التقصير في أداء واجب المراقبة في الامتحانات جرم في حق الناشئة المتعلمة

التقصير في أداء واجب المراقبة في الامتحانات جرم في حق الناشئة المتعلمة وفي حق منظومتنا التربوية وفي حق الوطن

 بينما أنا في أحد المتاجر لاقتناء بعض الحاجيات، دخل علينا أحد الأطفال وهو في غاية الفرح والابتهاج، فسأله أحدهم أظن أنه والده أو ولي أمره على ما يبدو عن كيف مرّ الامتحان وكيف كانت أسئلته ومطالبه  ، فبادر الطفل ببراءة الطفولة : " ورّاوّنا  كل شيء " أي أطلعنا المراقبون على الأجوبة  ثم استرسل قائلا : " لقد أملى علي أحدهم موضوع الإنشاء كاملا " ، فأظهر الوالد بشاشة وسرورا وارتياحا  ، ولم يخجل من ذلك .وسألت الطفل عن الامتحان الذي اجتازه ، فأجاب والده نيابة عنه : " امتحان الشهادة الابتدائية " وليته وقف عند هذا الحد ولم يخض معي في الحديث عن نفسه حين كان في عمر ولده واجتاز هذا الامتحان، فلم يفز فيه إلا بعد المحاولة الثالثة ، وهو يثني على قيمة تلك الشهادة في زمانه معترفا ضمنيا بأنها قد فقدت اليوم قيمتها دون أن يشعر بأنه مساهم في ذلك بما أظهر من ارتياح لإخلال من كلفوا بمراقبة ابنه  بأداء واجبهم بل سر لذلك غاية السرور ، ولم يعتبره جرما في حق ابنه الذي رضي له أن ينشأ على الغش وهو مقبل على مشوار تعليمي طويل تنتظره خلاله  عدة امتحانات إشهادية  لا يدري كيف سيكون موقفه منها وقد اجتاز الأول منها بطريقة لم يكن يتوقعها ؟ ولا شك أنه قد ترسخ لديه أن آخرها  سيكون كأولها ،وأن ما بينهما لن يكون مختلفا عنهما .

وكان الطفل ضحية الاخلال بواجب المراقبة يتحدث عن من كانوا يراقبونه باستخفاف وسخرية لأنه قد ينتظر منهم أن يكونوا مراقبين بالمعنى الصحيح لكنهم مع شديد الأسف والحسرة عطلوا ضميرهم المهني ، وأقدموا عن سبق إصرار على جرم متعمد  في  حق الناشئة المتعلمة . ولا شك أنهم تحدثوا فيما بينهم  أو مع معارفهم عما اقترفوا باستخفاف وسخرية  دون تأنيب الضمير أو الخوف من القدير .

إنه التدمير الممنهج لمنظومتنا التربوية الذي ينطلق مع شديد الأسف والحسرة ممن أوكلت إليهم مسؤولية حراستها وصيانتها  وذلك بمساهمة الآباء  وأولياء الأمور الذين  يصرح لهم أبناؤهم بما يسود الامتحانات من تسيب لكنهم لا يحركون ساكنا ، بل يرتاحون لذلك دون وخز ضمير .

وانصرفت من المتجر وأنا أتساءل : ماذا لو قصد هذا الأب المديرية الإقليمية أو الأكاديمية الجهوية مصحوبا بابنه ليدلي بشهادته أمام المسؤولين عن ذبح المنظومة التربوية من خلال الاخلال بواجب مقدس وهو جرم في حقها، وفي حق الناشئة المتعلمة ، وفي حق هذا الوطن الذي يراهن على رأسماله البشري  وهو الناشئة المتعلمة كي ينهض به ، ويلحقه بركب أوطان متقدمة  نهض بها أبناؤها ؟

إننا كلنا نتباكى على انهيار منظومتنا التربوية إلا أن الجميع يساهم في هذا الانهيار ، وأقلنا مساهمة في ذلك الساكت على انهيارها وخرابها ، والمقصر في واجب الدفاع عنها وهو فريضة شرعية تندرج ضمن النهي عن المنكر . وأي منكر أقبح من تدمير المنظومة التربوية وهي سفينة نجاة تعبر بنا بحر الجهل والتخلف المتلاطم الموج والمهلك؟

إن الآباء وأولياء الأمور الذين يرضون لفلذات أكبادهم نجاحا غير مستحق  على غرار ما رضيه هذا الأب لابنه هم أول من يجرم في حقهم قبل غيرهم .

وكلمة أخيرة نقولها لمن عطلوا ضميرهم المهني ، وساهموا في إشاعة التسيب في الامتحانات  من خلال الاخلال بواجب المراقبة على الوجه الواجب في قاعات الامتحانات إنكم قد أساءتم بذلك إلى أنفسكم أولا ، ثم إلى الناشئة المتعلمة ثانيا ثم إلى المنظومة التربوية ، وأخيرا إلى وطنكم  الذي احتضنكم احتضان أب أو أم ،فهل أنتم منتهون ؟

 ونقول لمن قاموا بواجبهم على الوجه المطلوب ،واصلوا رباطكم  في الدفاع عن هذه  المنظومة التربوية  التي يتهددها الانهيار والخراب ، وعن الناشئة المتعلمة  التي يتهددها الضياع ، وعن وطنكم  الذي يتهدده التخلف عن الركب الحضاري ، وإن رباطكم لا يختلف عن رباط  من  يرابطون على حدوده ، ويحمون حوزته . وإن خطورة الجهل ،والغش، والتهاون ،والكسل لا تقل خطورة عما يستهدف أمنه واستقراره . 

وسوم: العدد 935