ويخبرهم بعد التحية والترحيب أنه سيأتي اليوم.

   ولما سئل أين أنت؟ قطع الاتصال دون أن يكمل الجواب في ذكر العنوان.

واستمر هكذا إلى أن وجد جسده الشريف في مدينة "ميناب" بقرب دوار تتحرك منه سيارات مدينة جاسك عادة.

   انتشر خبر استشهاد الدكتور أحمد ميرين سياد البلوشي من وكالات الأنباء الرسمية والمعتبرة في العالم، وأثار موجة من الغضب والتوتر والاضطراب بين المجتمع السني الإيراني وعشيرة الشيخ وأهل بيته وطلبة مدرسة "دار السنة"، وتجمع كثير من أحبته وتلامذته متحيرين حول بيته مفرغين ما في عيونهم من الدموع على عالم محدث أحبوه، وما فرحوا ببقائه ولقائه بين أظهرهم.

   دفن العالم الدكتور الشهيد بعد تكبد مصائب ومشاق عديدة في سبيل الدعوة الإسلامية ليلة الجمعة، الثاني عشر من رمضان سنة 1995م، صائماً، وبقلب مليئ بأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، في مسقط رأسه قرية جنجك في إيران.

رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.

المصادر:

  • موقع السنة في بلوشستان في إيران.
  • مواقع الكترونية أخرى.

وسوم: العدد 1048